بسم الله الرحمن الرحيم
هناك قضية رئيسة متعلقة بالشاب -ذكرًا كان أو أنثى- في الأسرة ينبغي أيها الإخوة والأخوات من الآباء والأمهات العناية بها، وهي ما يرتبط بحاجاته النفسية، فهو عبارة عن إنسان له عقل، ومشاعر، ووجدان، وجوارح، وحركة.
فالجانب الوجداني هذا مهم جدًّا؛ لذلك لا بد من بناء هذا الجانب فيه بطريقةٍ إيجابيةٍ من خلال بيئة صحية تربوية قائمة على الود والحزم، وقائمة على التفاهم والحوار، وقائمة على الإغضاء وغض الطرف، وقائمة على أشياء من الجوانب القيمية الإيجابية الراقية في التعامل بين البشر عمومًا، فكيف بين الآباء والأبناء؟ لا شك أنها ستُعطي استقرارًا نفسيًّا.
والمشكلات النفسية موجودة وتزداد، وأنا آخذ إحصائية في مجتمعنا السعودي بتصريح لأحد مسؤولي وزارة الصحة -كما نشرت إحدى الصحف- أن في نوفمبر 2011م -يعني قبل نهاية السنة، قبل نهاية اثني عشر شهرًا- يوجد 500 ألف من المرتادين للعيادات النفسية في المملكة -ذكورًا وإناثًا- من السعوديين، وأكثر من 60% منهم هم من الشباب.
هذه قضية خطيرة جدًّا، وتحتاج إلى نظرٍ واهتمامٍ وعنايةٍ: لماذا يزداد هذا العدد في أقل من 12 شهرًا؟! ومَن المسجلين الذين ذهبوا بإرادتهم؟!
وهناك أناس عندهم مشكلات نفسية: انفصام في الشخصية -يعني: وسواس قهري- مثلًا، وقضايا معينة، لا يذهبون إلى مستشفيات تُسجل حالاتهم، فعندئذٍ يكون العدد أكبر من ذلك.
فنحن في أمس الحاجة إلى إدراك هذه القضية: من أين أتت؟
هذه الدراسة تقول: إن السبب هو: التفكك الأسري، والغلظة في التعامل، وأُضيف: والدلال في التعامل.
وقد أكدت الدلائل وكذا الإشارات التربوية والدراسات والوقائع أن المنتج من الدلال والمنتج من القسوة هو منتج واحد في التمرد بالنسبة للآباء -ذكورًا وإناثًا- وعدم الاستقرار النفسي، مع أن هناك جوانب أخرى قد تظهر في الدلال ولا تظهر في الشدة، والعكس كذلك.
إذن نحن نحتاج إلى بيئة نفسية آمنة قائمة على أن هناك استقرارًا نفسيًّا عند الآباء والأمهات، وتعاملًا حسنًا بين الزوجين، وكذا بين الزوجين والأبناء، والقُرب منهم ماديًّا، والقُرب منهم معنويًّا، وإعطاء وقت لهم، والجلوس معهم، ومُمازحتهم، ومداعبتهم، وكذلك الاهتمام باهتماماتهم، والعناية بهم.
فإذا حصلت مشكلة -وقد تحصل لكل أحدٍ- عندئذٍ نُوجّه إلى مُختصٍّ إذا لم نستطع أن نجد لها حلًّا، أي: لا بد أن يكون لنا دور في هذه القضية، أو نكون مُعالجين مُباشرين.
ومن المهم جدًّا أن يُثقّف الآباء والأمهات أنفسهم في هذه القضايا، فيدخلون بعض الدورات المتعلقة بقضية تعديل السلوك وقضايا التعامل حتى يستطيعوا أن يعرفوا ما المفاتيح التي يفتحونها على الشباب: ذكورًا وإناثًا؟
فالشاب يحتاج هنا إلى مَن يُشعره بالثقة، وإلى مَن يحترمه، ولا يُعامله على أنه طفل، فهذه قضية مهمة جدًّا، وهي من القضايا التي تُزعج الشباب، فلا بد أن يشعر بقيمته، ويُشجع ويُحفز، ليس فقط أن يُنتبه له حينما تكون مشكلة يُخالف فيها قضية معينة في البيت، أو في توجيه الأب أو الأم، وتقوم القيامة.
وإنما إذا كان جادًّا وعنده أشياء كثيرة من الإيجابيات يُعزز ويُشكر، ويكون له كيان، وتكون هناك ممارسات واقعية مع العملية التربوية من المشاركة بين الآباء والأبناء حتى في اللعب، وحتى في الممازحة، فكيف بقضايا المعرفة والقراءة والجد والإنتاج، وما شابه ذلك؟ هذه قضايا نحن في أمس الحاجة إلى العناية بها.
فالشاب والفتاة عندهم قضية تأكيد الذات، وعندهم قضية الهوية والانتماء، وعندهم قضية الثقة، فلا بد أن يعرف ماذا يملك من طاقات؟ ولا بد أن يُحفّز بأن لديه من الطاقات والإمكانات، ويُعطى الفرص والبيئة التي تُساعده على تفريغ طاقاته وإمكاناته بطريقةٍ إيجابيةٍ، فهو يحتاج أن يعرف مَن هو؟ ومَن هي؟ الهوية، وينتمون إلى ماذا؟ وما القيم التي تضبطهم؟ وما الأمة التي ينتمون إليها؟ وما هي قدراته وطاقاته وميوله؟ لا بد أن يتعرف على هذه القضية حتى يكون له شأن في مثل هذه القضايا.
وإذا جاءت بعد ذلك، وقبل ذلك، وأثناء ذلك: مشكلة من المشكلات: قلق، توتر، اضطراب، وسواس، وما شابه ذلك؛ هنا يكون الحرص على علاجه، كما نحرص على القضايا العضوية -لا سمح الله-، يعني: إذا أُصيب بقضية عضوية صحية فإننا نذهب به إلى الطبيب، فكذلك نحتاج إلى هذا الجانب أكثر.
وكثير من الأسر تنظر للجانب النفسي على أنه قضية فيها شيء من النقص، وليس الأمر كذلك.
الله قال لنبيه : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6]، فالرسول أصيب بالهم، وأصيب بالحزن، وتعوذ النبي فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن[1]أخرجه البخاري (2893)، (6369)..
فالنفس البشرية يحصل عندها شيء من الحاجة إلى مَن يُعينها، والله وجّه نبيه وأيّده ، والإنسان يحتاج إلى مَن يُسليه ويُعينه على ذلك، فالأب والأم بأمس الحاجة إلى القُرب من الأبناء في هذا الجانب، واتخاذ الوسائل المناسبة من خلال المختصين المباشرين، والمختصات النافعات المهنيات، الذين يمكن أن يُخرجوا أبناءنا وبناتنا من مشكلاتهم التي ربما -كما قلت لكم- ازدادت بشكل كبير، خاصةً فيما يتعلق بقضايا التوتر والقلق والاكتئاب.
هذه القضايا من أهم المهام التي نحتاج أن ننتبه لها، ولها علاجٌ ولله الحمد.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم وإياهم أسوياء في هذه الحياة وسعداء.
↑1 | أخرجه البخاري (2893)، (6369). |
---|