المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي: "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية الفضائية.
التربية من خلال الوحيين
وما زلنا معكم في هذا المعين الذي لا يَنْضب، وهو: التربية من خلال الوحيين.
وكنا قد أخذنا إطلالةً سريعةً مع كتاب الله ، وما زلنا مع هذه الإطلالة من هدي النبي ، وكيف نستقي أمور التربية من خلال هذه السيرة العطرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم؟
"التربية من معين النبوة" ما زال هو حديثنا، وقد أتحفنا دكتورنا عبدالعزيز النغيمشي في الأسبوع الماضي بقضايا عديدةٍ حول ما يتعلق بهذا الموضوع، فجزاه الله عنا خيرًا.
وبقيت معنا حلقة هذا الأسبوع وحلقة الأسبوع القادم -بإذن الله - وتنتهي هذه الدورة قبل رمضان، نسأل الله أن يُبلغنا وإياكم شهر رمضان.
فنريد في ختام هذه الدورة أن نقف عند موضعٍ مناسبٍ -بإذن الله -، وكذلك نُجيب عن الأسئلة المُعلَّقة، خاصةً في (الواتس آب)، والتي سألها مجموعةٌ من الإخوان.
فتنة الشهوات
دعونا نكمل الحديث الكبير العظيم الذي وقفنا معه، وفي ظلال معانيه العظيمة -على صاحبه وقائله أفضل الصلاة وأتم التسليم- حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله، يومَ لا ظلَّ إلا ظله[1]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
وقد وقفنا عند قول النبي : ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ إلى نفسها فقال: إني أخاف الله، وذكرنا ما يُشابه هذا الأمر فيما يتعلق بقصة يوسف لما قال: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23].
الجدارة في التربية أيها الإخوة في زمن الشهوات والمُغريات -وهذا نقوله للجميع، كبيرًا وصغيرًا- في زمنٍ تقارب فيه العالم وكأنه قريةٌ واحدةٌ من خلال أجهزة وبرامج التواصل الاجتماعي، وأصبحت القضية في وسائل التواصل بين الجنسين أمرًا سهلًا جدًّا.
وكان على الإنسان الذي لا بد له من استخدام التقنية أن يقف مع قول النبي عن أحد هؤلاء السبعة: رجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ يعني: هو تعرض إلى الفتنة، وتعرض إلى دواعيها.
وكما قال العلماء في قصة يوسف: ما اجتمعت الدواعي كما اجتمعت في يوسف عليه السلام من حيث جماله وجمالها، ومن حيث أنها غلَّقت الأبواب، وهي امرأة العزيز، ومن حيث أنه شابٌّ، ومن حيث أنه غريبٌ، ومن حيث أنها هي التي دعته، إلى غير ذلك من الأمور، ومع كل هذا قال: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23].
فهل يقول أبناؤنا ذلك؟ وهل نقول نحن ذلك؟ وهل تقول نساؤنا ذلك؟ وهل يقول رجالنا ذلك؟ وهل يقول أطفالنا ذلك؟ وهل يقول مُراهقونا وشبابنا -ذكورًا وإناثًا- حينما يتعرضون للفتنة والشهوة: إني أخاف الله؟
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم هذه المنزلة، فهي منزلةٌ عظيمةٌ؛ ولذلك مثل هذه المنزلة العظيمة كانت تستحق أن تكون من السبعة الذين يُظلهم الله في ظله، يومَ لا ظلَّ إلا ظله.
أتته رسالةٌ رغم أنفه
أذكر أحد الطلاب الكرام في الكلية، وقد تخرج -وفَّقه الله-، وكان يحدثني عن أخٍ له صغيرٍ يتعامل مع التقنية من خلال (الآيباد)، وكان (الآيباد) موصولًا بـ(الإنترنت)، فأتته رسالةٌ سيئةٌ، وفيها صورةٌ سيئةٌ، والطفل صغيرٌ، يقول: فوجدت أخي الصغير يأتي إليَّ فزعًا، ويقول لي: لا والله لست أنا الذي طلبت هذا الشيء يا صالح، هذا الشيء ما أرضاه!
يقول: فاستغربت أنا من كلام أخي، فإذا به قد أتته رسالةٌ رغم أنفه، وليس باستدعائه، أتته صورةٌ سيئةٌ، والعياذ بالله.
يقول: فوجدت الحس والخوف عند أخي كان واضحًا بالنسبة له.
فقلت له: هنيئًا لك يا صالح تربيتك لأخيك الصغير، وتربية أسرتك له.
هذه التربية نحن في أمس الحاجة إليها، وهي التربية التي تجعلنا نُميز بين الحق والباطل، والصواب والخطأ من الناحية المعرفية، بحيث يكون واضحًا أن هذا صوابٌ، وهذا خطأٌ، وأن هذا حقٌّ، وهذا باطلٌ، وأيضًا من الناحية العملية؛ ولذلك نقول: اللهم أرنا الحق حقًّا، وارزقنا اتِّباعه؛ لأن عندنا مشكلتين يا إخوان، وكذلك: اللهم أرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، لدينا مشكلتان مهمتان، ولا بد أن نعي هاتين المشكلتين في قضايا وشؤون التربية.
المشكلة الأولى: قد لا تكون هناك معرفةٌ، وقد لا يكون هناك تصورٌ صحيحٌ؛ لذلك نقول: اللهم أرنا الحق حقًّا، فنرى الحق حقًّا، ونعرف أن هذا حقٌّ، ونعرف أن هذا باطلٌ، فهذا جانبٌ نظريٌّ معرفيٌّ، لكنه على الصحيح، على الحقيقة، وهذا مهمٌّ جدًّا؛ لأن البعض قد يرى الحق باطلًا، ويرى الباطل حقًّا، وقد يرى الخير شرًّا، ويرى الشر خيرًا؛ فيقول: ما فيها؟ وهو يفعل مُحرَّمًا: ما فيها شيءٌ! وقد يفعل الطفل ذلك، خاصةً حين يرى غيره يفعله، ولم يعلم الصواب من الخطأ؛ لذلك لا بد من التعليم، ولا بد من التثقيف، ولا بد من التوجيه؛ حتى يكتسب الابن أو المُتربي المعرفة الصحيحة في هذا الموضوع وفي غيره.
الجانب الآخر: أن يُعان ويُحفز ويُشجع من خلال البيئة ووسائل التوجيه والتأثير والتربية؛ حتى يُطبق هذا الأمر: "اللهم أرنا الحق حقًّا" هذا الجانب المعرفي، "وارزقنا اتباعه" هذا الجانب العملي المتعلق بالجانب العملي التطبيقي، "وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه".
هذه القضية يا إخواننا نحن في أمس الحاجة إليها في هذه القضايا ومثيلاتها.
النفقة ابتغاء وجه الله
ثم يقول النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه[2]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
هذه أيضًا منزلةٌ عظيمةٌ جدًّا، تستحق أن تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، ولعلنا نكمل بعد هذا الاتصال.
أهمية الحوار بين الزوجين
معنا أم عبدالله من الجزائر.
تفضلي يا أخت أم عبدالله.
المتصلة: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضلي يا أختي.
المتصلة: يا شيخ، من المعلوم أن الحوار مهمٌّ في الأسرة، وخاصةً بين الزوجين.
طيب، يا شيخ، لو كان أحد الزوجين يتميز بسوء الخلق، مثلًا: الكذب، وإغلاق الهاتف، فكيف يمكن التواصل مع الطرف الثاني، سواءٌ كان امرأةً أو رجلًا؟
يعني: المهمة صعبةٌ يا شيخ، فكيف السبيل؟
فالحوار ممكنٌ عندما تكون عند الإنسان حكمةٌ وعقلٌ، لكن حين تتكلم مع إنسانٍ يُغلق كل الأبواب، وهو سيئ الخُلُق: كذَّابٌ، ويغلق الهاتف، وعندما تسأله يقول لك: كان في السيارة، أو كان كذا، وأنت تعلم أنه يكذب، فكيف يمكن أن نُناقش؟
وجزاك الله كل خيرٍ.
المحاور: وإياكم.
المتصلة: وبارك الله فيكم على هذه القناة.
المحاور: وفيكم يا أخت أم عبدالله.
وأنا أشكر هذا الحس الطيب من الأخت أم عبدالله، خاصةً أنها أشارت إشارةً مهمةً جدًّا، فهي لم تنتصر للنساء على الرجال، ولا للرجال على النساء من باب أولى، فجعلت هذه القضية السلبية ربما تكون واردةً من الرجل، وقد تكون واردةً من المرأة، فجزاها الله عنا خيرًا.
على أية حالٍ هذا ابتلاءٌ يا أختي، ولا شك أنه مهما كان الأمر فالحوار باقٍ ومهمٌّ، ولا بد من المحافظة عليه، ولا بد من تعلم مهاراته، ومحاولة تطبيق تلكم المهارات قدر المستطاع.
وهناك دوراتٌ وكتبٌ وأدبياتٌ وأشياء لا بد أن نطلع عليها، وقبل ذلك هناك الحوار القرآني، والحوار النبوي من خلال كتاب الله وأحاديث النبي .
وبعض البيئات العربية، وبعض البيئات الإسلامية -للأسف الشديد- تنقصها ثقافة الحوار، وبعض البيئات لديها هذا الحوار قد يكون بصورةٍ أفضل، لا شك، فتختلف القضية من شخصٍ لشخصٍ.
وهنا يأتي الجانب المتعلق بالتطبيق، وهذا فيه معاناةٌ كبيرةٌ، وهو أنه قد يقول الطرفان كلاهما: نحن نؤمن بأهمية الحوار، ولا بد من الحوار، لكن ما أن نبدأ الحوار إلا ونُغلق، وهذا السؤال طرحناه على الدكتور عبدالعزيز النغيمشي في اللقاء الماضي، وتكلم بما فتح الله به عليه.
نحن نقول هنا: إذا أخطأ الطرف الثاني يجب على الطرف الأول أن يضبط نفسه، لنقل: اثنان يتحاوران: زوج وزوجة، وكلاهما يجيد الحوار، الحمد لله، هذه الصورة الإيجابية.
اثنان يتحاوران: واحدٌ منهما سيئٌ في الحوار، والثاني عنده قدرةٌ إيجابيةٌ في الحوار، لكن لا يكون مثل الأول؛ لأنه لو صار مثل الأول سيئًا ستصبح القضية أننا انتقلنا من الخيار الأول إلى الخيار الأخير، لا، عندنا خياران، عندنا على الأقل شخصٌ عاقلٌ -أحد الطرفين-، والآخر يحتاج إلى مَن يؤثر فيه، ومن يحاول أن يكسب الطرف الآخر، وتحتاج القضية إلى صبرٍ.
ولعلنا نعود بعد اتصال الأخت هاجر من المغرب، نعم.
تفضلي يا أخت هاجر.
المتصلة: السلام عليكم يا دكتور.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: أسعد الله مساءكم، وشكرًا على البرنامج الحلو.
المحاور: تفضلوا، حياكم الله، نعم، سؤالكم لو تكرمتم، لو تخفضون صوت التلفاز.
المتصلة: أقول يا دكتور: بالنسبة للمُقبلين على الزواج، ما مقومات الزواج الصحيح التي لا بد أن تنبني عليها الزوجة من أجل أن تُسعد زوجها، وتكون حياتها الزوجية صحيحةً؟
المحاور: طيب، جزاك الله خيرًا، هل لديك سؤالٌ آخر؟
المتصلة: سؤالي الثاني: ما المجهودات النفسية التي ينبغي أن تبذلها المرأة حين يكون زوجها بعيدًا عنها؟ وماذا تعمل حتى تُسعد زوجها وتُصلح علاقتهما بالرغم من البُعد؟
هذا، وجزاك الله عنا خيرًا.
المحاور: وإياكم، حياكم الله، شكرًا لكم.
المتصلة: وإياك، سلامٌ عليكم.
المحاور: طيب، لعلنا أيها الإخوة نخرج إلى فاصلٍ ونواصل، بإذن الله .
الفاصل:
دروسٌ ومحاضراتٌ، أسئلةٌ وإجاباتٌ، نماذج واختباراتٌ، كلها معانٍ تَزْخَر بها أيام الدراسة والامتحانات، أما وقد جاء وقت الإجازة فإليك هذا السؤال المهم: كيف نستثمر الإجازة فيما يعود علينا نفعه في الدنيا والآخرة؟
هناك مجالاتٌ كثيرةٌ ومفيدةٌ يمكن أن نشتغل بواحدٍ منها، أو أن نضرب في كل مجالٍ منها بسهمٍ، فمن هذه المجالات: الأعمال الخيرية أو التطوعية: كمساعدة الفقراء، وإعانة المحتاجين، وكفالة اليتامى، ورعاية الأرامل والمساكين.
المسابقات الهادفة، الدينية منها أو الثقافية: كمُسابقات حفظ القرآن والحديث، ومسابقات الأدب: كالشعر، والخطابة، وتأليف الرواية، وغيرها.
الهوايات النافعة، الذهنية منها أو البدنية: كالقراءة، والسباحة، وركوب الخيل، وصيد الأسماك.
الدورات العلمية التخصصية: كالمشاركة في دورات الحاسب الآلي، أو الخط العربي، أو اللغات الأجنبية.
فضلًا عن الالتزام بالعبادات اليومية والشعائر الإيمانية: من صلاةٍ، وذكرٍ، ودعاءٍ، وتلاوةٍ للقرآن، وصلةٍ للأرحام.
ولا حرج في أن يُرَوِّح المرء عن نفسه بسفرٍ، أو سياحةٍ، أو تَنَزُّهٍ مباحٍ، فالمؤمن المُوفَّق صاحب الهمَّة هو مَن يحرص على أن يستثمر وقته بما يعود عليه نفعه في الدنيا أو الدين.
قال عبدالله بن مسعود : "إني لأبغض الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيءٍ من عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة".
تربية الأبناء على إخفاء الصدقة
الدكتور خالد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات.
قبل أن نستكمل الإجابة عن بعض الأسئلة فقط نُنهي موضوع الحديث، وهو قول النبي : ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه[3]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031).، فنحن مُقبلون على شهر رمضان المبارك، وهو شهرٌ تظهر فيه قضية الحرص على الطاعات، ومن ذلك ما يتعلق بالصدقات، وإن كانت قضية الصدقات والزَّكوات ليست مربوطةً فقط بشهر رمضان، لكن يتأكد الأمر في مثل هذا الشهر.
فحينما يحرص الإنسان على ألا يطلع أحدٌ على هذا المال الذي يُخرجه لله ، فمستوى الخبيئة عنده والتَّخفي وصل إلى حدِّ ألا يطلع عليه أحدٌ، فشماله لا تكاد تعرف عن الصدقة من شدة تستره؛ حتى لا يعرف أحدٌ عن تصدقه.
وهذه تنميةٌ للجانب الإيماني، وتنميةٌ لجانب العلاقة الخاصَّة بين الإنسان وربه، وأنه لا يريد جزاءً ولا شكورًا، ولا ينشد من أمور الدنيا أي أمرٍ، وإنما يريد ما عند الله وما هو في الآخرة.
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك استحق أن يكون من الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله[4]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
وحينما يُربى الابن الصغير على هذا -وكم نرى مثل هذه المشاهد- فيُعطى الابن ريالًا ويُقال له: ضعه في يدك اليمنى، ولا يراك أحدٌ، وتصدق به على هذا الفقير. أو ما شابه ذلك، ويُعوَّد على الذهاب إلى الأُسر المُحتاجة والفقيرة، وأن يكون له شأنٌ في ذلك؛ فلا شك أن هذا من الأمور المُعينة على مثل هذا الأمر.
هذا تقريبًا ما يتعلق بحديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله[5]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
ترك الغضب تهيئةٌ للحوار
نأتي إلى موضوع الأخت التي من الجزائر فيما يرتبط بموضوع الحوار، ونحن لن نُعيد ما ذكرناه في أهمية قضية الحوار، وكذلك ألا ننتقل من الصورة الإيجابية من الطرفين -والتي هي مطلوبةٌ- لوجود إشكالٍ لدى أحد الطرفين إلى الصورة السيئة: أنهما يتصارعان، ويتحول الخلق الإيجابي لدى الشخص إلى خلقٍ سيِّئٍ؛ لأن الطرف الآخر يُسيء إليه، فلا نُخطئ حينما يُخطئ الطرف الآخر، هذا وقت الحوار، تملك المرأة نفسها حينما يُخطئ زوجها في حقِّها، ولا يُجيد الحوار، أو العكس.
وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في الحقيقة ينبغي أن نتدرب عليها؛ ولذلك أعرف بعض الأفراد يُجيدون مثل هذه القضايا، وهي تطبيق قول النبي عند مثل حالات الغضب والانفعال، يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فعلًا لو قالها لذهب ما به من انفعالٍ، وما به من غضبٍ، فيُعوَّد، وتُعوِّد المرأة نفسها على مثل هذا الأمر أيها الإخوة والأخوات.
فلا بد من تهيئاتٍ، فإذا ما نفعت الجولة الأولى والجولة الخامسة من الحوار نحاول في جولاتٍ أخرى، لكن لا بد من مُؤثراتٍ، والمُؤثرات لا بد أن تكون داخليةً من نفس صاحب المشكلة: أنه لا بد أن يُراجع نفسه، فنستخدم ما أمكننا بأساليب غير مباشرةٍ: من خلال القصة، أو من خلال رابطٍ، أو من خلال واحدٍ غير مباشرٍ يتحدث معه، أو يُرسل له بعض الأشياء، أو من خلال مواقف معينةٍ تُصطنع وتُرتب، و(سيناريو) مُعين يُرتب، كل هذا لا بأس به، ولا نقبل بالأمر الواقع ما دام سيئًا، لكن أيضًا نحاول أن نُنجز؛ لأنه حينما تُصلح المرأة شأن زوجها، أو يُصلح الزوج شأن زوجته في مثل هذه القضايا سيكون المُستفيد الأول والأخير هما والأسرة والأبناء.
فكم نحن بأمس الحاجة إلى مثل هذه الأمور، لكن لو افترضنا، وهذا أمرٌ يرد، لا نتصور أن الأمر الذي نريده يمكن أن يتحقق كما نريد، حتى لو بذلنا الأسباب، لا يمكن أن نتصور أن هذا الأمر بالاطراد، فقد تجد في النهاية الطرف الآخر مهما فُعل وفُعل سيبقى خياران لا ثالثَ لهما.
وهناك في الأساس ثلاثة خيارات، منها: بقاء الأمل والفأل، وهو الذي ينبغي -مهما عانينا- أن نُبقيه نافذةً مفتوحةً ولا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إذا سخط منها خُلُقًا رضي منها خُلُقًا آخر، أو كما قال النبي .
فينبغي أن نُركز على الإيجابيات حتى نُخفف من حِدَّة السلبيات المُؤثرة في نفوسنا، وقد تكون صحيحةً تلكم السلبيات، هذا خيارٌ نحن نُؤكد عليه، لكن لو بدأ يضعف ويتلاشى يبقى خياران لا ثالثَ لهما، أحدهما: الاستمرار في الأسرة على ما هي عليه، والتَّحمل والصبر من الطرف المُنضبط الذي يُعاني وليس له وسيلةٌ إلا اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وغير ذلك من الوسائل، أو مع بقاء نافذة الفأل كما قلنا.
الأمر الثاني: إذا انتهت الأمور، وأصبحت سلبياتها ومفاسدها كبيرةً؛ فقد يكون خيار الانفصال بعد الدراسة والنظر وإعطاء فرصةٍ خيارًا آخر.
أنا أقول: هذا من باب الخيارات، وإلا فالأصل بقاء الأسرة على ما هي عليه.
مُقوِّمات الزواج
أما الأخت هاجر فسألت سؤالين:
السؤال الأول: هو ما يتعلق بقضية مُقومات الزواج عند المُقبل على الزواج، بحيث يكون الزواج صحيحًا وإيجابيًّا ... إلى آخره.
نحن نُذكِّر بقول الله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، فالسكن إذا وُجد بين الزوجين، حتى لو كانا مُتباعدين -كما قالت في السؤال الثاني- إذا وُجد السكن والراحة والود والرحمة فهذا بحدِّ ذاته علامةٌ كبيرةٌ جدًّا فيما يتعلق بقضية نجاح الزواج، وقد يرى الزوجان بعضهما وقتًا طويلًا، لكن ليس بينهما تلكم الرحمة والمودة والسكن.
فينبغي أن نُدرك الهدف من الزواج، فليس الهدف من الزواج هو إشباع الجانب الغريزي فقط، وهذا الجانب المُتعلق بالجانب الغريزي لا شك أنه مطلوبٌ؛ لأن هذه حاجةٌ جسديةٌ وفسيولوجيةٌ، لكن هناك جوانب أخرى مهمةٌ جدًّا، وهي المتعلقة بالجانب النفسي، كما قال الله : لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.
هذه القضية من المهم جدًّا أن نتنبه لها؛ ولذلك تُعتبر الحاجة إلى الزواج -كما قال أهل الاختصاص- حاجةً تجمع بين الحاجة الجسدية والحاجة النفسية، وهذا قد لا يوجد إلا في أمورٍ نادرةٍ من الحاجات، لكن الحاجة إلى قضية الزواج تتميز بحفظ الحقوق والواجبات، والتفاهم والحوار، وقبل ذلك حفظ حق الله في الزواج، يعني: عندما يقول الرسول : فاظفر بذات الدين تربت يداك[6]أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466). للرجل بالنسبة لاختيار المرأة، حينما يُوفَّق الرجل إلى المرأة الصالحة، والصالحة تُوفَّق إلى الرجل الصالح؛ هذه نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا: إذا أتاكم مَن ترضون دِينه وخُلُقه، فالدين والخُلُق مُقوِّماتٌ أساسيةٌ في هذه القضايا.
نعم المشاكل تحصل حتى في بيت النبوة، لكن عندما نقرأ في سورة التحريم كمثالٍ -وغيرها-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] إلى آخر القصة التي حصلت بين أزواجه، وغيرها من القصص؛ فسرعان ما ينظرون في الأمر ويرجعون ... إلى آخره.
جميلٌ جدًّا أن يكون من الأخلاق -وهذا من مُقوِّمات النجاح- أن الذي يشعر أنه أخطأ في الطرف الآخر أن يعترف له بالخطأ، ويعتذر له، فهو المُستفيد الأول، أعني: المُعترف، وكذلك الثاني مُستفيدٌ؛ لأن حياة المشاكل حياة ضيقٍ وكدرٍ، تعكر: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، تُعكِّرها جدًّا، فتنبغي المُحافظة على ذلك.
فالخطأ يحصل، والانفعال يحصل، ونسيان الحقوق يحصل، وعدم القيام بالواجبات يحصل، هذا كله يمكن أن يحصل، لكن لا بد من وجود الدين، وهنا تكمن أهمية شرط الدين لما اشترطه النبي في الطرفين، فالإنسان يعود لأنه يخاف من الله ، وهي كذلك تخاف من الله ، فحتى لو حصل شيءٌ من الخطأ في بعض الأحيان يعود إلى الأصل، فخُلُقه وخُلُقها الأصل فيه أنه طيبٌ، وهكذا العقل وما يتعلق بمثل هذا الأمر.
فينبغي أن نحرص على بناء هذه الأسرة بناءً صحيحًا، وأن نسعى قدر المُستطاع إلى إرضاء الطرف الآخر بما أباحه الله .
وقضية هذا العقد المُقدس بين الرجل والمرأة قضيةٌ كبيرةٌ جدًّا يحويها إطار الوحي من كتاب الله وسنة رسوله : يحويها إطار الأخلاق والقيم، ويحويها إطار: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] ... إلى آخره، أو كما جاء في الآيات.
فنحتاج إلى مثل هذه المعاني العظيمة، وخير الزوجين مَن يكون أكثر أثرًا في إيجاد هدف الزواج الصحيح من الطرف الآخر.
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام
يقول عليه الصلاة والسلام: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام[7]أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560). هذا في غير الزواج، لكن الكلام هنا عن المُبادرة، فما أجمل أن يكون التسامح والتغافل من الطرفين! وما أجمل أن تُشبع الحاجات الجسدية والحاجات النفسية من كلا الطرفين للآخر! وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا: إشباع الحاجات الجسدية.
قلنا: الحاجة الجسدية والحاجة النفسية، قد تُشبع الحاجة الجسدية، لكن ما تُشبع الحاجة النفسية، وقد تُشبع الحاجة النفسية، لكن ما تُشبع الحاجة الجسدية، فهنا إشكالٌ، وقد يكون -في بعض الأحيان- الأول أخفَّ من الثاني، أو الثاني أخفَّ من الأول، على حسب الناس، لكن المطلوب هو إشباع الجانب النفسي والجسدي في آنٍ واحدٍ.
أما ما يتعلق بقضية البُعد الذي يحصل حينما يكون الزوج بعيدًا وما شابه ذلك لسببٍ أو لآخر وما يتعلق بهما، هنا الجدارة أن يكون العقل موجودًا، وأن يكون الدين موجودًا، وأن يكون الخُلُق موجودًا من الطرفين، وأن يكون هنا جانبٌ من بقاء هذا الإطار العظيم الذي قدَّسه الله حتى يحفظ كلُّ طرفٍ حقَّ الآخر.
والحمد لله، تصوروا هذه الحالة أيها الإخوة والأخوات، فقد كنا قبل ذلك نسمع عمَّن سافر وهو يريد أن يغيب شهرًا أو شهرين على الأكثر، وبمجرد أن يصل إلى هناك يتغير، ويغيب ستة أشهرٍ أو سنةً، وقد سمعنا من بعض العائلات أن هناك مَن ذهبوا إلى بلدانٍ أخرى ولم يعودوا، ولا شك أن هذه القضية ليست سهلةً.
الآن أصبح هناك ما يتعلق بالتقنية؛ ولذلك أوصي باستثمار التقنية ووسائل التواصل بين الزوجين، والحمد لله هما زوجان، فلهما مجالٌ في الأخذ والعطاء بما أباحه الله لهما، وأصبحت وسائل التواصل تساعد على أشياء عديدةٍ جدًّا في مثل هذه القضايا.
غلاء المهور يصرف الشباب عن الزواج
معنا الأخ رشاد من اليمن.
تفضل يا أخ رشاد.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: كيف حالك يا شيخ؟
المحاور: أهلًا وسهلًا بك، حيَّاك الله يا شيخ.
المتصل: وجزاكم الله على هذا البرنامج خيرًا.
المحاور: وإياك يا أخي، وإياك يا حبيبنا، تفضل يا شيخ.
المتصل: أريد أن أُعلق على موضوع الزواج.
المحاور: تفضل.
المتصل: لا بد أن تُوصل هذه الوصية لكل كبيرٍ -يعني- عنده بناتٌ للزواج؛ لأنني من اليمن، وأعمل في السعودية.
المحاور: أنت تتكلم من السعودية؟
المتصل: نعم، أنا أتكلم من السعودية.
المحاور: تفضل، حيَّاك الله يا أخ رشاد، أنت من اليمن، وتتكلم من السعودية.
المتصل: نعم؛ لأنني مُقبلٌ على الزواج -إن شاء الله-، ولكن والد البنت طلب مني مبلغًا كبيرًا، حوالي أربعة عشر ألفًا، وأنا ما أمتلك هذا المبلغ، وأريدك أن تُعطي وصيةً للآباء والأمهات من أجل غلاء المهور؛ لأن هناك ناسًا ...
المحاور: جزاك الله خيرًا يا أخ رشاد، وشكرًا لك، وأسأل الله أن يُبلغك ما تأمله.
وأنا أضم صوتي للأخ رشاد فيما يتعلق بهذه القضية العويصة، ألا وهي قضية عقبات الزواج، ومنها ما يتعلق بتكاليف الزواج.
أعرف عددًا كبيرًا من الشباب مثل نموذج الأخ رشاد، الآن بسبب هذا المبلغ الذي ربما يكون سهلًا في بعض البيئات، وهو بالنسبة إليه صعبٌ جدًّا.
وأعرف كثيرًا من الشباب قد ناقشتهم: لماذا تُؤخرون؟ فيقول أحدهم: أنا أتمنى أن أتزوج، لكن لا أستطيع! يعني: تكاليف الزواج كبيرةٌ جدًّا.
فنقول هنا: يا مَن ولَّاكم الله هذه المسؤولية كأولياء أمورٍ، وبين أيديكم التأثير فيما يتعلق بمُستلزمات الزواج واحتياجات الزواج، اقنعوا باليسير، ولا تكونوا أداةً كخاتمٍ يُؤخذ ويُوضع ... إلى آخره للعادات وما يتعلق بذلك.
أنا لا أقول هنا: أن نقف ندًّا للعادات التي اعتادتها بعض الأُسر، أنا أعرف أن هناك أناسًا نجحوا في تغيير بعض العادات، هذا الذي أقصده من الكلام: أن ننجح في تغيير بعض عادات بعض الأُسر، أو بعض القبائل، وقد استطاع البعض أن يُقلل من المهور، ويضع شيئًا محدودًا لقضية المهر، وهذا شيءٌ طيبٌ، لكن هناك مَن لم يستطيعوا، كذلك المقصود أن نتقي الله.
هذا أولًا فيما يتعلق بالناس القائمين.
أما ما يتعلق بنا كأزواجٍ: مَن يريد أن يتزوج -وخاصةً الرجل؛ لأنه هو الذي عليه المسؤولية- عليه أن يُؤمن بأن الله معه.
التعلم بالقدوة
معنا الأخت أم يونس من الجزائر، وسنعود إلى قضية سؤال الأخ.
تفضلي يا أم يونس.
المتصلة: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: يا شيخ، أريد أن أطرح سؤالًا عن: كيف يكون التعلم بالقدوة؟ إذا كان كما قالت، وأُشاطر أم عبدالله من الجزائر: الأب سيئ الخلق والأخلاق، كيف يكون؟ يعني: المهمة صعبة يا شيخ، كيف الثبات على الإيمان؟ إيمان الزوجة، كيف نثبت إذا ابتلينا بأزواج الله يعلم بهم؟ كيف نثبت على الإيمان؟ لأنه ما هو بسهلٍ يا شيخ، كلامٌ سيئٌ، أخلاقٌ سيئةٌ، الحمد لله، رُزقت ببنين وبناتٍ، والله يا شيخ أنا أُصارع من أجل أن يثبتوا على الأقل على الأخلاق الجيدة.
المحاور: والسبب في المُصارعة هو الزوج؟
المتصلة: يعني: الزوج -الحمد لله- والله يشهد على ذلك، هو يصرف على بيته، وهو حنونٌ، لكنه يغيب، وإذا حضر ما يُعطي قدوةً حسنةً، مثلًا: لا يُصلي في المسجد، ينام، صحيحٌ هو الأب، وأنا ربَّة بيتٍ، هو الذي يأخذ الذكور إلى المسجد، ما أعرف كيف؟ حتى على إيماني أنا خائفةٌ.
المحاور: شكرًا يا أخت أم يونس، وأسأل الله أن يُبارك لكم.
المتصلة: بارك الله فيكم يا شيخ، والله إني أستحي وأنا أُكلمك يا شيخ، بارك الله فيك.
المحاور: أعانكم الله، شكرًا لكم، بارك الله فيكم، على أية حالٍ، أنتم تُوجِّهوننا أيضًا وتُفيدوننا بأطروحاتكم، ولكن ينبغي حقيقةً أن نعرف بأن المآسي هي ابتلاءاتٌ من الله لنا جميعًا، وقد يُغادر الإنسان هذه الحياة ولم تتحقق أُمنيته في بعض الأمور، والرسول كانت أُمنيته أن يُسلم أبو طالب، فلم يُسلم، نوح كانت أُمنيته أن يُسلم ابنه، فلم يُسلم ... إلى آخره.
أنا أقصد هنا أننا لا بد أن نأخذ بالأسباب الشرعية، لكن الأمر في النهاية بيد الله ، ولله في خلقه شؤونٌ.
ثلاثٌ حقٌّ على الله عونهم
نعود للأخت أم يونس، لكن بعد أن ننتهي من قضية الأخ رشاد فيما يتعلق بقضية قناعتك يا أخي -إيمانك- لما يأتي في حديث الرسول : ثلاثٌ حقٌّ على الله عونهم، وذكر منهم: الناكح الذي يُريد العفاف[8]أخرجه الترمذي في "سننه" (1655)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3089)..
وأعرف والله أشخاصًا كانت الأمور المادية عندهم ضعيفةً، لكن دخلوا باقتناعٍ بأن الله معهم وسيُعينهم، والله إني أعرف أحد الأشخاص يقول: انفتحت عليَّ من أمور الدنيا في التجارة، بعدما تزوج بالدَّين، أو تزوج بالزكاة؛ لأنه كان متقيًا يريد العفاف، بل إنه تزوج بالثانية، وفَّقه الله لذلك كما حدَّثني هو بنفسه.
يقول: والله ما كنتُ أتوقع أن تنفتح عليَّ أمور الدنيا في التجارة، ولا أني بعد ذلك أكون قادرًا على أن أتزوج الثانية، وكما قال الله : إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] يعني: هذا في سياق قضية الزواج.
فإذا كنتَ أنت أخي الكريم فقيرًا، فالله سيُغنيك من فضله، فعليك بالاستمرار واتِّقاء الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فعليك بدعاء الله ، حاول أن تكسر بعض هذه القضايا قدر المُستطاع.
وكما أفتى كبار علمائنا بالنسبة للذي يريد الزواج وهو لا يستطيع أن يتزوج بماله، أو لا يستطيع أن يتزوج بمال أبيه الغني الذي يمنعه من المال، فهذا له أن يأخذ من الزكاة، هذه فتوى لكبار العلماء، فلا إشكال في ذلك؛ ولذلك أنا أقول: القرض، وما شابه ذلك من الإعانات من هنا وهناك ... إلى آخره، فسيأتي الله بحلولٍ من عنده، فلا شكَّ في ذلك.
وهذه أهمية اليقين الذي أريد أن أصل إليه في هذا الموضوع، نعم، ما قلت: لن تنحلَّ كل الأمور، لكن ستخفّ، أقلّ ما فيها أن تخفَّ عند نفس الزوج الذي يُعاني من قضية المُشكلات المُرتبطة بعقبات الزواج إذا لم يتنازل الطرف الآخر عن مطالبه.
المطالب يبدو أنها ثقافةٌ أخذت مُتَّسعًا هنا وهناك، وأصبح النادر أقلهن مهرًا ومؤونةً في الزواج التي فيها البركة، كما جاء في معنى الحديث، على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم[9]أخرجه القُضاعي في "مسند الشهاب" (1146)، وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (2928): موضوع..
تابع التعلم بالقدوة
الأخت أم يونس، موضوع القدوة بلا شكٍّ أزمةٌ، لكن أنا أقول: القدوة مطلوبةٌ من الاثنين؛ من الأب، ومن الأم للأبناء، فإذا سقطت قدوةٌ، أو ضعفت قدوةٌ، لا تضعف القدوة الثانية، أقصد هنا أن نرجع إلى نفس الكلام الذي أشارت إليه إحدى الأخوات قبل قليلٍ في موضوع الحوار، فلا بد أن يبقى الطرف الثاني على مبدئه، وأن يكون قدوةً، وأيضًا يحتاج أن يُعوض مزيدًا من النقص الذي لدى الأبناء بسبب أن الأب مُقَصِّرٌ في هذا الأمر.
هذا ابتلاءٌ لكم، فكيف نحل هذا الابتلاء؟ وكيف نستطيع أن نُعزز هذا الجانب؟ هذه قضايا أخرى.
قلنا: إن محاولة التأثير على الشخص نفسه حتى يتأثر داخليًّا، أو من خلال الناس الذين هم من الخارج، حتى على أقل تقديرٍ يحترم نفسه إذا كان قد هضم حقوقه، والأصل هو بقاء الحياة الزوجية ما استطعنا، واستطعنا أن نصبر، ونتحمل، ونتقي الله، ونُقلل المشكلات، وتبقى الأسرة، فهذا هو الأساس، فإذا أصبح ما في خيار إلا الانفصال، وقد درس هذا الخيار؛ فالحمد لله على كل حالٍ.
ضعف القُدوة في البيت سببٌ للاقتداء بالآخرين
معنا الأخت سارة من ليبيا، نعم.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: كيف حالك يا شيخ؟
المحاور: تفضلوا، حيَّاكم الله.
المتصلة: يا شيخ، أريد أن أسألك: لما الإنسان لا تكون عنده قدوةٌ في بيته، ويتجه إلى اتِّخاذ قدوةٍ خارج البيت، سواء كانت هذه القدوة على صوابٍ، أو على خطأ، فينظر إلى الشيء الذي يُناسبه في هذه الشخصية ويأخذ القدوة منها.
المحاور: نعم، أنتم تقصدون إذا كانت القدوة ضعيفةً في البيت؛ فسنتجه إلى قدوةٍ أخرى في خارج البيت؟
المتصلة: نعم.
المحاور: هذا شيءٌ طبيعيٌّ، لكن هنا النجاح في الموضوع وتوفيق الله قبل ذلك وبعده: أن نتجه إلى القدوة الإيجابية؛ لأننا قد نجد مَن يُعوضنا عن القدوة السيئة في البيت من خلال -مثلًا بالنسبة للمرأة- مُعلماتٍ إيجابياتٍ، داعياتٍ فُضْلَياتٍ ... إلى آخره، فهذا لا شك أنه يُعوض النقص الذي حصل في البيت من قُدواتٍ.
كذلك أن تتخذ المرأة والفتاة والولد والرجل والشاب من القدوات السابقة مثالًا يُحتذى به من خلال قراءة السيرة النبوية، أو قراءة سير الأنبياء وما يتعلق بالصالحين، وما يتعلق بصور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، والصحابيات، والتابعيات.
هذه أيضًا من الأشياء التي تُساعد، وقد أسعفتينا في الرد على أم يونس، فيمكن أن نُعوض النقص المتعلق بالقدوة من خلال استحضار القدوات الإيجابية لأجيالنا من خلال السير والقصص والتاريخ والمواقف وما شابه ذلك، وكذلك الناس الإيجابيين الموجودين في الساحة، في المجتمع: كالدعاة، والمُربين، والمعلمين، وما شابه ذلك.
نعم، أنا أؤكد على أن هذه القضية طبيعيةٌ؛ لأن الإنسان عنده حاجةٌ إلى الاقتداء، فإذا لم تُملأ في البيت ستُملأ في غير البيت، هذا أمرٌ لا بد منه، وقد تُملأ من (التليفزيون)، و(التليفزيون) قد يكون إيجابيًّا؛ فتُملأ بالقدوات الإيجابية، وقد يكون (التليفزيون) سلبيًّا؛ فتُملأ بالقدوات السلبية.
إي، نعم، شكرًا لكِ يا أخت سارة.
الإجابة عن الأسئلة
طيب، دعونا أيها الإخوة نأخذ مجموعةً من الأسئلة التي وردت لنا سابقًا فيما يتعلق بـ(الواتس آب)، بارك الله فيكم.
س: هذا سؤالٌ تقول مُرسلتُه: ابنتي عمرها تسع سنوات وتسرق النقود، وعندما نُواجهها ... يظهر أن هذا السؤال قد أجبنا عنه -والله تعالى أعلم- لما تكلمنا عن قضية أهمية معرفة سبب السرقة، لما تعود وتقول: لن أسرق، ثم تسرق، حتى نعرف ما هو سبب السرقة؟ نستطيع أن نعرف، أظن أننا قد أجبنا عنه، عفوًا.
طريقة مُحفزة لحفظ كتاب الله
س: عندي بنتٌ في التاسعة من عمرها، ومتفوقةٌ في دراستها، تقول السائلة: وتحفظ خمسة أجزاء من القرآن، وفجأة لم تعد تريد حفظ القرآن، وبدأت تكذب، ولم تعد تُركز في دراستها، وهذا سبَّب -تقول السائلة- للأم كربًا شديدًا، ولوالدها كذلك، ماذا يصنعون؟
تريد فقط طريقة تحفيزٍ لحفظ كتاب الله، هذا الذي تتمناه، وكذلك أن تدع بنتها الكذب، فقد كانت محط أنظار العائلة؛ لما تتميز به من خُلُقٍ حسنٍ، وصوتٍ في التلاوة، وما شابه ذلك.
ج: أسأل الله أن يُبارك في هذه البنت، وأن يحفظها من كل شرٍّ وسوءٍ، وكونها تسع سنوات أيضًا اصبروا عليها -بارك الله فيكم-، كما قلنا في السؤال السابق في السرقة نقول هنا في هذا السؤال فيما يتعلق بالكذب: لماذا؟ فمن المهم جدًّا أن تعرفوا لماذا أصبحت تكذب؟ مهمٌّ جدًّا أن تعرفوا ما سبب الكذب؟ ما سبب إعطاء المعلومة غير الصحيحة؟
أنا أكاد أن أجزم بأن هناك شيئًا مُتعلقًا بالخوف مثلًا يجعلها تكذب، أو شيئًا مُتعلقًا بالقدوة التي قد اكتسبتها في هذه المرحلة السيئة؛ فأصبحت تكذب، ... إلى آخره.
فجديرٌ بكم أن تعرفوا سبب قضية الكذب.
وكذلك الكذب فيما يتعلق بالخيال بالنسبة للطفل، وهذا مهمٌّ جدًّا: أن نُفرق بينه وبين الخيال، صحيحٌ أنه في مرحلة تسع سنوات، والخيال يكون أقلّ في المراحل السابقة، لكن أيضًا نضع هذه القضية في الحسبان.
ولا بد من تعزيز السلوك المُضاد، فنُؤكد لها أنكِ إذا التزمتِ بالشيء الذي يُحبه الله وأصبتِ، وكذلك لما تفعل هي من غير أن نقول لها هذا الكلام؛ فتُجازى وتُعزز على السلوك المُضاد الذي هو الصدق.
فإذا ما نفع أي شيءٍ من هذه الأشياء؛ فلا بد من قضية العقوبة والحرمان، وأفضل أسلوبٍ في قضية العقوبة لشيءٍ هي تُحبه، حتى إذا ما نفعتها القدوة، وما نفعها التوجيه، وما نفعها التعزيز، وما نفعتها الأساليب المُباشرة وغير المباشرة؛ فنأتي لقضية الحرمان، فقد تفقد شيئًا تُحبه؛ فتتأثر بمثل هذا الأمر.
سؤالٌ عن التأخر الذهني "التخلف العقلي"
معنا الأخت أم محمد من الجزائر.
اليوم -ما شاء الله- الاتصالات كثيرةٌ من الجزائر، نعم.
المتصلة: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلي يا أخت أم محمد.
المتصلة: يا شيخ، عندي مريضٌ مُعاقٌ، ابني مُعاقٌ ذهنيًّا (تريزوميا)، عمره واحدٌ وعشرون، وهو مُنجذبٌ طبيعيًّا لسماع الموسيقى مع الشباب في الشارع، يعني: هو مرفوعٌ عنه القلم، لكن أنا أختلف مع أبيه: هل أتركه أو أنهاه عن ذلك؟
المحاور: ما هو سؤالك؟
المتصلة: أنا أقول له: هذا حرامٌ، اسمع القرآن. فعندما يكون معي ينجذب نوعًا ما إلى القرآن الكريم، لكن في بعض الأحيان هو ...
المحاور: يا أم محمد، أنا لم أفهم المشكلة، ما هي المشكلة بالضبط؟
المتصلة: عندي ابنٌ مُعاقٌ ذهنيًّا.
المحاور: ماشٍ، مُعاقٌ ذهنيًّا، مُتخلِّفٌ؟
المتصلة: مُتخلفٌ، نعم.
المحاور: يعني: عقله ليس معه؟
المتصلة: هو معه نوعٌ من التَّأخر الذهني.
المحاور: تأخُّرٌ فقط؟ لكن يُدرك بعض الأمور، يعني: يُصلي أو ما يُصلي؟
المتصلة: لا، لا يُصلي، هو تأخرٌ ذهنيٌّ، هو نوعٌ يُقال له: (تريزوميا)، واحدٌ وعشرون، هو يمشي، ناضجٌ، يذهب إلى الحمام وحده.
المحاور: كم نسبة الذكاء؟
المتصلة: نسبة الذكاء، والله ما أعرف يا شيخ.
المحاور: على أية حالٍ يا أختي أم محمد، الموضوع مُرتبطٌ بجانبٍ شرعيٍّ، لا أستطيع أن أُفتي.
المتصلة: نعم.
المحاور: لا أستطيع أن أُفتي في هذا الجانب، اسألي فيه أهل الشريعة؛ لأن القضية: إن كان الرجل معذورًا شرعًا ولا عقلَ له، كما أنه لو كان مجنونًا، أو ... إلى آخره، يعني: ليس مُكلَّفًا شرعًا مثلًا، هذا له شأنه، وإذا كان مُكلَّفًا لا بد أن يُعلم ويُوجه، فأنا أذكر قاعدةً عامَّةً، لكن لا أستطيع أن أُجيب عن سؤالكم، اسألوا فيه أهل الشريعة أفضل.
المتصلة: بارك الله فيك.
المحاور: وفيكم بارك الله، جزاكم الله خيرًا.
الصراخ أسلوبٌ تربويٌّ خاطئٌ
س: أود أن أسألك سؤالًا: هل صراخ الأم على أولادها في أصغر الأمور وأتفه الأمور مقبولٌ، أم الواجب عليها أن تهدأ وتتجلد؛ لتكون خير مثالٍ لأبنائها، وكما جاء في الحديث: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[10]أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).؟ أرجو أن تُوجهونا أو تُنورونا بنصائحكم.
ج: نعم، ما ذكره السائل صحيحٌ، ليس الصراخ وما شابه ذلك أسلوبًا أبدًا، وإنما الطبيعي جدًّا أن تكون النفس هادئةً، ويكون التوجيه بأسلوبٍ مُناسبٍ، ومن الخطأ جدًّا أن يكون أسلوب التوجيه والحوار والنقاش بالصراخ، فأنا أُوافق تمامًا على ما ذُكر في هذا السؤال.
طبيعة العمل قد تكون هي السبب
س: هذه الأخت أم عبدالله من السعودية، مُتزوجة وعندي ولدان وست بناتٍ، المقصود: وقعت مشاكل مع الزوج بشأن الابن الكبير؛ لأنه يعمل، وهو مُلتزمٌ بعمله، فالزوج حلف يمينًا بالطلاق -هذه قضيةٌ شرعيةٌ، يعني: للأسف يقع فيها البعض-، المقصود: لو ما التزم ابني لا يقعد في البيت، وابني رافضٌ أن يلتزم بالعمل؛ لأنه يريد أن يكون له محلٌّ باسمه، مثله مثل غيره ممن فتح، ولإخوانه محلاتٌ، وما أدري ماذا في نفس والده؟!
المقصود: تقول: ما النصيحة حتى لا تحصل المشكلة بين الأب والابن، فيحصل بعد ذلك الطرد للابن من خلال الزوج؟
ج: أنا أقول: أولًا: يتَّقِ الله الأب في ابنه، لا بد من تقوى الله للأب في ابنه، إياه إياه أن يكون سببًا في طرده من البيت، فهذا سيُساعد في انحرافٍ شديدٍ جدًّا، وأثره على الأبناء أثرٌ شديدٌ بشكلٍ كبيرٍ، وخاصةً ونحن نتكلم عن أن الابن باقٍ في البيت، ليس مُتمردًا، إنما له موقفٌ من العمل الذي يعمل فيه: أنه لا يلتزم به.
وهذه القضية الثانية: طبيعة العمل قد تكون هي السبب، فبالنسبة لطبيعة العمل أنماط الشخصية مُختلفة من شخصٍ لشخصٍ، فقد يكون العمل الذي هو فيه لا يرغبه، ولا يُناسبه فعلًا، وهذا ليس بعيدًا أبدًا؛ ولذلك ينبغي أن نبحث عن طبيعة العمل، والأمر الثاني الذي يُحبه نسعى لتحقيقه، ونختبره، ونُتابعه، ونُدينه إذا هو -مثلًا- قصَّر فيه، حينما يكون قد أظهر أنه يرتاح إليه، هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا؛ فلذلك لا بد أن نُجربه ونُتابعه.
أي نعم.
س: هذا من عبدالله من إسبانيا، يقول: أريد استشارةً حول طريقة المُعاملة مع ابني الذي عمره اثنتي عشرة سنةً، حيث أجد صعوبةً في إقناعه بالامتثال للنصائح حول الدراسة وحفظ القرآن وشؤون البيت، اثنتا عشرة سنةً، أفيدونا، بارك الله فيكم.
ج: نقول: لا بد أن نكون واقعيين، لا بد أن نكون واقعيين.
ما شاء الله! اليوم الاتصالات من الجزائر كثيرةٌ.
معنا الأخت فاطمة من الجزائر.
المتصلة: السلام عليكم أستاذ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: أنا عندي مشكلةٌ مع ابني، الحقيقة هي ليست مشكلةً، ليست كبيرةً، ولكن أنا في مُعاملتي لابني كما قلت منذ قليلٍ: أصرخ في بعض الأحيان، لا أتمالك أعصابي وأصرخ في بعض الأحيان عندما يُخطئ.
المحاور: أخت فاطمة، لم أفهم الكلام.
المتصلة: عندما أتعامل مع ابني في بعض الأحيان أصرخ عليه.
المحاور: تصرخين؟
المتصلة: عندما أتعامل، وهذا ولدٌ لديه نوعٌ من الخوف.
المحاور: يعني: غضبًا يا أختي، صحيح؟
المتصلة: نعم، غضبٌ شديدٌ، وهذا ولدٌ لديه خوفٌ، وعمره سبعٌ.
المحاور: املكي نفسك، والله عمره سبعٌ.
أخت فاطمة، جزاكِ الله خيرًا على صدقك.
دعونا نعود للأخت فاطمة.
الأخت إلهام من ليبيا.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: عند اختيار الزوج قد تكون هناك إشكالاتٌ بالنسبة لي، لكن ما هي الأشياء الضَّرورية التي تنظر إليها الزوجة لاختيار الزوج؟
المحاور: طيب، أبشري -إن شاء الله-، جزاكِ الله خيرًا.
المتصلة: سؤالٌ ثانٍ بالله: عند الرؤية الشرعية ما هي الأشياء المُباحة لنظر الزوج لزوجته؟
المحاور: بالنسبة للجوانب الشرعية أختي إلهام يُسأل فيها المشايخ في القناة أو غيرها، ويمكن أن تُرسل رسالةٌ عبر رسائل الجوَّال لقناة "زاد" ويُجيبون لكم من الناحية الشرعية؛ لأن هذا البرنامج ليس للفتاوى الشرعية، وأنا لستُ لهذا التخصص؛ لذلك أترك الإجابة في هذا الموضوع الثاني المُتعلق بالرؤية الشرعية، وما يجوز، وما لا يجوز.
علاج الغضب
ما يتعلق بالأخت فاطمة، نحن أين وصلنا بالضبط؟
الأخت فاطمة فيما يرتبط بقضية الغضب، الأخت فاطمة ينبغي أن تحاول أن تملك نفسها، وهناك إجراءاتٌ نبويةٌ -ما دمنا نتكلم عن التربية من معين النبوة- وهي كما قلنا: تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتُعلم نفسها، وتُعطي نفسها هذه التعليمات، وتُلزم ذاتها، وتختبر نفسها، وإذا ما نجحت تفعلها مرةً أخرى، إذا كانت واقفةً تجلس، أو جالسةً تضطجع، كما جاء أيضًا في الحديث[11]أخرجه أبو داود في "سننه" (4782)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5114)..
فهذا مهمٌّ جدًّا؛ لأجل تخفيف قضية الضغط، ولا بد من التدريب والتَّمرس على قضية الضغط، ويرى الإنسانُ شكلَه حينما يكون غاضبًا، يعني: أنا أتصور أنه لو كان هناك واحدٌ يُصور -مثلًا- (فيديو) لإنسانٍ غاضبٍ، ورأى هذا الإنسانُ نفسَه بعد ذلك في (الفيديو)، فإنه لا بد أن يقول: يستحيل أن أرضى أن يكون شكلي بهذه الصورة.
أما ما يتعلق بقضية: ماذا تنشد المرأة في زوجها؟ فكما قال النبي : إذا أتاكم مَن ترضون دِينَه وخُلُقَه ...[12]أخرجه الترمذي في "سننه" (1085)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3090).، الدين والخُلُق، فلا يتنازع في الدين يا أخواتي، ما يتعلق بالدين تجب المُحافظة عليه، وما يتعلق بالخُلُق مهمٌّ جدًّا، ويدخل في ذلك العقل والاتزان، هذه قضيةٌ مهمةٌ.
الجمع بين الحزم والود
معنا الأخت أم زكريا من الجزائر.
المتصلة: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: يا شيخ، عندي بكري شابٌّ عمره واحدٌ وعشرون عامًا، الحمد لله هو مُواظبٌ على الصلوات -ليست كلها- في المسجد، لكن -الحمد لله على كل حالٍ- هو في بعض الأحيان يعصيني، أطلب منه -مثلًا- أشغالًا: رتِّب البيت؛ يعصيني، وفي بعض الأحيان يُطيعني، مثلًا: يقوم بتوصيلي، فهل أضرب بالشرع وأقول: الابن يجب أن يُطيع الأم؟ وهل أتعامل معه بليونةٍ، أو أشد عليه عندما يعصيني؟ وفي بعض الأحيان لا يتحمل.
المحاور: واضحٌ، أبشري يا أخت، جزاكِ الله خيرًا، نُجيب عن سؤالك.
المتصلة: لا أعرف كيف أتعامل معه؟
المحاور: أبشري، نُجيبك، بإذن الله .
المتصلة: بارك الله فيكم يا شيخ.
المحاور: وفيكم.
طيب، نُجيب بسرعةٍ حتى لا ننسى السؤال؛ لأننا أيضًا نسينا سؤالًا من الجزائر، أم محمد نعود إليها.
سؤال أم زكريا: ينبغي أن يُقال له: هذا خطأٌ، وهذا لا يجوز، ويُعلم، وهذا هو الحزم، لا بد من الحزم، ولكن أيضًا بالود والرحمة، هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، يعني: نجمع هذا المزيج بين الود والرحمة، بين الود والحزم، لا نكون قاسين فنكون حازمين من غير ودٍّ، ولا نكون تاركين الأمور مُسيَّبةً؛ فنكون ودودين من غير حزمٍ، فلا بد من إعطاء التوجيه، ويُعطى فرصةً، ويُعفى عنه، ويُدعى له، ويُتجاوز عنه.
ما منا إلا وقد أخطأ مع والديه، نسأل الله أن يُعيننا على برِّهم أحياء وميتين، وأن يغفر للموتى منهم، اللهم آمين.
وليس منا أحدٌ عنده أبناء إلا وقد أخطأ ابنه في حقِّه، فينبغي أن نتحمل ونصبر، ونُعلم، ونُعينهم على طاعتنا كآباء وما يتعلق بذلك.
الأخت أم محمد من الجزائر لما تكلمت عن قضية الزوج والمُعاناة الشديدة في ذلك، وأنا أُكرر ما ذكرتُه: لا بد أيها الإخوة والأخوات من الصبر والتَّحمل، ومحاولة التأثير على الزوج، وتعويض النقص، وأجركم عند الله عظيمٌ، لكن لا نكون نحن سببًا في زيادة المشكلة، ولا نُواجه المشكلة بمشكلةٍ أخرى، وقد نقع نحن في الخطأ أو الوزر كما يقع الطرف الآخر.
بقيت معنا أسئلةٌ في (الواتساب) سنُجيب عنها اضطرارًا -إن شاء الله- في الأسبوع القادم حتى ننتهي، بإذن الله .
سؤال الأخ عبدالله من إسبانيا بدأنا به، لكن لم نُكمل، نعده -إن شاء الله- ونعد الآخرين باستكمال أسئلتهم -بإذن الله- في اللقاء القادم.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يجمعنا وإياكم على خيرٍ، وأن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ.
تحياتي لكم، ولقاؤنا في الأسبوع القادم، بإذن الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑3 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑4 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑5 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑6 | أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466). |
↑7 | أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560). |
↑8 | أخرجه الترمذي في "سننه" (1655)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3089). |
↑9 | أخرجه القُضاعي في "مسند الشهاب" (1146)، وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (2928): موضوع. |
↑10 | أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609). |
↑11 | أخرجه أبو داود في "سننه" (4782)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5114). |
↑12 | أخرجه الترمذي في "سننه" (1085)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3090). |