بسم الله الرحمن الرحيم
حاجة للشباب -ذكورًا وإناثًا- يجب أن نُدركها في واقع أسرنا اليوم، ألا وهي ما يتعلق بالحاجة المعرفية والثقافية والعلمية، وهي حاجة مهمة جدًّا.
فالثقافة والمعرفة حصانة فكرية وبناء، فالشاب لديه نمو عقلي ونمو معرفي، فلا بد من وجود تربية من الأسرة على هذا النمو، ولا تعتمد فقط على المدرسة.
ونحن نعرف الاستدراكات الموجودة اليوم في التعليم، ومن الخطأ الكبير أن تُسند مهمة تربية هذا الشاب إلى جهة معينة فقط دون أن تهتم الجهات الأخرى بذلك، ومن ذلك الأسرة، فالتربية لا بد أن تكون تكاملية، فعلى الأسرة أيضًا أن تهتم بقضية البناء المعرفي والثقافي والعقلي للشاب.
وهناك دراسة عُملت على الشباب فيما يتعلق بالجانب المعلوماتي المعرفي في المرحلة الجامعية -ذكورًا وإناثًا- في المملكة (في المنطقة الشرقية، وفي الرياض، وفي جدة)، وخرجت الدراسة بنتيجة عنونتها الجهة المعنية بـ"شبابنا جماجم فارغة"، احتلت المعلومات والمعارف المتعلقة بجانب الفن والرياضة رقم 1 و2، وجاءت الجوانب المتعلقة بغير ذلك فيما بعد، وكان آخرها التاريخ والثقافة الإسلامية.
أُناس في المرحلة الجامعية، وقد أخذوا معطيات كثيرة جدًّا في الجوانب المعلوماتية والمعرفية في المراحل ما قبل الجامعية، وتكون هذه النتيجة!
هذه تُعطي دلالة كبيرة جدًّا على أن المخرجات المعرفية من التعليم لا يمكن أن يعتمد عليها؛ لذلك ينبغي أن يكون هناك استدراك من قبل الأسرة للبناء الثقافي المعرفي الذي هو مهم جدًّا للشاب، خاصةً اليوم في زمن ما يُسمّى بنقل وتناقل المعرفة، وما يُسمّى بالثورة الاتصالية، فهو يقرأ معلومات ومعارف، وتهجم عليه شبهات، فماذا يفعل بها؟ فهذه قضية مهمة جدًّا على الأسرة أن تنتبه لها.
القراءة الموجهة طريقة من الطرق المهمة جدًّا، يعني: أُعطي الأبناء، كلٌّ على حسبه: هذا يميل للقصص، وهذا يميل للجانب العلمي الطبيعي، وهذا يميل للجانب الفقهي، فأنا أُعطيه الاتجاه الإيجابي الذي يتّجه إليه حتى يُحب القراءة، وينمو عنده ما يتعلق بحب القراءة، من وقت مبكر بلا شك، ليس فقط مع الشاب، حتى ما قبل مرحلة الشباب، فلا بد من القراءة الموجهة، وتُعزز بمكافآت.
وتكون هذه القراءة الموجهة على حسب الشخص، أو تُناسب الجميع كحدٍّ أدنى: كقراءة في السيرة النبوية، وقراءة في الأخلاقيات، ويُعطى عليها مسابقة، وتكون القراءة متناسبة من حيث الوقت والكم، ومن ثم تُجرى عليها المسابقات الثقافية بين الأبناء.
ولا بد من مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء في مرحلة الشباب -ذكورًا وإناثًا- كلٌّ على حسبه؛ لأن البعض عنده تميز في الجانب البحثي، وتميز في الجانب المعرفي، لكن يحتاج مَن يُوجّهه، هذا أقرب إلى الاهتمام به، والعناية به، وبعضهم لا، ربما تكون عنده ميول أخرى، والجانب المعرفي ضعيف، لكن يحتاج الحد الأدنى الذي لا ينساه: إما باجتهاده وإرادته الذاتية مع توجيهنا، وإما أن نُعطيه من خلال نقاشاتنا وحواراتنا وجلساتنا الأسرية، وقراءة بعض الكتب، وقراءة بعض الأشياء.
أعرف بعض الأسر التي تجتمع على القراءة: كبيرها وصغيرها، موظفها وطبيبها ومعلمها .. إلى آخره، فأنهوا مجموعةً من الكتب المفيدة والنافعة التي تجعلهم في بناءٍ من أمرهم، وفي حصانةٍ من أمرهم، ووقاية كبيرة جدًّا، أنهوا كتب الشيخ عمر سليمان الأشقر -رحمة الله عليه- وقرأوا في التفسير أجزاء ضخمة من تفسير الشيخ ابن سعدي، رحمة الله عليه.
هذه قضايا مهمة جدًّا، ونحن نحتاج إلى مثل هذه الأساليب حتى نساعد أبناءنا على تنمية جانب القراءة وحب القراءة، وكذلك التوعية والتثقيف، ولا سيما القراءة الجماعية، فنقرأ مع بعضنا، ونُعلّق، وهذا من الأساليب الجيدة، مع المسابقات الثقافية التي ذكرناها، وعدم الاعتماد على الجهات الخارجية كلما كان لدينا مكتبة داخل البيت.
ولا بد من تحفيز الأبناء من خلال برنامج، وإيجاد أقران لهم، ومعلمين جيدين، وكذا أندية القراءة الموجودة في بعض الجهات التعليمية كما نسمع في بعض الجامعات، وينخرط الأبناء فيها.
فبعض البيئات التربوية لا شك أننا حينما نساعدهم على مثل هذه الفكرة، ونقترح لهم، ونعززهم، ونساعدهم من ناحية الأفكار والأموال؛ لا شك أن المساعدة والمساندة ستكون جميلة جدًّا لأبنائنا، بإذن الله .
جعلنا الله وإياكم من الذين يحملون العلم، والله قد قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، وهو أول ما أنزل على النبي .
والحمد لله رب العالمين.