المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية"، ولقاؤنا في هذه الحلقة -بإذن الله - سيكون حول التربية بالقيم، وكيف نستطيع أن نمارس هذه التربية في الأسرة والمدرسة، وفي مجال التعليم؟ وما أهمية التربية بالقيم؟
وقد تحدثنا كثيرًا عن أهمية التربية، وكون المُربي يُنَشِّئ المُتربي بالتدرج على ما هو أمثل في القضايا الشخصية المختلفة: العقلية، والروحية، والوجدانية، والقيمية، والأخلاقية، والاجتماعية، ومن ذلك: ما يتعلق بقضية القيم والأخلاق والآداب.
تعريف القِيَم
"القيم" جمع كلمة "قيمة"، أي الشيء الذي له قيمةٌ وثمنٌ؛ ولذلك فإن قضية القيم من القضايا المهمة جدًّا نظرًا لقيمتها وأهميتها، ولا يمكن أن تعيش النفس البشرية، ولا الأمة، ولا الأسرة، ولا تقوم حضارةٌ بدون قيمٍ، فلا بد أن تكون ذات أخلاقٍ وآدابٍ وقيمٍ.
إذن نحن نتحدث عن القيمة التي لها ثمنها، والشيء الذي له ثمنه.
والقيم ترتبط بعلاقة المسلم بالله ، وعلاقته بالآخرين، وكذلك في تعامل الإنسان مع نفسه.
لذلك تُعرَّف القيم في الاصطلاح بأنها: مجموعة الصفات الأخلاقية التي يتميز بها البشر، وتقوم الحياة الاجتماعية عليها، ويتم التعبير عنها باستخدام الأقوال والأفعال، بغض النظر عن الديانة والمجتمع والبشر والجنسية، أو ما شابه ذلك.
فنحن بأمس الحاجة إلى العناية بمثل هذه الأمور.
منظومة القيم
ما منظومة الأخلاق والآداب والقيم التي ينبغي أن أتميز بها عن البشر، وتتميز بها الأمة عن غيرها، وتقوم عليها الحياة الاجتماعية؟
الأقوال والأفعال هي المُعبرة عن مثل هذه القيم؛ لذلك بعض الناس قد يتعلم قِيَمًا صحيحةً، لكنه يُمارس عكس ذلك، وهذا أشد ما يكون.
وكثيرٌ من الأجيال قد يتعلمون ويسمعون قِيَمًا إيجابيةً، وأخلاقًا سليمةً من خلال الأسرة أو المدرسة إن كانت إيجابيةً، أو المناهج إن كانت إسلاميةً، أو من خلال خطب الجمعة، أو المحاضرات، أو الدعاة، أو المُربين الناجحين، وما شابه ذلك، لكنه يتلقى عكس هذه القيم مثلًا من خلال والديه وأقاربه والإعلام والمجتمع والشارع والبيئة التي يعيش فيها؛ فيحصل التناقض بين المُدخلات والمُخرجات، وهو ما نُسميه: التطابق التربوي، وهو: كيف نستطيع أن نجعل من قِيَمنا النظرية الجميلة واقعًا عمليًّا نُمارسه في حياتنا بشكلٍ صحيحٍ؟
ولا شك أن هذه القضية هي المحك، وفيها الابتلاء، نسأل الله العفو والعافية في هذا الجانب؛ لذلك يقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3].
فيمكن أن يكون القول قيمةً رائعةً، وخلقًا رائعًا، ويمكن أن نُوجه أبناءنا إلى شيءٍ رائعٍ، لكننا نُخالفه؛ فيحصل التناقُض.
مرجعية القيم
القيم الإسلامية هي: مجموعة الأخلاق التي مصدرها كتاب الله وسنة النبي ، ومن خلال مواقف السيرة النبوية، وتطبيق الأنبياء والصالحين والسلف الصالح؛ حتى تكون الشخصية الإسلامية متكاملةً، تتفاعل بطريقةٍ إيجابيةٍ مع المجتمع، وتتوافق مع الآخرين، فيكون عند الإنسان توافقٌ مجتمعيٌّ وذاتيٌّ؛ لأنه فعلًا تتطابق لديه المُدخلات مع المُخرجات، والنظرية مع التطبيق، حتى لا يكون من الذين مقتهم الله بقوله: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3]، والمقت: هو أشد البُغض عند الله .
لذلك تكمل الإنتاجية الإيجابية من خلال القيم الإسلامية في جانب الأسرة والنفس البشرية والمجتمع والحضارات والدول.
لذلك تجدون أن الحضارات القديمة تهتم بالأخلاق والقيم -عند العقلاء منهم- بغض النظر عن الجانب الفلسفي فيها، وبغض النظر عمن يقبل بعضها ويرفض بعضها.
ولا شك أن مرجعية القيم لا بد أن تكون ثابتةً، كمرجعيتنا؛ لأن الله هو الذي شرعها: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ[البقرة:140]، ولا شك أن المرجعية الربانية غير المرجعية البشرية؛ فالمرجعية الربانية هي بالأديان السماوية الصحيحة، وآخرها الدين الإسلامي؛ لذلك ينبغي أن نعتني باستنباط واستخراج القيم من خلال كتاب الله وسنة النبي .
وأما القيم التي ينظر فيها البشر فإنهم قد يُصيبون في أمورٍ أو في جزءٍ من هذه القيم، ويُخطئون أو يُخالفون حتى القيم الصحيحة، ويظنون أنهم يُحسنون صنعًا؛ لذلك ينبغي الانتباه إلى أن المرجعية للقيم هو المنهج الإسلامي، وليس النظرة البشرية.
فحين يقول النبي : إنما بُعثتُ لأُتمم صالح الأخلاق[1]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (8952)، وقال مُحققو "المسند": صحيحٌ، وهذا إسنادٌ قويٌّ.، فهنا بيانٌ لغرض البعثة النبوية، والتي جاءت بعد جاهليةٍ وانقطاع رسالة الأنبياء، فقد كانت هناك مكارم عند العرب، فكانوا يحملون قِيَمًا وأخلاقًا، وليست بشكلٍ كاملٍ وشموليٍّ وتكامليٍّ، لكن كانت هناك أخلاقٌ من الشيم والكرم والعفَّة عند البعض، وخذوا مثلًا قول عنترة بن شداد المشهور:
وأغضُّ طَرْفي إنْ بدَتْ لي جارتي | حتى يُواري جارتي مأواها[2]ديوان عنترة بن شداد (ص226). |
والنساء في ذاك الزمن ليس عندهن سترٌ ولا حجابٌ، ومع ذلك يقول: لو ظهرت جارتي لي فإني أغض طرفي حتى تأوي إلى بيتها.
فلا شك أن شُرفاء العرب مع جاهليتهم كانوا يُمارسون مثل هذه القيم والأخلاق، لكنها كانت ناقصةً في تكامليتها وشُموليتها واستمراريتها، وهذا هو الفارق بين المنهج الرباني والمنهج البشري؛ لذلك قال الرسول : إنما بُعثتُ لأُتمم صالح الأخلاق يعني: بعض الأخلاق الكريمة كانت موجودةً بلا شكٍّ، لكن الرسول جاء ليُتمم الناقص منها، ويرتقي بها حتى تأخذ نموذجها الحقيق الصحيح الذي يُوجد فعلًا السعادة النفسية، والشعور بالتوافق الذاتي والنفسي، والتوافق المجتمعي، وزيادة الإنتاجية، وقبل هذا وبعده إرضاء الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
إذن نحن بأمس الحاجة إلى الانتباه لمثل هذه القضية؛ لأنه لا بد من العناية بالمصدر الذي نتلقى منه قيمنا؛ حتى لا نقع فيما وقع فيه الآخرون.
يعني: خذوا مثالًا مشهورًا -والأمثلة كثيرةٌ في هذا الجانب- وهو الشذوذ -والعياذ بالله-، فلا توجد نفسٌ بشريةٌ سويةٌ -بغض النظر عن ديانتها، وكونها ذكرًا أو أنثى، كبيرةً أو صغيرةً- إلا وتمقت قضية الشذوذ؛ لذلك كانت قضية اللواط والسِّحاق -والعياذ بالله- أشد نكارةً من الزنا -والعياذ بالله-، فهذه هي الفاحشة، و"ال" التعريف تُعطي دلالةً على أنها من الخبث بمكانٍ.
وهذا كان أيضًا عند الدول الغربية الكافرة، كان هذا الشيء غير مُقرٍّ أبدًا، ولا تُقرُّه البرلمانات والمجالس النيابية، وما شابه ذلك، كانت قضيةً مرفوضةً، وأما في السنوات القليلة الماضية فتجد أن عددًا من الدول الأوروبية -ومنها أمريكا مثلًا وغيرها- أقرُّوا هذه القضية بعد أن كانت بالنسبة لهم أمرًا منبوذًا، وقيمةً مرذولةً وسيئةً، فأصبحت قيمةً مُعترفًا بها، ولهم جمعياتهم الرسمية، وحقوقهم المُدافع عنها، وزيجاتهم -والعياذ بالله- التي يعقدونها بشكلٍ رسميٍّ، فأي حضارةٍ تلك التي يصل بها الحال إلى هذا المستوى من الخُبث والسُّوء؟! فأين القيم؟! ليست هناك قيمٌ ثابتةٌ.
وصدقت (تاتشر) رئيسة الوزراء البريطانية السابقة عندما قالت: ليس لنا أصدقاء ثابتون، ولا أعداء ثابتون، وإنما لنا مصالح ثابتةٌ!
إذن القيم المتعلقة بالنفعية (البراجماتية) موجودةٌ عند الرأسماليين، وهي ما تُسمى بـ: (البراجماتية النفعية)، فأينما تكون نفعيتهم ومصلحتهم يكونون معها، حتى لو جعلوا القيمة الإيجابية قيمةً سالبةً، أو القيمة السالبة قيمةً إيجابيةً، لا إشكالية في ذلك؛ لذلك يمكن أن يُنادوا بقضايا يدَّعون أنها كذلك، ويُمارسون عكس ذلك تمامًا.
ولذلك حينما لا تكون القيم ثابتةً ومستمرةً وربانيةً تكون القضية خطيرةً جدًّا؛ ولهذا لا بد من أخذ القيم عن طريق المنهج الإسلامي؛ لأنه ينظر إلى القيم بنظرته الشمولية والتكاملية والمتوازنة، وإلا ستصبح القيمة التي نعترف بها على أنها مطلوبةٌ قيمةً نرفضها بعد ذلك، أو العكس، كما قلنا في قضية الشذوذ عند الدول الأوروبية الغربية كمثالٍ، وهناك أمثلةٌ أخرى.
ومعنا في هذه اللحظة سعادة الأستاذ الدكتور: عبدالله بن ناصر الصبيح، أستاذ علم النفس الاجتماعي المُشارك بجامعة الإمام في مداخلةٍ.
فحياكم الله يا دكتورنا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله، ونفع الله بكم، وسدَّدكم وقوَّاكم.
المحاور: حياك الله يا دكتور، وسعداء بك والله، ومنكم استفدنا أثناء دراستنا، ونستفيد منكم اليوم، الله يحفظكم.
المتصل: الله يُبارك فيك.
المحاور: حياك الله يا دكتور عبدالله، وجزاك الله خيرًا.
حديثنا في هذه الحلقة عن التربية بالقيم، وأنتم مُختصون في مجال علم النفس الاجتماعي، ومجال القيم من القضايا المهمة في هذا المجال، فهلا حدثتمونا عن هذا الموضوع.
القيم بين النظرية والتطبيق
المتصل: المفاهيم التي يتلقاها الإنسان: إما أن تكون مجرد معلوماتٍ، أو تكون لها قيمةٌ عاليةٌ، أو ربما قيمةٌ نازلةٌ عنده.
فإذا كانت لها قيمةٌ عاليةٌ سوف يكون لها أثرٌ على سلوكه ومشاعره وتفكيره، وإذا كانت لها قيمةٌ نازلةٌ سوف يتجنبها ويتحاشاها.
وخذ مثلًا: قيمة التوحيد عند المسلم، والتثليث عند النصارى، فإذا درست التوحيد باعتباره مجرد معلومةٍ: الله واحدٌ ، ثم وقف المفهوم عند هذا الحد، ولم يتطور المفهوم فتعلم عظمة الله ، وتعلم أنه هو الرازق، وأنه المُعطي، وأنه هو الذي يُجيب الدعاء، وهو المعبود بحقٍّ : وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:79، 80].
فهذه المعاني إذا لم يستطع المعلم أن يُوصلها إلى الطالب يُصبح التوحيد مجرد معلومةٍ لا تُؤثر في سلوك الطفل، ولا تفكيره، ولا مشاعره.
المحاور: يعني: أنت يا دكتور عبدالله في هذا الكلام تؤكد على الجانب المفهومي في قضية القيم، وأنها ليست قضيةً نظريةً ومعرفيةً، بل لا بد أن يكون لهذا الجانب أثرٌ فيما يتعلق بقضية الأفكار والاتجاهات والمهارات.
المتصل: نعم، فالمعلم في درس التوحيد -مثلًا- أو الفقه أو الحديث إذا كان همُّه أن يُوصل المعلومات إلى الطلاب فقط، وأهمل إيصال المفاهيم؛ فإن عملية التعليم تكون فاشلةً، والطالب يكون فاشلًا، فربما يكون حافظًا، لكنه فاشلٌ في التعامل مع المفاهيم.
المحاور: ما علاقة هذا الجانب بالقيم والتربية عليها؟ لأنك تقول: إن هذا هو حقيقة القيم.
المتصل: نعم، القيم هي مفاهيم، لكن هذه المفاهيم ارتبطت بقيمةٍ عاليةٍ عند الشخص، مثل: قيمة الصدق والكذب، فحينما يُعلِّم المعلم الطالب الصدق، ويذكر له أن فلانًا صدق، وكذا، ولم يستطع أن يُوصل إليه أن الصدق منجاةٌ، وأن الله يُحب الصادقين، وأن الصدق هو أعظم صفات المسلم، فالله حينما ذكر قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا ختمها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، فالتقوى والأمر بأن نكون مع الصادقين من أجل أن يكون المجتمع مجتمعًا صادقًا، هذه قيمةٌ، وحينما نُعلي من هذا الأمر يتغير سلوكنا، وتتغير مفاهيمنا، وإذا فشل المعلم في ربط المفهوم بالقيمة فإن عملية التعليم تكون فاشلةً.
وخذ مثالًا على ذلك: الرسول كان يُعلم الصحابة -رضوان الله عليهم- أحيانًا آيات القرآن، أو يُعلمهم صفات الوضوء، أو صفات الصلاة، أو غيرها، وعلَّمهم مرةً من المرات صفة الوضوء فقال: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه؛ خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء[3]أخرجه مسلم (244).، فحينما يستشعر الطالب هذا المعنى وهو يتعلم صفة الوضوء، وهو يتوضأ، فيستشعر أن هذه الأخطاء والآثام التي وقع فيها تزول بهذا الوضوء؛ تُصبح للوضوء منزلةٌ عاليةٌ؛ ولذلك طلب الله منا أن نفرح بنِعَم الله : فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58]، وأن تعظيم شعائر الله، وأن تكون لله مكانةٌ في القلوب: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، تعظيم حُرمات الله ، هذا هو الذي يُنشئ القيم.
أما أن يتحول المفهوم إلى مجرد معلومةٍ فهذا فشلٌ؛ ولذلك بعض الآباء يعترف ويقول: أنا والله فشلتُ. لماذا فشل؟ لأنه لم يستطع أن يُحول المفاهيم إلى قيمٍ يُعظِّمها ابنه، أو تُعظِّمها ابنته، فأنت أفهمتَ البنت أن الحجاب مجرد قيدٍ، وما أفهمتها أنه حفظٌ وسموٌّ وهويةٌ لها، لم تفهم هذا الأمر.
المحاور: وقد تجد يا دكتور أن الأم تُذاكر لابنتها وتُؤكد عليها حفظ المعلومة، وتأخذ البنت درجةً عاليةً، وربما كاملةً، ولكن الجانب العملي والتطبيقي مثلًا في قضية الحجاب يُخالف هذا الذي قامت بحفظه وتسجيله في الورقة! وما شابه ذلك.
المتصل: دعني أذكر لك تجربةً عملتها فتاةٌ ليست مسلمةً عن الحجاب، أظن في أشهر شارعٍ في نيويورك، ودوَّنت هذه التجربة، وسجلتها على شريط فيديو، وأُذيع، وبُثَّ، حيث لبست هذه الفتاة كما تلبس أي فتاةٍ أمريكيةٍ، وسارت في ذلك الشارع، وصوَّرت سيرها في الشارع.
تقول: تلقيت الكثير من عبارات الإغراء والإطراء والتحرش وغيرها، وفعلًا ترى في الفيلم مَن يمشي معها، ومَن يُلقي عليها كلمةً، ومَن يتحرش بها؛ لأن الفتاة بنفس اللباس الأمريكي السافر، ثم بعد ذلك سارت في نفس الطريق وهي تلبس لباس امرأةٍ مسلمةٍ: الحجاب، ولا أذكر: هل ارتدت النقاب أم أنها كانت كاشفة الوجه؟ لكن كان معها حجابٌ ولباسٌ وافٍ، وهو اللباس الذي تلبسه المسلمات.
المحاور: وهي ليست مسلمةً؟
المتصل: ليست مسلمةً.
المحاور: تريد أن تنظر للفرق بين الحالتين.
المتصل: نعم، فتقول: لم يتحرش بي أحدٌ، وهي في نفس الشارع، ونفس الفتاة، ونفس المسافة، ومع ذلك لم يحصل لها تحرشٌ.
فحينما تستطيع الأم أن تنقل هذا المعنى إلى بنتها لا شك أن الفتاة سوف تنظر للحجاب نظرةً أخرى مختلفةً، والابن -ونحن نقول هذا الكلام ونحن والله مُقَصِّرون، ولسنا قدواتٍ حسنةً- حينما يجد من الأب تعظيمًا للصلاة، وإذا أذَّن المُؤذن يقوم الأب فورًا ويذهب إلى المسجد؛ يشعر الابن وتشعر البنت أن للصلاة قيمةً عند الأب، وهذه القيمة تنتقل إلى هؤلاء الأبناء؛ فيشعرون بعظمة الصلاة.
لكن لو أذَّن المُؤذن فقال الأب: والله ما زال هناك وقتٌ، وما زال كذا، وما زال كذا! وأيضًا يُصليها في البيت؛ فالابن سيتعلم منه هذه القيمة، وأن الصلاة أمرٌ ثانويٌّ، وليس أساسيًّا.
فنحن نتمنى أن قيم الصدق والهوية والتوحيد والعدل والإحسان وغيرها تُصاحب المتعلم.
المحاور: بارك الله فيك يا دكتور عبدالله.
المتصل: الله يجزيك خيرًا.
المحاور: شكرًا جزيلًا يا دكتورنا الكريم، ونفع الله بك، ونحن سعداء بك، وقد استفدنا مما ذكرتَ.
المتصل: ونفع الله بك، وبارك الله فيك.
المحاور: شكرًا حبيبنا.
كان معنا سعادة الدكتور عبدالله بن ناصر الصبيح، أستاذ علم النفس الاجتماعي المشارك بجامعة الإمام، وقد تحدث بشكلٍ واضحٍ جدًّا عن أن المفهوم الحقيقي للقيمة لا يكمن في الجانب المعرفي فقط، ولكن لا بد أن يكون له أثرٌ على الجانب الوجداني والمهاري، وذكر بعض الأمثلة المتعلقة بالحياة الأسرية والتعليمية، فشكر الله له.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل.
الفاصل:
الأبناء أمانةٌ عظيمةٌ في عنق الوالدين، فالإحسان إليهم والحرص على تربيتهم أداءٌ للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم غِشٌّ وتضييعٌ للأمانة، وقد قال النبي : كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته.
وكثيرًا ما ينحرف الوالدان في تربية الأبناء عن جهلٍ أو غفلةٍ، وتغليبًا للعاطفة، دون إدراكٍ لنتائج ذلك الانحراف.
ومن المظاهر الخاطئة في تربية الأبناء:
- التَّذبذب في المعاملة، وعدم استقرار الوالدين على استخدام أساليب الثواب والعقاب، فيُعاقَب الطفل على سلوكٍ مُعينٍ مرةً، ويُثاب على السلوك نفسه مرةً أخرى!
- الحماية الزائدة للطفل، وقيام الوالدين بمسؤولياته التي من المُفترض أن يقوم هو بها، مما لا يُعطيه حرية التَّصرف، أو فرصة اتِّخاذ القرار بنفسه في كثيرٍ من أموره.
- إهمال الطفل وتركه دون تشجيعٍ، أو مُحاسبةٍ، أو توجيهٍ، وغالبًا ما يكون ذلك ناتجًا عن انشغال الوالدين.
- تأنيبه وعقابه أمام أصدقائه ورُفقائه؛ مما يُسبب له الحرج البالغ.
- التفرقة وعدم المُساواة بين الأبناء؛ مما يُولد بينهم الشَّحناء والحقد والحسد.
- تنشئة الأبناء على الجُبن بتخويفهم الدائم عند ارتكاب أي سلوكٍ خاطئٍ؛ فينشأ الطفل جبانًا يخاف مما لا يُخاف منه!
- الدلال الزائد، وتحقيق أكثر رغبات الطفل، وعدم توجيهه أو كفِّه عن مُمارسة السلوكيات غير المقبولة، والتساهل معه في ذلك.
- القسوة المُفرطة واحتقار الطفل وتعنيفه على أي خطأ بصورةٍ تُشعره بالمهانة، وهو الوجه المُقابل للدلال الزائد، وكلاهما مرفوضٌ، وخير الأمور أوسطها، والحكمة تقتضي المُوازنة، وإشباع حاجات الطفل النفسية من العطف والدفء الأُسري، دون تقصيرٍ في توجيهه أو تقويم أخلاقه.
بضع خطواتٍ لتحبيب ابنتك في الحجاب
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].
الحجاب شعار المؤمنات، وزي العفيفات الطاهرات، وتحبيب الفتيات في ارتدائه سهلٌ يسيرٌ، لكنه يحتاج إلى بضع خطواتٍ:
- منها: أن يبدأ الوالدان مع ابنتهما في التزام الحجاب بالتَّدرج منذ الصغر، فقد تتشكل لديها مع الوقت قناعاتٌ خاطئةٌ تصعب مُعالجتها.
- أن يغرسا في ابنتهما نبتة المُراقبة والخشية، ويُرسِّخا في ذهنها أن الله يرضى عن المرأة العفيفة المُحتشمة المُطيعة لأوامره.
- أن يُظهرا إعجابهما بالحجاب، وذلك بالحديث عنه كثيرًا أمامها، مع ذكر صفاته ومحاسنه.
- الحرص على أن تُصاحب الابنة الفتيات الصالحات المُحجبات، فالصُّحبة الصالحة لها أكبر الأثر في السلوك والأخلاق.
- استخدام الهدية والمُكافأة التشجيعية، وإعلام الفتاة أن المُكافأة الكُبرى إنما هي في تحصيل مرضاة الله تعالى.
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات.
ما زلنا مع التربية بالقيم، وهو موضوعٌ مهمٌّ ومُلِحٌّ، وأسأل الله التوفيق والإعانة.
وكان هناك سؤالٌ تفاعليٌّ وهو: كيف نزرع القيم في نفوس أجيالنا؟
فنتمنى من الإخوة والأخوات المُشاركة في هذا السؤال التفاعلي، وبإذن الله ما وردنا عبر وسائل التواصل المختلفة سنعرضه في الحلقة القادمة؛ حتى نُعطي فرصةً أكبر لمزيدٍ من المُشاركات، جزاكم الله خيرًا، وقد وصلتنا مجموعةٌ من المُشاركات، ونسأل الله التوفيق والإعانة.
خصائص القِيَم
حينما نتحدث عن القيم لا بد أن نتحدث عن خصائصها التي نريد أن نتميز بها كمُجتمعٍ مسلمٍ، وأسرةٍ مسلمةٍ، وفردٍ مسلمٍ، فخصائص القيم تُعد صفةً من صفات الشخص نفسه التي يسعى للمُحافظة عليها، فلما يُقال: "قيمة" هي في الحقيقة صفةٌ، خُلُقٌ كما قلنا؛ ولذلك فالشخص يُعرف بهذه الصِّفة وهذا الخُلُق؛ ولذلك ينبغي أن نتنبه لهذه الخاصية، وأيضًا حينما تكون هذه صفةً يسعى للمُحافظة عليها، ويستحيل أن تكون القيمة قيمةً حقيقيةً عند الإنسان وهو يتفلت منها، ولا يُحافظ عليها، أو يُضحي بها، أو يُغيرها من وقتٍ لآخر، لا يمكن أن تكون القيم بهذه المثابة أبدًا بحالٍ من الأحوال؛ لذلك ينبغي الانتباه لمثل هذه الخاصية.
ومن خصائص القيم: أن فيها جانبين: إيجابيٌّ وسلبيٌّ؛ فهناك قيمٌ إيجابيةٌ وقيمٌ سلبيةٌ، وهناك أخلاقٌ إيجابيةٌ وأخلاقٌ سلبيةٌ؛ ولذلك نحتاج أن نتنبه لذلك.
فحين ننظر مثلًا إلى كتاب "نضرة النعيم في مكارم أخلاق النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم"، وهذا من أفضل الكتب في جانب الأخلاق والقيم، ستجدون أنه قُسِّم إلى الأخلاق والقيم الإيجابية، ثم الأخلاق والقيم السلبية، يعني: تحدث عن الصدق، وفي المقابل تحدث عن الكذب؛ لأنه بضدها تتميز الأشياء، فنعلم الجانب الإيجابي، ونحذر من الجانب السلبي.
ولذلك أحيانًا نحن نحتاج إلى إدراك هذه القضية؛ حتى يُميز الإنسان بين الجانب الإيجابي والسلبي، فهذه القضية من الخصائص المهمة التي نحتاج إليها.
ومن خصائص القيم: أنها تتوافق مع الفطرة، بمعنى: أنها لا تُعارض الفطرة، ولا تُعارض العقل الصحيح، ناهيك عن أن تُعارض الشرع، أبدًا بحالٍ من الأحوال، ونحن البشر بسبب اختلاف أفكارنا وأهوائنا قد نجعل القيمة إيجابيةً، وهي قد لا تكون كذلك، كما ذكرنا في قصة الشذوذ، ونظرة بعض الدول إليه، حتى صاروا يُطالبون الآن بإقامة أسرةٍ من جنسٍ واحدٍ: ذكر وذكر، أو أنثى وأنثى، وهذا من أشد أنواع الانحراف عن الفطرة؛ ولذلك فالعاقل -حتى لو لم يكن مسلمًا- يرفض مثل هذا؛ لأن القيم تتوافق مع الفطرة، ناهيك عن توافقها مع الشرع والعقل.
ومن خصائص القيم: أنها تجعل الإنسان يتصرف وفق سلوكٍ معينٍ، ونضرب مثالًا: قضية الأمانة، فإذا وجد الإنسان شيئًا -ليس له- ساقطًا على الأرض يذهب ويبحث عن صاحبه، فالذي يتربى على هذه القيمة يفعل ذلك، فالطفل الصغير في المدرسة إذا وجد شيئًا من هذه الأمور يأتي للمعلم ويقول: هذه وجدتها ساقطةً في الفصل الدراسي.
فلا شك أن الأمانة قيمةٌ واضحةٌ جدًّا، فيحتاج أن يُعزَّز ويُشكر عليها.
أهمية غرس القِيَم منذ الصغر
معنا الآن مُداخلةٌ كريمةٌ من الأستاذة: نورة بنت مسفر القرني، (ماجستير) إرشاد وتوجيه تربوي، ومُؤلفة كتاب "تعزيز الرقابة الذاتية فيما يتعلق بقضية الوسائل والأجهزة الذكية مع الأطفال"، ونريد أن نتحدث مع الأستاذة الكريمة حول هذا الموضوع، فحيَّاكم الله أُستاذة نورة.
المتصلة: حيَّاكم الله.
المحاور: هل يمكن أن تتحدثي معنا في دقائق معدودةٍ عن التربية بالقيم؟ ماذا عندكم في هذا الأمر، وخاصةً في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي في مرحلة الطفولة، وأيضًا ما يتعلق بقضية المرأة؟ فتفضلي، بارك الله فيكِ.
المتصلة: بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وبعدُ: فمن المهم تربية الأجيال على القيم في ظلِّ هذا التطور التقني والعلمي والانفتاح الإعلامي؛ حتى لا تقع الأجيال في الانقياد والتبعية لكل جديدٍ، سواءٌ وافق ما جاء به الإسلام أو خالفه، فالقيم إذا غُرستْ في الطفل وتمَّت تنميتها لديه منذ أيامه الأولى سيصعب انتزاعها فيما بعد ذلك بحول الله تعالى.
وقد تكون هذه القيم سببًا يُبعده عن الانحراف والتأثر بالأفكار المسمومة التي قد تصل إليه دون عناءٍ وبحثٍ عن طريق هذه الأجهزة الذكية التي أصبح من السهل حصول الأطفال عليها، وقد يصل إلى معلوماتٍ شديدة السلبية بضغطة زِرٍّ بأصبعه الصغيرة أثناء تجواله وتصفحه لوسائل التواصل الاجتماعي.
ففي ظل هذه التَّغيرات في الزمان وخصائصه يمكن للمُربي -سواءٌ كان أبًا أو أمًّا أو حتى المعلم والمعلمة- استخدام هذه الأجهزة الذكية لغرس وتعزيز القيم التي يريدها في الطفل.
ومن هذه الطرق على سبيل المثال: سماع سورةٍ أو بعض آياتٍ تدل -مثلًا- على قيمة الحياء، ومنها ما جاء في خبر موسى حينما ورد ماء مدين، قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، فيشرح المُربي هذه الآية للطفل والفتاة خصوصًا، ثم يتشاركان معًا في صنع بطاقاتٍ أو خلفياتٍ لتكون أمام ناظري الفتاة؛ حتى يتم الأثر، بإذن الله تعالى.
ومن الطرق أيضًا: عرض بعض القصص أو أفلام الكرتون التي تتحدث عن قيمة العفاف، أو الصدق، أو نحوهما من القيم التي يريد المُربي تعزيزها لدى الطفل، ثم يُناقش هذه القيمة، أو يُناقش هذه القصة أو الفيلم الكرتوني مع الطفل، ويقوم الطفل باستخراج الفوائد منها، ويمكن بعد ذلك كتابة هذه الفوائد كرسائل قصيرةٍ يتم إرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حتى تعم الفائدة للغير، بإذن الله تعالى.
من الطرق أيضًا: الحوار الهادئ، وتمثيل الأدوار، وغيرهما.
ولا بد من التركيز على نقطةٍ عند تعزيز القيم، وهي: أن يكون المُربي -سواءٌ الأب أو الأم- قدوةً للطفل، فعندما تغرس الأم -مثلًا- قيمة الحياء لدى طفلتها لا بد أن تكون قدوةً لها في ذلك، فيكون الحياء منهج حياتها، والحياء لا يأتي إلا بخيرٍ[4]أخرجه البخاري) 6117(، ومسلم )37)..
أخيرًا المسؤولية زادت على الأسرة أكثر مما كانت عليه في السابق مع هذا التطور الإعلامي والانفتاح والتكنولوجيا والأجهزة الذكية، فأعان الله كل مُرَبٍّ على تحمل هذه المسؤولية.
المحاور: آمين، جزاكم الله خيرًا، لو سألناكِ سؤالًا: ما الذي جعلك تكتبين كتابك الذي نزل في معارض الكتاب مُؤخرًا في تعزيز الرقابة الذاتية فيما يرتبط بالتعامل مع الأجهزة الذكية؟ هل يمكن أن تُشيروا إلى هذه القضية وربطها بقضية القيم، بارك الله فيكم؟
المتصلة: الكتاب كان رسالة (ماجستير): "تعزيز الرقابة الذاتية وعلاقتها بالقيم الاجتماعية لدى تلميذات المرحلة الابتدائية والمتوسطة في مدينة جدة"، فشعرتُ فعلًا بالحاجة الماسة لتعزيز هذه القيمة، والحمد لله رب العالمين، تم إعداد برنامج لتعزيز هذه القيمة: "الرقابة الذاتية" أثناء دراستي (للماجستير)، بعد ذلك تم تطبيق البرنامج.
المحاور: يعني: هي دراسةٌ تجريبيةٌ؟
المتصلة: لا، ليست تجريبيةً، هو مشروعٌ بحثيٌّ، لكن بعد ذلك تم عمل برنامج لتعزيز الرقابة الذاتية.
المحاور: وهذا البرنامج هو الموجود في الكتاب؟
المتصلة: مُشابهٌ لما هو موجودٌ في الكتاب.
وقد تم تطبيق البرنامج -الحمد لله- أحد عشر مرةً في مختلف مناطق المملكة، وبعد ذلك جاءت فكرة الكتاب بإشارةٍ من الدكتور: خالد الدريس -حفظه الله-، والحمد لله رب العالمين، خرج الكتاب على ما هو عليه.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، هل وجدتم فعلًا أن الأُسر والمجتمع قادرٌ على أن يقوم بمثل هذه الإجراءات خاصةً مع الأطفال؟ وهل وجدتم أن لها أثرًا في تعزيز هذه القيم في نفوسهم؟
المتصلة: يُطلب من الفتيات في نهاية البرنامج كتابة فوائد مما استفدن، والحمد لله رب العالمين، كانت هناك فوائد تُشجعنا على بذل المزيد.
وبالنسبة للأُسر: فكثيرٌ منها تتواصل معي وتُخبرني أنها وجدت أثرًا على فتياتها، وهناك أُسرٌ مُهتمةٌ بهذا الشيء، وتُكمل ما بدأنا به، خصوصًا أُسر الفتيات اللاتي حضرن البرنامج، وهناك أُسرٌ معتمدةٌ على البرنامج فقط.
المحاور: جيدٌ، سؤالٌ أخيرٌ لو تكرمتِ: لو قيل لكِ -باختصارٍ في آخر نصف دقيقةٍ-: ما هي أبرز القيم التي تُؤكدين عليها فيما يتعلق بالمُربين في الأسرة، أو المدرسة، أو المجتمع عمومًا فيما يتعلق بتعامل الأجيال مع الأجهزة الذكية؟
لو ذكرتِ أبرز القيم التي تُؤكدين عليها من خلال خبرتكِ كعناوين فقط.
المتصلة: نُؤكد على تفعيل الرقابة الذاتية، فإذا كانت عنده رقابةٌ ذاتيةٌ سيفعل ما أُمِرَ به، ويترك ما نُهِيَ عنه.
المحاور: نعم، جزاكِ الله خيرًا، ماذا تقصدين بالرقابة الذاتية بالضبط؟
المتصلة: استشعار مُراقبة الله له، حيث يستشعر الطفلُ مُراقبة الله له في كل أحواله في وجود المُربي وغيبته، وفي كل مكانٍ.
المحاور: نعم، أنت تقصدين بالدرجة الأولى: التربية الإيمانية وأثرها في تكوين الرقابة الذاتية.
شكرًا لكِ أستاذة نورة، وبارك الله فيكِ، ونفع بكِ.
كانت معنا الأستاذة نورة القرني الأخصائية النفسية، والمُختصة فيما يتعلق بتعزيز الرقابة الذاتية للتعامل مع الأجهزة الذكية لمرحلة الأطفال والفتيات، وفَّقها الله، وشكر الله لها.
وللأستاذة نورة حسابٌ في (تويتر) يمكن الاستفادة منه، خاصةً من الأخوات والأمهات والمُربيات والمعلمات، لعل الله أن ينفع بهذا الجانب المهم جدًّا.
وقد أكَّدت الأستاذة نورة على الرقابة الذاتية، وذكرت أنها عبارةٌ عن زرع الإيمان في القلوب، بحيث إن الإنسان لو خلا بمحارم الله لم ينتهكها، نسأل الله أن يحفظنا بحفظه.
وهذه القضية كلنا بأمس الحاجة إليها، وأجيالنا اليوم أكثر حاجةً لها، وقد حدَّثني أحد المُصلحين الاجتماعيين الأُسريين عن مثل هذه القضايا التي تأتيه من خلال الاستشارات الأُسرية والمشاكل التي تحصل بين الزوجين بسبب الانحرافات المُرتبطة بالأجهزة الذكية، فما بالكم بالجيل الصغير؟
وأيضًا جاءني اليوم كذلك سؤالٌ من إحدى الأخوات عن قضية العلاقات المُنحرفة التي كانت تحدث مع الشباب بعضهم مع بعضٍ، أو الأولاد بعضهم مع بعضٍ، وقد تحدثتْ عن شيءٍ رأته بأم عينها، وأرجعت السبب إلى ما يرتبط بقضية تعامل هؤلاء الأبناء أو الأولاد مع الأجهزة الذكية، وترجمة ما يُشاهدونه عمليًّا، وما نريد لأنفسنا وأهلينا وأحبابنا وأبنائنا والمسلمين جميعًا إلا أن يُسعدنا الله في الدنيا والآخرة، كما قال الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، والطريق واضحٌ جدًّا، وهو الإيمان والعمل الصالح.
وما ذكره الدكتور عبدالله والأستاذة نورة مهمٌّ جدًّا، وهو: تعزيز الجانب الإيماني والتربية الإيمانية والقدوة فيما يرتبط بقضية قيم الحياة: كالصدق، والأمانة، والصلاة، إلى غيرها من تلك القيم الواضحة الجلية في منهجنا الإسلامي، وكذلك القيم الحياتية.
فلا ينفع أن أُوجه طلابي إلى الانضباط في الوقت وأنا أتأخر، أو أُوجه كمديرٍ المسؤولين في قضية الأمانة وأنا عندي إشكاليةٌ فيها، فلا شك أن قضية القدوة من القضايا المهمة والمُلحة جدًّا، والأساليب والإجراءات التي ذكرتها الأستاذة نورة -جزاها الله خيرًا- نحتاجها جدًّا، فينبغي أن نستثمرها، وهذا ألحظه حتى مع المراحل العُمرية المُتقدمة كالجامعة، وغدًا عندنا مُحاضراتٌ، وبعد غدٍ -كمثالٍ- عندنا مجموعةٌ من (الفيديوهات) انتقاها الطلاب، وقاموا بإنشائها وتمثيلها وتصويرها كمجموعاتٍ فيما يتعلق بشيءٍ مُرتبطٍ بالمقرر والمنهج، ولها قيمةٌ.
وغدًا -مثلًا- لدينا في كُليتنا في الجامعة حفل ختام الأنشطة، وهناك ثلاث صورٍ سيعرضها الإخوة المُنظمون تتعلق ببعض القيم، ويتم تعليق الحاضرين على مثل هذه القيم، وهناك قيمةٌ تتبنى الأفكار الإيجابية ومحاولة تشرب هذه الأفكار ودرء الأفكار السلبية، وعدم الالتفات لها مثلًا.
وقيمةٌ أخرى مُرتبطةٌ بجانب مُساعدة الوالدين، وصورة البنت الصغيرة التي تدرس في إحدى الدول -ولا أذكر الدولة- وهي تحمل أختها الرضيعة الصغيرة في ظهرها، وتقوم بكتابة بعض المعلومات المتعلقة بالحصة الدراسية، وما شابه ذلك، وأمها مشغولةٌ، وتكد عليهم وتشتغل، فهي تأخذ أختها الرضيعة الصغيرة إلى داخل الحصة الدراسية.
فهذه صورةٌ من الصور المهمة جدًّا التي نحن بأمس الحاجة إلى أن ننتبه لها.
لا بد من وجود نظامٍ عند تربية الأبناء
معنا اتصالٌ من الأخ أبي عاصم من السعودية، حيَّاك الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل يا أخي، عجل علينا؛ لأن الوقت ضيقٌ، الله يحفظك.
المتصل: شكر الله لك يا شيخنا.
المحاور: حيَّاك الله.
المتصل: مسألة الأطفال والأجهزة الذكية: أنا عندي طفلٌ وطفلةٌ مُتعلقان بالأجهزة الذكية، وحاولتُ معهما بكل السُّبل أن أُعلِّقهما -مثلًا- بالقرآن، ولكن تظل هذه الأجهزة إشكاليةً كبيرةً.
المحاور: كم أعمارهما الله يحفظك؟
المتصل: البنت عمرها إحدى عشرة، والولد ثمان سنوات.
المحاور: طيب، جزاك الله خيرًا، هذا سؤالك؟
المتصل: نعم، هذا سؤالي: كيف أعمل؟
المحاور: طيب، شكرًا لك، وبارك الله فيك.
المتصل: بارك الله فيك.
المحاور: شكرًا على سؤالك، وأتمنى لو تقوم الزوجة بالتواصل مع الأستاذة نورة لتُفيدها أيضًا ببعض الأشياء المتعلقة بما سألتَ، وستكون مفيدةً ونافعةً، وأيضًا لو تحصلون على كتابها، وأتمنى من الإخوة أن يُخرجوا كتاب الأستاذة نورة؛ حتى يعرف الجميع عن الكتاب، وإن لم يكن موجودًا عبر الشبكة العنكبوتية نطلب من الأستاذة نورة إنزال الكتاب، فهو جديرٌ بالاهتمام والعناية والاستفادة منه.
ونجيب إجابةً سريعةً فقط في الوقت المُتبقي، فأقول: المشكلة في هذا الجانب هي: عدم وجود نظامٍ، وهذا من الحزم المطلوب، بمعنًى آخر: لا يمكن أن تمشي الأسرة بدون أن يكون هناك نظامٌ، خاصةً ما يتعلق بقضية الأجهزة والمكان والوقت والحال، فلا بد أن يوجد نظامٌ.
والأبناء الصغار ليسوا بحاجةٍ للأجهزة الذكية أن تكون بين أيديهم، هم بحاجةٍ إليها في جزءٍ من الوقت؛ فنُعطيهم مثلًا (الآيباد) مع فصله من الإنترنت، ونضع فيه ألعابًا مُناسبةً يتسلون بها في وقتٍ معينٍ بعدما يُنجزون واجباتهم، ويقومون بخدمة أهليهم في البيت.
أما أن نُعطيهم كل ما يطلبونه فهذا خطيرٌ، وعندئذٍ لا نستطيع أن نضبط الأبناء بحالٍ من الأحوال وهم صغارٌ، والابن صغيرٌ يدخل على (اليوتيوب) ويشاهد ويتعلم مثل هذه القضايا دون أن يشعر بأي إشكاليةٍ؛ لأنه طفلٌ صغيرٌ، ويتحمل أبوه وأمه مسؤوليته؛ ولذلك الحل في هذا -إضافةً للعلاقة الحميمية مع الأبناء- لا بد من وجود نظامٍ: متى نُعطيه الجهاز؟ ونوعية الجهاز، وهل لا بد أن يكون فيه كل شيءٍ؟ فمرحلة الطفولة لا تحتاج إلى هذا بحالٍ من الأحوال أبدًا، ولا بد أن يكون الوقت كذلك مُنظمًا.
وأنا أذكر طالبًا من الطلاب في مرحلة ثالث متوسط، كان يستخدم الجوال في الحصة الدراسية، وبسبب ذلك انخفض مستواه، فبعد أن كان مُتميزًا أصبح راسبًا وضعيفًا، ثم بعد ذلك في أول ثانوي بعدما وقع في الفخ أخذ والده عنه جهاز الجوال، وصار لا يُعطيه الجهاز إلا نهاية الأسبوع في وقتٍ مُحددٍ، فسألتُ الابن: هل أنت تُوافق والدك على ما قام به؟ قال: نعم، وكنتُ أتمنى أن يفعل ذلك معي من قبل؛ لأني خسرتُ فعلًا في ثالث متوسط نفسي، ولكن والدي استدرك الآن، فجزاه الله عنا خيرًا.
فنحتاج إلى مثل هذا الحزم والنظام، وهو لا يتعارض مع الحب للأبناء، بل هذا من صميم الحب، فحينما نجمع بين الود والحزم نستطيع -بإذن الله - أن نكون على خيرٍ، ويكونوا على خيرٍ، وعلينا الدعاء لهم، والاستفادة من أصحاب الخبرة: كصاحبة كتاب "التقنية" الأستاذة نورة، وغيرها من أهل التقنية؛ حتى نستطيع أن نكون على بصيرةٍ وهدًى، وأن يتعلم الأبناء القيم الصحيحة، وإلا فكما قال الرسول : ويحك! لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تَلِجْه[5]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة) 17634)، وقال مُحققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ".، أي: لا تفتح باب الحرام أو باب الشُّبهات: فإنك إن تفتحه تَلِجْه، فالأطفال سيكونون من الذين يَلِجونه إذا لم يكن لدينا ضابطٌ في هذه القضايا.
أسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يُعيننا وإياكم على تربية أنفسنا وأبنائنا وأهلينا وطلابنا وأحبابنا ومَن نُحب جميعًا على القيم.
وإلى لقاءٍ قادمٍ في الأسبوع القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.