رابط المادة الصوتية:
https://drive.google.com/file/d/1MdKx1Njj71mkOaJkCQQefbeaIAurWbPr/view?usp=sharing
المحتوى
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
رسائل السوء تأتي إلى جواله بعد موته
اسمحوا لي أن أقرأ لكم هذه الرسالة التي وصلتني من أحد الإخوة في إدارة المرور -مرور الجسر- كنتُ قد تعرفتُ عليه من خلال دورةٍ أُقيمت في مديرية الشرطة في المنطقة الشرقية، فأرسل لي هذه الرسالة: "قبل لحظاتٍ كان بين يدي جوال شخصٍ توفي بحادثٍ مروريٍّ، رسائل السوء تأتي على جواله حتى بعد موته! لم يحسب لهذه اللحظة حسابًا.
وضعتُ نفسي موضعه، وتأملتُ الموقف.
تأمل معي، وضَعْ نفسك في نفس الموضع، ما انطباع أول شخصٍ يُمسك بجوالي وجوالك بعد موتنا؟!
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14، 15]، نعوذ بالله من خاتمة السوء".
فأرسلتُ له: الله المستعان، هذا حصل معك أخي؟
فردَّ بنعم، الله المستعان.
ثم دعوتُ له بالمغفرة والرحمة، وهو دعا له كذلك، ثم ذكر لي بعد ذلك يقول: "والأمر المُحزن أن أخاه الذي استلم جثته يكسوه الصلاح والاستقامة".
ثم ذكر لي -جزاه الله خيرًا، وهو رجلٌ فاضلٌ أعرفه-: "غرضي أن تنقلها عني لمَن تُحاضر لهم؛ لعل الله أن يُنقذنا ويُنقذ بها أقوامًا قبل الأجل".
أريد منكم مَن يُعلق على هذه القصة، والأخ الذي سيُعلق يرفع يده، ويكفينا الاسم الأول لمَن يُعلق.
تفضل بسرعةٍ؛ لنكسب الوقت.
مَن الذي سيفتح الباب؟ هذا أجره عند الله عظيمٌ.
تفضل يا أخي، ما الاسم الأول؟
أحد الحضور: يحيى.
الدكتور: تفضل يا يحيى، يكفي الاسم الأول، جزاكم الله خيرًا.
يحيى: الواحد يُحاول أن يُحسن خاتمته.
الدكتور: طيب.
يحيى: فيحاول أن يترك الذنوب والمعاصي، ويترك أصحاب السوء، ويترك المواقع التي ليست جيدةً.
الدكتور: طيب، جزاك الله خيرًا، وشكرًا لك يا يحيى، أنت فتحت الباب ومَن سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها[1]أخرجه مسلم (1017)..
تفضل يا أخي الكريم، ما الاسم الأول؟
أحد الحضور: عبداللطيف.
الدكتور: تفضل يا عبداللطيف.
عبداللطيف: قال الرسول : "مَن شَبَّ على شيءٍ شَابَ عليه، ومَن شَابَ على شيءٍ مات عليه، ومَن مات على شيءٍ بُعِثَ عليه".
الدكتور: ما أدري عن صحة الحديث، لكن المعنى واضحٌ، جزاك الله خيرًا.
تاب قبل موته
كنتُ قد قرأتُ هذه القصة في يوم وصولها لي على شخصٍ عضوٍ في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال لي: "تذكرتُ قصةً حصلت لنا في الهيئة"، والقصة طويلةٌ، ولا أريد أن أدخل في تفصيلاتها؛ لأنها حقيقةً مُزعجةٌ، لكن باختصارٍ: شخصٌ يُمارس السلوكيات السيئة -مُنحرفٌ أخلاقيًّا- كُشِفَ وضُبِطَ من الهيئة.
يقول: من فترة رفع القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء طلع بكفالةٍ على أن يكون في الجلسة، ومن هذا الوقت -وقت خروجه بكفالةٍ- بدأ يُعدل من وضعه؛ فذهب مع زوجته وأبنائه إلى مكة، ثم إلى المدينة، وكان على غير العادة التي اعتادوا عليها من هذا الرجل، حتى قال لزوجته: "يظهر لي أن هذا اليوم هو آخر يومٍ في حياتي"، يقول: سبحان الله العظيم! قُبضتْ روحه في المدينة، وصُلِّي عليه ودُفن في البقيع، وكانت قضيته تنتظر جلسةً سيُحاكم فيها في قضيةٍ لا أخلاقية.
فرِّق أخي الكريم بين خاتمة صاحب الحادث والجوال وهذا الشخص.
مَن يُعطيني حديثًا للنبي أو تعليقًا حول هذا الموضوع؟
تفضل أخي حمزة.
حمزة: في حديثٍ عن النبي قال: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؛ فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة؛ فيدخلها[2]أخرجه البخاري (7454)، ومسلم (2643)..
الدكتور: صحيحٌ، جزاك الله خيرًا.
إذن -يا أحبتي- نحتاج إلى أن نقف مع هذه القضية وغيرها، وأظن أنه ليس هناك شيءٌ مثل قضية عِظَة الموت في أثرها في تعديل السلوك، وعندنا في التخصص ما يُسمى بتعديل السلوك وحلِّ المشكلات، يعني: هناك أشياء كثيرةٌ جدًّا من الأشياء المُتاحة والفرص، لكن ما تسمع أحدًا تكلم أن الموت وعِظة الموت وسيلةٌ من وسائل تعديل السلوك؛ لأنك لو تأملت هذه اللحظة تجدها لحظةً تنكشف فيها السرائر، مثل: لحظة هذا الشخص الذي مات في الحادث، والآخر الذي أرسل رسالة الجوال واطَّلع فإذا برسائل السوء؛ الرسائل اللاأخلاقية ورسائل العلاقات السيئة تأتيه بعد وفاته!
مثل: قصة ذاك الرجل -وقد اشتهرتْ قصته ولعلكم تعرفونها- الذي كان له بَثٌّ عن طريق (الإنترنت) في المواقع الإباحية، ثم مات، فأراد القريبون منه أن يُغلقوا البَثَّ؛ لكي لا يبقى هذا الشر ويستمر، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا؛ لأن كلمة المرور راحت معه إلى القبر، ولا أحد يدري عنها، ولا أحد يعرفها أبدًا؛ لذلك أنا وأنت كيف ستكون خاتمتنا؟
لاحظ: الأول صاحب القصة والثاني كلاهما سلوكه سيئٌ أو إيجابيٌّ؟
أحد الحضور: سيِّئ.
الدكتور: كلاهما سلوكه سيّئٌ، لكن الأول ما أدرك نفسه، والثاني أدرك نفسه.
كل واحدٍ منا مُتلطخٌ بأمورٍ يحتاج إلى أن يقف مع نفسه في هذه القضايا؛ لذلك ما الحل؟
استغلال مرحلة المُراهقة
يتخبط الكثير من الناس جدًّا في قضية الحلول، وخاصةً الشباب في مرحلة المُراهقة على وجه التحديد، وأيضًا في مرحلة الثانوية؛ لطبيعة هذه المرحلة فيما يتعلق بقضية الحماسة والاندفاع كما يقولون، والفتوة والحيوية؛ لأن الحماسة والاندفاع قد تكون في شيءٍ إيجابيٍّ يرضاه الله ، وقد تكون في شيءٍ سلبيٍّ؛ ولذلك نحتاج إلى أن نعرف هذه المرحلة التي نحن فيها.
أثبتت الدراسات على المستوى المحلي -وأنا بفضل الله كانت لي دراسةٌ في (الماجستير) على مستوى المُراهقة فيما يتعلق بالتدين "إشباع الحاجات النفسية وعلاقته بالتدين"- وأثبتت الدراسات على المستوى الإقليمي في الدول الإسلامية والعربية، وعلى المستوى العالمي أيضًا: أن أقوى المراحل في الاتجاه إلى موضوع التدين هي مرحلة المُراهقة، ومن أقواها مرحلة الثانوية.
صحيحٌ أن المرحلة الجامعية يكون فيها الاستقرار أكثر، لكن المرحلة الثانوية هي مرحلةٌ بين مرحلتين: مرحلة اضطراب انفعالي آتيةٌ من المرحلة المتوسطة، فأنت لو راجعتَ نفسك في المرحلة المتوسطة بعد فترةٍ، وكنت قد كتبتَ شيئًا معينًا -مثلًا- أو هناك مواقف تتذكرها، فإنك تضحك على نفسك، وأنا أضحك على نفسي كذلك؛ لأنها مرحلة التقلبات، فمزاج الإنسان فيها يتقلب بسهولةٍ؛ لأن هذه المرحلة تحصل فيها أشد التغيرات (الفسيولوجية) في الجانب (الفسيولوجي)؛ البناء (الفسيولوجي البيولوجي) الداخلي في الإنسان، لكن في مرحلة الثانوية تكون هذه القضية قد استقرت، والاضطراب الانفعالي قلَّ، لكن ما زال في عنفوان المُراهقة، وما زالت الاستقلالية الإيجابية التي تبرز في المرحلة الجامعية ليست موجودةً في المرحلة الثانوية بعد، لم تَنْضُج بعد؛ فلذلك مثل هذه المرحلة من أفضل المراحل التي يجب أن تُغتنم في التدين.
والحقيقة أن الذي يُضيع على نفسه هذه الفرصة هو الذي يُضيع نفسه في المرحلة الثانوية إذا كان مُترددًا في الالتزام، ومُترددًا في قضية التدين؛ لذا عندما تقرأ عن شباب الصحابة وتُلاحظ الأعمار ستجد مصداق هذا الكلام.
فأنتم في فرصةٍ ثمينةٍ، ونحن الآن -كما ترون- يعلونا الشَّيب فنقول:
ألا ليت الشباب يعود يومًا | فأُخبره بما فعل المَشِيب[3]البيت لأبي العتاهية، ينظر: "البيان والتبيين" للجاحظ (3/ 56)، و"ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري (2/ 155). |
والله ما يتحسر الواحد كما يتحسر على مثل هذه المراحل العمرية التي مرَّتْ، وكانت من أفضل اتجاهاتها المرحلة الثانوية، وأنتم -يا شباب- على خيرٍ كبيرٍ جدًّا.
الشباب: الاهتمامات والأولويات
اسمعوا هذه الدراسة والإحصائية، وأريد منكم تعليقاتٍ عليها.
هذه دراسةٌ حديثةٌ قريبةٌ على المجتمع السعودي، وعلى الشباب في المجتمع السعودي، اسمعوها، والذي عنده ورقةٌ يُسجل، وأريد منكم التعليق عليها كما قلتُ.
الدراسة عن الشباب: الاهتمامات والأولويات، نشرها مركز "رؤية" للدراسات الاجتماعية، طُبِّقت على ألفٍ وخمسمئة طالبٍ جامعيٍّ، يعني: أنتم الآن خرجتم من هذه العينة، لكن الجامعة قريبةٌ منكم، فيمكن أن تُهيؤوا أنفسكم لهذه المرحلة من عمر 18 إلى 26 عن الاهتمامات والأولويات.
أنا ما أسألكم الآن: ما اهتماماتكم؟ وما أولوياتكم؟
طلعت النتائج على النحو التالي:
- 87 % من هذه العينة مُهتمةٌ بالاستقرار المادي، فهو أولى الأولويات.
- 85 % فرص الحصول على العمل.
- 78 % قضاء وقت الفراغ مع (الإنترنت).
- 75 % مشاهدة التلفاز.
- 47 % قراءة الكتب.
- 24 % العمل التطوعي.
يمكن أن يقول واحدٌ بعد هذا -خاصةً في موضوع التلفاز وموضوع (الإنترنت) وموضوع أوقات الفراغ-: إنها -إن شاء الله- على خيرٍ.
اسمع: في نفس هذه الدراسة 71% مشاهدة المسلسلات، و69% مشاهدة الأفلام العربية والأجنبية والغربية، و68% الرياضية، و55% الدينية، و44% العلمية، و81% من هؤلاء راضون عن أنفسهم، فما تعليقكم على هذا؟
هذه دراسةٌ قريبةٌ، لها ثلاث سنواتٍ أو حولها على مجتمع الشباب، طُبِّقتْ على عينةٍ من المنطقة الشرقية ومناطق أخرى في المملكة، الأساسية الرئيسة الظاهر أنها كانت عدة مناطق رئيسة: الوسطى والغربية وغيرها، على ألفٍ وخمسمئة شابٍّ.
تعليقات الحضور على الدراسة
هل سمعتم الإحصاءات؟
تفضل أخي.
أحد الحضور: الاسم: عبدالمحسن.
الدكتور: تفضل يا عبدالمحسن.
عبدالمحسن: أغلب الشباب لا يجدون شيئًا يشغل أوقات فراغهم، فيذهبون مع رُفقاء السوء، ويفعلون ما يفعلون، مثلًا: يلعبون على (الإنترنت)، أو يُشاهدون المسلسلات أو الأشياء التي ذكرتَها قبل قليلٍ.
الدكتور: جميلٌ، شكرًا لك يا عبدالمحسن.
سمعتُ تعليق عبدالمحسن، وأريد أن أسمع تعليقًا من آخر.
ما اسم الأخ الأول؟
أحد الحضور: فداء.
الدكتور: فداء، ما شاء الله! اسمٌ نادرٌ، منذ أن ولدتُ لم أسمع به.
تفضل يا فداء.
فداء: أغلب الشباب ضائعون في تفاهاتٍ، والمُهتمون قليلون.
الدكتور: المُهتمون قليلون.
طيب، ما زلتم تُفسرون الأرقام بشكلٍ عامٍّ، ونريد أن تدخلوا أكثر.
شكرًا لك يا فداء، وعبدالمحسن أيضًا أشار لقضية الأصدقاء.
مَن الأخ؟
أحد الحضور: أحمد.
الدكتور: تفضل يا أحمد.
أحمد: أغلب الشباب ما عندهم توعية بما يفعلون بالتلفاز، وما يستفيدون من الأشياء التي يفعلونها، وبإمكانهم أن يقلبوا أي شيءٍ من الاهتمامات إلى الخير، فلو تكون هناك توعيةٌ لهم.
الدكتور: طيب، هل تتوقع يا أحمد أن هؤلاء الذين يُشاهدون هذه الأشياء لا يعرفون أنها خطأٌ؟
أحمد: لا، مثلما قال السويدان: "مَن شَبَّ على شيءٍ شاب عليه"، فهم ...
الدكتور: تعذرهم أو لا تعذرهم يا أحمد؟
أحمد: لا، أنا ما أعذرهم، لكن يحتاجون إلى تثقيفٍ.
الدكتور: أحسنت، بارك الله فيك.
طيب، هل هناك آخر؟
تفضل يا أخي، ما الاسم؟
أحد الحضور: أحمد.
الدكتور: تفضل يا أخي أحمد.
أحمد: لعل المشكلة الكبرى في الموضوع أن 81% راضون عن أنفسهم، ولعل أغلبهم يعرفون الخطأ، لكنهم لا يحاولون الخروج من الخطأ.
الدكتور: هذه إشارةٌ مهمةٌ من الأخ أحمد، كإشارة الإخوة السابقين، لكن 81% مع هذا راضون!
أي رضًا هذا؟!
أنا أُفسره من الناحية النفسية: أن هذا توهمٌ ومُجاملةٌ للنفوس، وهذا من طبيعة النفس البشرية، فبعض الناس يُخطؤون ولا يعترفون بالخطأ، ولا يدرون عن الخطأ.
يقول الواحد منهم: أنا مضبوطٌ. ولا يُحب أن ينتقده أحدٌ، ولا يُحب أن يشعر بأنه ناقصٌ.
فأنت تندهش من 81% راضين!
ما أهم قضيةٍ عندهم في الأولويات؟
مَن يُعلق؟ ما أهم قضيةٍ؟
أحد الحضور: الاستقرار المادي.
الدكتور: ما المقصود بالاستقرار المادي يا أحمد؟ تفضل.
أحمد: أن يكون الدخل الذي يأتيهم أو ما يُنتجون منه أموالًا لا تضيع ...
الدكتور: طيب، أنت ما وجهة نظرك؟ ما المُفترض أن يكون أولى الأولويات؟
أحمد: أولى الأولويات: الاستقرار النفسي قبل المال.
الدكتور: جميلٌ، لا شكَّ، ومن أعظم ما يتعلق بالاستقرار النفسي ما سنتكلم عنه بعد قليلٍ، وقد لخصتها بكلمةٍ جميلةٍ، جزاك الله خيرًا، جميلٌ، يُعطيك الله العافية يا أحمد.
هل لدى أحدٍ منكم شيءٌ يريد أن يُعلق به؟
تفضل أخي عبدالمحسن.
عبدالمحسن: طبعًا السبب الذي قد يكون سببًا رئيسًا، وأتوقع -من وجهة نظري- أنه سببٌ في علو النسبة -النسب عامةً، ونسبة الشباب الراضين عن أنفسهم وللأسف-: قِلَّة التوعية.
الدكتور: نقطة الأخ: قِلّة التوعية في معرفة كيف يستفيدون من هذه الأشياء؟ كيف يستفيدون من أوقات فراغهم؟
جميلٌ، هناك دراسةٌ عُملتْ على المنطقة الشرقية عن انحراف الأحداث الذين هم في سِنِّ المُراهقة: كيف يحصل عندهم انحرافٌ سلوكيٌّ -أي: لا أخلاقي- في قضايا السرقات ... إلى آخره؟ فكانت أكبر مشكلةٍ وأكبر سببٍ في قضيتين.
ما تتوقعون أن يكون أكبر سببٍ لانحراف الأحداث في المنطقة الشرقية؟
احتلَّ سببان المركز الأول.
نسمع الأخ عبدالله.
تفضل يا عبدالله.
عبدالله: أتوقع أنهما الأصحاب والتكنولوجيا.
الدكتور: الأصحاب والتكنولوجيا.
طيب، لِمَ قلتَ هذا الكلام؟
عبدالله: لأنهما دائمًا يكونان قريبين من الشخص، والشخص لا يستغني عن هذين الشيئين.
الدكتور: جزاك الله خيرًا.
يعني: هو لا يمكن أن يستغني عن الأصدقاء، فلا أحد من الإخوان الموجودين -يا طلاب المرحلة الثانوية- يمكن أن يعيش من غير أصدقاء، هل هناك أحدٌ خارج التغطية يمكن أن يعيش من غير أصدقاء؟
أتحدى أن يرفع واحدٌ منكم يده.
مَن منكم يقدر أن يعيش من غير أصدقاء؟
أنت قادرٌ على ذلك؟
أتحداك، لا تستطيع، ولو جلستَ أسبوعًا أو أسبوعين سترجع وتؤول إلى أصدقائك شئتَ أم أبيتَ، فهذه حاجةٌ نفسيةٌ فطريةٌ مُلحةٌ في هذه المرحلة يا أحمد، فلا تتوهم وتُغالط نفسك، يُعطيك العافية.
طيب، أعطنا الذي عندك، هاتِ ما عندك، وأتحداك في نفس الوقت، ما تستطيع.
أحمد: لأن التكنولوجيا الآن يا أستاذ غَطَّتْ على كل شيءٍ، فمثلًا: إذا كان في البيت وعنده (سوني)، وعنده الأكل جاهزٌ، وعنده المُكيف، وكل شيءٍ موجودٌ، فلماذا أخرج؟
الدكتور: لا، هل الكلام في أنك تخرج أو الكلام في الصداقة؟
هذه التقنية الآن أليس فيها تواصلٌ اجتماعيٌّ؟
هذه صداقةٌ يا شيخ؛ لذلك قلتُ: أتحداك، ما تقدر، وليس المقصود أنك تخرج، المقصود الصداقة التي فيها التأثر والتأثير، فلو أن لك صديقًا ستتأثر به ويتأثر بك.
واضحٌ يا أحمد.
أحمد: واضحٌ.
الدكتور: جزاك الله خيرًا.
طيب، إذن قضية الصداقة هي القضية رقم (1)، لكن لم تكن قضية التقنية هي رقم (2)؛ لأن هذه الدراسة التي أُشير إليها كانت قبل أن تكونوا شيئًا مذكورًا، يعني: عرفتم كيف المنطق؟ قبل أن تُلدوا أنتم، يعني: باختصارٍ قبل التقنية الحديثة، فلم تكن هذه القضية قد ظهرت، وإنما ظهر شيءٌ آخر تدخل التقنية ضمنًا فيه، فما تتوقعون هذا الشيء؟
نسمع منك أخي الكريم محمد، تفضل.
محمد: الإعلام.
الدكتور: الإعلام، على أية حالٍ هل عند أحدٍ منكم شيءٌ آخر يقوله؟
أحد الحضور: الفراغ.
الدكتور: الفراغ، هاتان هما القضيتان الأساسيتان: الأصدقاء والفراغ، ولا شكَّ أن من الفراغ ما يُمْضَى به الوقت، مثل: الإعلام، واليوم مثل: التقنية.
كم قلنا قبل قليلٍ؟ كم يُمضون أوقات فراغهم؟ كم النسبة التي قلناها قبل قليلٍ؟
فَرِّقوا بين العمل التطوعي: 24% من هذه النسبة، من هذا العدد، بينما عند (الإنترنت) 78%.
فَرِّقوا بين القراءة 47%، والتلفاز 75%.
هل هناك فرقٌ في كيفية استثمار الوقت أم لا؟
فكيف مع وجود الإعلام الجديد والتقنية اليوم؟ وقد أصبح الواحد يمكن أن (يُسنتر) مع أصدقائه عبر التقنية، ولا يحتاج إلى الذهاب إليهم، ولو حصل أنه أكل معهم وشرب، وجاء العالم الافتراضي اليوم وصار من الممكن أن تأكل مع صديقك، وتذهب إلى بيته، وتدخل معه المطعم، وتذهب معه، وتبنيا لكما بيوتًا أو قصورًا، وأنت جالسٌ في غرفتك، وهو جالسٌ هناك ... إلى آخره.
والله يستر مما يكون لنا بعد ذلك: كالزواج الافتراضي! ويعزف الشباب عن الزواج؛ لأنهم قد تزوجوا عبر التقنية الحديثة والإعلام الجديد، ولا حاجة لهم بالزواج!
ما تدري، لكن ذلك مصيبةٌ كبيرةٌ بلا شكٍّ.
حاجة الإنسان إلى التدين
طيب، هل نحن بحاجةٍ للتدين أو لسنا بحاجةٍ له؟
لماذا نحن بحاجةٍ للتدين؟
نسمع من الإخوة الذين لم نسمع منهم.
ما اسم الأخ؟
أحد الحضور: عمار.
الدكتور: نسمع من عمار.
عمار: .........
الدكتور: طيب، وما دليلك على هذا؟
عمار: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
الدكتور: أحسنت، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
التأمل في هذه القضية لا شكَّ أنها من ناحية المفهوم والجانب النظري واضحةٌ جدًّا، فكلنا لو أتتنا هذه الآية في سؤالٍ أو سُئلنا عن هذه الآية لأجبنا عنها، فالقضية أن الله حصر الخلق بالعبادة، والعبادة ما هي؟
تفضل أخي محمد.
محمد: العبادة هي إبداء الذلِّ لله ، والانقياد له بالطاعة.
وتعريفها شرعًا: هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال.
الدكتور: جميلٌ.
طيب، مَن يعرف الصحابي الجليل الذي سأله أحد الصحابة، وكانا معًا في اليمن، وهذا يسأل الآخر: كيف يشغل وقت فراغه؟ وكيف هو مع كتاب الله؟ فقال الثاني للأول: "فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"[4]أخرجه البخاري (4341)، ومسلم (1824).؟
مَن قائل هذه الكلمة المشهورة؟
معاذ بن جبل .
مَن يشرح هذه العبارة: "فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"؟
تفضل يا أخ عبدالله.
عبدالله: في هذا الموضوع -الاحتساب- أخلصه لله، يعني: جعل نومه للتقوي على القيام في الليل، فيأخذ أجرًا في نومه -يعني: حتى وهو نائمٌ- كما يأخذ الأجر في القيام.
الدكتور: جميلٌ، وكما قال أحد السلف: "إني لأُحب أن تكون لي نيةٌ في كل شيءٍ، حتى في الطعام والشراب"[5]القائل هو زُبَيد اليامي. يُنظر: "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي (2/ 15)، و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص41).، كيف هذا يا عبدالله؟
عبدالله: التقوي على العبادة، فتكون نيتي أني إذا أكلتُ أو شربتُ أتقوى بذلك على العبادة.
الدكتور: طيب، هل هناك أناسٌ يمكن أن تكون عندهم هذه النية؟
عبدالله: نعم.
الدكتور: طيب، هل هناك أناسٌ يمكن ألا تكون عندهم هذه النية؟
عبدالله: هناك أناسٌ يأكلون هكذا بلا نيةٍ.
الدكتور: مجرد أن يأكل هكذا، واضح؟
مستوى الحسّ الإيماني يا شباب، مستوى الحسّ التديني، مستوى حسّ العبودية لله يصل عند مثل هؤلاء العظماء إلى أنه يشرب الماء ويتمنى لو أنه ينويها لله .
كيف أجعل جلسةً مع شبابٍ وأصدقاء؟ وكيف أجعل أوقات الفراغ؟ وكيف قراءة القرآن؟
لا شك أن هذا مستوًى عظيمٌ جدًّا، وهؤلاء أناسٌ عظماء.
الإمام أحمد رحمه الله وهو على فراش الموت كان بجواره ابنه عبدالله، فقال: يا أبتي، سمعتُك تقول: لا بَعْدُ، لا بَعْدُ! يعني: يستفسر، لِمَ تقول هذا الكلام يا أبتي؟
قال له: يا بني، لقد جاءني الشيطان فقال: فُتَّني يا أُحيمد!
مَن أُحيمد؟
الإمام أحمد.
يعني: راحت عليَّ، يعني: الشيطان يقول: حاولتُ فيك وما في فائدة.
ماذا قال الإمام أحمد؟
قال: لا بَعْدُ، لا بَعْدُ[6]رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (852)..
ما معناها؟
يعني: ما دامت الروح موجودةً وباقيةً فيمكن للإنسان إلى آخر لحظةٍ أن يضلَّ ويَزِلَّ ويُغويه الشيطان، والعاصم هو الله ، وأن يتَّجه الإنسان لمنهج الالتزام والعبودية والتدين، واضحٌ يا إخوان؟
يعني: تصور أنك تُوقَظ وأنت على الفراش، وإذا بك قد فارقتك الروح!
كم سمعنا من قصصٍ موجودةٍ، وكل واحدٍ من الموجودين جزمًا بعد عدة سنوات سنكون في عالم الأموات، نسأل الله أن يُحسن لنا ولكم الخاتمة.
وجزمًا هناك واحدٌ أو أكثر سيكون خبر وفاته عند البقية، فالموت يتجاوزني لغيري، ويتجاوز غيري إليَّ.
هذه قضيةٌ نحتاج أن نتدبرها ونتمعنها بشكلٍ كبيرٍ، خاصةً في زمن المُتغيرات.
سأقف عند هذه القضية، وسأربطكم بآياتٍ معينةٍ بعد قليلٍ، ونسمع أسئلتكم -إن شاء الله تعالى- وتعليقاتكم المُباركة.
موقف عمر مع التوراة
لا زلتُ أُدهش من موقفين للنبي :
الموقف الأول: مع رجلٍ فَذٍّ بين يدي المُربي الفَذِّ -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- وهو عمر بن الخطاب ، جاء في الحديث الصحيح: أن عمر قال للنبي : "يا رسول الله، نقرأ أحاديث من يهود تُعجبنا، أفلا نكتبها".
الآن عمر يستأذن الرسول ، وأحاديث من اليهود، أي: من التوراة، يعني: عمر يرى أنها مفيدةٌ ونافعةٌ.
فقال له الرسول : أَمُتَهَوِّكُون فيها يا ابن الخطاب؟!.
وكلمة "مُتَهَوِّكون" معناها: مُتحيرون، شكَّاكون.
فالرسول يقولها لعمر مُحذرًا، يقول: أمُتحيرون كما تحيرت اليهود والنصارى؟!
ثم بيَّن له: والذي نفسي بيده، لقد جئتُكم بها بيضاء نقيةً، لا تسألوهم عن شيءٍ فيُخبروكم بحقٍّ فتُكذِّبوا به، أو بباطلٍ فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتَّبعني[7]أخرجه أحمد (15156)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1589)..
سدَّ النبي الباب على عمر ، لماذا؟
مَن يقول لماذا؟
تفضل يا حمزة.
بسرعة يا أخي عبدالمحسن.
أحد الحضور: ..........
الدكتور: أحسنتَ، يصير هناك شكٌّ، وهذا الشك يجرُّ إلى شيءٍ آخر.
وقد عِشْنا قضية حمزة كاشغري، وكنا نسمعها -نسأل الله الثبات-، وغيره بعد الآن، وما كان يُقال عن حمزة لما كان في حلقات تحفيظ القرآن، وكان ممن يحفظ، وأذكر أني قرأتُ أنه كان يُشرف على بعض هذه الحلقات، أو شيء من هذا القبيل، ثم أصبح بعد ذلك يقول كلامًا تكاد السماوات والأرض يتفطرن مما قال في سَبِّ الله ، وسَبِّ النبي !
والله -يا جماعة- الذي فعله النبي مع عمر لَيُدْركه الواحد حقًّا مثلما حصل في هذه القصص الأخيرة التي سمعناها، فقد خرج علينا واحدٌ من الشباب في عمر العشرين وتكلم بهذه الطريقة، وقد كان في حلقات تحفيظ القرآن، مثلًا.
وليس معنى أنه كان في حلقات تحفيظ القرآن مثلما يقول البعض مثلًا: يا شباب، لا تذهبوا إلى حلقات تحفيظ القرآن؛ لكي لا تكونوا مثل كاشغري!
ليس هذا هو المقصود، فلو قرأتَ في السنة ستجد أغرب من ذلك؛ كقصة النصراني في "صحيح البخاري" في كتاب "المناقب"، فهذا النصراني أسلم، وكان كاتبًا للنبي -كاتبًا للوحي- ثم تَنَصَّر وارتدَّ مرةً أخرى، ومات على الكفر! نسأل الله العافية والسلامة، وأن يهدي حمزة هذا وأمثاله قبل أن يموتوا.
فوضعه أهله في القبر، وإذا بالأرض تلفظه، وفي اليوم الثاني وجدوا جثته خارج القبر، فقالوا: بالتأكيد هذا فعل محمدٍ وأصحابه، فهم الذين حفروا قبره وأخرجوه؛ نِكايةً به.
فزادوا في عمق القبر، وإذا به مرةً أخرى تلفظه الأرض كما جاء في حديث البخاري، وفي المرة الثالثة تيقَّنوا أن القضية من الله [8]أخرجه البخاري (3617)، ومسلم (2781)..
وذكر ابن كثيرٍ في "البداية والنهاية" قصةً عن شخصٍ كان من أهل التدين، وظلَّ بسبب الشك ..
بعض شبابنا اليوم يدخل عبر الجوالات، وعبر (الإنترنت)، وعبر الأجهزة، وعبر القنوات، ويسمع حواراتٍ، ويأخذ ويُعطي في قضايا سدَّ الرسول عن عمر الباب فيها، وذكَّره بالله، وحذَّره من سلوك طريق الشك والحيرة، مع أن عمر لا يُشَكُّ فيه، والرسول لم يكن يشك فيه، وإنما هو من باب سدِّ الذرائع، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في حماية الفكر والعقيدة في زمن الانفتاح.
الرسول يقول ذلك في زمنٍ لم يكن العالم كله موجودًا في جهازٍ، والآن تجد بعض الشباب -وهم من الشباب الخيّرين، وهذا الذي أوقع حمزة وأمثاله- يقرأ كل شيءٍ يأتيه، فإذا جاءه (إيميل) قرأه، أو جاءته رسالة (واتساب) قرأها، وهكذا كل شيءٍ يقرأه، وما يدري أن ذلك -مثلًا- في القضايا الفكرية يُربك أموره، ويا ليت وضعه يصير مثل وضع الرجل الذي جاء إلى النبي .
لاحظوا -يا جماعة- أني سأذكر منهجين، ونحن الآن ما زلنا في قضية الفكر والعقيدة وحمايتها، وقد عرفنا موقف الرسول مع عمر ، فقد سَدَّ عليه الباب، فَسُدَّ على نفسك الباب.
والمشرفون أيضًا عندما يُحذرون من هذه القضية فهم مُحقُّون؛ لأن هذا منهج النبي مع عمر بن الخطاب الذي هو خيرٌ منا، فالرسول خيرٌ من المشرفين، وعمر خيرٌ منا نحن، أليس كذلك؟
الوسوسة من كيد الشيطان
رجلٌ أتى إلى النبي فقال: يا رسول الله .. وذكر هذا الحديث، وهو حديثٌ صحيحٌ ذكره ابن كثيرٍ في تفسيره للمُعوذات -كما أظن والله أعلى وأعلم-: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس].
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني أُحدث نفسي بالشيء لَأَنْ أَخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أتكلم به.
ما مقصود هذا الرجل؟
مَن يقول لي؟
مَن فهم الذي في بال هذا الرجل؟
تفضل يا محمد.
محمد: يقصد أنه يُفضل أن يَخِرَّ من السماء على أن يُحدِّث الناس بما يدور من أفكارٍ داخله.
الدكتور: ماذا تتوقع الذي يدور داخله؟
محمد: يعني: تدور في داخله أفكارٌ غير صحيحةٍ، يعني: خاطئة.
الدكتور: بالضبط.
محمد: يتوهمها مثلًا.
الدكتور: شيءٌ يتعلق بقضية الاعتقاد، يعني: يمكن أن يتكلم في الذات الإلهية.
لكن يا أخي الكريم، ما الجودة في هذا؟ ما الإيجابية في هذا الرجل يا محمد؟
محمد: كونه أفصح عن هذا الشيء.
الدكتور: أفصح، أتى للنبي ، ولو كتم ما بداخله وتركه للعب فيه الشيطان، والرسول خشي على عمر من ذلك.
وهذا ذهب إلى النبي -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام المُربي الأول الفَذّ- وذكر له ما يُعانيه دون أن يُفصح، دون أن يُحدد ما في نفسه، والرسول فهم الرسالة، فقال: الله أكبر! الله أكبر! الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة[9]تفسير ابن كثير (8/ 509)، وأخرجه أبو داود (5112)، وأحمد (2097)، وصححه الألباني في "الظلال" (296)..
وقال في روايةٍ أخرى: ذاك صريح الإيمان[10]أخرجه مسلم (132).، فشهد له النبي أن هذا من صريح الإيمان؛ لأنه لو لم يكن عنده الإيمان والتعبد والتدين الذي يجعله يخاف مثلما خاف الرسول على عمر ؛ كان يمكن أن يُبقيها، وتأخذه العزة بالإثم، ويَضلُّ أو يُضلُّ، أو يَزِلُّ أو يُزَلُّ، لكنه أتى ورجع، واضحٌ يا جماعة؟
هذا موقفٌ نحتاج إلى أن نقف معه -يا شباب- بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، وفي السنوات السابقة ما كنا نحتاج إلى الحديث عن مثل هذه القضايا، ولكننا اليوم بحاجةٍ إلى ذلك، وإن كانت حماية الفكر موجودةً من أيام النبي بلا نقاشٍ، ومن أيام الأنبياء عليهم السلام بلا نقاشٍ، لكن ظهرت الحاجة الماسة الآن في ظل التقنية الحديثة، وفي ظل مُنتجاتٍ نسمع بها الآن هي أشد من المنتجات التي خشي الرسول منها على عمر والرجل الذي أتى النبيَّ .
هذا في جانب الفكر وجانب المعتقد.
جانب السلوك والأخلاق والقيم
أما في جانب السلوك والأخلاق والقيم فهنا قصةٌ، وأريد مَن يُحدثني بمغزى هذه القصة، وهي: أن الرسول كان في الحج، وكان في مُزدلفة، وكان يدعو عليه الصلاة والسلام حتى أسفر الصبح جدًّا، ومعه ابن عمه الفضل بن عباس رضي الله عنهما، فتقول الرواية الصحيحة: ظُعُنٌ يَجْرِينَ[11]أخرجه مسلم (1218).، ما معنى "الظعن"؟
معنى "الظعن" نسوةٌ جَرَيْنَ أمام النبي .
في أي مكانٍ؟
في المُزدلفة.
في أي حالٍ؟
في الحج.
بين يدي مَن؟
هل كن مُخَصِّراتٍ -يلبسن المُخَصَّر-؟ وهل كن واضعات (مكياج) أو مُتعطراتٍ أو غير ذلك؟
لا، ومع ذلك وقعت عين الفضل بن عباس رضي الله عنهما عليهن، فماذا فعل النبي ؟
مَن يعرف ماذا فعل النبي ؟
هناك قال لابن الخطاب : أَمُتَهَوِّكُون.
تفضل يا أخ عمر، الله يُعطيك العافية.
عمر: أمسك الرسول عليه الصلاة والسلام وجه الفضل ولَفَّه عن النظر للنساء.
الدكتور: الرواية الصحيحة التي اطلعتُ عليها -وهذه التي ذكرتَها ما أدري عن لفظها وعن صحتها، لكن الرواية الصحيحة التي رجعتُ إليها في "الدرر السنية"-: أن الرسول وضع يده على وجه الفضل وأغلق عينه عليه الصلاة والسلام، وكان رجلًا وسيمًا جميلًا، وهذا سدٌّ لذريعةٍ في حقِّ الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وفي حقِّ النسوة.
قطع طريق الشيطان منهجٌ نبويٌّ عظيمٌ يُسمى بالمنهج الوقائي في حماية المُعتقد والفكر، وفي حماية السلوك والأخلاق.
وهذا الكلام نحتاجه في ظل ضغطة (الزر) في (اليوتيوب) التي يمكن من خلالها أن يدخل الإنسان في عالمٍ آخر تمامًا، والواحد يُجامل نفسه، وهو في الحقيقة جالسٌ يتعرض للاستسلام وتسليم هذه النفس للشيطان! ولن يحمينا من هذا الأمر إلا ما حمى يوسف عليه الصلاة والسلام: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، فالرسول خشي، ويعلم ضعف النفس البشرية، ويعلم خطورة هذه المُثيرات.
فهنا الرسول خشي على الفضل في جانب الشهوات، وهناك خشي على عمر في جانب العقيدة والفكر.
وذكرنا مثال الرجل الذي جاء إلى النبي ورجع إلى النبي حتى يحلَّ المشكلة المتعلقة بالفكر والمُعتقد، وحماه النبي ووجَّهه.
وانظروا في قضية السلوك والأخلاق إلى الشابِّ الذي أتى للنبي ماذا يريد؟
يستأذنه في الزنا، وهو يعرف أنه حرامٌ، فالنبي قال: ادْنُهْ، فدنا منه قريبًا، ثم أخذ يُخاطبه بأسلوبٍ يُسميه أهل التخصص النفسي بالأسلوب العقلاني الانفعالي الذي يضرب في العقل ويُؤثر فيه، فقال له النبي : أتُحبه لأمك؟.
ما أول شيءٍ أتى للشابِّ داخل نفسه لما قال له النبي ذلك؟
أحد الحضور: الرفض.
الدكتور: لا، قبل الرفض هناك شيءٌ.
التَّخيل -تخيل أن أمه يُزْنَى بها- ثم جاء الرفض فقال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فِداءك. قال: وهكذا الناس لا يرضونه لأمهاتهم[12]أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370)..
ما الشيء الإيجابي عند الشابِّ؟ مَن يُجيب؟
تفضل يا أخي نواف، نسمع منك.
نواف: الصدق حين قال: لا أرضاه لأُمي.
الدكتور: ممتاز، لا شك أن هناك صدقًا عند الشاب، لكن هناك شيءٌ قبل هذا، وهو أيضًا من الصدق، فما هو؟
نواف: أول شيءٍ التَّخيل.
الدكتور: لا، قبل هذا.
نواف: الصراحة.
الدكتور: طيب، جزاك الله خيرًا يا أخ نواف.
نسمع إلى عبدالمحسن.
عبدالمحسن: أنه ما أقبل على فعل هذه الفاحشة إلا وفكر في نفسه: هل هذا يصح؟ فذهب وسأل النبي يستشيره.
الدكتور: إذن رجع للنبي كما رجع ذاك الرجل الذي قلنا أنه في نفسه شيءٌ حول الذات الإلهية للنبي .
يا ليت الشباب اليوم إذا تعرضوا لقضايا متعلقةٍ بالفكر والمعتقد؛ يرجعون لمَن يُفيدونهم وينفعونهم ويحفظونهم، وإذا تعرضوا لمشكلة الشهوات .. إلى آخره؛ يرجعون لمَن يُفيدونهم وينفعونهم ويحفظونهم.
هذا منهجٌ مهمٌّ جدًّا -يا أيها الشباب- نحتاجه، فلا تظن نفسك أنك تقدر أن تفعل كل شيءٍ، ما تقدر يا أخي، فعمر بن الخطاب احتاج للتوجيه والإرشاد، واحتاج للنصيحة، وهذا الرجل احتاج كذلك للنصيحة، وهذا الشاب احتاج للنصيحة، والفضل بن العباس رضي الله عنهما احتاج للنصيحة، فهل نحن لا نحتاج إلى هذه القضية؟
كلنا نحتاج إليها، وخيرنا وأفضلنا في عبادة الله يحتاج إلى ذلك؛ لأن الإنسان ضعيفٌ، وطبيعة النفس البشرية -يا جماعة- أنها ضعيفةٌ، تتقلب، وتُؤثر فيها أشياء إقبالًا وإدبارًا.
↑1 | أخرجه مسلم (1017). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (7454)، ومسلم (2643). |
↑3 | البيت لأبي العتاهية، ينظر: "البيان والتبيين" للجاحظ (3/ 56)، و"ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري (2/ 155). |
↑4 | أخرجه البخاري (4341)، ومسلم (1824). |
↑5 | القائل هو زُبَيد اليامي. يُنظر: "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي (2/ 15)، و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص41). |
↑6 | رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (852). |
↑7 | أخرجه أحمد (15156)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1589). |
↑8 | أخرجه البخاري (3617)، ومسلم (2781). |
↑9 | تفسير ابن كثير (8/ 509)، وأخرجه أبو داود (5112)، وأحمد (2097)، وصححه الألباني في "الظلال" (296). |
↑10 | أخرجه مسلم (132). |
↑11 | أخرجه مسلم (1218). |
↑12 | أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370). |