المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أعزائي المشاهدين والمشاهدات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نُرحب بكم في لقاءٍ جديدٍ يتجدد معكم مع برنامج "أُسس التربية" مع سعادة الدكتور خالد بن أحمد السعدي.
نُرحب بكم وبسعادة الدكتور.
الضيف: حياكم الله أستاذ أنور، ومرحبًا بكم وبالجميع.
المحاور: أيها الإخوة المشاهدين والمشاهدات، اليوم حلقتنا منكم وإليكم، وهي عبارةٌ عن أسئلة الإخوة والأخوات المُتابعين لنا خلال الفترة الماضية في برنامج "أسس التربية"، فقد كانت هناك بعض الأسئلة التي رأى الإخوة في إعداد البرنامج أن تكون لها حلقةٌ مُنفردةٌ؛ حتى تُشْبَع وتُعْطَى حقَّها من الإجابة والنقاش.
وأرجو أن تكون هذه الأسئلة محل اهتمامكم، وأيضًا ألا تنقطعوا عنا بالتواصل في قضية تزويدنا بأسئلتكم واستفساراتكم ومُداخلاتكم في الحلقات القادمة -بإذن الله - وفي هذه الحلقة أيضًا.
سعادة الدكتور، لعلنا نبدأ بأسئلة المشاهدين والمتابعين، فهناك عددٌ كبيرٌ من الأسئلة، وقد اختار الإخوة بعضًا منها في هذه الحلقة، ولعله -إن شاء الله- يتيسر في حلقاتٍ قادمةٍ أيضًا عرض مجموعاتٍ أخرى من الأسئلة.
نعمة الزوجة الصالحة
السؤال الأول: هذا السائل رمز إلى اسمه بـ(cr) يقول: إذا أراد الشاب أن يُنْعَم عليه بزوجةٍ صالحةٍ فما الواجب عليه؟
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وأُصلي وأُسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد:
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزِدْنا علمًا، اللهم آمين.
أكرم بها من نعمةٍ أن يُنْعم الله على الشاب بزوجةٍ صالحةٍ، وأُهنئ هذا الشاب السائل على هذه العناية والاهتمام بهذه القضية التي فيها خير الدنيا والآخرة.
أولًا: من الأسباب: الدعاء، فسبحان الله العظيم! حتى الكفار يلجؤون إلى الدعاء: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65]، فالإنسان تأتيه لحظاتٌ يجد فيها نفسه يلجأ إلى الله في الأمور الضاغطة عليه، ونتذكر قول الله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
فأنا أؤكد على الدعاء خاصةً في هذا الموضوع الذي له ما بعده، كيف ذلك؟
يعني: سعادة الدنيا كل واحدٍ ينشدها، وتتبعها السعادة في الآخرة، وحينما يُوفق الإنسان في الدنيا بالمرأة الصالحة فإن هذا يُعينه على الاستقامة: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
والمرأة الصالحة هي أكبر عونٍ على تربية الأجيال؛ ولذلك -أخي الكريم- أنا أقول: الدعاء، ثم الدعاء، ولنُري الله من أنفسنا اضطرارًا: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ.
ثم ما ندم مَن استشار الخالق، وشاور المخلوقين، وتثبَّت في أمره.
فهذا الموضوع كما أنه يستدعي العناية بأن نلتجئ إلى الله، وننكسر بين يديه -وهذا من أكبر الوسائل- فكذلك نحتاج إلى أن نستشير، ونحتاج إلى أن نختمه بالاستخارة، وخيرة الله ما سيُوفق إليه في اتخاذ القرار فيما يتعلق بهذا الزواج.
المحاور: الزواج بهذه المرأة.
الضيف: ولذلك لا تجد شخصًا يمكن أن يندم على شيءٍ استفرغ فيه وسعه في الدعاء والاستشارة والاستخارة.
المحاور: أبدًا.
الضيف: في الغالب يكون قراره -بإذن الله- مُوفَّقًا وناجحًا.
المحاور: ويطمئن للنتائج.
الضيف: بالضبط، فهو قد تثبَّت في أمره؛ ولهذا نقول: إن الموضوع يحتاج -أستاذي الكريم- إلى جمع معلوماتٍ أكثر، وأُؤكد على هذه النقطة.
المحاور: جمع معلوماتٍ حول ماذا؟
الضيف: المرأة المطلوبة.
المحاور: جميلٌ، المرأة التي أختارها، أو أُشير عليَّ بها.
الضيف: من جانب الاستشارات الأسرية والزواجية هناك معلوماتٌ منقوصةٌ عند البعض، يقول: تورطتُ، وما كنتُ أدري عن القضية الفلانية. ويحصل العكس أيضًا من المرأة تجاه الرجل؛ ولذلك لا بد من جمع المعلومات من أكثر من مصدرٍ، وأهم شيءٍ أن يكون مصدرًا آمنًا وعاقلًا وحكيمًا، يستطيع أن يتعامل مع القضية بطريقةٍ سليمةٍ.
المحاور: يعني: لا يكتفي بمصدرٍ واحدٍ؟
الضيف: أنا أرى ذلك وبقوةٍ.
المحاور: يعني: لا يكتفي بمصدرٍ واحدٍ؟
الضيف: نعم، لا يكتفي بمصدرٍ واحدٍ، يُعدد المصادر.
المحاور: من حيث القرابة، أو ماذا؟
الضيف: العقل والحكمة.
المحاور: وتقوى الله -مثلًا- ومخافته، والذين لا يظلمون.
الضيف: يعني: يستشير نساء من قريباتها، ويستشير رجالًا، فالنساء لهن نظرٌ، والرجال لهم نظرٌ ... إلى آخره، وينظر في كثيرٍ من المعلومات، وما شابه ذلك، وعدم التَّشدد في المواصفات والمثالية.
المحاور: الشكلية.
الضيف: الشكلية وغير الشكلية، يعني: نترك المثالية وطلب مواصفاتٍ عاليةٍ في جانب المال والجمال والدين.
نعم هذه أشياء مطلوبة: تُنْكَح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك[1]أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).، لكن يكون المستوى المطلوب ماذا؟
المحاور: عالٍ.
الضيف: نعم، فيحتاج الإنسان إلى أن يكون واقعيًّا، وليس مُتشددًا، ولا مُتساهلًا، لا يتساهل فتطغى عنده قضية الرغبة في الزواج على قضية المواصفات، ولا يكون مثاليًّا فتطغى قضية المواصفات على فرص الزواج المتاحة التي يمكن أن تكون.
المحاور: ويُرتب الأولويات.
الضيف: ويُرتب الأولويات بلا شكٍّ.
المحاور: إذا كان يريد المرأة الصالحة تكون الصفة رقم واحدٍ هي الدين ومخافة الله .
الضيف: بلا شكٍّ، وهذه من الأمور المهمة، وأسأل الله له التوفيق والإعانة.
والنبي يقول: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء[2]أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400)..
والتَّحري اليوم في هذا الجانب مهمٌّ، والمجتمع بأَمَسِّ الحاجة إليه.
ومع هذا نقول: نحن في المجتمعات الإسلامية في نعمةٍ، فالمجتمعات الغربية والمجتمعات الأخرى ضاعت فيها الفطرة والقيم والعِفة؛ ولذلك ينبغي أن نحافظ على هذه القضية.
وأنا يُعجبني أن مَن يسافر إلى تلك البلاد يأخذ معه زوجته؛ حتى يُحصن نفسه، والذي يُبْتَعَث ينبغي أن يتزوج قبل أن يُبْتَعَث؛ حتى يُحصن نفسه، فهذه من القضايا المهمة جدًّا، فكما تُحافظ على مالك حافظ على هويتك، وشخصيتك، وكيانك، وعلمك، وتخصُّصك.
المحاور: بالنسبة لموضوع اختيار الزوجة: طرأ على ذهني أنه يمكن -مثلًا- أن يصل لهذه المرأة عن طريق النساء: ماذا يريد منها ويحتاج في المستقبل؟ وما أهدافه في الحياة؟ وهل يرى أنها تتوافق مع أهدافه -مثلًا- أم لا؟ فهل هذا صوابٌ؟
الضيف: هناك ما يُسمى بالتجانس والتوافق فيما يتعلق بالقضايا الطبية والصحية، وهناك دعواتٌ الآن إلى التوافق فيما يتعلق بالجانب النفسي أيضًا، والجانب النفسي قياسه قد يكون أصعب من الجانب الصحي والطبي، لكنه مهمٌّ.
وهناك جانبٌ آخر مُؤثرٌ هو: معرفة نمط الشخصية في الرجل والمرأة، وقد أشرنا إلى هذا في لقاءاتنا عن أنماط الشخصية، فلو كانت امرأةٌ عندها النمط القيادي قوي، والرجل العكس، فكيف تكون الحياة؟
ولو كانت المرأة -مثلًا- ذات نمطٍ فنيٍّ وذوقيٍّ ضعيفٍ، ومن المفترض في المرأة أن يكون عندها هذا الجانب قويًّا، والرجل نمطه الذوقي قويٌّ؛ فتحصل مشكلةٌ!
المقصود: أننا نأخذ القضايا العقلية والنفسية والاجتماعية ونربطها بشيءٍ واقعيٍّ.
نعم قد تكون هناك أمورٌ معينةٌ: قبليةٌ، أو اجتماعيةٌ، أو أُسريةٌ، فتُراعى هذه الأمور، لكن أيضًا هناك قضايا معينة لا بد من مُراعاتها، منها: هذا النمط المُتعلق بالتوافق، وخاصةً إذا كان عندي أكثر من خيارٍ، ففي الجمال حين يكون عندي خيارٌ واحدٌ واثنان وثلاثةٌ، وأجمع معلوماتٍ حول الثلاثة، وأفعل ما يُسمى بقضية اختبار الخيار الأنسب الذي يكون في طريقة حلِّ المشكلات، واتِّخاذ القرارات، وما شابه ذلك.
المحاور: جميلٌ، الله يفتح عليك يا دكتور.
طيب، ننتقل إلى سؤالٍ آخر إذا كان هناك تعليقٌ أو شيءٌ.
التوازن في العلاقات
السؤال الثاني: هذا السائل رمز إلى اسمه بحرف (أ)، يقول: كيف يُوازن الوالدان بين علاقتهما ببعضهما وتربية الأبناء تربيةً صحيحةً، وبين أعبائهما وأعمالهما وهواياتهما وأمورهما الخاصة المُنفردة لكل واحدٍ منهما، وكل ذلك على الوجه الذي يُرضي الله تعالى؟
الضيف: نعم، بعض الأحبة لما تأتي التكاليف التربوية والزوجية -مثلًا- يشعر أنه لا يقدر: فإما أن يُربي عياله أو يهتم بزوجته، وهي إما أن تهتم بزوجها أو تُربي عيالها، وإما الوظيفة أو التربية؛ فلماذا نوجد هذا التصادم؟!
هذا التصادم أمرٌ غير سليمٍ، لكنه في نفس الوقت قد يرد عند البعض.
وتأمل حديث عبدالله بن بُسْر: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به. قال: لا يزال لسانك رَطْبًا من ذكر الله[3]أخرجه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7700).، وهو لم يطلب التخلص من التكاليف.
ولذلك هناك قاعدةٌ هي: الإعمال لا الإهمال، وهي قاعدةٌ مهمةٌ جدًّا، وتعني: أن الأصل أن العلاقة بين الزوجين مطلوبةٌ، وحفظ الحقوق بين الزوجين واجبٌ، والتواصل بين الزوجين مطلوبٌ، وتربية الآباء للأبناء مطلوبةٌ ... إلى آخره.
طيب، هذه كلها مطلوبةٌ، فنعملها أو نُهمل بعضها على حساب بعضٍ؟
المحاور: لا، نعمل بها جميعًا.
الضيف: طيب، جاءت ظروفٌ وكانت نسبة الإعمال أقلَّ من طرفٍ آخر، فهل هذا واردٌ أو غير واردٍ؟
المحاور: واردٌ.
الضيف: لذلك أقول: لا بد من قضية سؤال الله العون، كما قال النبي لهذا الرجل الذي قال له: إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ. فقال له: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله تعالى، حتى إن ابن القيم في "الوابل الصيب" استنبط من هذا الحديث: أن الذِّكر يُعطي الإنسان قوةً، وكما جاء في حديث علي بن أبي طالب وفاطمة في ماذا؟
المحاور: في الأذكار.
الضيف: في الأذكار، حيث إن فاطمة -عليها السلام- شَكَتْ ما تلقى من أثر الرَّحى، فأتى النبيَّ سَبْيٌ، فانطلقت فلم تجده، ووجدتْ عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي أخبرته عائشةُ بمجيء فاطمة: فجاء النبي إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبتُ لأقوم فقال: على مكانكما، فقعد بيننا حتى وجدتُ برد قدميه على صدري، وقال: ألا أُعلمكما خيرًا مما سألتُماني؟ إذا أخذتُما مضاجعكما تُكبرا أربعًا وثلاثين، وتُسبحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادمٍ[4]أخرجه البخاري (3705)، ومسلم (2727)..
فلا بد أن نكون واقعيين، يعني: من الجميل أن تكون عندنا مثاليةٌ واقعيةٌ -يُسمونها: مثاليةً واقعيةً- لكن هناك أناسٌ عندهم مثاليةٌ غير واقعيةٍ، بمعنى آخر: هي تريد أن تُحْسن لزوجها، وهو يريد أن يُحْسن لزوجته، طيب، والأبناء؟
فلا بد أن نقوم بهذا وهذا، وأسأل الله العون، واعمل ما أمكنك أن تعمل: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
ولذلك -أستاذي الكريم- لا بد من التفكير بالوفرة لا بالنُّدرة، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
فهل الفكرة واضحةٌ هنا؟
المحاور: لا والله، ليست واضحةً.
الضيف: النُّدرة أن يقول لك: يستحيل أن أجمع بين هذه الأمور؛ لأن أمرها صعبٌ.
فلماذا -يا أخي- تُفكر في النُّدرة؟! فكِّر في الوَفْرَة، فعندك مجالاتٌ أخرى تفعلها، وعندك مجالٌ أن تجمع بين هذه الخطوط والمسارات، وعندك أُسَرٌ ناجحةٌ في هذه القضية.
المحاور: كنماذج.
الضيف: كنماذج، وأيضًا عندي وَفْرةٌ في: كيف أستطيع أن أجمع؟ فعندي وَفْرةٌ ومساراتٌ، وليس مسارًا وحيدًا، لا، عندي مساراتٌ عديدةٌ جدًّا، فمثلًا: أُهَيِّئ لأبنائي بيئة الأصدقاء، وأستاذًا ناجحًا، ومدرسةً ناجحةً، فهذه كلها من المجالات التي تُساعدني في تربية أبنائي إذا كنتُ مشغولًا.
وتجد بعض الآباء ربما يُمضي مع أبنائه وقتًا طيبًا، وهو مشكورٌ عليه، وهذا يمكن أن يُقال عنه: إن عنده مشروعًا تربويًّا، أما الأب الآخر فهو مشغولٌ، لكن لا بد أيضًا أن يكون له دورٌ، ولا يترك الابن، بل يربطه بمُرَبٍّ آخر ناجحٍ في المدرسة أو المركز أو الحي، وينظر لبرنامجٍ معينٍ، أو ينظر لأكاديميةٍ في (الإنترنت) فيربط الابن بها؛ حتى يستطيع أن يستفيد من هذا الأمر المُؤثر.
فهذه الآن وَفْرَةٌ أم نُدْرَةٌ؟
المحاور: وَفْرةٌ.
الضيف: وَفْرةٌ: مساراتٌ ومجالاتٌ كثيرةٌ موجودةٌ.
المحاور: يعني: نبحث عن السُّبل المُمكنة، ولا نقف عند الأشياء المُتعسرة.
الضيف: بالضبط، ثم ماذا نفعل؟
يقول النبي : احرص على ما ينفعك[5]أخرجه مسلم (2664).، ما معنى هذا الكلام؟
نُنجز المهمة الحالية، فالمهمة الحالية الآن أنَّ ابني يحتاج إلى دراسةٍ ومُتابعةٍ في هذه القضية، ويحتاج إلى تعويدٍ على الصلاة، فلا نشغل أنفسنا بماضٍ انتهى، ولا بمُستقبلٍ نخاف منه، فنكون في اللحظة الحاضرة.
والله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، ماذا نستفيد من هذا؟
أن مَن جدَّ وجد، ومَن زرع حصد، فأي نبتةٍ تستطيع أن تُنتج فيها وتجتهد فيها فإن الله سيُوفقك إلى ذلك، فهل في الحياة فرصٌ؟
المحاور: بالتأكيد.
الضيف: وهل لا بد من استغلالٍ لهذه الفرص أو لا يا أستاذي؟
المحاور: لا بد.
الضيف: فأقول: إن من أعظم الأشياء التي تُساعد في هذا الجانب: البحث عن الفرص التي تُساعد في تعميق التربية، واختصار الوقت، ومُراعاة الظروف وما يتعلق بها.
وأُعطيك مثالًا: الآن بعض الأُسر عندها سائقون، وغالبًا أن الأبناء سيكون احتكاكهم بالسائقين في الذهاب والإياب أكثر من الآباء.
وأعرف شخصًا مشغولًا جدًّا، ومعه سائقٌ، لكنه يقول له: ارتَحْ أنت. ويذهب بالأولاد صباحًا إلى المدرسة بنفسه، ويقول: من أفضل أوقاتي حين أكون مع أبنائي وأُوصلهم إلى المدرسة صباحًا في نصف ساعةٍ.
يقول: هذه من أجمل أيام حياتي وأوقاتي، فيتناقش مع أبنائه، ويتحاور معهم، ويُلاطفهم، ويُداعبهم؛ لأنه عنده وظيفةٌ، ويتأخر في الوظيفة، وعنده ارتباطٌ وأشياء عدَّة، فهذه فرصةٌ لماذا نُضيعها على أنفسنا؟
وإذا كنتُ ذاهبًا معهم إلى الجمعة، فلماذا لا أستغلّ هذا الوقت؟ أو كنتُ ذاهبًا معهم في سفرٍ، فلماذا لا أستثمر هذا السفر وما يتعلق به؟
أخيرًا أستاذي نقول لهذا السائل أو لهذه السائلة: مما يُساعد في التوازن: أن تُحدد لكل حقٍّ وقتًا معينًا، وأعرف نماذج تُبْهِر، مع أنني مُقصرٌ في هذا الجانب، لكن هناك نماذج جميلةٌ.
أذكر أحد الآباء -وهو شخصٌ موظفٌ في (أرامكو) ومسؤولٌ فيها- حضر لي دورةً، وكان هناك حوارٌ بين الآباء والأبناء، وإذا به -ما شاء الله! تبارك الله!- يُلزم نفسه بساعةٍ يوميًّا في التواصل مع أبنائه جماعيًّا أو فرديًّا.
إذن نقول هنا: حدِّد الوقت لهذا وذاك؛ حدِّد وقتًا لزوجتك، وهي تُحدد وقتًا لزوجها، وحدِّدوا وقتًا لأبنائكم.
وأعرف أحد الأشخاص قال لي: أُفطر مع أولادي صباحًا بشكلٍ يوميٍّ، ويوميًّا بين المغرب والعشاء أجلس معهم.
يقول: أبناؤنا أحقُّ بنا من غيرهم، فنحن نُعطي أوقاتنا لغيرنا، ونُعطي الوظيفة كذلك الوقت اللازم -وهذا حقٌّ-، لكن أبناءنا أحقّ بأن نُعطيهم من أوقاتنا؛ ولذلك لا ينبغي أن نُحدث صراعًا بين هذه الواجبات والأدوار والمسؤوليات.
المحاور: يعني: لا تجعل من اللامشكلة مشكلةً.
الضيف: بالضبط، كأن هناك قضيةً نِدِّيةً، والقضية -كما قلنا- إعمالٌ لا إهمال.
المحاور: وهي نظام حياةٍ تكامُليةٍ.
الضيف: تكامُلية، والعلاقة الإيجابية بالأبناء ستُساعد في علاقة الزوج بزوجته؛ لأن علاقة الزوج بزوجته المُفترض أن يكون لها أثرٌ على الأبناء.
المحاور: يا دكتور، بعض الناس يقول: لماذا أحرم نفسي من أجل الأسرة وأبنائي؟
طيب، بعض الأشياء طبيعيةٌ، ولا بد أن تُعطي لنفسك حقَّها: ولنفسك عليك حقًّا[6]أخرجه البخاري (1968).، فلا تقل: حرمتُ نفسي من أجلكم، وأنا فعلتُ من أجلكم!
الضيف: الإشكالية في هذه القضايا هي طريقة التفكير، يعني: أن مستويات التفكير عندنا ليست مُنضبطةً، فلا نعرف حلَّ المشكلات، وعندنا أسود وأبيض فقط؛ ولذلك تجد أننا نُحدث صراعًا بين الأمور، وليس بينها في الحقيقة صراعٌ، حتى في العلاقات، والنبي يقول: لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا، رَضِيَ منها آخر، أو قال: غيره[7]أخرجه مسلم (1469)..
فنحن الآن حصل لدينا الكُرْه، وحصلت المشكلة، وقامت الدنيا ولم تقعد، وربما الجوانب السلبية نسبتها 5%، أو 2%، أو 1%.
طيب، أين البقية يا شيخ؟!
فطريقة التفكير مشكلةٌ.
وأيضًا لا بد من استشارة أهل الخبرة، وتعلم دوراتٍ تدريبيةٍ، وشيءٍ من هذا القبيل.
وأحيانًا يُحدثني بعض مَن استفاد من هذه الدورات فيقول: بكلمةٍ واحدةٍ، أو تجربةٍ واحدةٍ تغير مسار حياتي.
فهذه من القضايا التي أرى أنها مهمةٌ جدًّا، فنحتاج أن نُحدد وقتًا لكل واجبٍ، فلا يصلح أن يكون للوظيفة وقتٌ، والارتباطات الأخرى خارج الأسرة لها وقتٌ، بينما الأسرة ليس لها وقتٌ!
المحاور: يعني: تنظيم الوقت.
الضيف: تنظيم الوقت، وتحديد وقتٍ لازمٍ لكل حقٍّ.
المحاور: واجبٌ.
الضيف: واجبٌ: في المغرب عندي كذا، وفي اليوم الفلاني عندي كذا.
وأعرف أحد الأطباء من بعد الظهر يوم الجمعة إلى المغرب أو العشاء يقرأ كتبًا، وهذا جزءٌ من برنامجه، وكان يقول لي في ذلك الوقت: أنجزنا كل كتب الشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر، قرأها مع أهله ومحارمه وعياله وأبنائه، وكانوا في التفسير يقرؤون تفسير ابن سعدي، وكان يقول: وصلنا إلى سورة الأحزاب، وأيضًا يُناقشون قضايا معينةً، فهذا هو الإلزام، فحين يأتي يوم الجمعة يتفرغ لهذا.
المحاور: يُصلي الجمعة في المسجد؟
الضيف: نعم، وإذا اتَّصل به أحدٌ وقال: أريدك وأحتاجك بعد الجمعة. يقول: أنا عندي ارتباطٌ.
وبعضنا لا يُفرغ وقتًا للأسرة، وإذا فرَّغ وقتًا يكون مُتَرَهِّلًا، ومن السهل أن يتخلص منه!
المحاور: يُعطي الأسرة فضول الأوقات، وهذا غلطٌ.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: خاصةً في هذا الزمن الذي نحن بحاجةٍ إلى أن نكون قريبين جدًّا فيه من أُسرنا.
الضيف: بالضبط.
المحاور: لعلنا نأخذ سؤال الأخت دانية.
الضيف: طيب.
الإحسان إلى الوالدين والاستقلالية
المحاور: السؤال الثالث: الأستاذة دانية البلوي -إحدى المتابعات- تسأل عن تعامل الشاب العشريني مع والديه بالإحسان: كيف يخفض جناحه لهما؟ خاصةً في فترة الاستقلالية في المسؤولية، وطريقة الحياة، مع احترام رأي الوالدين حتى لو كان يتعارض مع تفكيره.
الضيف: أنا لا أعتبر هذا سؤالًا، وإنما مشاركةٌ مهمةٌ جدًّا تتناسب مع الحلقة الماضية التي كانت بعنوان: "يا بُني"، وأيضًا تُناسب الحلقة التي ستأتي -بإذن الله- في قادم الأيام بعنوان: "يا أَبَتِ"؛ ولذا أنا في تصوري أننا نحتاج إلى مثل هذا المعنى الجميل الرائع، وأشكر الأخت عليه، وهو بالفعل موضوعٌ مهمٌّ جدًّا، ونحتاج إليه بشكلٍ كبيرٍ.
والإشكالية -أستاذي الكريم- في فهم وتطبيق ما يتعلق بقضية الاستقلالية الذاتية، فلما يُقال: الاستقلالية الذاتية يذهب ذهن البعض إلى ماذا؟
المحاور: أنه صار مُتجردًا تمامًا عن الأسرة، فيتَّخذ قراراته ولا يُشاور أحدًا.
الضيف: يتمرد باختصارٍ، فهل هذه هي الاستقلالية؟
أبدًا، ولما نرجع إلى أبجديات التخصص المتعلقة بخصائص المراحل، وما يرتبط بهذه المرحلة فيما يتعلق بالاستقلال الذاتي نجدها ليست كذلك، وإنما عبارةٌ عن أن لديه رأيًا وفكرًا في موضوعٍ معينٍ.
المحاور: فيحتاج مشورةً وتوجيهًا.
الضيف: قبل هذا يحتاج إلى أن يُعبر عنه.
طيب، هل سيُعبر عنه في بيئة اللاحوار؟
أبدًا، وهذه إشكاليةٌ عندنا في الأُسر، فتحتاج الأسرة إلى أن تفتح باب الحوار؛ ولذلك من المهم جدًّا أن نجعله يُعبِّر عن رأيه، كما عبَّر الشابُّ عما في نفسه بين يدي النبي والصحابة في أمرٍ فظيعٍ، فعالجه النبي بطريقته العظيمة في الأسلوب العقلاني الانفعالي، حيث قال له: أتُحبه لأمك؟ ... أتُحبه لأختك؟ ... إلى آخره[8]أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370).، فقد يكون عند الولد رأيٌ مُخالفٌ، ونحن عندنا قيمٌ ضابطةٌ لا بد أن نضعها في أذهاننا في هذه القضايا وما يتعلق بها.
المحاور: ضابطةٌ في التعامل مع الوالدين، أو ضابطةٌ في الحياة؟
الضيف: نعم، يعني: قد يُعبِّر عن رأيه، لكنه يستقل برأيه، ولا يعتبر بأحدٍ، وهذا -للأسف- موجودٌ عندنا خاصةً نحن المسلمون، وهنا يحصل التَّمرد، وهذا بسبب أننا ليست عندنا قيمٌ ضابطةٌ، فالفكر غير مُنضبطٍ، والقيم غير مُنضبطةٍ، ولا بد أن تكون المرجعية ضابطةً، وما المرجعية الضابطة؟
المحاور: الكتاب والسنة، منهجنا كمسلمين.
الضيف: طيب، ما موقف الابن مما يتعلق بتوجيهات الآباء؟
المحاور: السمع والطاعة في غير معصيةٍ.
الضيف: في غير معصيةٍ.
المحاور: وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا [العنكبوت:8].
الضيف: نعم، وهذه ذكرناها في محاضرة "يا بُني" في قصة لقمان.
طيب، هل للابن أن يُعبِّر عن رأيه بالمشاركة؟
له ذلك، وهل يجوز للأب أن يمنع ابنه ألا يُعبِّر عن رأيه؟
لا يجوز.
طيب، إذا حصل الخلاف حتى بعد التعبير عن الرأي وإبداء وجهات النظر، واتَّخذ الأب القرار، فماذا على الابن؟
المحاور: يعني: إذا كان القرار خاطئًا؟
الضيف: لا، سليمًا، في قضيةٍ ليست حرامًا ولا حلالًا.
المحاور: السمع والطاعة.
الضيف: السمع والطاعة، انتهينا؛ ولذا فإن القيم هي التي تضبط سلوكنا وفكرنا، وهذه القضايا وما يتعلق بها، فهذا محورٌ رئيسٌ، ومنهجيةٌ مهمةٌ.
فنقول للأب: إياك أن تمنع الابن من أن يُعبِّر عن رأيه، وأوجد البيئة الحوارية، فهذا الذي سيُساعد في إشباع الاستقلال الذاتي.
ونقول للابن: لا بد أن تعرف أن حياتنا لا تمشي برأيٍ واحدٍ دائمًا، والإنسان يُمارس في حياته المدنية وفي الشوارع أشياء ربما يكون غير مُقتنعٍ بها، لكنه مُلتزمٌ بها، أليس كذلك؟
طيب، ماذا تفعل هنا داخل الأسرة إذا كانت الأغلبية ضد رأيك؟
لا بد أن نُوطن أنفسنا على تقبُّل الرأي المُخالف.
المحاور: التنازل والمشي مع الجماعة.
الضيف: بالضبط، لكن هل أُعبّر عن رأيي أو لا أُعبّر؟ وهل أُبيِّن أو لا أُبيِّن؟
لا بد من التعبير عن الرأي ولو حقرني أحدٌ بسبب رأيي في الاجتماع، أو في المشروع المعين، وهذا هو الفرق بين الحرية المُنضبطة والحرية المُنفلتة.
المحاور: مُنضبطة ومُنفلتة.
الضيف: نعم، يعني: الاستقلالية إذا كانت حريةً مُنفلتةً فإنها تضرّ في أمور العقائد والأفكار والأديان والقيم وغيرها.
المحاور: انفلاتٌ.
الضيف: انفلاتٌ.
المحاور: ولا تُسمى "حريةً" بهذا المعنى.
الضيف: ولذلك فإن فهم موضوع الاستقلالية الذاتية مهمٌّ جدًّا، يعني: هو لديه رأيٌ، ولكن عليه أن يضبط هذا الأمر وَفْق قيم الجماعة وقيم الإسلام، وما شابه ذلك.
المحاور: هذا يرجع إلى قضيةٍ مهمةٍ يا دكتور أشرتَ إليها في الحلقات السابقة، وهي قضية تربية الأولاد من الصغر على المنهجية الصحيحة في الحياة؛ لأن مشكلتنا أننا حين نكبر نبدأ في البحث عن هذه المنهجية، والأصل أن نُربي أبناءنا منذ الصغر على هذه المنهجية، وإن كان الواحد أيضًا مُحاسَبٌ وعنده عقلٌ يُفرق به بين الحقِّ والباطل.
الضيف: لكن إذا حصل هذا هل سيكون الإحسان قائمًا والبرُّ حاصلًا؟
المحاور: الذي هو ...؟
الضيف: أقصد عندما يُعبِّر الابن عن رأيه باحترامٍ، ويُتاح الحوار حتى يُعبر عن رأيه، ثم لا يُؤخذ برأيه، فيتَّخذ الأب أو الأسرة القرار، ويكون مُخالفًا لرأي الولد، فهل استجابة الابن أو قبوله بذلك يُعتبر إحسانًا وبِرًّا؟
المحاور: بالتأكيد.
الضيف: لكن عندما لا يقبل يكون عكس ذلك.
المحاور: وهناك مسألةٌ مهمةٌ جدًّا من الجانب الديني، وهي: أنه إذا امتثل طاعة الله وطاعة أبويه سيجعل الله له مخرجًا وسعادةً.
الضيف: بل الحياة قائمةٌ على ذلك في الأسرة وغيرها، فمن الطبيعي جدًّا أن حياتك لا تمشي برأيك أنت، فتسمع لمُديرك وزميلك، ولمَن تعرف، ولمَن لا تعرف.
المحاور: فكيف تسمع وتُطيع هناك، وفي البيت لا تسمع؟!
الضيف: هناك تمشي.
المحاور: يعني: يوجد تناقض.
الضيف: فهنا حريةٌ مُنضبطةٌ أو مُنفلتةٌ؟ في التوجيه حريةٌ ماذا؟
المحاور: إذا كانت بالضوابط التي ذكرتها فهي حريةٌ مُنضبطةٌ.
الضيف: الحرية مُنضبطةٌ، إذن أنت لك الحرية في أن تُبْدي رأيك، ولكن حريتك مُنضبطةٌ، كما أن للأب حريةً في أن يُبْدي رأيه، وحريةً في أن يتَّخذ القرار، ولكن القضية هنا مُنضبطةٌ، فلا يحقر الابن ويُهينه، وإنما يفتح مجالًا للحوار وبالعكس.
وأنا أرى أنه لا مانع إذا أدرك الأب -مثلًا- أن الابن لديه فكرةٌ فيها مجالٌ للنظر والاجتهاد فيمكن أن الأب يتنازل عن رأيه لرأي ولده، فما المشكلة في ذلك؟
وخاصةً إذا كان مُقتنعًا بصحة رأيه.
المحاور: جميلٌ، الله يُسعدك يا دكتور ويجزيك خيرًا.
ننتقل لسؤالٍ آخر.
الإحسان إلى المُراهق وإن كان عاصيًا
السؤال الرابع: وهو من الأخت التي رمزت لاسمها بـ(توتة)، والسؤال يقول: ماذا تفعل أمٌّ إذا كان ابنها المُراهق يُصاحب الناس السيئين، ولا يسمع أي كلمةٍ منها، بالرغم من أنها جرَّبتْ كل الأساليب والدعاء؟
الضيف: أعانها الله، ونسأل الله أن يُصلح ابنها، ويُصلحنا، ويُصلح أحوالنا جميعًا.
والحقيقة أن العبارة الأخيرة في السؤال جميلةٌ.
المحاور: فيها إيحاءٌ.
الضيف: قولها: "إنني قد جرَّبتُ كل أساليب الدعاء" هذا فيه إيحاءٌ بأنها قد وصلت لمرحلة اليأس، ونحن بأَمَسِّ الحاجة إلى ألا نيأس أختي الكريمة.
المحاور: إي، هي تقول: إنها دعتْ ودعتْ، يعني: كأنها أَيستْ مع استخدام الأساليب الأخرى.
الضيف: نعم، ولنتأمل حديث النبي الذي يقول فيه: دعوتُ فلم يُسْتَجَبْ لي[9]أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).، فالاستعجال في الدعاء مشكلةٌ، فهي الآن وقعت في هذا الإشكال الذي حذَّرنا منه النبي ؛ فلذلك لا تستسلمي، ولا تَمَلِّي من الدعاء، ولنتذكر قول الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فكوني في حالة اضطرارٍ.
وأنا أعرف أحد المُربين يقول: أنا مُثقفٌ وقارئٌ ومُرَبٍّ، ولكن كل هذا لا قيمةَ له.
المحاور: الأسباب والأساليب.
الضيف: نعم، هو لا يُنكر أهمية الأساليب والمهارات، لكن يقول: تأتيني حالاتٌ لا قراءاتي نفعتني، ولا دوراتي نفعتني، ولا قُدرتي العقلية نفعتني، ولا مُشاوراتنا نفعتنا.
وهو يتكلم عن حالاتٍ استثنائيةٍ، لكن يقول: ألجأ إلى الله، فإذا به يُفرج ويُعين ويُوفق.
يعني: هذه من الحالات التي ينبغي أن نُؤمن بها.
وأنا دائمًا أقول لنفسي وللناس الذين يستشيرون: أيها الأحبة، كما تلجؤون إلى المُستشارين والمُستشارات الجؤوا إلى الله قبل ذلك.
وأنا أكدتُ على الدعاء؛ لأنه مهمٌّ في هذه القضية، والدعاء الصالح له نتيجةٌ أو لا؟
المحاور: بالتأكيد.
الضيف: ولا بد من انتفاء موانع الدعاء: كالأكل الحرام: ثم ذكر الرجل يُطيل السفر، أَشْعَثَ، أَغْبَرَ، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟[10]أخرجه مسلم (1015).، وهذا لا بد أن نُراعيه جميعًا.
وأيضًا قد يتحقق الدعاء، وقد يدفع عنه آخر، وقد يدَّخره الله له، فالدعاء فيه خيرٌ، وربما يدفع الله به شرًّا أشدّ مما تُعانيه في ابنك، وربما يستجيب الله ولو بعد حينٍ، أو يُدَّخر ... إلى آخره، فلا نَمَلُّ من الدعاء وما يتعلق به.
هل الفكرة واضحةٌ يا شيخ؟
المحاور: أيضًا استشعار أنَّ الدعاء عبادةٌ، فهي تُؤدي عبادةً لله .
الضيف: نعم، والنبي يقول: الدعاء هو العبادة[11]أخرجه أحمد (18391)، وأبو داود (1479)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3407)..
المحاور: والأمر كله بيد الله ، فهذه المرأة إذا دعتْ قد يصلح شأن ولدها وقد لا يصلح، لكن الإنسان حين يدعو أعتقد أنه لا بد أن يستشعر أنها عبادةٌ لله ، مثل: الصلاة، والصدقة، وغيرها، ويرجو بِرَّها وذُخْرها عند الله ، ثم بعد ذلك البحث عن النتائج.
الضيف: بالضبط، وأيضًا أنا أقول شيئًا مهمًّا جدًّا، وهو: أنه لا بد أن نُبقي خيوطًا في التواصل مع الابن والإحسان إليه، فابنها المُراهق يحتاج إلى هذا كثيرًا يا شيخ، فلا نقطع الوصال والودّ.
نعم هي مُنزعجةٌ منه؛ لأنه ربما لا يقوم بالحقِّ الواجب عليه تجاه ربه ووالديه.
المحاور: التعامل الحسن.
الضيف: نعم، وإبقاء شعرة معاوية معه، والوصال مهمٌّ جدًّا، بل أقول أكثر من ذلك وهو: أَنْ يُحْسِن الوالد لولده، وكل أمٍّ تعرف كيف تُحْسِن لابنها.
المحاور: جميلٌ، يعني: ليس بالمال فقط.
الضيف: بأي شيءٍ ممكنٍ.
المحاور: بالمُلاطفة.
الضيف: الإحسان المعنوي أو المادي؛ لأنك تريد أن تجذبه وتُقلل الشر فيه، وهناك أناسٌ أصحاب حكمةٍ في ذلك.
وأذكر شخصًا له علاقةٌ بشخصٍ قريبٍ له مارس معه علاجًا في جانب المخدرات وما شابه ذلك، فكان حكيمًا معه، وكانت علاقته معه ممتازةً جدًّا، وصار ذاك يرجع إليه؛ لأنه أحسن إليه بأنه أراد أن يُخرجه من هذه المشكلة، لكن ما زالت عنده إشكالياتٌ في المخدرات، لكن دون السابق.
وهذا ليس مدحًا، ولا قبولًا للوضع الموجود، ولكن هكذا يكون الإنسان حكيمًا بالتَّدرج شيئًا فشيئًا.
وأيضًا نَوِّعِي في الأساليب والمُؤثرات والمهارات، ولكلٍّ مفتاحٌ، واستخدمي معه أسلوبًا معينًا في التوجيه المباشر وغير المباشر: كقصةٍ معينةٍ، أو حدثٍ معينٍ، وأشركي شخصياتٍ حكيمةً ذات درايةٍ بهذه المرحلة العمرية، وذات علاقةٍ إيجابيةٍ بالابن، ففي الغالب سنجد الخال أو العمَّ العاقل، أو المعلم في المدرسة الفلانية؛ لأنه ربما يكون عند هؤلاء ما ليس عند الأم، ولا عند الأب، والأبعد في بعض الأحيان يُؤثر أكثر من الأقرب.
وتذكري مَن هو خيرٌ منا جميعًا، وهو نبي الله نوح ، فقد فعل واجتهد، ومع ذلك مات ابنه كافرًا.
أليس هذا موجودًا عند الأنبياء والصحابة؟
المحاور: بلى.
الضيف: فنترك اليأس ونتفاءل، وفي نفس الوقت لا بد من الضغط على النفس والتَّحمل والصبر، فلا تكون كل هذه هي التي تتحكم في ذواتنا؛ لأننا لن نُنتج، ما المطلوب مني؟
المحاور: الضغط الشديد.
الضيف: المطلوب أن أعمل الذي عليَّ فقط.
المحاور: نعم، والهداية بيد الله.
الضيف: والهداية بيد الله ، فإذا لم تحصل الهداية هل انتهت القضية؟
لا، نقول: الحمد لله على كل حالٍ.
المحاور: إذا كان هذا الإيمان موجودًا.
الضيف: إذا كان هذا الجهد والعمل موجودًا.
المحاور: مع الاعتماد على الله .
الضيف: لا شكَّ، ولكن قصدي أننا إذا استفرغنا جهدنا، والله يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فإذا قام الأب والأم بالجهد، وفَعَلَا ما بوسعهما، فلماذا أحرق نفسي حرقًا سلبيًّا؟!
المحاور: ونحن نُوصيها أيضًا يا دكتور بألا تضغط على نفسها في هذه المسألة؛ لأن المسألة بيد الله من قَبْل ومن بعد، فتبذل الجهد، وأيضًا الضغط بهذه الطريقة، والشعور بالأسى تجاه هذه القضية، وتريد أن يكون مثاليًّا، هذه صعبةٌ جدًّا!
الضيف: الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودَرْأ المفاسد وتقليلها، فعليها أن تضع هذه القضية في بالها قدر المُستطاع، فإذا لم تتمكني من إبعاده عن كل الشر، فخفِّفي منه، فالتخفيف نعمةٌ ورحمةٌ؛ ولذلك حين نشعر بهذا الشعور تهدأ نفوسنا -إن شاء الله- ونستمر في العمل والعطاء، والله تعالى أعلم.
المحاور: طيب، ننتقل إلى سؤالٍ آخر.
الضيف: نعم.
إدارة الانفعالات
المحاور: السؤال الخامس: عندي سؤالٌ هنا من شخصٍ رمز لاسمه بـ(ماريو) يقول: النبي يقول: لا تَغْضَبْ، لا تَغْضَبْ[12]أخرجه البخاري (6116).، فكيف نصل إلى هذا؟ وكيف نُدير انفعالاتنا بطريقةٍ صحيحةٍ تُرضي الله ؟
الضيف: أشكر الأخ الكريم أو الأخت على هذا السؤال، وهذا ربما تحدثنا عنه في حلقة "ضبط الانفعالات" وما يتعلق بذلك.
وجميلٌ قوله: "كيف نُدير؟" فعلًا الانفعال حاصلٌ، والطبيعي أن يحصل عند كل شخصٍ، لكن القضية في إدارة هذا الانفعال وما يتعلق بذلك؛ ولذلك نحتاج إلى الأخذ بالمهارات اللازمة في هذا الموضوع: كالابتعاد عن المُثير -فهذه مهارةٌ-، فهناك أشياء تُغْضب الإنسان، فتبتعد عن المُثيرات والقضايا التي تُغْضبك، وتُعطي نفسك واجباتٍ وتكاليف ... إلى آخره.
وأيضًا أن تقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وإذا كنتَ واقفًا تقعد كما جاء في السنة، أو قاعدًا تضطجع، فتُغير الحالة المكانية والجسمية، وتتوضأ، وتتأمل وجهك إذا غضبتَ.
وأيضًا تُعطي نفسك رسائل إيجابيةً: أنا قادرٌ -بإذن الله- على أن أُخفف مستوى الغضب.
والغضب يمكن تخفيفه، والحلم يمكن تحصيله، كما قال النبي : إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[13]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328).، يعني: غيرك حليمٌ، والله مَنَّ عليه بذلك، لكن أنت لا يمكن أن تبقى غضوبًا هكذا بدون تغييرٍ، وهنا يكمن الابتلاء والاختبار، فتشعر أنك قادرٌ على التغيير، وتُقوِّم نفسك بطريقةٍ سليمةٍ.
وأنا أتصور أن الغَضُوب لو رأى نفسه في المرايا ماذا تتوقع يا شيخ؟
سيَسْتَنْكِرَ نفسه.
ثم ما المكاسب والخسائر عند الغضوب؟ فهل المكاسب أكثر أو الخسائر؟
المحاور: لا، دائمًا الخسائر أكثر.
الضيف: فعقد المُقارنة بين هذه المكاسب والخسائر تفكيرٌ منطقيٌّ، وهو في نفس الوقت من المستويات العليا في التفكير، ويُساعد في علاج هذه القضية.
وأيضًا على الغضوب أن يُعايش أهل الحلم، فيَصْبغ نفسه بالحلم.
وعليه أيضًا بالقراءة والمُشاركة في الدورات، والتَّدرج في هذه القضايا، والدعاء، والإيمان بأن عندك قُدرةً على التحلم، كما في الحديث: إنما الحلم بالتحلم.
فهذه كلها من الأشياء التي تُساعد في علاج الغضب، بمعنى: أنه لو انخفض مستوى الغضب عندك 10% فهذا إنجازٌ كبيرٌ، ثم تأخذ هذه القضية بالتَّدرج، وهكذا الذي عنده عادةٌ سلبيةٌ يحتاج إلى وقتٍ حتى يتخلى عن العادة السيئة.
ولا تُقارن نفسك بالحليم فإنك سوف تتعب، ولكن قارن نفسك بمَن لم يُخفِّف من غضبه، فتقول: أنا أنجزتُ، وقلَّ غضبي، وغيري باقٍ على ما هو عليه.
هل الفكرة واضحةٌ يا شيخ؟
المحاور: إي، نعم، وهي مهارةٌ في الأخير، ونتمنى من السائل والمشاهدين مُراجعة حلقة "ضبط الانفعالات"، فسيجد -إن شاء الله- إجابةً أيضًا، ووسائل أخرى مُفيدةً ونافعةً بإذن الله .
التعويد على الطاعة منذ الصغر
السؤال السادس: الأستاذ أسامة هشام من المُتابعين يقول: هل يمكن القول بأن فكرة "ما زال صغيرًا، وما زالت صغيرةً" هي السبب في ظهور مشاكل في وقتٍ لاحقٍ: كتهاون الطفل بالصلاة؟
الضيف: نعم، وهذا مُؤشرٌ للتساهل -للأسف الشديد-، وأين هذا من التوجيه النبوي: مُروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين[14]أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (247).؟ فأين التعويد؟ خاصةً حينما يكونون صغارًا، فالصغير دائمًا يحتاج إلى غيره حتى يُوجهه ويُعلمه.
المحاور: يعني: ما عنده خبرةٌ، فهو يحتاج إلى أن يتلقَّى.
الضيف: يحتاج إلى مَن يُعينه على التوجيه والاستثمار، ألم تُلاحظ النبي يقول للغلام الذي طاشت يده في الصَّحْفَة: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[15]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).؟ ولم يسكت.
المحاور: توجيهٌ.
الضيف: توجيهٌ، وفي حديثٍ يقول النبي : يا غلام، إني أُعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك[16]أخرجه أحمد (2669)، والترمذي (2516)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5302)..
"يا غلام" ولم يبلغوا التاسعة.
فكم نحن بأَمَسِّ الحاجة إلى مثل هذه المعاني وما يتعلق بها.
وأرباب التربية الإسلامية الذين تحدثوا من خلال معين الوحي، وحتى العقلاء من غير أصحاب التربية الإسلامية، بل من غير المسلمين أكَّدوا على قضيةٍ مهمةٍ وهي: أن العناية بهذه المراحل المُبكرة هي الوسيلة لماذا؟
المحاور: للتنشئة الصحيحة، وتأصيل مفاهيم وقِيَمٍ.
الضيف: ولأجل إيجاد مرحلة مُراهقةٍ آمنةٍ.
المحاور: نعم، الطفولة أساسية.
الضيف: ولذلك يمكن أن نقول: إن ضعف الاستقرار الذي يحصل في مرحلة المُراهقة عند البعض إنما يكون بسبب ضعفٍ في المُدْخَلات في مرحلة الطفولة؛ ولما تستقرئ الأسرة وطريقة تربيتها وتقصيرها في هذا الجانب ستجد تقصيرًا كبيرًا؛ ولذلك نحن نحتاج إلى العناية بمرحلة الطفولة، ولا نقول: ما زال صغيرًا، دعه يأكل بشماله، ويلبس أشياء ليست صحيحةً، ويقول ألفاظًا سيئةً، ونقول: ما زال صغيرًا! فهذا ليس صوابًا، والمسؤولية علينا حقيقةً: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
نعم، إذا كان هذا الطفل لم يبلغ بَعْدُ فهو معذورٌ عند الله ، لكن نحن لا نتكلم عن الطفل، وإنما نتكلم عن المُربي الذي يُربي هذا الطفل، فهذه مسؤوليته: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[17]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).؛ ولذلك فإن القضية تُؤخذ بهذا المعنى، والله تعالى أعلم.
المحاور: "وينشأ ناشئ الفتيان منَّا".
الضيف: "على ما كان عوَّده أبوه"[18]البيت لأبي العلاء المعري. ينظر: "اللزوميات" (2/ 413).، صحيحٌ.
المحاور: والله المستعان.
تقوية الجانب الإيماني في نفوس الأبناء
السؤال السابع: سائلٌ يسأل: كيف أُقوي لديهم خوفهم من الله، والحرص على عبادته وطاعته وطاعة رسوله الكريم ؟
الضيف: هذا سؤالٌ جميلٌ أيضًا.
المحاور: لعله بقي معنا القليل من الوقت.
الضيف: أشكر الإخوة على هذه الأسئلة.
كم بقي معنا من الوقت؟
المحاور: ثلاث دقائق.
الضيف: طيب، لعلنا -إن شاء الله- نقف عند هذا السؤال -بإذن الله - ونسأل الله التوفيق في البقية والإعانة.
ونقول: إن القُدوة -أستاذي الكريم- ضروريةٌ، فحينما يتلمس الأبناء آباءهم في هذا الاتجاه والله سيكونون -بإذن الله- مثلهم؛ ولذلك ينبغي أن نحرص على هذه القضايا في عباداتنا وخوفنا من الله ، وسيكون لهذه القضية أثرها يا شيخ، فيظهر فيها الحرص على الطاعة، وعلى محبة الله، وعلى رجاء ما عند الله، وعلى الخوف من الله .
يعني: أعمال القلوب وما يتعلق بالعبودية لله ، فنُعطي أبناءنا بعض القصص: كقصة عجوز بني إسرائيل، وقصة الثلاثة الذين كانوا في الغار، ونلحق بأبنائنا فيها، ويكون عندنا وقتٌ قصصيٌّ نقرأ فيه القصص النبوية والقصص القرآنية، والله سيكون فيها نفعٌ كبيرٌ جدًّا.
المحاور: يا دكتور، ما اسم الكتاب الذي نصحتَ به للدكتور الأشقر؟
الضيف: "صحيح القصص النبوي".
وكذا الآثار والنواتج الدنيوية والأُخروية، فأقول لابني: إذا كان الواحد بهذه الصورة شعر بالسعادة: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، ويمكن أن أقول في الجانب الآخر: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:124].
وأذكر لهم أحوال المُهتدين الداخلين في الإسلام، والتائبين الذين هم من أهل الإسلام، وتصريحاتهم، ستجد أن ذلك تظهر فيه هذه الحقيقة المُتعلقة بأهمية العلاقة بالله ، وعمق الأثر الموجود في هذا الجانب.
وأيضًا استثمار الأحداث، مثل ماذا؟
موت قريبٍ، وموت صاحبٍ له، وحالةٌ من حالات الضعف عندما يكون في مرضٍ، أو يكون في انكسارٍ، فأستثمر هذا وأجعله يلجأ إلى الله ، فهذه من القضايا الإيمانية المهمة جدًّا.
وأيضًا ذكر الحُجج والأدلة العقلية، فأبدأ أُحاججه في حقِّ الله ، وأذكر له بعض الآيات كقوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، حتى يكون الإنسان مُنكسرًا بين يدي الله ، ولا تجعلنا عقولنا نتطاول على أمر الله .
ثم الحوار، الحوار، فنسمع منهم بحيث تظهر منهم استقلالية الذات التي قلنا بها، وإذا كانوا يحتاجون لتوجيهٍ وجَّهنا، وإذا كان عندهم خطأٌ صوَّبنا، وإذا كان عندهم صوابٌ أكَّدنا وحقَّقنا.
ثم تنمية مهارات التفكير العليا المتعلقة بجوانب التفكير؛ بأن يكون الإنسان عنده قُدرةٌ على النظر، بحيث ينظر إلى ملكوت السماوات والأرض، ويربط بين هذه القضايا في خلق الله ؛ حتى يعرف عظمة الله ، ويربط بين الدنيا والآخرة، ويربط بين حياته وهو طفلٌ وحياته وهو كبيرٌ، ويربط بين الذين كانوا ثم أصبحوا.
فكل هذه القضايا حين نتعمق في النظر فيها سنصل بعد ذلك إلى أن حقَّ الله عظيمٌ علينا، وأن الله حليمٌ بنا رغم تقصيرنا.
فنسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يكتب لنا السعادة، ويهدينا وإياكم سُبل السلام.
والحمد لله ربِّ العالمين.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، وشكرًا لكم، ونفع الله بكم.
والشكر موصولٌ إلى الإخوة العاملين معنا في (الاستديو) في قناة "زاد العلمية"، وشكرًا لكم أيها السادة المشاهدون والمشاهدات على تواصلكم وأسئلتكم الجميلة الرائعة، وسنستمر -إن شاء الله- في التواصل معكم في حلقاتٍ قادمةٍ -بإذن الله -، وسنُخصص -إن شاء الله- أيضًا لقاءً قادمًا يُحدَّد -إن شاء الله- مُستقبلًا حول إكمال الجزء الآخر من الأسئلة.
إلى أن نلقاكم في حلقاتٍ قادمةٍ نستودعكم الله، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، والسلامة والعافية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400). |
↑3 | أخرجه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7700). |
↑4 | أخرجه البخاري (3705)، ومسلم (2727). |
↑5 | أخرجه مسلم (2664). |
↑6 | أخرجه البخاري (1968). |
↑7 | أخرجه مسلم (1469). |
↑8 | أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370). |
↑9 | أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735). |
↑10 | أخرجه مسلم (1015). |
↑11 | أخرجه أحمد (18391)، وأبو داود (1479)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3407). |
↑12 | أخرجه البخاري (6116). |
↑13 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328). |
↑14 | أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (247). |
↑15 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑16 | أخرجه أحمد (2669)، والترمذي (2516)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5302). |
↑17 | أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). |
↑18 | البيت لأبي العلاء المعري. ينظر: "اللزوميات" (2/ 413). |