المحتوى
مقدمة
الحمد لله، ونُصلي ونُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد العلمية".
مرحبًا بكم في هذه الحلقة الخاصة حول مشكلات الطفولة "العناد أُنموذجًا".
ومعنا في هذه الحلقة سعادة الدكتور: أحمد بن صابر الشركسي، أستاذ علم النفس والإرشاد النفسي المشارك بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام، وله العديد من الأبحاث العلمية في مجالات الإرشاد النفسي والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، وقد شارك في العديد من المُؤتمرات والمُلتقيات العلمية، وقدَّم العديد من الدورات التدريبية في مجال الإرشاد النفسي وتطوير الذات، وناقش العديد من الرسائل العلمية، وهو عضوٌ في العديد من الجمعيات والهيئات العلمية.
مرحبًا بك يا دكتور أحمد.
الضيف: أهلًا بك يا دكتور خالد.
المحاور: حيَّاك الله، الله يحفظك.
الضيف: أنا سعيدٌ لوجودي معك.
المحاور: ونحن والله أسعد، وقد كنا قديمًا التقينا بكم في هذه القناة مرتين، وكانت من الحلقات المُتميزة.
الضيف: نعم، ثلاث مراتٍ تقريبًا.
المحاور: أظن ثلاث مراتٍ، نعم، فنسأل الله أن يُبارك في وقتكم، وأن ينفع بكم.
الضيف: آمين يا رب العالمين.
سبب اختيار العنوان
المحاور: مشكلات الطفولة، لماذا اخترتَ هذا العنوان يا دكتور أحمد؟
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، الحقيقة أن الأسرة عمومًا هي المحضن الأول والمُكون الأول للمجتمع بشكلٍ عامٍّ، فينشأ الأطفال في الأُسر من خلال سلوكيات الآباء والأمهات، وبالتالي تظهر العديد من المشكلات: إمَّا المُرتبطة بمراحل النمو أو بطبيعة النمو، وإمَّا المُرتبطة بمفاهيم تعليميةٍ وتربويةٍ خاطئةٍ، ثم ينتقل الطفل إلى المدرسة وتستمر معه.
المحاور: وقد لا يلزم أن تكون القضية عبارةً عن مفاهيم خاطئةٍ، قد يكون الأب والأم يُدركان أن هذا خطأٌ، لكن السلوك خاطئٌ.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: فقد يكون السلوك هو الخاطئ، وقد يكون المفهوم هو الخاطئ.
الضيف: بالضبط، يعني: يمكن أن يحصل من الطرفين.
المحاور: يحصل الأمران.
الضيف: وبعد ذلك ينتقل الطفل للمدرسة فتظهر مشكلاتٌ أخرى، وكلها مُرتبطةٌ بمرحلة الطفولة، ونِسَب الانتشار في هذه المشكلات قد تكون مرتفعةً بعض الشيء، خاصةً بعض المشكلات، ومنها على سبيل المثال: مشكلة العِناد التي نتكلم عنها.
المحاور: وأُسأل كثيرًا عن موضوع العناد والتَّمرد وصعوبة الطفل؛ ولهذا أظن أن هذه الحلقة -بإذن الله - سيكون لها شأنٌ، وأسأل الله أن يفتح عليك ويُبارك فيك.
إذن نحن سنُخصص قضية المشكلات ليس بمفهوم المشكلة العلمية، وإنما بمفهوم المشكلة التي هي الشيء السلبي الذي نريد أن نُعدله إلى شيءٍ إيجابيٍّ.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: هذه قضيةٌ، وأيضًا لا شكَّ أنَّ جزءًا مما يتعلق بالعناية بالطفولة هو ما يرتبط بالوقاية من وقوع المشكلة، وكذلك تطوير المواهب والقُدرات لدى الطفل.
الضيف: نعم.
المحاور: وسنتحدث أيضًا في الطفولة إلى سن الثانية عشرة تقريبًا بما يتعلق بمرحلة الابتدائية.
الضيف: نعم.
المحاور: يعني: تدخل فيها مرحلة الطفولة المُبكرة.
الضيف: والمُتأخرة.
المحاور: والمُتأخرة كذلك، بارك الله فيك دكتورنا الكريم.
الضيف: الله يُبارك فيك.
طبيعة مشكلات الطفولة
المحاور: طيب، حول مشكلات الطفولة: هل من إطلالةٍ سريعةٍ حول هذا العنوان الكبير أيضًا؟
الضيف: صحيحٌ، يعني: فيما يتعلق بمشكلات الطفولة: لو عملنا إحصائيةً سنجد أنَّ عدد المشكلات التي يمكن أن تَحْدُث للطفل في هذه المرحلة التي ذكرناها -من 12 سنة- عديدةٌ، قد تصل إلى ما بين عشرين إلى خمسٍ وعشرين مشكلةً تقريبًا، وكلها مشكلاتٌ كبيرةٌ، ويمكن أن نذكر بعض الأمثلة لهذه المشكلات على سبيل المثال، لا الحصر.
المحاور: هذا من خلال الدراسات العلمية؟
الضيف: من خلال الدراسات العلمية بالتأكيد.
المحاور: كجانبٍ استقرائيٍّ.
الضيف: نعم.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وهناك مشكلاتٌ مُرتبطةٌ بمراحل عمريةٍ سيمر بها الطفل، وفيها مشاكل مُرتبطةٌ بانتقاله لمرحلة المدرسة، ومشكلاتٌ أخرى مُرتبطةٌ بطبيعة النمو.
فعلى سبيل المثال: لو تكلمنا عن أشهر المشكلات التي سنتكلم عنها اليوم بشكلٍ تفصيليٍّ، وهي: العناد، والسرقة، والكذب، والغضب، والشِّجار بين الأبناء، وإهمال الواجبات المدرسية، ولو انتقلنا للمرحلة المدرسية: قلق الانفصال عن الأسرة مثلًا، والصمت الاختياري.
فهذه كلها مشكلاتٌ يمكن أن تحدث للطفل في فترةٍ من فترات حياته أثناء فترة الطفولة التي يمر بها في مراحل الطفولة المختلفة، ويمكن أن تظهر مشكلاتٌ نفسيةٌ على سبيل المثال: التبول اللاإرادي مثلًا، ويمكن أن تكون المشكلة من المشكلات التي لها انتشارٌ واسعٌ بين عددٍ من الأطفال في مراحل سِنية معينة، وبالتالي يمكن أن ننتقل أيضًا للمشكلات المُرتبطة بإعاقاتٍ معينةٍ، مثلًا: تشتت الانتباه، وفرط الحركة، وصعوبات التعلم، والتَّوحد.
المحاور: هي مسؤولية الأسرة والمعنيين بالطفولة، فعليهم إيجاد حالة الاستقرار لدى الطفل.
الضيف: نعم، بالتأكيد.
المحاور: والجناية حينما نترك الطفل على مُشكلاته.
الضيف: بالتأكيد؛ لأننا تكلمنا عن الأسرة، وذكرنا تحديدًا مرحلة الطفولة؛ لأن الأسرة هي النَّواة الأولى مثلما قلنا في المجتمع، وهي التي لها دورٌ كبيرٌ جدًّا خلال تأسيس وإكساب الطفل المهارات الإيجابية الأساسية التي تُعينه على أن يعيش في هذه الحياة بقدرٍ من الاستقرار والتعلم الفَعَّال، فيكتسب السلوكيات الإيجابية من الوالدين.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وبالتالي هو أمام قدوةٍ، فإذا كانت هذه القدوة قدوةً حسنةً سيكتسب منها سلوكياتٍ حسنةً، وإذا كان العكس فبالتأكيد سيتأثر بهذه السلوكيات، وبالتالي يكتسب بعض السلوكيات السلبية التي تظهر منها العديد من المشكلات التي يمكن أن نتطرق لها.
المحاور: يعني: كما قال المُربون -وأنتم أهل التربية وأهل الدراسات النفسية دكتورنا الكريم-: كلما كان السعي لقضيةٍ ما يرتبط ببناء وتربية الطفل تربيةً وتنشئةً سليمةً كان مستوى المشكلات أقلّ. أظنك توافق على ذلك؟
الضيف: نعم، الدراسات تُشير إلى هذا الأمر بلا شكٍّ.
المحاور: وأيضًا ما يتعلق بقضية انتقاله لمرحلة المُراهقة حتى يكون أكثر سواءً، وما يحصل من إشكالاتٍ في مرحلة المُراهقة، فيكون جزءٌ من مشكلاته: عدم العناية بمرحلة الطفولة، فربما لم يُلتفت لمُشكلاته، وبقيت المشكلات كما هي، وربما زِيد في المشكلات، وما أُحْسِن في طريقة التعامل مع المشكلات، فربما دخل المرحلة الأصعب بعد ذلك؛ ولذلك البعض يزهد في مرحلة الطفولة، مع أنها فرصة الزرع والبناء، وفرصة التَّخفيف من جانب المشكلات.
الضيف: صحيحٌ، يعني: بعض الأُسر لا يكون عندها الوعي الكافي بأنَّ الأطفال في مرحلة الصِّغَر، فبعضهم يقول: إن الطفل لا يزال صغيرًا، ولا يعرف، وليس عنده وعيٌ كافٍ.
المحاور: براءة الطفولة.
الضيف: وبالتالي اتركه على حُريته، فيكتسب بعض السلوكيات بشكلٍ غير مباشرٍ، وقد يكون هذا الأمر عاديًّا ومقبولًا، لكن بعد ذلك سيتعلم الصواب والخطأ.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: فهذا الأمر خطيرٌ جدًّا، والفكرة كلها أنْ يتعلَّم ويكتسب سلوكياتٍ من البيئة الوحيدة التي يتعايش معها تقريبًا، وهي بيئة الأسرة، وبالتالي أمامه الأب والأم وإخوانه، فهم القُدوة بالنسبة له، فيُقلِّد سلوكياتهم.
المحاور: ألحظ أنك تُؤكد على قضية الأسرة، وتُؤكد على قضية القدوة بشكلٍ كبيرٍ يا دكتور.
الضيف: لا شكَّ أن القدوة هي المفتاح الأساسي في عملية التنشئة السَّوية.
المحاور: مَن يقول: دع هذا الطفل، ما زال صغيرًا. وما شابه ذلك من الكلام على براءة الطفولة، وفي بعض الأحيان يسحرنا هذا الكلام فنكون سببًا في عدم تربية أبنائنا.
والنبي لما كان رديفه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما -وهو ابن عمه- وهو غلامٌ، استغلَّ هذه الفرصة فقال: يا غلام، إني أُعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله إلى آخر الحديث[1]أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني..
ولذلك لما كان بجواره عمرو بن أبي سَلمة، ويده تطيش في الصَّحْفَة في مكان الأكل هنا وهناك دون أدبٍ؛ قال له: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[2]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، إذن فقضية التوجيه والتعليم نحن بأمس الحاجة إليها.
الضيف: موجودةٌ جدًّا.
المحاور: طيب، دكتورنا أحمد نُكمل، الله يُعطيك العافية.
الضيف: نرجع لمشاكل الطفولة، وعلى رأسها طبعًا: العِناد، والذي ركَّزنا عليه؛ لأنه مشكلةٌ تُشتق منها بعض المشكلات الأُخرى: كالسلوك العدواني على سبيل المثال، حتى إنَّ رابطة علم النفس الأمريكية صنَّفت سلوك العِناد على أنَّه سلوكٌ عدائيٌّ يمكن أن يصل لمرحلة العدوان والغضب، ويمكن أن يُؤدي إلى الكذب أيضًا.
المحاور: العِناد؟
الضيف: نعم، العِناد.
المحاور: إذن هناك ارتباطٌ بين المشكلات، فطريٌّ أو مُكتسبٌ يا دكتور؟
الضيف: بالتأكيد هناك أجزاء تتكلم عنها الدراسات العلمية فيما يتعلق بالجوانب الوراثية، لكن الأغلب في الكتب.
المحاور: أنه مُكْتَسَبٌ بسبب البيئة.
الضيف: نعم، فالبيئة لها دورٌ كبيرٌ جدًّا في اكتساب هذا السلوك، ومن خلال ممارسات الأبوين مع الطفل، فأحيانًا تجد الأب والأم يُصران تمامًا على أنَّ الابن لا بد أن يسلك سلوكًا معينًا بدون توضيح مُبرراتٍ للطفل؛ لماذا يرغبان في أن يسلك هذا السلوك؟
فهذه المسألة يمكن أن تؤدي إلى عِناد الطفل بشكلٍ مُتكررٍ، وقبل أن نصل إلى المشكلة أو نتكلم عن المشكلة بالتحديد نقول: إنَّ العِناد في الأصل في مرحلةٍ سِنيةٍ مُعينةٍ يمكن أن يكون ظاهرةً صحيةً بالنسبة لبعض الأطفال.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: يعني: الطفل الذي عمره سنتان أو ثلاث سنوات مثلًا، وبدأت مظاهر العِناد عنده، فهي شكلٌ من أشكال السلوك الاستقلالي؛ لأنَّ الطفل لما ينتقل إلى مرحلةٍ سنيةٍ يحاول أن يكتشف بعض الأشياء، وتُقابله بعض المُعوقات، فيحاول أن يتحدى هذه المُعوقات، فتظهر للآباء والأمهات على أنها شكلٌ من أشكال العِناد، لكنها من وجهة نظر الطفل شكلٌ من أشكال التَّحدي والرغبة في الشعور بالاستقلالية، وأن عنده القُدرة على تجاوز العقبات.
المحاور: ولذلك لا بد أن نكون واعين.
الضيف: جدًّا.
المحاور: فأنت لا تعتبر هذه مشكلةً يا دكتور؟
الضيف: لا أعتبر هذه مشكلةً؛ لأنَّها مرحلةٌ مُرتبطةٌ بمراحل نمو الطفل، وبعض الدراسات العالمية يقولون فيها: جميلٌ أن يكون الطفل عنيدًا؛ لأنَّ هذا دليلٌ على أنه ستكون عنده مهاراتٌ اجتماعيةٌ، فيستطيع أن يتواصل مع الآخرين، فيستشفُّوا بعض المهارات الإيجابية التي يمكن أن نستفيد منها، أو تظهر لدى الطفل الذي نُسميه: عنيدًا في هذه المرحلة.
وهذا السلوك هو سلوكٌ مُؤقتٌ، ويختفي تدريجيًّا مع بداية سنِّ خمس سنواتٍ أو ستٍّ، هذا إذا كان سلوكًا طبيعيًّا، وإذا لم يكن سلوكًا طبيعيًّا وتحول إلى سلوكٍ سلبيٍّ سيستمر مع الطفل.
المحاور: لكن لا يلزم الوضع الطبيعي أن يكون موجودًا.
الضيف: يعني: على حسب، فالآباء والأُمهات يمكن أن يُطلقوا على بعض السلوكيات المُعينة أنها عِنادٌ، وقد لا تكون عِنادًا.
المحاور: نعم، هنا القضية متعلقةٌ بالتشخيص يا دكتور، فما العِناد الذي نقصده بالضبط؟
الضيف: جميلٌ جدًّا، وقد أكَّدتْ رابطة علم النفس الأمريكية على أن العناد سلوكٌ يستمر مع الطفل لحوالي ستة أشهر مُتصلة، ويكون فيها الرفض لأوامر الآباء، وعدم الانصياع لرغباتهم، ومحاولة رفضها رفضًا قاطعًا، وبالتالي هنا يشعر الآباء والأُمهات أنَّهم أمام مشكلةٍ؛ لأنَّهم لا يستطيعون أن يتعاملوا مع الابن في حالة رفضه التام لكل الأوامر والتوجيهات التي تُقدم له من قِبَل الوالدين.
المحاور: نعم، ونحن نعرض الآن نفس الدراسة على الشاشة.
مناقشة إجابات السؤال التفاعلي
دكتورنا الكريم، أنتم قمتم بطلب سؤالٍ تفاعليٍّ لهذه الحلقة.
الضيف: نعم.
المحاور: واختياركم كان: ما أكثر مشكلات الأطفال التي تنعكس سلبيًّا على الطفل وأُسرته؟
فكان الجواب إلى وقت اعتماد العنوان: 59% عِناد، و34% خوف، و8% خجل.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: والعِناد والخوف والخجل لماذا اختيرت؟
الضيف: لأنَّها مُرتبطةٌ أكثر بالبيئة الأُسرية، يعني: لأنَّ الطفل لما ينشأ ينشأ في الأسرة، فيكتسب هذه العادات، إمَّا عادات إيجابية: كالثقة بالنفس، والمُبادأة والإقدام، والاستماع لنصائح الوالدين، والالتزام بتوجيهاتهم، وشيءٍ من هذا القبيل، وبالتالي لو كانت هناك سلوكياتٌ أو ممارساتٌ خاطئةٌ من الوالدين، أو حتى من طبيعة الطفل نفسه فتظهر هذه السلوكيات بشكلٍ مُتكررٍ، ومن أهمها: العناد، ويظهر معها الخوف والخجل، فالخوف أيضًا من المشكلات التي يُمكن أن تكون طبيعيةً في فترةٍ من الفترات، لكن عندما يتحول إلى سلوكٍ مرضيٍّ يكون مُستمرًّا لفتراتٍ طويلةٍ، فيخاف من أشياء لا تُسبِّب الخوف بالنسبة لبعض الأطفال الآخرين.
المحاور: كنتَ تتوقع أن يكون العناد رقم واحدٍ؟
الضيف: أتوقع مثل ذلك؛ لأنَّه المشكلة الأكثر تأثيرًا عند العديد من الأُسر، حتى إنَّ كثيرًا من الأسئلة التي ترد إلينا: كيف أتعامل مع ابني العنيد؟.
المحاور: طيب، نعود إلى قضية التشخيص والدراسة، هل لك من شيءٍ حول هذا الموضوع أو زيادةٍ؟
أنواع العناد
الضيف: هناك تصنيفاتٌ للعناد، فعندما نتكلم عن العناد في مرحلة من سنتين إلى ثلاثٍ نقول: إنه يمكن أن يكون عنادًا طبيعيًّا، ويمكن أن تظهر بعض السلوكيات الإيجابية المُرتبطة بسلوك هذا الطفل في هذا التوقيت.
وهناك أيضًا عنادٌ نُسميه: عناد التصميم والإرادة؛ لأنَّ الطفل تبقى عنده رغبةٌ في أن يُعبر عن ذاته، والأم والأب هما اللذان عليهما التَّشخيص بشكلٍ سليمٍ، ومعرفة أنَّ هذا فعلًا عِنادٌ حقيقيٌّ من الطفل أو لا، وهل هناك أسبابٌ ومُبرراتٌ عند الآباء والأمهات لأن يسلك هذا السلوك بعينه؛ من أجل أن يكون الطفل مُقتنعًا أو لا؟
النقطة الأخرى: أنَّ هناك عِنادًا مُفْتَقِدًا للوعي، فأحيانًا يُعاند الطفل لمجرد العِناد فقط، مما يُؤدي إلى أن يتعرض لبعض المشاكل، ويقع تحت أذًى معينٍ مثلًا وهو مُصِرٌّ.
وهناك نوعٌ آخر من أنواع العِناد: وهو أن يُعاند نفسه أحيانًا، فيختلف مع الأم، فيرفض أن يتناول الطعام على سبيل المثال.
المحاور: مع أنَّه جائعٌ.
الضيف: مع أنَّه جائعٌ جدًّا، والأم تحاول أن تُقنعه.
المحاور: أن يأكل.
الضيف: تُثْنيه عن هذا الأمر، لكنه يرفض تمامًا، وهو عِنادٌ يعود عليه بشكلٍ سلبيٍّ بالتأكيد، فالعناد في النهاية كاضطرابٍ سلوكيٍّ.
المحاور: أو ربما تكسير الأشياء مثلًا.
الضيف: نعم، والذي فيه غضبٌ وعدوانٌ وتكسيرٌ يمكن أن تظهر آثاره على سلوكياته.
المحاور: أحيانًا يبكي ساعةً أو ساعتين مُتواصلتين، سبحان الله العظيم! تأتيني حالاتٌ بهذه الصورة.
فما الخط الرفيع بين العِناد الطبيعي الذي قد يكون جزءًا من بناء شخصية الطفل والعناد المرضي؟
الضيف: جميلٌ، نحن اتَّفقنا على نقطةٍ مهمةٍ جدًّا، وهي قضية الاستمرارية، وهي: أن يستمر لفترةٍ طويلةٍ، فالطفل كلما تُوجه له توجيهاتٌ وتعليماتٌ يرفض تمامًا الالتزام والانصياع لهذه الأوامر مُطلقًا، بل ويُقاومها مقاومةً شديدةً جدًّا.
المحاور: هذا غير الطبيعي؟
الضيف: فطالما أنها مُستمرةٌ لمدة ستة أشهر فمعنى هذا أن هناك إشكالًا، إنَّما قد يُعاند الطفل مرةً، فهذه أعتبرها مشكلةً.
المحاور: أنت قلتَ: ربما تكون هذه الحالة عبارةً عن تعبيرٍ عن الذات.
الضيف: نعم، وقد تكون بسبب أساليب تنشئةٍ غير مُناسبةٍ من الوالدين.
المحاور: مثل: الدلال، وما شابه ذلك.
الضيف: نعم، هذا واحدٌ من الأسباب.
المحاور: نعم، طيب، هل هناك شيءٌ حول التشخيص يا دكتور أحمد فيما يتعلق بالعِناد؟
الضيف: إذا كانت الأسئلة مُرتبطةً بهذا الأمر فيمكن.
المحاور: والله نريد التمييز بين الجانب الإيجابي والسلبي، وقد أشرتَ إلى القضية المتعلقة بالاستمرارية؛ لأنَّ هذه قد تكون مهمةً جدًّا للآباء والأُمهات والمعلمين والمعلمات من أجل التمييز، وهذا يتطلب نداءً للمُربين عمومًا: أنَّه لا بد من تحمُّلٍ وصبرٍ في هذه القضايا، فالمشكلة أننا نريد في بعض الأحيان أن نُنهي القضية في وقتها وآنها، والبعض يُريد أن يُشخص مُباشرةً، وقد يُشخص بأنَّه عِنادٌ، وهو ليس عِنادًا.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: فلو انتظرنا قليلًا، مع التوجيهات والأخذ والعطاء، واستخدمنا أسلوب التعزيز بالحوار والنِّقاش، والاحتضان، وما شابه ذلك، ربما لا يستمر في هذه القضية، وأخذ فترة كما ذكرتُ؛ فتُصبح القضية هنا شائكةً؛ ولهذا فإن التَّمييز بين الصورتين من القضايا المهمة جدًّا.
الضيف: فيما يتعلق بنِسَب الانتشار فالدراسات العلمية أشارت إلى أنَّ من 15 إلى 20% ينتشر سلوك العِناد الذي هو سلوكٌ غير سَوِيٍّ.
المحاور: نسبةٌ كبيرةٌ والله.
الضيف: نعم، نسبةٌ كبيرةٌ، لكن إذا قلنا: إن مفاهيم الآباء عن سلوك العناد قد ترفع هذه النسبة إذا كان مفهومهم عن العناد مفهومًا غير صحيحٍ.
المحاور: هل هذه الدراسات من خلال رأي الآباء؟
الضيف: لا، هذه نِسَبٌ علميةٌ تستند إلى دراساتٍ مُطبَّقةٍ على بعض الأُسر والأطفال، والتي تبين من خلالها أن النسبة هي هذه.
المحاور: يعني: حقيقة العناد أنه سلوكٌ مُضطربٌ.
الضيف: نعم.
المحاور: نعم، لكن تقصد أن هناك دراساتٍ تكون فيها نسبته أعلى؟
الضيف: لا، يعني: النسبة من وجهة نظر الآباء كبيرةٌ؛ لأنهم شخَّصوا العناد بطريقةٍ خاطئةٍ.
المحاور: عناد.
الضيف: أنه عنادٌ، وقد لا يكون عنادًا.
المحاور: يعني: هذه النسبة "15%" ليست داخلةً في هذا.
الضيف: لا، ليست داخلةً.
المحاور: نعم، جزاك الله خيرًا.
نُنبه الإخوة والأخوات المُتابعين معنا والمُتابعات أنه ستظهر أرقام الاتصالات، وأيضًا (الواتس)، فنُرحِّب بالمُشاركات والمُداخلات والأسئلة.
أسباب العناد
هل بقي شيءٌ في التشخيص دكتورنا؟
الضيف: يمكن أن نتكلم عن الأسباب؟
المحاور: الأسباب جزءٌ من التشخيص.
الضيف: الحقيقة أن الأسباب كثيرةٌ جدًّا، وبعضها مُتعلِّقٌ بالأسرة، وأخرى مُتعلِّقةٌ بالطفل نفسه.
فعلى سبيل المثال من الأسباب المُرتبطة بالأسرة: الأوامر التي يُعطيها الكبار للصغار، فدائمًا الأب يعتقد أن له مُطلق الحرية في أن يفعل ما يشاء بأي أسلوبٍ وبأي طريقةٍ مع أبنائه.
والحقيقة أن هذا الأمر يُؤثر تأثيرًا سلبيًّا؛ لأن في أساليب التنشئة الاجتماعية المختلفة من الرعاية والحنان والاهتمام والاحترام، هذه كلها قضايا تُؤثر تأثيرًا إيجابيًّا جدًّا في عملية التنشئة، وكذلك قضايا الاحتضان، وإحساس الطفل بالأمان مع الأسرة، فهذا له دورٌ كبيرٌ جدًّا في كون الطفل عنيدًا أو غير عنيدٍ.
فالمسألة لها علاقةٌ بآليات التعامل من الآباء والأمهات مع الأطفال: هل الصوت عالٍ دائمًا؟ وهل دائمًا هناك صُراخٌ؟ وهل دائمًا هناك أوامر لا بد أن تُنفذ دون نقاشٍ؟ فيتعود الطفل على أن يُلاقي هذا السلوك أمامه، وهذا جزءٌ من اكتسابه للعناد، وأن يتشبه بسلوكيات الكبار التي أمامه، فهو إذا وجد سلوكًا عدوانيًّا، أو صوتًا عاليًا، أو شيئًا من هذا القبيل، فإنه يتمثل هذا السلوك ويُمارسه في الواقع.
المحاور: إذن ما يتعلق هنا بقضية التعامل، وخاصةً ما يرتبط باقتدائه بوالديه، أو أثر التعامل من الوالدين، كل هذا يُؤثر في الطفل.
الضيف: جدًّا.
المحاور: لكن عفوًا يا دكتور، موضوع الصُّراخ لماذا أدخلتَه في العناد؟ أم أنه قد يكون مظهرًا؟
الضيف: الصراخ من مظاهر العناد أحيانًا؛ لأنه يُعبر عن إصراره وما يُريده بصوتٍ عالٍ، وخاصةً إذا كان الآباء والأمهات يستخدمون نفس الأسلوب معه، فهو يتمثل هذا السلوك من الأب.
المحاور: يمكن أن يُتصور أن الطفل غالبًا إذا عاند سيرفع صوته، لكن أتصور أن الطفل لا يكون كذلك إلا إذا كان والده من الناس أصحاب الصمت، لكنه يُعاند، هل يمكن أن يحصل هذا؟
الضيف: إذا كان الوالدان من أصحاب الصمت، وكان لهما منهجٌ في عملية التربية والتنشئة؛ فلن يُفيد معهما علو الصوت بالنسبة للطفل؛ لأنَّه منهجٌ، ولذلك نحن سنتكلم عن ذلك في عملية العلاج.
نُكمل الأسباب:
ومنها: اللهجة الخاصة، وهي لهجةٌ آمرةٌ من قِبَل الكبار، فقد أطلب من ابني أن يُنفذ شيئًا ما بلهجةٍ حانيةٍ، وهناك فرقٌ كبيرٌ جدًّا، فأدخل البيت -مثلًا- وأحتضن ابني، وبعد ذلك أطلب منه شيئًا معينًا، فطريقة الطلب نفسها لها تأثيرٌ كبيرٌ جدًّا على الابن في ممارسة سلوك العناد.
وأنا طبَّقتُ مع أولادي بعض هذه الممارسات، فوجدتُ استجابةً إيجابيةً جدًّا منهم، وبخاصةٍ عند واحدٍ من أبنائي تحديدًا، فكانت استجابته سريعةً عندما يكون سلوك الاحتضان والاهتمام والرعاية، فأجده مُبادِرًا ويريد أن يُقدم شيئًا إيجابيًّا من أجل أن يلقى نفس الرعاية والاهتمام.
المحاور: إذن قضية الرعاية والاهتمام والقُرب المادي والحسي والمعنوي.
الضيف: المعنوي طبعًا أهم بكثيرٍ من القُرب الحسي، ونحن عندنا إشكالياتٌ كبيرةٌ في أننا ليست عندنا فرصٌ لمشاركة أبنائنا، سواءٌ بالحوار أو الحديث المُشترك، أو حتى مُمارسة اللعب معهم على سبيل المثال، ونعتذر بأن الوقت ضيقٌ، أو أن عندنا أعباء كثيرةً، وأن اهتمامات الأطفال لا تُناسب اهتمامات الكبار؛ وبالتالي ننفِر من اهتماماتهم، مع أن من باب أولى إذا لم يهتم الأب والأم فمَن الذي سيهتم باهتمامات هؤلاء الأطفال غير أفراد الأسرة التي هي مُستمرةٌ وتتعايش مع الطفل لحظةً بلحظةٍ؟
فهذا الأمر مهمٌّ جدًّا؛ لأن له تأثيرًا إيجابيًّا على الطفل، بحيث يكون قريبًا جدًّا من الأبوين في حالة الإحساس بالرعاية والاهتمام، والحب والحنان، والعطف والرعاية.
المحاور: ممتازٌ، إذن النقطة الأولى مُرتبطةٌ بقضية أسلوب الوالدين فيما يتعلق بقضية عناد الوالدين أصلًا إنْ كانا من أهل العناد، وفي الغالب يتطبع الابن بما عند الوالدين، والقضية الثانية: أسلوب التعامل.
الضيف: بالضبط.
المحاور: والقُرب المعنوي والحسي، وأثر هذا الجانب بالنسبة للأبناء، فأنت قصدك ضعف الترابط بين الآباء والأبناء؟
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: وأيضًا إظهار الجانب العِنادي بالنسبة للآباء عند الأبناء.
الضيف: جدًّا.
المحاور: طيب، السبب الثالث؟
الضيف: هو الاتِّكالية، يعني: أحيانًا الآباء والأُمهات يُعودون الأطفال على أن يُمارسوا سلوكياتٍ معينةً، ولا يستطيعون، أو ما عندهم القُدرة، فنيابةً عنهم يقوم الآباء والأُمهات بالقيام بهذه المهمات، فعندما يتعود الأبناء على هذا السلوك، ويُدركون أن هناك مَن سيقوم عنهم بهذه الأعباء، ونطلب منهم في بعض المرات أن يقوموا بهذا السلوك يُعانِدون؛ لأنهم تعوَّدوا على ذلك، وبالتالي هذا واحدٌ من الأسباب أيضًا.
المحاور: ممتازٌ، هذه قضيةٌ من القضايا المهمة، فسبحان الله العظيم! الحماية والعناية الزائدة مُضرَّةٌ.
وكانت إحدى الأخوات تسألني في البرنامج هنا أو عن طريق (الواتس آب) تقول: "أنا أصل إلى مستوى أنني أُخرِج دفتر الابن وربما أَحُلُّ الواجب عنه"، يعني: كاملًا، والابن ينتظر فقط هذه الخدمة.
الضيف: قد يكون بالنسبة للأم شكلٌ من أشكال الشَّفقة.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: لكن متى سيشعر بالاستقلال؟ ومتى سيشعر أنه لا بد أن يقوم بهذا السلوك بنفسه ويتحمل المسؤولية؟
المحاور: جميلٌ، وكانت هناك دراسةٌ ذكرتَ أنَّك ستعرضها عن دراسة عائشة: هل لها علاقةٌ بقضية الأسباب؟
الضيف: أعتقد أنها ذُكِرت، وهي مُرتبطةٌ بالتعليم أكثر.
المحاور: هل نحتاج إليها أم لا؟
الضيف: ستأتي في العلاج.
المحاور: جميلٌ، طيب، السبب الرابع؟
الضيف: ومن الأسباب: استجابة الأب والأم لهذا السلوك، وهو العناد للطفل، فالاستجابة لعناد الطفل معناها: كأني أُعزِّز هذا السلوك، وأقول له بشكلٍ مباشرٍ: إن سلوكك هذا صوابٌ.
المحاور: استجابةٌ سالبةٌ.
الضيف: صحيحٌ، فالاستجابة للعناد شكلٌ من أشكال الضغط على الأم أو الأب.
المحاور: تقصد: تنفيذ ما يُريده.
الضيف: تنفيذ ما يُريده والاستسلام.
المحاور: الاستسلام لما يُريده الطفل، وعندئذٍ هو سيربط.
الضيف: طبعًا، سيتعلم أن هذا السلوك وهذه الطريقة هي السبيل الوحيد للحصول على ما يريد.
المحاور: نعم، وهذا خطأٌ.
الضيف: طبعًا.
المحاور: بلا شكٍّ، طيب، هل بقي شيءٌ من الأسباب دكتورنا؟
الضيف: سببٌ أخيرٌ هو: التَّذبذب في المُعاملة، فقد أكون أنا مثلًا شديدًا في التعامل في فترةٍ من الفترات، ولا يوجد منهجٌ أمشي عليه، وبعد ذلك أرجع وأكون ليِّنًا ومُتساهلًا في بعض الأمور، واللَّيِّن يمكن أن يكون إيجابيًّا، لكن المتساهل في بعض الأمور في وقتٍ من الأوقات، وأحيانًا أُخرى شديدٌ جدًّا، فهنا شكلٌ من أشكال التَّذبذب الذي يُؤدي أيضًا إلى عِناد الطفل.
المحاور: ليست هناك منهجيةٌ، وأيضًا ترى الجانب المِزاجي يختلف، ففي بعض الأحيان في موقفٍ ما نتعامل بحزمٍ، وفي نفس الموقف في وقتٍ آخر بمِزاجيةٍ أخرى، فنأخذ الاتجاه الثاني، وهذا أيضًا تذبذبٌ في الحقيقة، فالابن يكاد لا يعرف كيف سيتم التعامل معه؟ ويكون هناك تذبذبٌ، وعندئذٍ ربما يكون هذا سببًا من أسباب العناد.
الضيف: نعم.
المحاور: شكرًا لك دكتور على هذه الإطلالة الجميلة المُتعلقة بالأسباب؛ لأننا سنُواصل -إن شاء الله تعالى- معكم -بإذن الله- بعد الفاصل.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل.
الفاصل:
كلكم راعٍ
كلماتٌ قصيرةٌ تحمل بين طيَّاتها تنبيهًا وتحذيرًا خطيرًا، تُوجه حواسنا ومداركنا إلى دورنا الحقيقي الذي سنُحاسَب عليه: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[3]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829)..
فمن أهم أدوارنا الجديرة باهتمامنا في هذه الحياة: التركيز على مسؤوليتنا تجاه رعيتنا، فالآباء والأُمهات لهم الأثر الأعظم بعد الله في مستقبل الأبناء والأجيال؛ لذلك خصَّهم النبي بالذكر فقال: والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها.
إن الأبناء زهرة الحياة، وقُرَّة أعين الآباء والأمهات، وبصلاحهم ودعائهم تُرْفَع الدرجات في الآخرة، ولكن يجب أن نُدرِك أن ذلك مرهونٌ بحُسن تربيتهم، وصلاح نشأتهم، فهنا كان لزامًا علينا البحث عن أبرع الطرق وأفضل الأساليب في التربية والتوجيه؛ ليكون أبناؤنا في قابل أيامهم مصدر بِرٍّ وسعادةٍ لنا، وسواعد خيرٍ وبناءٍ للمجتمع والإنسانية.
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، ومرحبًا بكم مع مشكلات الطفولة: العناد أنموذجًا، نعم دكتورنا الكريم.
الضيف: الله يُعطيك العافية.
المحاور: نحن عندنا بعض المُشاركات، لكن نريد أن نُتمم حتى لا تطغى على أصل موضوعنا.
الضيف: اتفقنا أن العناد حسب المفاهيم التي تكلَّمنا عنها قد يكون سلوكًا طبيعيًّا ينتهي بعد فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ، وقد يكون سلوكًا مُستمرًّا ومُضطربًا إذا استمرَّ ستة أشهرٍ متَّصلة على هذا السلوك، وفي إحدى الدراسات العلمية: أنه ينتقل إلى المدرسة إذا بدأ في المنزل وكان سلوكًا مُضطربًا.
المحاور: هذه الدراسة التي نعرضها على الشاشة.
الضيف: فيما يتعلق بدراسة عائشة: هذه كانت ترى كيفية تعامل المعلمين مع الطلاب الذين يتسم سلوكهم بالعناد، فنسبة 26% تقريبًا من المعلمين أشاروا إلى أنهم يستخدمون الأسلوب المَرن في التعامل مع الطفل العنيد، بينما 73% من المعلمين يستخدمون الأسلوب المُتشدد مع الطفل العنيد.
المحاور: العنف.
الضيف: وهنا يجيء الدور المهم الذي تكلمنا عنه من قبل، وأن الأسلوب المُتشدد في كل الأحوال لن يُجْدِي نفعًا مع الطفل العنيد.
المحاور: هل الدراسة أثبتت ذلك؟
الضيف: الدراسة لم تُشر لهذا الجزء.
المحاور: الدراسة أشارت إلى قضية طريقة التعامل.
الضيف: طريقة التعامل فقط، لكن أنا أريد أن أقول: إن الأسلوب المُتشدد أخذ نسبةً كبيرةً جدًّا 73%، وبالتالي هذا مُؤشرٌ أنَّه لا توجد مهاراتٌ عند المعلمين بشكلٍ كبيرٍ.
طبعًا لا نقدر أن نُعمم المسألة، وهنا يجيء دور المُرشدين في المدارس في توجيه وتوعية المعلمين بالطريقة المُناسبة في التعامل؛ لأن هذا ليس هو الأسلوب الأمثل، وبالتأكيد هناك أساليب كثيرةٌ، وسنتكلم عنها.
المحاور: كانت عندنا حلقاتٌ عن التعليم والمعلمين، ومنها: "أسرار نجاح المعلم"، وقد ناقشنا دراسةً عالميةً على أية حالٍ، ولما تأتي النسبة 73% فهذا والله شيءٌ مُؤلمٌ.
الضيف: جدًّا.
المحاور: يعني: خاصةً لو أخذنا بالاحتمالين: احتمال أن المُربي يرى أن هذا هو السلوك الخاطئ، وأشد منه حينما يرى أن هذا هو السلوك الصحيح، فبعض الأساتذة والمُربين والآباء ما زال الواحد منهم يرى أن هذا هو الأسلوب الصحيح، وهو الشدة والعنف في مقابل قضية العناد، فما الذي يحصل يا دكتور وأنت أستاذنا في هذا الجانب؟ أنَّه يسلك السلوك الخاطئ في حينه، ولا يستطيع إيقاف السلوك بعد ذلك.
الضيف: صحيحٌ، وأنا أعتقد أنَّ تعديل السلوك أمرٌ ضروريٌّ جدًّا، وأنَّه لا بد أن يتم الحديث عنه في وقتٍ ما، فهو مسألةٌ مهمةٌ جدًّا.
أنا أريد أن أُشير لجزئيةٍ هنا: أنَّ تعامل المعلمين حين يكون بهذه الصورة، وهو عنده أبناء، فهل سيُمارس معهم نفس السلوكيات بهذه الطريقة؟ وهل الأبوان اللذان عندهما طفلٌ عنده سلوك العناد سيقبلان من المعلمين أن يُعاملوا أبناءهم بهذه الطريقة؟
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فإذا رفضتَ أن يُعامل ابنك بهذه الطريقة، فلِمَ تُعامله أنت بهذه الطريقة في المنزل؟ وبالتالي هذا تناقضٌ.
المحاور: هذا أسلوبٌ في طرد الأفكار اللاعقلانية، ما شاء الله عليك! جميلٌ.
الضيف: فهذه نقطةٌ مهمةٌ جدًّا، وهي مسألة القناعات، فإذا كنت فعلًا تُحب ابنك، وتُحب له الخير، وتُحب أن يكون سلوكه إيجابيًّا في كل مكانٍ، فعليك أن تزرع أنت هذا السلوك الإيجابي من خلال مُمارستك الإيجابية مع ابنك.
علاج العناد
المحاور: طيب، دعنا ننتقل يا دكتور من خلال هذه الدراسة التي أشرتَ إليها والتَّوجيه الرائع بعد هذه الإحصائية المُزعجة إلى العلاج.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: فكيف نستطيع أن نُعالِج مشكلة العناد لدى أطفالنا؟
الضيف: طبعًا هذه المسألة تحتاج -مثلما قلتُ في البداية يا دكتور- إلى الحكمة والصبر؛ ولأن أساليب التعامل التي نستخدمها مع الأبناء لها دورٌ كبيرٌ جدًّا في عملية العلاج نفسه فأنا أسأل سؤالًا: ما نِسَب تواصل الآباء مع الأبناء في وقتنا الحالي في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟ قد لا يتعدى التواصل نصف ساعةٍ في اليوم.
المحاور: هكذا أخشى أن تفضح المُربين يا دكتور.
الضيف: فهذه مشكلةٌ.
المحاور: فعلًا، ومُزعجةٌ، والله يتوب علينا.
الضيف: والمشكلة الأكبر: أنَّه لا ينبغي أن يكون التواصل شفهيًّا فقط، وإنما المهم التواصل العاطفي والوجداني، فهو من أهم النقاط التي ينبغي أن نُؤكد عليها وعلى أهميتها بالنسبة للوالدين، فإذا استشعر ابنك أنك تحتويه، وتهتمُّ به، وتُحبُّه حبًّا حقيقيًّا، ولا تفرض رأيك وسُلطتك؛ سيشعر الابن بهذا الحب، وسيصل إلى قلبه ويطمئن، ويتأثر بهذا السلوك الوجداني الذي تُمارسه معه، فهذه النقطة الأهم في هذا الأمر.
المحاور: سبحان الله! في إحدى الدراسات التي اطلعتُ عليها: أن الانهماك الذي يحصل في وسائل التواصل الاجتماعي -وقد أشار إليه أستاذنا الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه "التواصل الأُسري"- أن السبب في ذلك هو ضعف إشباع الجانب العاطفي.
وأيضًا ذكرت دراساتٌ أخرى في قضية الهروب من الأسرة إلى ما دون الخطوط الحمراء وتحت الحمراء بالتعاملات الخاطئة أو المُنحرفة، أو ما شابه ذلك لهذا السبب.
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، والآن تعرف أنَّه حتى في وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بانحراف الطفولة شيءٌ كبيرٌ جدًّا؛ ولذلك ينبغي أن نكون أيها الإخوة والأخوات مصدرًا من مصادر الأمن والإشباع النفسي.
الضيف: وهناك نقطةٌ مهمةٌ أيضًا، وهي: الحوار غير المُؤجل، فأحيانًا يقف ابني أمامي، ونكون في صدامٍ مع بعضٍ، وهو يُعانِد ويُصِرُّ على رأيه، ولدي فرصةٌ حقيقيةٌ أن أجلس مع ابني في هذا التوقيت بالحوار الإيجابي المُقنع، لا أن أُؤجل هذا، فالتأجيل أعتقد أنه مشكلةٌ، وينبغي أن أهرب منها، وأُصِرُّ على رأيي من الموقف.
المحاور: المُربي قد يقول: إنَّه مُعاندٌ، فكيف أُحاوره؟!
الضيف: جميلٌ، نحن قلنا في البداية: إن التواصل الوجداني لو كان موجودًا ما وصل لهذه المرحلة التي هو فيها.
المحاور: إذن هي شموليةٌ وتكامُليةٌ.
الضيف: جدًّا، والأب والأم لديهما من الخبرة والمواقف الحياتية التي تُساعدهما في أن يمتصُّوا سلوك الطفل، أو توجيهه إلى ممارسة سلوكٍ آخر، وهذا جزءٌ من الحلِّ، وهو: أن أصرف نظر الطفل لسلوك العناد بسلوكٍ آخر تمامًا، وهذا ينفع مع الأطفال الأقلّ عُمرًا، مع بداية أربع سنواتٍ أو خمسٍ مثلًا.
المحاور: يا سلام! وهذا -سبحان الله!- سهلٌ جدًّا.
الضيف: سهلٌ جدًّا؛ لأن الطفل أصلًا سينتقل انتباهه من شيءٍ إلى شيءٍ بسهولةٍ؛ لأن حدود الانتباه عنده ضعيفةٌ مُقارنةً بالكبير.
المحاور: وصرف النظر كذلك أيضًا يا دكتورنا؟
الضيف: أيضًا الاشتراك مع الابن في بعض هواياته وألعابه نقطةٌ مهمةٌ جدًّا في الاحتواء من خلال هذه الأمور، فينبغي أن يعرف الأب والأم اهتمامات الطفل وما يُحبه ويُسعده، وتجد الأب -أو الأم- يتعلل بالانشغال، ويقول له: العب مع أحد إخوانك، لكن لا تتخيل مدى السعادة التي تتحقق لدى الطفل عندما تحصل المُشاركة من الأب أو الأم.
المحاور: حقيقةً كلنا نحتاج أن نقف مع مثل هذه القضايا المتعلقة بهذا الأمر، فتجد الابن يقول لأبيه: اترك هذا الجوَّال وكن معي.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: فهذه القضية نحتاج أن ننتبه لها بشكلٍ كبيرٍ، فالمُشاركة الفعلية لا شكَّ أنها أيضًا ستُشبع الجانب العاطفي والوجداني.
الضيف: جدًّا؛ لأنَّها تزيد من مساحة فرص التفاعل الاجتماعي التي فيها شكلٌ من أشكال الرعاية والاهتمام والحنان، فهذه رسالةٌ غير مباشرةٍ؛ لأن هناك إشباعًا عاطفيًّا مُستمرًّا من الآباء.
المحاور: الإغفال والإهمال أليس أسلوبًا من أساليب العلاج؟
الضيف: طبعًا، هو واحدٌ من الأساليب، فالأب والأُم ينبغي ألا يُركزا على كل سلوكٍ يَصْدُر من الطفل، وبخاصةٍ لو كان من السلوكيات الهامشية، فإذا كان الطفل يستمع لأغلب التعليمات، وفي بعض المُمارسات لا يستجيب، فمن الممكن أن أتجاهل هذه الممارسات، وبخاصةٍ لو لم تكن مُستمرةً عند الطفل؛ لأنني بهذا التَّصرف سألفتُ انتباهه لها، وكأني أُشعره أنها مشكلةٌ؛ فيستمر عليها ويُمارسها كشكلٍ من أشكال العناد.
المحاور: فأنا أتجاهل بعض الأشياء التي عليها ملحوظاتٌ بالنسبة له، وهذه مع الكبار، فكيف بالصغار؟
الضيف: بالضبط.
المحاور: لكن أيضًا يا دكتور تجاهله هو عمومًا، وعدم تحقيق ما يُريده في عِناده أيضًا هذا ضمن قضية الإغفال والإهمال وعدم الاستجابة له، وذكرناها قبل قليلٍ في قضية الأسباب.
الضيف: اتفقنا أن من اللازم أن تكون هناك معايير واضحة عند الأسرة في مسألة الأوامر والطلبات التي هي معايير المعيشة الحياتية اليومية، وأنَّه ينبغي أن تكون هناك تعليماتٌ مُحددةٌ.
المحاور: يعني: وجود نظامٍ في الأسرة.
الضيف: وكلنا -أفراد الأسرة- لا بد أن تكون هناك توقيتاتٌ محددةٌ علينا أن نلتزم بها، فلو تعوَّد الطفل وكان هناك ردٌّ صارمٌ، وليس بالضرورة أن يكون هناك صوتٌ عالٍ، لكن ردٌّ حازمٌ، حتى في المدرسة، فبعض الطلاب يختبرون المعلم بهذه القضايا، وإلى أي مدى يمكن أن أسلك سلوكًا غير مقبولٍ أمام المعلم ويترك لي مساحةً في ذلك، فبعض المعلمين يقطع هذا من البداية، ويُوضح لهم أن هناك نظامًا علينا أن نلتزم به؛ وبالتالي ينصاع أو يلتزم الطلاب بهذا الكلام.
ونأخذ -على سبيل المثال- إشارات وقواعد وآداب المرور، فكلنا أو أغلب الناس يلتزمون بإشارة المرور ونظامه تجنبًا لحدوث شكلٍ من أشكال الوقوع في الخطأ، وبالتالي دفع الغرامات.
المحاور: جميلٌ.
لعلنا يا دكتور نأخذ اتِّصالًا من الأخ إسلام.
تفضل أخ إسلام، حيَّاك الله.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: كان لي تعليقٌ على مشكلة العِناد عند الأطفال.
المحاور: تفضل يا أخي، أنت من مصر وتُكلمنا من السعودية، أليس كذلك؟
المتصل: صحيحٌ.
المحاور: تفضل، الله يحفظك.
المتصل: ربنا يُكرمك، أنا أعتقد أن أهم شيءٍ في مشكلة العناد أنها تحتاج إلى صبرٍ وحكمةٍ، والحكمة أن الأب يستخدم الأسلوب الأمثل في علاج مشكلة العناد، فالطفل يحتاج أن يتعامل معه الأب كأبٍ حانٍ، وليس كأبٍ مُتسلطٍ، وأن يستخدم الأسلوب غير المباشر في أمره، وهو أسلوب التحفيز، فمثلًا يقول له: "يا سلام لو عملتَ كذا سوف أكون مرتاحًا منك جدًّا"، فلا يستخدم معه الأسلوب المباشر، فالأطفال لا تُحب الأسلوب المباشر.
وأيضًا ينظر المُربي إلى الأوقات التي يكون حزينًا فيها، ولا يطلب منه حاجةً.
والأمر الآخر: يحتاج منه إلى صبرٍ جدًّا، فالطبع يغلب التَّطبع، والرسول يقول: إنما العلم بالتَّعلُّم، وإنما الحِلْم بالتَّحلُّم[4]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (10739)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" … Continue reading.
فالموضوع يحتاج إلى صبرٍ ومُتابعةٍ واستقرارٍ، وأهم شيءٍ أن الأب يفهم شخصية ابنه، وما الذي يُحفزه؟ ويفهم المفاتيح إلى قلبه، ولا يُعامل ابنه دائمًا بأسلوب الضرب، فهذا الموضوع سيأتي بنتيجةٍ عكسيةٍ وغير إيجابيةٍ وغير محمودةٍ للأسرة.
المحاور: ما شاء الله عليك يا أستاذ إسلام، لقد لممتَ موضوعاتٍ عديدةً ورائعةً جدًّا، وفي الصَّميم.
شكرًا لك يا أستاذ إسلام على هذه المُداخلة الطيبة.
أظنك تُوافق يا دكتور على ما ذكره أستاذ إسلام.
الضيف: طبعًا الأستاذ إسلام ذكر قضايا مهمةً، وكنا سنتكلم عنها في مسألة العلاج.
المحاور: عفوًا قبل أن نتكلم عنها، وأنت قد قررتَ كلامه، فموضوع النظام فيه مقالةٌ رائعةٌ جدًّا للدكتور خالد المنيف بعنوان "في بيتنا قانون"، وكان يتحدث عن القوانين المدنية، مثل: قضية المرور كمثالٍ، فيقول: لماذا لا تكون هذه القوانين موجودةً في البيت؟ فالأسرة أولى بهذا من الجانب المدني الحياتي.
وهذا أظنه يرتبط بما يتعلق بالتعامل بالحزم يا دكتور مع قضية الإشباع العاطفي والود والعلاقة الحميمية والقُرب المعنوي، وأظنها ستكون مواصفاتٍ رائعةً جدًّا في الشخصيات المُؤثرة من الآباء والأُمهات والمُربين، والمعلمين والمعلمات عمومًا.
الضيف: والحقيقة أنه ليس هناك تعارضٌ بين أن يكون هناك حزمٌ والانضباط.
المحاور: أحسنتَ، نُكمِل بناءً على ما ذكرتَ، هناك نقاطٌ ذكرها الأستاذ إسلام وتُريد أن تذكرها؟
الضيف: نعم، مسألة التعزيز التي ذكرها الأستاذ إسلام قضيةٌ مهمةٌ، وسنتكلم عنها بالتفصيل.
المحاور: بقيت معنا خمس دقائق.
الضيف: مسألة عدم وصف الطفل بالعناد، فكأني ألصقتُ هذا السلوك به بكلمة: أنت عنيدٌ.
ومَن يقول له: "أنت عنيدٌ" هو الأب والأُم، فمعنى ذلك أن كلامهما صحيحٌ، إذن أنا عنيدٌ، فيتصرف على هذا الأساس وهذه الوَصْمَة.
المحاور: أنتم تقولون عني ذلك فانتهى الأمر.
الضيف: وبالتالي نحن نحتاج إلى مدح سلوك الطفل في حالة القيام بسلوكياتٍ إيجابيةٍ، ونُعزِّز هذه السلوكيات الإيجابية، ونتجنب إعطاء مزيدٍ من الأوامر، وإن كانت هناك أوامر فتكون على شكل طلباتٍ، مثلًا: المُنافسة بين الأبناء، فمثلًا نقول لهم: مَن منكم يُساعدنا في هذا الأمر ويأخذ أجرًا عظيمًا؟
وأنا أقول لأبنائي مثلًا في بعض الأحيان: مَن الذي يريد أن يأخذ أجرًا كبيرًا؟ ومَن الذي يريد أن يأخذ ثوابًا؟ فيذهبون مباشرةً ويتسابقون إلى هذا السلوك، وبالتالي نكون بذلك قد جنَّبنا أنفسنا شكلًا من أشكال العِناد المُستمر بين الكبير والصغير.
وطبعًا التعزيز قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ومدح سلوك الطفل على الجوانب الإيجابية التي يقوم بها، وتقليص الفرص التي يمكن أن يحصل فيها خلافٌ وأوامر لا بد أن ينصاع لها الطفل.
المحاور: وحتى استخدام التعزيز في مقابل ترك العناد أيضًا، وربط القضية بأنَّه إذا ترك العناد استُخْدِم معه كذا.
الضيف: بالضبط.
المحاور: نعم.
الضيف: والتعزيز أولى من العقاب، فالتعزيز يكون أثره أكثر إيجابيةً من العقاب.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، هل بقي شيءٌ بالنسبة للعلاج؟
الضيف: أُؤكِّد على مسألة القدوة وأهمية هذا الأمر بشكلٍ كبيرٍ جدًّا؛ لأنَّ الابن يفعل أو يُقلِّد ما يقوم به الأب والأُم دون وعيٍ منه، فإذا كانت سلوكياتهما خاطئةً فسيكتسب هذه السلوكيات.
المحاور: الطفل عنده ما يُسمَّى بقوة المُحاكاة.
الضيف: نقطةٌ مهمةٌ وأخيرةٌ: وهي عدم التمييز بين الأبناء في قضايا التعامل، فبعض الأبناء يشعر أنه في دائرةٍ وحده.
المحاور: وغيره أحسن منه.
الضيف: نعم.
المحاور: ونحن نريد أن نقول له: كُن مثل فلان.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: مع أن هذا يوجد عنده شيءٌ من المُخالفات.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: رائعٌ جدًّا، ما شاء الله، هذه عشر نقاطٍ في العلاج، جزاك الله خيرًا دكتورنا الكريم.
إجابة بعض الأسئلة
هناك مجموعةٌ من الأسئلة وردت، ومجموعةٌ من التعليقات في (الواتس آب) وفي (الفيس بوك) وغيرهما، فإذا كانت هناك تعليقاتٌ سريعةٌ على ما ورد إلينا.
وهذا من حق الإخوة علينا، ونَعِدهم -إن شاء الله تعالى- إذا أعطانا الدكتور موعدًا آخر، أو نُحاول نحن من خلال البرنامج -بإذن الله - أن نقف مع هذه الأسئلة في حلقةٍ أخرى.
هنا الأخ خالد دُعوب يقول: الثلاثة التي ذُكرت -وهي: العناد، والخوف، والخجل- يكتسبها الطفل من أُسرته، فعندما تكون الأسرة لا تُبالي حينما تحدُث مشكلةٌ، سواء بين الزوج والزوجة، والآباء والأبناء الأكبر سنًّا من الأطفال، والإخوة فيما بينهم، ولا يُبالون أن يعلم الطفل ما يحدث أمامه؛ سيُولِّد عنده الأشياء التي ذُكِرت، ويحصل الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس.
الضيف: نعم، هكذا هي أساليب التنشئة غير السَّوية قد تُؤدي إلى سلوكياتٍ غير سويَّةٍ.
المحاور: وهذا ياسين الشيخ عمر: من عدم التفاهم مع الطفل وإقناعه بأوامرنا، وفي لحظة الحوار والإقناع يجب أن نشرح له لماذا يجب عليه السمع والطاعة؟ وأن الشيء الذي يُريده -مثلًا: لعبة- ليس بالضرورة الحصول عليه لأسبابٍ يجب تقديمها للطفل؛ ليقتنع أن والديه على حقٍّ، وهنا ندخل في حلِّ مشكلتين: القناعة والعِناد، فلا حلَّ لهما سوى الشرح والتَّفاهم، فما رأيك يا دكتور؟
الضيف: أتفق تمامًا، يعني: التفاهم شيءٌ مهمٌّ جدًّا.
المحاور: نعم.
الضيف: فالإصرار من الوالدين على قضيةٍ معينةٍ دون إقناع الطفل خطأٌ، فلا بد أن يكون الطفل مُقتنعًا بهذه القضية حتى لا يُكرِّرها مرةً أخرى.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فهذا يُعتبر حلًّا.
المحاور: إذا ما اقتنع يا دكتور؟
الضيف: إذا ما اقتنع عندنا الوسائل الأخرى التي ذكرناها، ومنها مثلًا: قضية الثَّبات في المُعاملة، فقد قلنا: إن إحدى المشكلات الأساسية هي التَّذبذب في المُعاملة.
المحاور: إذن لا بد من قضية النظام والحزم.
الضيف: النظام والحزم من البداية.
المحاور: بمعنى آخر: ليس من الضروري واللازم أن أصل إلى أن يُوافق الطفل على ما أقول وأريد.
الضيف: نعم.
المحاور: أنا أعجبتني رسالةٌ وصلتني في (الواتس آب): "دعه يبكي قبل أن تبكي عليه" يعني: الطفل، وهذا مُرتبطٌ بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للطفل، فأرسلتُها لعددٍ من الأحبَّة، فاتَّصل بي أحد الأقارب بعدها وقال: هذه الرسالة التي أرسلتَها قد حلَّت لنا مشكلةً؛ فأنا وأُم العيال مُتَّفقان على ألا نُعطي الطفل وسائل التواصل الاجتماعي وهو طفلٌ صغيرٌ، وهو يبكي، يقول: فلما جاءت الرسالة اتَّخذنا القرار الحاسم بما نراه مُناسبًا، وبقي فترةً من الزمن يبكي، ثم انتهت القضية تمامًا.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: أظن أن هذا التعامل مهمٌّ جدًّا، وأعتقد أنَّ مسألة العاطفة عندما تطغى على النظام ستُؤثر تأثيرًا سلبيًّا، لا أقول: لا نهتم بالعاطفة -والمقصود بها الشَّفقة- لكن لا نستمع دائمًا لرغبات الطفل بشكلٍ مُباشرٍ؛ فلهذا تأثيرٌ سلبيٌّ جدًّا بالتأكيد، وستُعلم الطفل أن يُمارس هذه السلوكيات حتى يحصل على ما يُريد، وهذا الذي تُؤكده أنت يا دكتور، وأنَّه ليس هناك تعارضٌ بين الحزم والود.
الضيف: أبدًا.
المحاور: سُعداء جدًّا بك دكتورنا الكريم.
الضيف: الله يُبارك فيك يا دكتور.
المحاور: وشوَّقتنا إلى أن نأخذ -إن شاء الله- حلقةً أخرى، فنَعِد جمهورنا الكريم أن نرجع إلى تعليقاتكم وأسئلتكم التي وردت -بإذن الله - ونحاول أن يكون لنا طريقٌ لبناء هذه المرحلة العظيمة ومُحاولة تخفيف مُشكلاتها.
أشكرك دكتور أحمد شكرًا جزيلًا، وهو ضيفٌ عزيزٌ علينا وعلى قلوبنا دائمًا، بارك الله فيك يا دكتور.
الضيف: سعيدٌ أنني كنتُ معك يا دكتور.
المحاور: أكرمك الله.
الضيف: جزاكم الله خيرًا والسادة المشاهدين.
المحاور: شكرًا لك، وجزاك الله خيرًا، وسُعداء بكم جميعًا، ونلتقي على خيرٍ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.