المحتوى
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في برنامجكم الأسبوعي: "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية الفضائية.
كنا في حلقاتٍ سابقةٍ نتحدث معكم من خلال مجموعةٍ من تلكم الحلقات عن التربية من خلال القرآن، ولعلنا من هذه الحلقة -بإذن الله - ننتقل وإياكم إلى: التربية مع السنة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
مصادر التربية الإسلامية
في بداية هذه الحلقة أوصي الأسرة أن تعتني عنايةً شديدةً بالوحيين: الكتاب والسنة؛ لأنهما مصدران أساسيان، بل هما فيما يتعلق بقضية التربية رأس المصادر كما اتفقنا.
حينما تجلس الأسرة مع بعضها وتتعاطى مجموعةً من الآيات، والنظر فيها، وقراءة تفسيرها، والوقوف عند دروسها، لا شك أنها ستستفيد فائدةً عظيمةً جدًّا في حياتها، وستبني أجيالًا من خلال النظر في هذه الآيات، وهكذا في هدي النبي .
أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس
دعونا نأخذ بعض الأمثلة، وكيف نستطيع أن نستفيد منها في تربيتنا لأنفسنا ولأهلينا ولأسرنا، ولمَن هم في المحاضن التربوية المقصودة في المدارس والجامعات، وغير المقصودة في المحاضن التربوية التي تتناثر هنا وهناك؟
حينما نأتي مثلًا لموقف النبي مع الفضل بن عباس رضي الله عنهما، ابن عم النبي ، كان مع النبي عليه الصلاة والسلام في الحج، وكان في مُزدلفة ذات مرةٍ، وقد أسفر الصبح جدًّا، وأراد أن ينفر من مزدلفة إلى منى عليه الصلاة والسلام، وكان معه الفضل بن عباس، وكان شابًّا وسيمًا جميلًا، تقول الرواية: "مرت به ظعنٌ يجرين"[1]مسلم (1218). أمام النبي عليه الصلاة والسلام.
ماذا تتوقعون من النسوة اللاتي حججن مع النبي ؟
لا شك أنهن مُتستراتٌ، مُتعففاتٌ، وهنَّ في عبادةٍ، ومع ذلك وقعت عين الفضل بن عباس عليهن.
النبي تنبه لهذه القضية، وهو يُدرك الفطرة في ميل الجنس إلى الجنس الآخر، عليه الصلاة والسلام، فوضع النبي يده على وجه الفضل، وأدار وجه الفضل.
ثم نظر الفضل إليهن مرةً أخرى من الجهة الأخرى لما انتقلن إلى تلك الجهة، وهكذا النبي قام بهذا الإجراء عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الحديث: "فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع الرسول يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر"[2]مسلم (1218)..
دور المُربي في المُتابعة والمُراقبة
فماذا نستفيد -أيها الإخوة والأخوات- من هذا الجانب في حياتنا؟
يعني: ابتداءً الموقف موقف عبادةٍ، موقف طاعةٍ وحجٍّ، ومع ذلك تحصل مثل هذه القضية في الميل من الجنس للجنس الآخر، وهذه القضية حينما ننظر إليها لا نُبررها، وإنما نُشخص مثل هذه الأمور، ونتنبه لها.
وهنا دور المُربي في المتابعة والمراقبة والتَّنبه حتى يكون له الدور المؤثر؛ لأن الموقف موقفٌ مُفاجئٌ، نسوةٌ مررن أمام النبي ، والفضل نظر إليهن، والنبي تنبه لنظر الفضل للنساء، ففعل النبي هذا الأمر حينما وضع يده، ثم اتجه الفضل إلى الجهة الأخرى، وهكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا يُعطينا قضيةً رئيسةً ومهمةً فيما يتعلق بقضية المنهج الذي يُسمى: بالمنهج الوقائي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
أهمية المنهج الوقائي والمنهج العلاجي في التربية
إذن نحن نحتاج إلى المنهج الوقائي والمنهج العلاجي في نفس الوقت، النبي عالج المشكلة في أولها قبل أن تستفحل، في بداية الأمر لما رأى أن الفضل ينظر إليهن وهنَّ مُتستراتٌ كما قلنا.
أقول: نحن في أمس الحاجة إلى الرعاية والمتابعة والمراقبة والاهتمام والنظر والوقاية والعلاج في مثل هذه القضايا، في ظل الانفتاح الذي حصل اليوم فيما يتعلق بوضع الستر والعفاف فيما يرتبط بأحوال النساء للأسف الشديد، وكذلك فيما يرتبط بالتواصل والعلاقات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الذي قرَّب البعيد، فلذلك نحتاج إلى مثل هذا الأمر، ونستفيد منه.
هذا هو المنهج السليم فيما يتعلق بقضية الشهوات، فالنبي مع كونه نبيًّا، وابن عمه صحابيٌّ، وهما في الحج، ومع ذلك أراد النبي أن يعصم ابن عمه حتى لا يقع في فخ الشهوات.
أسأل الله أن يحمينا وإياكم من هذه الأمور.
وكم تأتي من استفساراتٍ، وتأتي من مشاكل، في مثل هذه القضايا المتعلقة بجانب الشهوات.
فلا بد من وازعٍ إيمانيٍّ داخل الفرد، وإذا لم يكن هذا الوازع الإيماني بالمستوى المطلوب فلا بد من أن يُساعدوا على وقاية المُتربي حتى لا يقع في فخ تلكم الشهوات.
في السنة النبوية نصوصٌ وأخبارٌ يمكن أن يُستفاد منها في التربية
أيها الإخوة، نحن الآن مع مداخلةٍ كريمةٍ من أخٍ عزيزٍ، وهو الشيخ الدكتور: صلاح الزيات، المختص بالسنة النبوية.
أهلًا ومرحبًا بكم يا شيخ صلاح.
المتصل: الله يُحييك، مرحبًا بك يا دكتور خالد.
المحاور: يا مرحبًا، جزاك الله خيرًا على استجابتك لهذه الدعوة، ونسعد بهذه المداخلة، ونحن نتحدث بعد أن عشنا في حلقاتٍ عديدةٍ مع كتاب الله ، ففي هذا اليوم نبدأ مع سنة النبي ، وكيف نستفيد منها في جانب التربية؟
الوقت بين يديك، بارك الله فيك.
المتصل: الله يحفظكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإن السنة النبوية اشتملت على جملةٍ وافرةٍ جدًّا من النصوص والأخبار التي يمكن أن تُستفاد منها قواعد ضخمةٌ في التعامل وفي التربية التي سلكها النبي .
ولا يخفى أن النبي هو ممثلٌ للكمال البشري، وبالتالي فإن مَن فوَّت على نفسه النظر في السنة لاستنباط قواعد في التربية ونماذج في التربية الصحيحة؛ فقد فوَّت خيرًا كثيرًا.
النبي سنته اشتملت على جملةٍ وافرةٍ جدًّا من النصوص التي تُستفاد منها أصولٌ في التربية، ولا يخفى أن النبي بعثه الله -تبارك وتعالى- مُزكِّيًا، فهو الذي بشَّر: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة:2].
وهذه التزكية ظاهرةٌ جدًّا في النصوص النبوية، فعلى سبيل المثال من الأحاديث التي يمكن أن تُستقى منها أصولٌ كبيرةٌ في التربية: ما روته أمنا عائشة رضي الله عنها: أن أعرابيًّا جاء عند النبي ، فرأى النبي ﷺ يُقبل بعض صبيانه، فقال الرجل: وتُقبلون صبيانكم؟! فقال النبي : نعم، قال: إن لي تسعةً من الولد ما قبَّلتُ منهم واحدًا! فقال : أوأملك أن نزع الله من قلبك الرحمة![3]البخاري (5998)..
فهذا النموذج يدل على أن المُربي أحوج ما يكون إلى الرحمة في تربيته، وأن يكون شفيقًا رحيمًا، يتعامل تعاملًا مبنيًّا على هذه القواعد: الرحمة والشفقة مع المُربي.
وأيضًا من الأحاديث التي جاءت في السنة النبوية، والتي يمكن أن تُستفاد منها أصولٌ كبيرةٌ في التربية: الحديث المشهور في "صحيح البخاري": أن ابن عباسٍ رضي الله عنهما نام عند خالته ميمونة في بيت النبي ، فلما قام النبي يُصلي من الليل قام ابن عباسٍ فصفَّ بجانب النبي عن شماله، فأخذه وأداره برفقٍ حتى أوقفه عن يمينه[4]البخاري (117)، ومسلم (763)..
هذا الحديث العظيم فيه لفتةٌ نبويةٌ في كيفية بناء القدوة في نفوس الصِّغار، فابن عباسٍ لما بات عند رسول الله رأى كيف يُحيي النبي ليله؟ فتلقائيًّا تأثر بهذا السلوك النبوي العظيم، وقام بجانب النبي يُصلي.
فالقدوة أصلٌ كبيرٌ جدًّا، ونماذجها مبثوثةٌ في السنة النبوية.
المحاور: دكتور صلاح، هل هو نفس الحديث الذي رأى فيه ابن عباسٍ النبي وهو يتوضأ كذلك؟
المتصل: بالضبط، هو الحديث بطوله، لما بات كان يرمق النبي ، فحكى كيف قام من النوم، ثم قرأ العشر آيات الأخيرة من سورة آل عمران، ثم عمد إلى شنٍّ مُعلَّقةٍ فتوضأ منها ... إلى آخر الحديث[5]البخاري (183)، ومسلم (763)..
فهذا فعلًا يؤكد أهمية قاعدة القدوة في التربية.
المحاور: دكتور صلاح، أنت ذكرت مثالًا في الرحمة فيما يتعلق بالقصة التي ذكرتها عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي قصة ابن عباسٍ وما يتعلق بالقدوة.
إذن نحن في مقابل حقيقةٍ معينةٍ لا تنضب، فحياة النبي كلها مجالٌ للتلقي في قضايا التربية، ونتمنى أن نسمع شيئًا مما يفتح الله به عليك.
الآن كثيرٌ من الناس حينما يتحدثون في التربية قد يأخذون من هنا وهناك، لكنهم ينسون هذا المعين الذي بين أيدينا، ينسون هذا النبي العظيم الذي أنت ذكرت وصفًا جميلًا حين قلت: فيه الكمال البشري عليه الصلاة والسلام.
الضيف: اللهم صلِّ وسلم عليه، الواقع أن كثيرًا من الناس -مع الأسف الشديد- يترك هذا المعين الصافي الذي هو تمثيلٌ للكمال البشري، الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يُربي به أصحابه، حتى أخرج أكرم جيلٍ وأفضله وأكمله بعد النبي .
الواقع أن بعض الناس يعيش مشكلة استلابٍ -إذا صحت العبارة- حضاريٍّ وثقافيٍّ، فهو يبحث عن كمالاتٍ يظنها موجودةً في الشرق أو الغرب، فينتزع بالمناقيش قواعد تربويةً مثلًا عند بعض الكُتَّاب الغربيين، وشيءٌ من هذا موجودٌ عندهم، غير أن الأصل الذي تُبنى عليه كل هذه السلوكيات الرفيعة في التعامل والتربية موجودٌ في سنة النبي ، ولا يمكن لمُرَبٍّ ولا معلمٍ أن يقوم بتربيةٍ صحيحةٍ وتعليمٍ صحيحٍ تامٍّ مع الإعراض عن السنة النبوية، فكل ما أراد من النصوص والأمثلة التي يمكن من خلالها بناء الأنفس وبناء الأجيال وتربيتها التربية السليمة الصحيحة سيجد على هذا نماذج كثيرةً في أفعال النبي .
المحاور: ولو ختمنا بمثالٍ أخيرٍ يا دكتور صلاح -جزاك الله خيرًا- نستفيد منه أيضًا فيما يتعلق بهذا الجانب.
الضيف: نعم، ومن أوضح الأمثلة: حديث الصحابي الجليل عمر ابن أبي سلمة رضي الله عنه وأرضاه لما كان ربيبًا في حجر النبي ، وجلس كما يجلس الصبيان على الصَّحفة، وربما على الصحن أو السُّفرة، وربما وقع منهم تجاوزٌ في الأكل أو أخطاء فيه.
يقول عن نفسه رضي الله عنه وأرضاه: أن يديه كانت تطيش في الصَّحْفة، تمتد إلى هنا وهنا، ويأكل من هذا وهذا، هذا المشهد من النبي لم يمر دون توجيهٍ، فقال له كلماتٍ رسخت في قلبه، وحُفرت في ذاكرته، فحدَّث بها بعدما كبر، قال له: يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[6]البخاري (5376)، ومسلم (2022)..
هذا الحديث -كما نُلاحظ- أصلٌ مهمٌّ في ضرورة التوجيه التربوي في الأحداث والمواقف التي تمر على المربي، فهو لا يُفوِّت شيئًا من المواقف التي يمكن أن ينتفع منها المُتربي إلا وهو يزرع في قلبه توجيهًا وإرشادًا ونُصْحًا، فهذا واضحٌ في فعل النبي .
المحاور: جدًّا، جزاك الله خيرًا؛ لأن كثيرًا من الآباء ومن الذين يقفون مواقف مع هذه المراحل العُمرية الصغيرة يترك مجال التوجيه بحجة أنه صغيرٌ، فإما أنه يدعه ويتركه دون توجيهٍ، وإما أن يُوبخه ويغلظ عليه، ويكون في وضعٍ من القسوة والشدة التي قد تُنفره.
ولا شك أن ما ذكرته هو عين الحقيقة، ما نحتاجه في التعامل مع مثل هذه المراحل العُمرية.
جزاكم الله خيرًا، وفتح الله عليكم، وسعدنا بكم، وإن شاء الله نحظى بأن تكون ضيفًا لنا في إحدى الحلقات، بإذن الله الواحد الأحد، جزاكم الله عنا خيرًا.
المتصل: شكرًا لكم يا دكتور خالد، الله يرضى عنك.
المحاور: يا مرحبًا، جزاكم الله عنا خيرًا.
كان معنا الشيخ الدكتور صلاح الزيات إمام وخطيب جامع المسحم بالدمام، والمختص بالحديث والسنة.
ونحن أيها الإخوة من خلال ما ذكر الشيخ -وفَّقه الله، وهو من المُختصين في مجال (الدكتوراه) في السنة- أدركنا ما بدأنا به في أهمية هذا المصدر، والحاجة إلى أن نقف على مواقف بسيطةٍ جدًّا وقفها النبي ، فنحن في أمس الحاجة إلى أن نستقي منها مثل هذه الدروس والمواقف، يعني: الرحمة -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-، القدوة، الموقف، التوجيه، وعدم تفويت الفرص، واستغلال الأحداث في بناء الإنسان، وما شابه ذلك.
لا شك أن مثل هذا الأمر مهمٌّ، ونحن حقيقةً نجزم من خلاله بحاجتنا إلى الاستقاء والأخذ من معين السنة النبوية.
أيها الإخوة والأخوات، ما زلنا معكم في موضوع: التربية والسنة، وكيف نستطيع أن نستفيد من سنة النبي في تربية أنفسنا وتربية أجيالنا في بيوتنا ومدارسنا ومجتمعنا.
عدم الميل عن الكتاب والسنة إلى غيرهما
دعونا نأخذ موقفًا آخر من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام، بأبي هو وأمي.
لقد كان البطل في هذا الموقف هو: عمر بن الخطاب كما جاء في الحديث الصحيح: أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: "إنا نسمع أحاديث من يهودٍ فتُعجبنا، أفترى أن نكتب بعضَها؟" يعني: عمر بن الخطاب قرأ شيئًا من التوراة، فأعجبته بعض الأمور، وجزمًا الذي أعجب عمر بن الخطاب لا يمكن أن يتصور أنه سيُخالف الكتاب والسنة من حيث الأصل، ولو أدرك المُخالفة لما ذكر للنبي هذا الطلب.
فقال له النبي : أَوَمُتَهَوِّكون أنتم كما تَهَوَّكَت اليهودُ والنصارى؟! لقد جئتُكم بها بيضاء نقيةً، ولو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتِّباعي[7]البغوي في "شرح السنة" (126)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (177)..
الله أكبر! هذا الموقف نحتاجه بشكلٍ كبيرٍ، ولعلنا نقف معه وقفةً في ظل زمن الشبهات الذي نعيشه اليوم، وأوج تلك الشبهات التي أصبحت تخطف، ويقع عندها الشباب وغير الشباب.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لديه مصدرٌ أصليٌّ للتلقي، ألا وهو كتاب الله، وسنة النبي ﷺ، وبين يديه النبي عليه الصلاة والسلام.
والتوراة موجودةٌ، بغض النظر عن انحرافها، لكنها موجودةٌ، النبي ﷺ يمنعه ويقول: أَوَمُتَهَوِّكون، وحين ترجع إلى اللغة تجد أن "مُتهوِّكين" يعني: شاكّين، مُتحيرين. فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يقطع هذا عن عمر، وعن غير عمر.
فالبشر مهما كان لديهم تأثرٌ فإنهم يعيشون التأثر والتأثير، فهذه الشبهة التي يقرأها هنا وهناك قد تُؤثر في عقله وفكره.
هل يضرب المُربي قبل العشر سنوات؟
الأخ الكريم عبدالله من المغرب.
تفضل أخي عبدالله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: بارك الله فيكم يا شيخ، وجزى الله خيرًا القائمين على هذا الصرح العظيم.
المحاور: الله يحفظك، ويبارك فيك.
المتصل: أخوكم أو تلميذكم مدرس من المغرب، له فقط عامان من التجربة، ليست بشيءٍ، ولكن أستفيد منكم كثيرًا، فقط يا شيخ لكي لا أُطيل عليكم.
المحاور: أنت معلم يا أخ عبدالله؟
المتصل: نعم.
المحاور: في أي تخصصٍ؟
المتصل: المرحلة الابتدائية.
المحاور: تخصصك في أي مجالٍ؟
المتصل: نحن في المغرب ندرس من المرحلة الابتدائية من الأطفال الذين يبلغ سنهم ست سنوات إلى اثنتي عشرة سنة.
المحاور: ما سؤالك الله يحفظك؟
المتصل: نُدرس كل المواد: اللغة العربية، الفرنسية، الرياضيات.
المحاور: ما سؤالك يا شيخ عبدالله، الله يحفظك؟
المتصل: ثبت عن النبي أنه لم يضرب بيده أحدًا إلا وهو يُجاهد في سبيل الله، ولكن هنا بعض الأطفال أو بعض التلاميذ لا يدرسون إلا إذا ضربتهم، أو إذا كنت معهم شديدًا، قاسيًا بعض الشيء، فكيف نُوفق؟
المحاور: أنت يا أستاذ عبدالله -بكل الصدق- هل تضرب؟
المتصل: أحيانًا.
المحاور: تستخدم العصا؟
المتصل: نعم، ولكن ليس بشدةٍ، على اليد ضربتان لمن لم يحفظ سورةً مثلًا.
المحاور: ولكن ما مدى قوة الضرب؟
المتصل: لا، ليست قويةً.
المحاور: سؤالك واضحٌ يا شيخ عبدالله، جزاك الله خيرًا، وسنُعلق عليه.
المتصل: بارك الله فيكم.
المحاور: حياكم الله يا شيخ عبدالله، وحقيقةً أنا أشكرك وأُهنئك لكونك معلمًا، جزاك الله خيرًا، وأنت في بداية تعليمك أقول لك: عضّ على هذه الوظيفة وهذه المهنة بالنواجذ، فالمعلم مُرَبٍّ، والمُربون هم ورثة الأنبياء، والأجيال اليوم في أمس الحاجة إلى أن نقف معهم موقف المعلمين المُربين، وهذا الذي أُؤكد عليه: أن يكون المعلم مُربيًا.
أما ما يتعلق بسؤالك حول الضرب: فقد تكلمنا عنه في حلقاتٍ سابقةٍ، ولعلك تعود إلى الرابط المتعلق بقناة "زاد" في (الإنترنت) وبثّ هذه الحلقات "أسس التربية" وستجدها موجودةً ومُؤرشفةً.
على أية حالٍ، ستجد -إن شاء الله تعالى- كلامًا حول هذا الموضوع، ونقلنا كلامًا للشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمة الله عليه- فيما يتعلق بهذا الأمر، وذكرنا كلامه حتى في مستوى الضرب، وأن يكون ضربًا بمثابة إشعارٍ في هذه القضية، لما ناقش قضية: هل يضرب قبل العشر أو لا يضرب؟ بناءً على حديث: واضربوهم عليها لعشرٍ[8]أخرجه أحمد في "مسنده" (6756)، وقال مُحققه: إسناده حسنٌ.، ونقاش البعض: هل يضرب قبل أم لا؟
كذلك ظهر من الكلام المتعلق بكلام العلماء وما يرتبط بذلك عمومًا: أن قضية الضرب وسيلةٌ لا يمكن إنكارها، ولكن آخر الدواء الكي، ومن خلال الضوابط الشرعية والتربوية المهمة التي ينبغي ألا نغفل عنها ونحن نمارس ذلك، فلا يكون الضرب ضربًا مؤذيًا، ضربًا يُراد به أن نُسكت الموقف السلبي فقط في لحظة حصوله.
ولكننا لا نقف على آثار هذه العقوبة على النفس، وعلى الوجدان، وعلى المشاعر؛ ولذلك بعض المُربين يرفضونها، وإن كنت أريد أن أكون دقيقًا في هذا الكلام؛ كي لا يُفهم من كلامي رفض قضية عقوبة الضرب، ولكن نضعها في المربع الأخير، وعندما تبحث عما يتعلق بتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام في قضية الضرب، وممارسة النبي ، وقبل ذلك كتاب الله تعالى؛ ستجد أن هذه العقوبة من الأشياء البسيطة جدًّا والنادرة والقليلة التي مُورست.
استخدام وسائل تربويةٍ أخرى غير الضرب
لذلك أقول وأكرر: أخي الكريم الأستاذ عبدالله، هناك وسائل أخرى غير الضرب، عندنا الحرمان، لو استخدمنا الحرمان في العقوبة بطريقةٍ سليمةٍ، لو حرمنا الطفل شيئًا يُحبه، يُحرم منه في وقتٍ مناسبٍ، ويتناسب مع السلوك السلبي الذي لديه؛ أجزم في مثل المرحلة التي أنت تدرسها أنها ستُؤثر عليه بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
وهناك أساليب كثيرةٌ يقولونها، ومنها: التعزيز للسلوك المضاد، بما أنك تُعزز أخي عبدالله السلوك المضاد، تقول له: لو عملت السلوك المقابل الإيجابي سأُكافئك بالشيء الذي تُحبه. وهناك أساليب عديدةٌ جدًّا.
وكما قلنا لكم من قبل: نتمنى من الإخوة المُربين أيًّا كانوا: آباء، أو معلمين، ذكورًا، أو إناثًا أن ينظروا في مهارات تعديل السلوك، وذكرنا كتابًا للشيخ محمد المنجد بعنوان: "أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس"، وهو مهمٌّ جدًّا وموجودٌ بنسخة (PDF) على الشبكة العنكبوتية.
وفقك الله يا شيخ عبدالله، وشكرًا لتجاوبك معنا.
النبي يُغلق باب الشبهات
طيب، عودًا أيها الإخوة والأخوات إلى ما يتعلق بقضية موقف النبي مع عمر بن الخطاب فيما يتعلق بقضية الشبهات.
اليوم أصبحت عندنا شبهاتٌ كثيرةٌ وخطيرةٌ جدًّا، وكلنا سمع بها، وعندما نقارن الوضع الراهن بأوقاتٍ سابقةٍ سنجد إفراطًا وتفريطًا في قضايا الأفكار، نتحدث عن أفكارٍ متعلقةٍ بقضايا الغلو والتطرف والتكفير، أيًّا كانت اتجاهاتها وانتماءاتها .. إلى آخره، ونتحدث في الاتجاه الآخر عما يرتبط بالإلحاد والتغريب والليبرالية .. إلى آخره، أيًّا كانت اتجاهاتها وأمثالها، وما شابه ذلك.
هذه الشبهات التي تتلقفها بعض الأجيال، وخاصةً مع وسائل الاتصال الحديثة، وأثر ذلك عليهم، فهم يحتاجون إلى الاستفادة منها كمُربين، نحتاج أن نستفيد هذا في تربيتنا لأبنائنا، وأيضًا العقلاء من المُتربين لا بد أن يُدركوا موقف النبي مع عمر بن الخطاب، حتى يُدركوا أن هذا ليس شكًّا من النبي في عمر، وإنما وقايةٌ، فالنبي يريد لعمر وللأجيال أن يستقوا من مصدرٍ صافٍ نظيفٍ، ولا يتلوثوا بالتلقي من مصادر أخرى؛ حتى يسلكوا في هذه الحياة بسعادةٍ وهناءٍ.
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فأنت تتلقى أيها الأخ الكريم، أيها الشاب، أيتها البنت، أيها المسلم، تتلقى من مصدرك الذي تفضل الله به عليك، ألا وهو الكتاب والسنة.
نحن بحاجةٍ إلى التوجيه المُباشر
معنا الأخ أبو محمد من قطر.
تفضل أخي الكريم.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيَّاك الله.
المتصل: الله يُعطيك العافية، ويُبارك فيك، إن شاء الله.
المحاور: يا مرحبًا، وفيك حبيبي.
المتصل: الله يُحييك أخي الكريم، توجد طريقةٌ -الله يسلمك- استخدمتها، وهي -صراحةً- فعَّالةٌ مع الأطفال عند المخالفة، نقول لهم: إن هذا ليس من عمل المؤمنين. والله إنه تجاوبٌ طيبٌ جدًّا، وقد أحببتُ أن أذكر هذا الأمر، وبارك الله فيكم.
المحاور: أنت جرَّبتها مع أحد أبنائك؟
المتصل: لا، جربتها صراحةً مع الأطفال الموجودين في المسجد، والأطفال الموجودين في الخارج.
المحاور: يمكن أن تذكر لنا موقفًا من هذا القبيل -الله يُعطيك العافية-، أقصد موقفًا سلبيًّا حصل لأحد الأطفال، وقلت له هذا الكلام، هل تذكر شيئًا من هذا أخي محمد، أو ما تذكر؟
المتصل: أذكر، ولكن لا أستطيع أن أقوله.
المحاور: على أية حالٍ، جزاك الله خيرًا، وهذا يدل على حرصك، وكما ذكر الشيخ الدكتور صلاح الزيات قبل قليلٍ: موقف النبي مع عمر ابن أبي سلمة، قضية: سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[9]البخاري (5376)، ومسلم (2022).، وهي قضية التوجيه المباشر، ونحن نحتاج هذا حتى مع أبنائنا، فيمكن أن نستخدم هذا الأسلوب الذي ذكره الأخ الكريم مشكورًا مأجورًا.
دعونا أيضًا في الوقت المتبقي نجيب عن بعض الأسئلة التي ما زالت مُعلَّقةً، ونعتذر للإخوة والأخوات الذين لم نُجب عن أسئلتهم في الفترات السابقة، الآن سأجيب عن بعضها، ونعتذر جدًّا، وأتمنى أن يأخذوا من خلال الإعلان الذي يُنشر في القناة الخاص بالاستشارات، ومن تواصلهم في (الواتس آب) الخاص بالقناة، حتى أُجيب عن أسئلة الإخوة والأخوات السريعة أو المُستعجلة، وعليهم أن يُذكرونا من خلال رسائلهم بالإجابة، بإذن الله .
س: كيف أُربي ابني على الأخلاق الرائعة وحُبّ الآخرين؟
ج: باختصارٍ شديدٍ جدًّا نقول لهذا السائل، أو هذه السائلة: نحن نحتاج القدوة أولًا، فهذه القدوة مهمةٌ جدًّا جدًّا جدًّا، فحينما يجدون من أنفسنا نحن المُربين أننا نُمارس هذه الأخلاق وحبّ الآخرين وخدمتهم لا شك أنهم سيكونون مثلنا.
فهذه القضية المتعلقة بي وبك كمُربين ينبغي أن نُبرزها، ولا نستطيع أن نُوجه الأجيال بالتوجيه اللفظي إذا كنا بعيدين عن الممارسة العملية نحن كمُربين.
هذه النقطة الأولى، وهذا أثر القدوة، وهي كما أثبتت الدراسات والطبيعة، وحتى أدبيات الشريعة قبل ذلك وبعده.
إن قضية التأثر بالأفعال -أيها الإخوة والأخوات- أقوى من التأثر بالأقوال؛ لذلك البعض من المُربين والمُربيات يقول: وجَّهنا، وتكلمنا، وقلنا، وتعبنا! انظروا إلى القدوة، هل أنتم قدوةٌ فيما تُوجهون إليه، أم لا؟ انظروا لهذا الباب: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3].
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
النقطة الثانية: نوصي بالممارسة العملية للمُتربي نفسه: أن أضعه في ممارسةٍ عمليةٍ.
صحيحٌ أن النقطة الأولى ما يتعلق بالقدوة، لكن هنا ممارسةٌ عمليةٌ، دعوه يخوض الجانب المتعلق بخدمة الآخرين، دعه يُشارك بعملٍ تطوعيٍّ، أعطه مجالًا ليتصدق على الفقراء، وأن يذهب إلى الجيران ويُعطيهم مما طبختم أو مما يمكن أن يُقدّم لهم، وهكذا، فالممارسة العملية قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
كيف نُعالج مشكلة رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة؟
معنا الآن الأخ أبو عبدالرحمن من الجزائر.
تفضل أخي أبو عبدالرحمن.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: كيف حالك يا شيخ؟
المحاور: تفضل، الله يبارك فيك يا أبا عبدالرحمن، أنت معلم؟
المتصل: يا شيخ، لي ابنٌ في عمر ست سنوات يرفض الذهاب إلى المدرسة، يخاف.
المحاور: طيب، ماذا فعلتم معه؟
المتصل: فعلنا معه كل المحاولات، منعنا عنه بعض الأشياء، ورغَّبناه في أشياء.
المحاور: أول سنةٍ له في الدراسة؟
المتصل: نعم، أول سنةٍ له، مع أن السنة الأولى ضيَّعها بالكامل.
المحاور: هل يبكي بقوةٍ يا شيخ؟ واضحٌ أنه خوفٌ شديدٌ.
المتصل: نعم، خوفٌ، كأن هناك شيئًا في المدرسة، أو عند الشيخ، أو عند المعلم، كأنه يخاف من المعلم.
المحاور: طيب، هل تأكدتم؟ فربما يكون السبب أخي الكريم هو نفس المعلم، قد تكون طريقة تعامل المعلم طريقةً مُخيفةً، فيها قسوةٌ، أو شيءٌ من هذا القبيل؟
المتصل: غيَّرت المدارس، وغيَّرت مسجدين أو ثلاثةً.
المحاور: هل الكلام متعلقٌ بالذهاب إلى المسجد، أو بالذهاب إلى المدرسة يا شيخ، أو كليهما؟
المتصل: كلاهما يا شيخ.
المحاور: أكيدٌ عندكم في الجزائر أطباء نفسيون، أليس كذلك؟
المتصل: نعم.
المحاور: موجودٌ أطباء نفسيون؟
المتصل: نعم، وحالته النفسية جيدةٌ يا شيخ.
المحاور: لا، ليس عيبًا، أنا أعرف حالاتٍ في هذا المضمار، ويحتاج إذا كانت هناك فرصةٌ أن تكون معه، وتذهب إليه في المدرسة، وتدخل عنده في الفصل الدراسي، ثم تنسحب شيئًا فشيئًا، تدريجيًّا، وتستخدم التعزيز، ويكون بينك وبين المعلمين تواصلٌ واتِّفاقٌ على التعزيز الجماعي، هذا ممتازٌ.
وهناك حالاتٌ أعرفها بحاجةٍ إلى علاجٍ دوائيٍّ يصرفه الطبيب النفسي بشكلٍ معينٍ لفترةٍ معينةٍ؛ فيخفّ عنده الخوف.
ولا عيبَ في ذلك يا شيخ ولا ضررَ، فابنك ما دام أنه لا يذهب إلى المدرسة، ولا يذهب إلى المسجد، ويشعر بالخوف الشديد، فأنا أرى يا أخي الكريم ألا تعتمد على الكلام الشفوي من خلال هذا البرنامج، عليك أن تأخذه إلى مُختصٍّ أو مُختصةٍ في الطب النفسي، وبإذن الله تستفيدون منه.
المتصل: أخذته يا شيخ إلى طبيبين نفسيين، لكن يذهب مع أخته إلى المدرسة بشكلٍ طبيعيٍّ.
المحاور: هل صرفوا له دواءً أم لا؟
المتصل: نعم، أعطته دواءً، لكن الدواء...
المحاور: ما نفع يا شيخ؟
المتصل: لم ينفعه الدواء، حتى أني ضربته.
المحاور: لا يا شيخ، ابتعد عن الضرب، وابتعد عن القسوة، بارك الله فيك، وتابعني عبر (الواتس آب) الخاص بالهاتف الاستشاري، وأُكمل معك من خلال (واتس) الهاتف الاستشاري، وشكرًا على اتصالك، وأسأل الله أن يرعى ابنك، وأن يحفظه، وأن يُخفف ما به من خوفٍ، بإذن الله .
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، ونُكمل معكم ما يتعلق بالأسئلة التي وردت عبر (الواتس) في الفترات السابقة.
س: يسأل عن قضية التربية، وعن الأخلاق، وعن قضية خدمة الآخرين؟
ج: ذكرنا القضية الأولى المتعلقة بأن نكون نحن المربون قدوةً في هذا الجانب، وذكرنا الممارسة العملية لنفس المُتربي، وأن نضعه في ميدان العمل يُمارس هذه القضية. وذكرنا التعزيز والتشجيع حينما يمارس هذه القضية، وربط القضية ببعض المُكافآت، وما شابه ذلك.
هل الأفضل أن يكون التحفيظ في المدارس، أم في البيت؟
س: هل تؤيد دور المدارس في تعليم القرآن، أم فقط بالبيت؛ لأن أولادي أجد أنهم يحفظون القرآن مع الطلاب بالمدرسة أفضل مني في البيت؟
ج: القضية هنا حسب المصلحة التي يُراد تحقيقها، فما دام أنه في المدرسة أفضل؛ يكون في المدرسة، ولا إشكالَ في هذا الأمر.
فالمقصود ألا نجعل القضية إما أبيض أو أسود، فهذه قضايا مرتبطةٌ بالمصالح، فأينما كانت المصلحة كانت القضية والاهتمام في هذا الموضوع.
أيهما أفضل: فرز الطلاب الأذكياء على حدةٍ، أم دمجهم مع بعضٍ؟
س: تقول: عندها بنتٌ عمرها ثمان سنوات، وشخصيتها ضعيفةٌ، تفقد التركيز عند الدراسة، ما عندها مشكلةٌ في الحفظ، لكن عندها مشكلةٌ في قضايا التحليل والشرح، وقضايا ترتبط بجانب التفكير والفهم، مثل: الرياضيات، والطبيعيات، .. إلى آخره.
تقول: مُؤخرًا قام المعلمون بفرز الأولاد، وجعلوهم قسمين: قسم أذكياء، وقسم أكثر ذكاءً، وصار هذا نصيبه إلى القسم المتعلق بالمستوى الأدنى، ونتيجة ذلك بدأ يرسب في مُقرراتٍ وموادَّ أكثر من ذي قبل، بعد أن كان راسبًا في مقررٍ واحدٍ.
تقول: فكيف نُقوي ثقته بنفسه، أو إذا كانت بنتٌ بنفسها، وتحسين مستواها الدراسي؟
ج: الحقيقة أن هذه السائلة أم مروة حريصةٌ على ابنتها، نشكرها على حرصها، ومهمٌّ جدًّا أيها الإخوة والأخوات أن نُراعي الفروق الفردية بين أبنائنا، وبين طلابنا، ومَن نتعامل معهم، هذه القضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ومنها ما يتعلق بالفروقات الفردية العقلية.
أنا أذكر أحد الزملاء كمثالٍ: أبناؤه في مدارس تهتم بتحفيظ كتاب الله ، وكلهم كانوا يسيرون سيرًا جيدًا في المرحلة الابتدائية، ولكنه رأى أن أحد هؤلاء الأبناء ليس عنده القدرة في القضايا المتعلقة بحفظ كتاب الله ، وكان هناك شيءٌ من التشاور، وقد أحسن حينما قام بتغيير مدرسته من مدرسة تحفيظ القرآن إلى مدرسةٍ عامَّةٍ، وبدأ الابن يسلك مسلكًا سليمًا جدًّا؛ لأن القضية مرتبطةٌ بالقدرة العقلية الخاصة بقضية الحفظ، فالناس يتفاوتون في هذا الجانب؛ ولذلك تنبغي العناية بهذه النقطة بالدرجة الأولى.
الجانب الآخر: التقسيم الذي حصل بفصل الطلاب بهذه الصورة، أنا أعتبره غير موفقٍ من الناحية التربوية، وأتمنى أن تقنع المدرسة بأنهم لا يقومون بمثل هذا الإجراء، عندئذٍ سيكون عندنا فصلٌ دراسيٌّ قويٌّ جدًّا، وذكيٌّ جدًّا، وفصلٌ دراسيٌّ وسطٌ، وفصلٌ دراسيٌّ ضعيفٌ.
الصحيح أن يكون هناك دمجٌ واختلاطٌ بين القدرات العقلية المتفاوتة، تتحدث أم مروة عن ابنتها فتقول: غالبًا لديها نمطٌ آخر غير النمط البحثي أو التحليلي، نمطٌ آخر تتميز فيه، فلا بد من محاولة الوصول لهذا النمط في الشخصية، فمن خلاله سنعرف ما هو الشيء الذي يصلح لها في حياتها؟ فهو -على حسب نظرية هولاند في أنماط الشخصية- يكون تخصص الإنسان، ويكون مهنة الإنسان.
وما دامت في الدراسة -ولا بد لها من دراسةٍ على أية حالٍ- فهي تحتاج إلى قضية الدروس الخاصة، ودروس التقوية، ولعل هذا الأمر -إن شاء الله تعالى- يُساعدها في محاولة ارتقاء المستوى.
وكما قلت لكم: التقسيم الذي حصل سبَّب إشكاليةً كبيرةً، بعد أن كانت ترسب في مقررٍ واحدٍ أصبحت ترسب في مقرراتٍ كثيرةٍ، وهذه أهمية التربية الجماعية، وأهمية الدمج وما يتعلق بذلك، حتى الضعيف يقوى بالقوي، وهكذا.
فلا بد من إبراز ما تتميز به، وتحقيق ذاتها فيما تتميز فيه، هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا أيها الإخوة والأخوات.
يعني: إبراز ما تتميز به هذه البنت، قد نفكر نحن فقط في الجانب الأكاديمي، لكن قد تكون -ما شاء الله، تبارك الله- في الخدمات الاجتماعية متميزةً، وقد تكون مثلًا متميزةً في الجوانب القيادية، وقد تكون متميزةً في الجوانب الضبطية، .. إلى آخره من تلك الأمور، وفي الجوانب العملية قد تكون متميزةً: في الخياطة مثلًا، وكونها بنتًا قد تكون متميزةً في الجوانب الذوقية، كالشعر، وقد تكون متميزةً في جوانب الديكور.
فلننظر أي اتجاهٍ قد تكون متميزةً فيه؟ حتى نستطيع أن نكسبها، وأن نُوظف الجانب الإيجابي فيها بشكلٍ جيدٍ.
س: ما أفضل طريقةٍ لمُعاقبة طفلٍ عمره تسع سنوات؟
ج: الحرمان بما يُناسب الخطأ لأمرٍ يُحبّه لوقتٍ محددٍ، باختصارٍ شديدٍ جدًّا، وهذه عبارةٌ تصلح للعقوبات، أنا قلت: الحرمان قبل الضرب والتوبيخ؛ لأن الضرب والتوبيخ يأتي بعده إذا لم ينفع فيما يتعلق بالعقوبة.
فالحرمان بما يُناسب الخطأ من حيث القدر، يعني: هو أخطأ خطأً أحرمه من شيءٍ يتناسب مع هذا الخطأ، لا أجعل الحرمان لأمرٍ كبيرٍ، والخطأ بسيطٌ، أو العكس: الخطأ كبيرٌ، والحرمان بسيطٌ لا يضره، أقصد: أنه مما يهمه، فالذي يُحرم منه يتناسب مع مستوى الخطأ، ويكون لأمرٍ يُحبّه، هذا مهمٌّ، فإذا كان ما يُحبّ هذا الأمر فلن تكون هذه العقوبة مفيدةً ونافعةً، يعني: لا تكون القضية مفتوحةً، ولا نعرف متى ستنتهي القضية، فهي محاولةٌ لتعديل السلوك.
فلا بد من الهدف -أيها الإخوة والأخوات- في قضايا العقوبة وغيرها من القضايا، نحن نريد أن نُعدل السلوك، لا نريد أن نتشفى، لا نريد أن ننتقم، لا نريد أن نفرغ ما في أنفسنا من رغباتٍ وطاقاتٍ، نحن نريد تعديل السلوك.
س: ابنتي عمرها ثمان سنوات، فكيف أُعودها على الصلاة؟
ج: تشجيعها بشيءٍ تُحبه، التعزيز والمُكافأة، خاصةً في عمر الطفولة، تحتاج -حتى لو كانت قضية الصلاة- إلى ما يُسمى: بالجعل، والمكافآت، والتعزيز، .. إلى آخره، لشيءٍ تُحبّه.
وبالقدوة: كالصلاة أمامها، فحينما ترى أمها تُحافظ على الصلاة وعلى السنن الرواتب: تُصلي الوتر، وتُصلي الضحى، وهذا لا يُخالف الإخلاص بحالٍ من الأحوال؛ لأن هذا موقفٌ تعليميٌّ، له مُبرره.
ابنتك تحتاج إلى أمٍّ تراها أمامها حتى تستفيد، كما ذكر الشيخ صلاح في موقف ابن عباسٍ مع النبي لما كان عند خالته ميمونة، كيف كان يرمق النبي ؟ فرأى النبي كيف يفعل؟ ورأى النبي كيف يُصلي؟ فتعلم منه، ولو لم تحصل هذه القدوة لما تعلم ابن عباسٍ، ولما رُوي لنا مثل هذا الحديث.
فمن المهم جدًّا: تقديم نماذج إيجابيةٍ فيما يتعلق بموضوع الصلاة حتى يُستفاد منها.
س: يقول: أنا أعيش بالنمسا، وابني عمره أربع سنواتٍ، يقول: كيف أتعامل معه عندما يسألني عن أمور الدين، وعن أعيادنا الدينية التي يُقارنها مع أعياد النصارى؟ علمًا بأنه يذهب إلى الروضة.
ج: أسأل الله أن يحفظه، وأن يجزي الأب خيرًا على حرصه على أبنائه، وأسأل الله أن يحفظ إخواننا المسلمين هناك: صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، الذين يعيشون في الغُربة، وفي بلاد الكفر، وأسأله أن يحفظ لهم دينهم وهويتهم، اللهم آمين.
أنا أقول لهذا الأب ولغيره: هناك كتبٌ خاصةٌ متعلقةٌ بالإجابة عن الأسئلة المُحرجة المتعلقة بقضايا العقيدة، وفي قضايا العلاقات الأسرية، وفي قضايا العلاقات بين الزوجين التي قد يسأل بعض الأطفال عنها، فيُمكن أن يُستفاد منها، فهذه الكتب موجودةٌ ومتوفرةٌ، لكن هنا قاعدةٌ عامَّةٌ، نقول: يُجاب له بما يتناسب مع عقله وإدراكه.
وسبق أننا تكلمنا في هذه القضية: لا ينبغي أن نمتنع عن الإجابة، ولا يجوز لنا أن نكذب في الإجابة، وأيضًا لا نفصل في الإجابة، فهو لا يحتاج إلى هذا التفصيل، وإنما يُعطى المختصر الذي يمكن أنه يحفظه ويدركه، خاصةً الموضوع المتعلق بالأمر الذي يلزم منه أن يبقى في ذهنه، وهو مرتبطٌ بقضايا الأعياد، وما الأعياد، .. إلى آخره، فالطفل يتشرب هذه المعلومات، ويحفظها، ويأخذها.
ويجب علينا أيها الإخوة والأخوات أن نتحملهم: كونهم يعيشون في بلاد الكفر، وربما يدرسون في مدارس ليست إسلاميةً، بل على نظام نفس الدولة، ويعيشون انفتاحًا في مدارسهم، وهذا كله لا بد له من ضريبةٍ، فيحتاجون إلى متابعةٍ، فلا يتصور أن الابن لن يتلطخ بشيءٍ، وهنا تأتي أهمية المتابعة والرعاية والاهتمام.
فعلينا أن نُعزز هذه القضايا من خلال الدروس والتوجيهات والتربية في داخل البيت؛ حتى نُعوض النقص الكبير الموجود، وأن ندفع الشبهات التي يتلقفها، خاصةً الطفل الصغير، وكذلك بالنسبة للكبار أو المُراهقين والمُراهقات في مسألة الشهوات، فهذه قضايا مهمةٌ جدًّا ينبغي أن نعتني بها.
س: أنا أختٌ من فرنسا عندي أربعة أولادٍ، لكنهم كثيرو الحركة، دائمًا عندهم مشاكل في المدرسة الفرنسية، لا يُريدون حفظ القرآن.
تقول: أحب الجوانب المتعلقة بالدين، وأبذل جهدي قدر ما أستطيع، لكن زوجي مشكلته أنه عصبيٌّ جدًّا، ولا يستطيع أن يتفاهم معهم، فالحِمْل كله عليَّ، ولا يمكن أن نتفاهم، فما الحل؟
ج: أقول لهذه الأخت الكريمة: عليكِ أن تستمري على حرصك مع أبنائك الأربعة، احرصي على العلاقة الحميمية بينك وبينهم جدًّا حتى يُحبوك، وعليكِ بالدعاء: أن الله يُحبب لهم الخير، ويشرح الله صدورهم، واصبري عليهم حتى ولو لم يستجيبوا، وحلّ عصبية الزوج هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
لا بد أن ندرك -خاصةً في مرحلة الطفولة- أن الحركة قد تكون طبيعيةً، ولا إشكال، بل أنا أقول: إن الحركة قد تدل على سماتٍ في الشخصية الإيجابية.
ومن الأساليب الناجحة: وضع حوافز مجزية لإنجاز شيءٍ في كتاب الله -عز وجل- وما شابه ذلك، وأن نُشاركهم في الحفظ، هم يحفظون، ونحن نحفظ معهم، وأن نكون واقعيين معهم فيما يتعلق بقضية الحفظ، بمعنى: ألا نكون مثاليين، فنطالب بمستوى كبيرٍ، فنُتعبهم، ونُرهقهم، وهذا يُعارض الدوافع النفسية.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ.
↑1 | مسلم (1218). |
---|---|
↑2 | مسلم (1218). |
↑3 | البخاري (5998). |
↑4 | البخاري (117)، ومسلم (763). |
↑5 | البخاري (183)، ومسلم (763). |
↑6 | البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑7 | البغوي في "شرح السنة" (126)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (177). |
↑8 | أخرجه أحمد في "مسنده" (6756)، وقال مُحققه: إسناده حسنٌ. |
↑9 | البخاري (5376)، ومسلم (2022). |