مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
الورقة عن الآثار المترتبة على خروج المرأة للعمل، وهي تهدف إلى بيان الآثار الإيجابية والسلبية؛ فيما يتعلق بخروج المرأة للعمل؛ ولكن لا بد من بعض المقدمات: نحن نهدف هنا بالذات إلى ما يذكره أهل الاختصاص في الإرشاد والاستقرار والصحة النفسية فيما يتعلق بقضية المرأة التي نريد أن نصل إليها، وأنه لا بد من أن يكون لديها استقرارٌ ذاتيٌّ بينها وبين نفسها، وكذلك ما يتعلق بالاستقرار المجتمعي بينها وبين المجتمع، والزيادة في الإنتاجية كذلك، فإذا حصل خللٌ في مثل هذه الأمور الثلاثة؛ فلا شك أن هناك إشكاليةٌ في معطيات تعامل المرأة مع العمل.
هناك أبعادٌ لا بد أن نضعها في اعتبارنا:
بُعدٌ مكانيٌّ: عمل المرأة داخل المنزل أو خارجه.
بُعدٌ زمنيٌّ: متعلقٌ بدوامٍ كاملٍ أو جزئيٍّ.
بُعدٌ جنسيٌّ: مرتبطٌ بتعاملها مع الرجل منفصلةً أو مختلطةً.
وكذلك بُعدٌ نوعيٌّ: ما يتعلق بنوعية العمل، وهل هو مطابقٌ لخصائص المرأة، وفطرتها، وأنوثتها، وكرامتها، وما يحبه الله منها أم غير ذلك؟
والبُعد الاقتصادي: ما يتعلق بكفايتها، وهل لها عائلٌ؟ أم ليس لها كفايةٌ ولا عائل لها؟
والبُعد الاجتماعي: هل هي متزوجةٌ أم ليست متزوجةً؟ وكذلك هل لها أبناءٌ أم ليس لها أبناء؟
والبُعد الغائي: ارتباطها بالعمل؛ هل له علاقةٌ بالدعوة إلى الله مثلًا؟ أو قضايا خيريةٍ أخرى؟ أو قضايا دنيويةٍ بحتة؟ هذه أبعادٌ مؤثرةٌ بلا شك في قضايا التعاطي مع عمل المرأة.
المجالات والآثار: حقيقةً هناك آثارٌ شرعيةٌ، واقتصاديةٌ، وسياسيةٌ، ونفسيةٌ، وتربويةٌ، واجتماعيةٌ، وأسريةٌ، وجسديةٌ عضويةٌ فسيولوجيةٌ، ولن نأتي إليها كلها حقيقةً، وإنما سنأتي إلى بعضها، وبالذات في مجالات التخصص المتعلق بالجوانب التربوية، والنفسية، والاجتماعية، والأسرية.
لا شك أن عمل المرأة له إيجابياتٌ، وذكر كثيرٌ من الباحثين حقيقةً من خلال الكتب المرصودة، والبحوث والدراسات التي عُملت، وكذلك بعض المقالات المخصصة في هذا الموضوع؛ مجموعةً من الإيجابيات، أو لِنَقُلْ كثيرًا من هذه الإيجابيات، أو بعضًا هذه الإيجابيات، التي ذُكرت على النحو التالي:
لا شك أن هناك قضية الجانب المالي، ووجود دخلٍ، وهذا سيحسن وضع الأسرة الاقتصادي، كذلك ارتفاع مستوى الوعي والثقافة لدى العاملة، وأيضًا علو مكانتها اجتماعيًّا، وشُغل وقت فراغها، وكذلك يُبعد عنها وساوس النفس، إذا كانت فارغةً في البيت، وكذلك تسد ثغراتٍ قد يكون المجتمع بحاجةٍ إليها، مثل الطب، والتعليم، وكذلك يرفع العمل المستوى الثقافي والاقتصادي للمجتمع؛ حتى يواجه تحديات العولمة بنجاحٍ، نظرًا لحاجة المرأة إلى العمل في بعض هذه الأمور؛ مواجهةً للعولمة التي ما تركت صغيرةً ولا كبيرةً إلا ودخلتها، كذلك في التنمية -كما جاء في بعض الدراسات- لشخصيتها بما يسمى بتأكيد الذات، وتكون أيضًا أقدر على التعامل مع شرائح الناس، وتحافظ من خلاله على وقتها ولا تضيعه، هذا بعض ما ذُكر على أية حالٍ من الإيجابيات.
ننتقل إلى قضية السلبيات التي أُشير إليها مجموعةً من نواحٍ متعددةٍ من أدبيات هذا الموضوع كما ذكرنا:
- خروجها للعمل هو تعطيلٌ للعمل ذاته، ذكروا أن المرأة أصلًا معرضةٌ لقضايا التغيرات الفسيولوجية وما يرتبط بأثر ذلك على الجوانب العصبية والنفسية لديها، وسنجد أننا بين أخذٍ وعطاءٍ فيما يتعلق في وضعها من آلامٍ، وإجازاتٍ، ونفسيةٍ، وقد ذكر البعض أن هذا بلا شك سلبيةٌ حقيقةً في مقابل الإيجابيات السابقة؛ فإنه يعطل العمل الذي تقوم هي به.
- أيضًا أكّد بعض الباحثين ما يتعلق بقضية وجود نسبةٍ حقيقيةٍ من المعاناة من الإرهاق والتوتر والقلق، وإذا كان الرجل يعاني من ذلك فكيف بالمرأة، والمسؤوليات عند المرأة تتنازع بين الأسرة وبين الزوج وبين العمل، ولذلك ذُكِر في بعضها أنها كانت سببًا لازدياد نسبة المدخنات لهذا الاعتبار، ونظرًا لقضية محاولة الخروج والهروب من التوتر والقلق والإرهاق.
- كذلك جاء في بعض الأبحاث الطبية وجود –حقيقةً- دراساتٍ تثبت أن التغيرات الفسيولوجية التي تحصل للمرأة بسبب العمل، أدت حقيقةً إلى جانبٍ من العقم، والعجز عن الإرضاع، وانخفاض معدلات الخصوبة والإنجاب، وكل ذلك تميزت به المرأة العاملة (خارج المنزل)؛ في مقابل غير العاملة.
- يشير عددٌ من الباحثين أيضًا أن هذا أدى لقضية انتشار البطالة الرجالية، وأثر ذلك على الوضع الاقتصادي، وصار هناك هدرٌ حقيقيٌّ للطاقات، وكذلك تضيع الفرص على الرجال، هذا مما ذكر أيضًا.
- أيضًا اختلالٌ في الاستقرار المنزلي والتماسك الأسري، وهذه قضيةٌ ظاهرةٌ وواضحةٌ، ويذكر أهل الاختصاص أن الأطفال حينما يتنازع عندهم مصدر السيادة، يحصل لديهم بلا شكٍّ عقدٌ نفسيةٌ، والسيادة هنا حصلت بسبب وجود الاستقلال المالي لدى المرأة، في مقابل الاستقلال المالي للرجل، وعندئذٍ تُتنازع السيادة في الأسرة.
- تكثيف العمل عليها، وهذا يرهقها بلا شك.
- كذلك وجود الاستقلال الاقتصادي لدى المرأة -وهذا مما ذكرته بعض الدراسات- يساعد على ارتفاع نسبة الطلاق، والخروج من قوامة الرجل، وذكر في ذلك أن الجانب العاطفي لدى المرأة والذي يغلُب عليها، يؤثر في اتخاذ قراراتٍ غير حكيمةٍ، مما يؤدي إلى قضايا الطلاق وما شابه ذلك، نظرًا لاستقلالها الماليّ وأنها بعد أن كانت بحاجةٍ للرجل أصبحت لا حاجة لها به.
- أيضًا ذُكر من السلبيات: أنه ينتج عن العمل خارج المنزل: العنوسة، وكثرة الطلاق، وتحديد النسل، وتفشي العلاقات المحرمة، والجرائم، والاعتداءات الجنسية، والخيانات الزوجية، والتحرش، والابتزاز اللاأخلاقي، وحقيقةً هذه النقطة هي أشكل نقطةٍ على مستوى العالم، والورقة التي كانت قبل قليلٍ حقيقةً، والمركزة فيما يتعلق بالتحرش؛ قد أكدت هذه القضية بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، وهذه القضية هي القضية الأولى التي ينبغي للعقلاء حقيقةً أن يتنبهوا لها، فكيف بالذين يحملون معالم ومقاصد الشريعة الإسلامية الغرّاء.
- كذلك أيضًا أكدت على أن العمل قد يؤثر على انحراف الأطفال المراهقين، والسبب في ذلك: أن الاستقرار المالي ليس عوضًا عن قضية الحنان، ولا عن قضية القرب المادي الحسي من الأم لأبنائها، وكذلك ليس عوضًا عن القرب المعنوي من الرحمة، والود، والتعاطف، والشفقة، فهذا سيساعد أيضًا -كما أثبتت الدراسات- على انحراف الأطفال والمراهقين.
- يزيد من المصاريف الشخصية: وهذه قضيةٌ واضحةٌ جدًّا، كلما أصبح المال بين يدي المرأة.
- يقلل علاقاتها خارج نطاق العمل لضيق وقتها، كذلك دلت الدراسات في ذلك أن العلاقات تصبح قويةً في إطار العمل، ضعيفةً خارج إطار العمل.
- أيضًا إذا اتصف العمل بالروتينية فإنه يسبب لها الملل والإحباط، وتصبح قضية إمضاء وقت العمل قضيةً تشعرها بالاكتئاب، والإحساس بالذنب والتقصير تجاه أطفالها وزوجها، وهذا يسبب لها حقيقةً جانبًا نفسيًّا من الاكتئاب والشعور الدائم بلوم النفس.
- يسبب أيضًا تدني المستوى التحصيلي عند الأطفال.
- يولّد لها الضغوطات فهي حينما تنظر وهي في العمل إلى وضع أبنائها، وأن أحدهم ربما كان مريضًا.
- تحدث بعض الإشكالات لدى الأطفال من العدوانية، ومن سرعة الغضب، ورفع الصوت وما شابه ذلك من الأمور.
- يقلل من درجة التوافق النفسيّ الاجتماعيّ لأبنائها، وفي إحدى الدراسات توصلت أن أكثر مشكلةٍ تواجه المرأة العاملة في بيئة العمل المختلط؛ هي التمييز بين النسائي والرجالي في الترقيات الوظيفية.
- وانتشار ظاهرة الوشاية بين العاملات من أجل الترقية، وضعف العلاقات الاجتماعية، وكذلك أثبتت أيضًا أن هناك ارتفاعًا في درجة النقد الذاتي لديهنّ.
- وقلة الثقافة المهنية في ظل البيئة المختلطة.
- وأبناء غير العاملات أفضل من أبناء العاملات في المجال الاجتماعي، كما توصلت إحدى الدراسات.
التوصيات:
حتى نحافظ على هذه الإيجابيات، وكذلك الوقاية من السلبيات، وتحقيق الاستقرار الذاتيّ والاجتماعيّ، وزيادة الإنتاجيّة للمرأة:
- تخفيف ساعات العمل، وخاصةً للمرأة العاملة المتزوجة، وعلى الأخص التي لديها أولاد.
- صرف راتبٍ لربات البيوت مقابل عملها الرئيسي في رعاية حقوق زوجها وتربية أولادها.
- نقطةٌ أخرى: تفعيل برامج العمل عن بُعد، لمواجهة بطالة المرأة، من خلال إنجاز الأعمال في المنزل، عن طريق استثمار التقنية، ووسائل التواصل الحديثة، واعتماد وظائف رسميةٍ لها.
- منح المرأة العاملة إجازةً مجزيةً بعد الولادة، تضمن فيها راتبها كاملًا، وتُعطي طفلها الرضيع حقّه من الرضاعة والعناية.
- وكذلك الفصل التام بين الرجال والنساء في الوظائف والمهن، ومنع جميع صور الاختلاط الممنوعة شرعًا، فتكون المرأة العاملة مع بنات جنسها في مكانٍ منفصلٍ عن الرجال تمامًا.
- أن تكون الأعمال والمهن متناسبةً مع فطرة المرأة، وخصائصها، وأنوثتها، وما يحبّ الله أن تكون، فلا مساواة بينها وبين الرجل في ذلك وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36].
- حظر تشغيل المرأة ليلًا، وتوفير حضانةٍ في بيئة العمل من قِبَلِ أصحاب العمل.
- تخفيف الأعمال والتكاليف خلال الفترة الأخيرة للحمل.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكلّ خيرٍ، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.