كثيرٌ من المعلمين يتعاملون مع الطلاب على أنهم شيءٌ واحدٌ، وكثيرٌ من الآباء يتعاملون مع الأبناء على أنهم شيءٌ واحدٌ، وكثيرٌ من الدعاة يتعاملون مع المدعوين على أنهم شيءٌ واحدٌ!
وهذه القضية ليست صوابًا في الحقيقة؛ ولذلك فإن مَن هُدِيَ إلى إدراك الفروق الفردية والتعامل معها عندئذٍ سيُنزل الناس حسب منازلهم في طريقة حلِّ المشكلة لهم، وتعديل سلوكهم، ومُخاطبتهم، وتعليمهم، ودعوتهم، والتعامل معهم، ولا شكَّ أنه سيكون على فقهٍ عظيمٍ جدًّا في هذا الأمر، وعندئذٍ تحتاج الشخصية المُؤثرة المُربية -الداعية، العالِم الرباني، الأب، وغيرهم- إلى أن تكون قريبةً من أوساط الناس، خاصةً مَن كان مسؤولًا عنهم؛ فيتعرف على أحوالهم، ويستطيع أن يُفرق.
المشكلة أننا في بعض الأحيان لما نأتي -مثلًا- في الصفِّ الدراسي، ونطلب من معلمٍ أن يُعطينا فروقاتٍ بين الطلاب، بالتأكيد سيُعطي الفروقات المتعلقة بجانب المادة، فيقول -مثلًا-: والله طالبٌ -ما شاء الله! تبارك الله!- مستواه مُرتفعٌ، وطالبٌ مستواه مُنخفضٌ، وآخر وسطٌ.. إلى آخره، ويمكن أن يدخل في ذلك الانضباط وحلّ الواجبات، وكلها تتبع التقدير المُتعلق بالجانب الأكاديمي، لكن ربما لو سألتَ عن أشياء أخرى قد لا تجد إجابةً! بينما تكون هذه المعلومات الأخرى مُؤثرةً فيما يتعلق بتفوقه أو عدم تفوقه.
وقد وجدنا من خلال تعاملاتنا -وهذا أمرٌ طبيعيٌّ- أناسًا أذكياء، وعندهم قُدراتٌ عقليةٌ، لكنهم ليسوا جيدين في المستوى الدراسي! ستجد أن لديهم إشكالاتٍ أخرى مُتعلقةً بأمورٍ أخرى، وإدراكها يُساعدك -أيها المعلم والمربّي- في الارتقاء بوضع هذا الطالب في مستوًى سليمٍ، وإذا كانت عنده مشكلةٌ معينةٌ فإدراك الفروق الفردية بينه وبين غيره، ومعرفة حاله؛ يجعلك تستطيع أن تعرف كيف يمكن أن تحلَّ المشكلة.
ولذلك -مثلًا- عندما ترد إلينا قضيةٌ في الاستشارات، أو مشكلةٌ طلابيةٌ، أو عند أحد الأبناء، أو ما شابه ذلك؛ نحتاج إلى ما يُسمى بالتشخيص، فنحتاج إلى أن نأخذ معلوماتٍ عديدةً حتى نستطيع أن نُوجّه في هذه المشكلة، فليس من السهولة بمكانٍ أن نُعطي توجيهًا عامًّا يصلح لكل الناس.
ولهذا -حقيقةً- يكبُر في عيني مَن إذا سُئل أسئلةً عامَّةً يقول: من الصعب الإجابة عنها، لا يمكن أن تقول: صح أو خطأ.
أو -مثلًا-: ما الكتب المُفيدة النافعة لي؟ فيجيب: قد تكون نافعةً لك، ولكنها ليست نافعةً لغيرك.
صحيحٌ أن هناك أمورًا معينةً عبارةً عن مفاتيح، وعبارةً عن مستوى، ولا بد للجميع أن ينتبه لها، لكن ما يرتبط بقضية: كيف أبني نفسي؛ حتى أكون طالب علمٍ؟.. إلى آخره، كل هذا مُرتبطٌ بمُراعاة حال الشخص، والفرق بينه وبين غيره؛ حتى نصل بطريقةٍ سليمةٍ لتوجيهه، وتعليمه، ودعوته، والتأثير فيه! [1]وقفات مع رسالة العلامة ابن سعدي رحمه الله بهجة قلوب الأبرار 6..