المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أُسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
كثيرًا ما يردُنا في الاستشارات والأسئلة والبرنامج ما يتعلق بقضية الوسواس القهري، خاصةً في العبادات، فدعونا في هذه الحلقة -أيها الأحبة- نخوض معكم في هذا الموضوع المهم والشائك، لعلنا نستطيع أن نُعالجه.
فعنوان لقائنا هذه الليلة هو "علاج الوسواس القهري في العبادات".
ونسعد باستضافة سعادة الدكتور خالد بن حمد الجابر، استشاري طب الأُسرة والعلاج النفسي.
حياكم الله دكتور خالد.
الضيف: أهلًا بك والله.
المحاور: يا مرحبًا.
الضيف: أهلًا بك وبالإخوة والأخوات المشاهدين.
المحاور: سُعداء بك، الله يحفظك، ونشكر لك استجابة الدعوة.
الضيف: الله يُسلِّم عمرك.
المحاور: أكرمكم الله، لماذا هذا العنوان يا دكتور؟
اختلاف الوسواس القهري من بيئةٍ لأخرى
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم.
مثلما ذكرتَ هذه قضيةٌ شائعةٌ، ونسبة الوسواس القهري في المجتمعات الإسلامية أو غير الإسلامية مُتقاربةٌ، لكن نوع الوسواس مختلفٌ حسب الثقافة، فنحن في ثقافتنا في العالم الإسلامي أغلب أنواع الوساوس هي الوساوس المتعلقة بالجانب الديني، وتحديدًا وسواس العبادة الذي هو ثلاثة أنواعٍ: "الطهارة والاستنجاء من البول والبراز -أكرمكم الله-، ووسواس الوضوء، والصلاة"، وهناك أنواعٌ أخرى مثل: وسواس الصيام، وغيره، لكن هذه أبرز ما سنتكلم عنها اليوم.
المحاور: "الطهارة والوضوء والصلاة" هذه في المجتمعات غير الإسلامية لا توجد.
الضيف: في المجتمعات الغربية مثلًا أبرز أنواع الوسواس نوعٌ من الوسواس يُسمونه: وسواس التلوث، أو وسواس النظافة الذي هو الخوف من الجراثيم، ... إلى آخره، بحسب الثقافة طبعًا.
المحاور: الثقافة مؤثرةٌ جدًّا يا دكتور.
الضيف: صحيحٌ، طبعًا.
المحاور: طيب، أنت أشرتَ لنسبةٍ مُتقاربةٍ.
الضيف: نعم، نسبة الوسواس في العالم كله -سبحان الله!- متقاربةٌ، ما بين واحدٍ إلى ثلاثةٍ في المئة من مجموع المجتمع، وهذه النسبة تقريبًا شبه ثابتةٍ في المجتمعات، أما الذي يتفاوت فهو النوع الفرعي للوسواس.
المحاور: هل تعتبر الواحد إلى ثلاثةٍ بالمئة نسبةً عاديةً.
الضيف: ماذا تقصد بعاديةٍ؟
المحاور: قصدي أنه من الطبيعي أن تحصل هذه النسبة؟
الضيف: نعم.
المحاور: ليست مشكلةً.
الضيف: هي مشكلةٌ صحيةٌ، لكن النسبة: واحدٌ إلى ثلاثةٍ بالمئة.
المحاور: كغيرها من الأمراض العادية؟
الضيف: هي طبعًا أقلّ من الاكتئاب، فالاكتئاب يمكن أن يصل إلى سبعةٍ أو ثمانيةٍ بالمئة.
المحاور: في الحقيقة كنتُ أُصلي أكثر من مرةٍ بجوار شخصٍ يُعاني معاناةً شديدةً، فرَأَفْتُ بحاله، وسألتُه: ماذا بك يا ولدي؟ فاكتشفتُ أنه على هذا الحال منذ سنتين، طيب، هل ذهبتَ لأحدٍ؟ يقول: "لا"، لماذا؟ هو مُستسلمٌ لهذه القضية، فنريد أن نفهم هذا المرض دكتورنا الكريم.
الضيف: صحيحٌ، خلال السنوات الماضية رأيت من المناسب إيجاد نموذجٍ واضحٍ للمرضى وللجمهور؛ حتى يفهموا كيف يتعاملون مع الوسواس؟ وأيضًا غير المُتخصصين يمكن أن يستعملوا هذا البرنامج ويتدربوا عليه، بحيث يُطبَّق على الناس.
طرق علاج الوسواس القهري
العلاج يكون من خلال أربع قواعد، هي:
الأولى: التي أشرتَ إليها قبل قليلٍ: أنه لا يُبادِر للعلاج، فأسميتُها "فهم المرض والمُبادرة للعلاج"، افهم مرضك، وبادر للعلاج. هذه القاعدة الأولى، وسنتكلم عن بعض القضايا فيها.
الثانية: اسمها "غَيِّر من ردَّة فعلك للوسواس"؛ لأن الشائع الآن في النظريات النفسية في فهم الوسواس تقول: إن المرحلة الأولى -ويُسمى أحيانًا: الموقف الأولي- من الوسواس مهمةٌ جدًّا فيما بعدها؛ ولذلك إذا عرفتَ كيف تتعامل مع الوسواس ربما يُساعدك هذا على التخلص من الوسواس مستقبلًا؟
المحاور: قضية الاستسلام وردة الفعل هي من القضايا التي ستتكلم عنها.
الضيف: سأتكلم عن الخوف، وأهمية الوسواس، ... إلى آخره.
الثالثة: هي "واجِه الوسواس"، ولا نقول: "اهرب من الوسواس، ولا تجاهل الوسواس، لا، واجِه الوسواس، وعاكس سلوكيات الوسواس".
وسنتكلم عن أشياء في هذا، ولا أدري: هل الوقت يسمح أم لا؟ لعلي أختصر.
المحاور: لا بد أن يسمح دكتورنا.
الضيف: يبدو لي أني سأختصر كثيرًا.
الرابعة: وهي أن مريض الوسواس يحتاج أن يُغيِّر بعض الصفات النفسية الخاصة به.
المحاور: التي قد تكون سببًا.
الضيف: قد تكون هي المُغذية.
المحاور: المغذية لقضية الوسواس.
الضيف: فلذلك أسميتُها: تعديل بعض الصفات النفسية الوسواسية، وسنتكلم عن بعض الصفات المتعلقة بالتأكد والاحتياط والإثم والخوف من الشك، وتصديق التَّشكيكات، وأشياء مثل هذا.
المحاور: التي قد تكون هي البيئة التي تُغذِّي هذا الموضوع.
الضيف: نعم، القناعات المُغذية، أو الصفات النفسية.
المحاور: إِذن دعنا نُفصِّل في القاعدة الأولى دكتورنا الكريم، وهي المُتعلقة بفهم المرض، والمبادرة إلى العلاج.
فهم المرض والمبادرة إلى العلاج
الضيف: فهم المرض والمبادرة إلى العلاج خطواته واضحةٌ:
أولًا: ما تشتكي منه مرضٌ معروفٌ ومُسَجَّلٌ طبيًّا، وله اسمٌ، ويعرفه الأطباء، وله علاجاتٌ دوائيةٌ، أو غير دوائيةٍ.
ثانيًا: لستَ وحدك، فهناك كثيرون يمرون بنفس الأعراض، ومثلما ذكرنا في المقدمة أن نسبة الانتشار تقريبًا من واحدٍ إلى ثلاثةٍ في المئة، والنساء والرجال سواء، وهذا من الأشياء الغريبة، يعني مثلًا: بالنسبة للاكتئاب والقلق النساء أكثر بكثيرٍ من الرجال، يمكن ثلاثةٌ إلى واحدٍ، أو اثنان إلى واحدٍ، بينما في الوسواس النسبة تقريبًا واحدٌ إلى واحدٍ.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: ويبدو أن (ميكانيزمية) الوسواس ليس لها علاقةٌ بالجنس، يبدو هذا -والله أعلم-، فنحن لا نعرف هذا.
النقطة الثانية مهمةٌ جدًّا، وهي: أن غالب الوسواس يبدأ في مرحلة المتوسط والثانوي والجامعة، يمكن إلى سبعين أو ثمانين في المئة.
المحاور: وما تفسير هذا؟
الضيف: له تفسيراتٌ كثيرةٌ، لكن من أجل ألا يطول الوقت فإن المهم الآن هو: أهمية الاكتشاف المُبكر للوسواس.
والمشكلة الثانية: أن غالب مرضى الوسواس لا يُراجعونك إلا بعدما يتخرجون من الجامعة، هذا إذا استطاع أحدهم أن يُكْمِل الجامعة، وأحيانًا الوسواس يُعيق المريض عن استكمال الجامعة، فما يأتيك إلا بعد أن يذهب إلى الجامعة، وتمضي عليه سنواتٌ، أحيانًا سبع سنواتٍ، أو ثمانٍ.
المحاور: الاكتشاف الذي يمكن أن يحصل من نفس الشخص ومن غيره أمرٌ سهلٌ فيما يتعلَّق بقضية التوجيه.
الضيف: التوجيه المهم هنا للأُسرة وللمُعلمين؛ ولذلك نحن صممنا برنامجًا للمعلمين يُساعدهم في اكتشاف الأمراض النفسية في مرحلة المتوسط والثانوي والجامعي.
والمعلمون وأساتذة الجامعات والأُسر إذا لاحظوا على الابن شيئًا -وسنذكر بعض الملاحظات بعد قليلٍ- لا يقل أحدهم: "هو حريصٌ"، أو "عنده حرصٌ زائدٌ"، لا، تأكد، ربما يكون عنده وسواسٌ قهريٌّ، ويُعاني المسكين، ويستحي أن يُخبركم.
هذا برنامج "أُسس التربية"، ومن الأُسس المشهورة في التربية: "أهمية المُصارحة والمُكاشفة بين الأبناء"، وسنتكلم عن: كيف يُعالج الأهل هذه الحالة؟
المحاور: نحن يهمنا: هل سيكون الكلام حول المظاهر التي يمكن مثلًا أن تدل على ذلك؟
الضيف: نعم، طبعًا.
المحاور: هذا مهمٌّ جدًّا.
الضيف: الأخيرة: نسبة التَّحسن: ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً[1]أخرجه البخاري برقم (5678). كما قال النبي ، لكن المرضى يتفاوتون؛ فبعض المرضى عندي في العيادة يستجيب بسرعةٍ، في خلال أسبوعين أو ثلاثةٍ، وإن كان هؤلاء هم النسبة الأقل، وبعضهم يستجيب خلال فترة البرنامج: ثلاثة شهور، أو أربعة شهور، وبعض المرضى لا يحتاج إلى برامج علاجيةٍ خاصَّةٍ، المهم أن لا تيأس.
المحاور: ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً.
الضيف: ومهمٌّ جدًّا أن نعرف الفرق بين الوسوسة العادية التي وردت كثيرًا في القرآن والأحاديث، والوسواس القهري، فالوسوسة العادية لا يخلو منها أحدٌ: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:5]، يُوسوس له، ويُغويه، ... إلى آخره.
وأيضًا نُفرِّق بينه وبين الشكوك، فالشكوك الآن -للأسف- بدأت تكثر: شكوكٌ عقديةٌ وغيرها.
والوسواس القهري: اضطرابٌ معينٌ له صفاتٌ خاصةٌ، وهي مثلًا في الوضوء، أو في الصلاة، أو في الطهارة، وضغط الأفكار الوسواسية يستغرق زمنًا طويلًا، وسنتكلم عن الزمن هنا، فالمريض أو الشخص يبذل جهدًا، ويحاول أن يطرد هذا الوسواس ولا يستطيع.
المحاور: لأنه يُدرك أنه خطأٌ.
الضيف: ليس كلهم كذلك، ولكن غالبيتهم يعرفون أنه خطأٌ، وهناك نسبة حوالي 10 إلى 15 في المئة من الناس يعتقدون أن هذا صحيحٌ.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: نسبةٌ قليلةٌ، لكن غالبية المرضى يقولون: لا. وبعض المرضى يقول: والله ما أدري، ممكنٌ، ولستُ متأكدًا أنه صحيحٌ أو غلطٌ، ... إلى آخره.
إذن هي عبارةٌ عن أفكارٍ ضاغطةٍ، وهي وسواسٌ وسلوكياتٌ يفعلها وهو لا يريد أن يفعلها، يُعيد الوضوء عشر مراتٍ، ويُعيد الصلاة عشر مراتٍ، أو خمس عشرة مرةً، ويجلس في الحمام نصف ساعةٍ أو ساعةً، ويتنزَّه من البول ربما ربع ساعةٍ أو أكثر من ذلك.
وهنا قاعدةٌ مهمةٌ، وهي: أنه يجب أولًا أن نعرف الزمن الطبيعي في الطهارة، وقد أجرينا على ذلك قياساتٍ؛ فالبول العادة فيه أن يكون في دقيقةٍ أو دقيقتين على الأكثر، وأي واحدٍ يقضي في البول أكثر من دقيقةٍ أو دقيقتين مع الصِّفات السابقة لا بد أن يتأكد: هل عنده وسواسٌ أم لا؟
والبراز -أكرمكم الله- يكون في خمس دقائق عادةً، أو ستّ دقائق بدون الهواجس، ويُكْمِل الإنسان الوضوء الكامل في دقيقتين، وبعض المرضى يأخذ في الوضوء نصف ساعةٍ أو ساعةً.
المحاور: لا إله إلا الله.
الضيف: والصلاة تأخذ من أربع دقائق إلى ستٍّ.
المحاور: وأنا رأيتُ هذا بأم عيني كثيرًا.
الضيف: نعم، هذا في العيادة نراهُ كثيرًا، والصلاة تأخذ من أربع دقائق إلى ستٍّ.
فالقاعدة: أن ما زاد عن هذه الأرقام وبشكلٍ مُتكررٍ مع الخصائص الوسواسية التي ذكرناها قبل قليلٍ، فهو وسواسٌ قهريٌّ.
المحاور: إذن ليست قضية الزمن فقط.
الضيف: لا.
المحاور: لا بد من التكرار.
الضيف: يكون بشكلٍ مُتكررٍ وضاغطٍ ومُلِحٍّ، والمريض يكرهه، ولا يُريده، مع الخصائص الوسواسية التي ذكرناها، فهو وسواسٌ قهريٌّ.
المحاور: ذكِّرنا بالخصائص.
الضيف: الخصائص الوسواسية هي: أنه ضاغطٌ، ومُتكرِّرٌ، ومُلِحٌّ، ولا يُريده الإنسان، ويفعله وهو كارهٌ لذلك، ويُؤثر في حياته.
المحاور: إذن من المهم أن تكون هذه الأمور الثلاثة مُجتمعةً.
الضيف: نعم، مهمةٌ.
المحاور: زيادة على الزمن: قضية التكرار والصِّفات.
الضيف: لأن هناك أناسًا عندهم قليلٌ من الوسواس، ولكنهم يعيشون حياتهم بشكلٍ طبيعيٍّ.
المحاور: فلا يحتاج أن يقلق.
الضيف: هذا لا بد أن يُراجع الطبيب؛ للتأكد من أنه ما وصل لمرحلة الوسواس القهري.
المحاور: هل هناك شيءٌ حول الفهم أيضًا؟
الضيف: أهم نقطةٍ: أن المريض لا يتردد في طلب العلاج، وقد أجرينا بحثًا عندنا في الرياض، فوجدنا أن خمسين بالمئة من مرضى الوسواس لم يُراجعوا عيادةً نفسيةً.
المحاور: خمسون بالمئة؟
الضيف: خمسون بالمئة.
المحاور: هذا الإجراء بعدما أتوكم؟
الضيف: نحن نشرنا استبيانًا وأجرينا مسحًا فوجدنا أن خمسين بالمئة لا يُراجِع.
ماذا تتوقع الأسباب يا دكتور خالد؟
أسبابٌ بسيطةٌ، منها: أنه يقول: سأحاول، ما زال الوقت كافٍ؟ لا، الوقت غير كافٍ، وأنا دائمًا أقول لمرضى الوسواس القهري: مريض الوسواس القهري لا يستطيع علاج الوسواس القهري وحده، يجب أن يدخل في برنامجٍ علاجيٍّ؛ لأن تركيب المرض مُعقَّدٌ جدًّا، فكيف بواحدٍ يُعيد الوضوء خمسين مرةً، ويعرف أنه غلطٌ ويستمر في الإعادة؟! فهي مسألةٌ مُعقَّدةٌ، فيجب أن يُراجِع.
المحاور: حينما يصدق عليه وصف الوسواس القهري؛ لأنه قد تكون حالته في البداية في مستوياتٍ بسيطةٍ.
الضيف: أنا نصيحتي: إذا شككتَ في نفسك أو في ابنك اتصل مباشرةً على الهواتف المجانية المعروفة بالاستشارات، أو اذهب إلى طبيبٍ نفسيٍّ، أو اذهب إلى طبيبٍ يُحوِّلك إلى طبيبٍ نفسيٍّ؛ للتأكد من وجود المشكلة.
المحاور: جميلٌ جدًّا، جزاك الله خيرًا دكتورنا الكريم، هذه قاعدةٌ رائعةٌ ومهمةٌ، وظهر فيها جانب المظاهر وإدراك المفهوم، وما يتعلق كذلك بالتشخيص الدقيق للوسواس القهري، فما القاعدة الثانية؟
غيِّر ردَّة فعلك تجاه الوسواس
الضيف: القاعدة الثانية: غيِّر ردَّة فعلك تجاه الوسواس.
ومن أجل أن نفهم المقصود بهذا أقول: نحن لدينا مرحلةٌ نُسميها: الفكرة الوسواسية.
المحاور: لو نأخذ مثالًا يا دكتور؟
الضيف: هو الآن أراد أن يتوضأ، فقال له الوسواس: "ما غسلتَ اليد، ما غسلتَ الوجه، تأكَّد، يمكن ما وصل الماء إلى الكوع، أو إلى المرفق، هل أنت متأكِّدٌ أنك غسلتَ العضو؟ ارجع فتوضأ مرةً أخرى"، هذا كلنا نُسميه: فكرة وسواسية.
المحاور: يمكن مع البرد الآن: ما مسحتَ على الجوربين؟
الضيف: يمكن ما مسحتَ، هل أنت متأكِّدٌ؟ أو انقطعت النية، ... إلى آخره، أسبابٌ كثيرةٌ جدًّا، وقد حصرتها في بحثٍ مُكوَّنٍ من عشرين صفحةً.
فأنواع وأشكال وطرق مرضى الوسواس في الأفكار والقناعات كثيرةٌ جدًّا.
هو الآن لما تأتيه هذه الفكرة الوسواسية عليه في المرحلة الأولى بعد ورود الفكرة الوسواسية أن يُغَيِّر ردَّة فعله لهذه الأفكار الوسواسية التي تقول له: "أنت لم تتوضأ، واغسل كذا، وأعد كذا، وانقطعت النية، ولم تقل: الله أكبر، و"الحمد لله" ما أخرجتها على الوجه الصحيح، والحرف ما نطقته جيدًا، وانقطعت الصلاة، وذهنك تشوش، .." إلى آخره، فهي أنواعٌ كثيرةٌ لا حصرَ لها.
فإذا حصل شيءٌ من هذا كيف تكون ردَّة فعله؟ ما الذي يحصل؟
الذي يحصل أن غالب مرضى الوسواس يخاف من مجرد ورود الفكرة الوسواسية؛ فيُصَدِّق هذه الفكرة الوسواسية، ويلجأ إلى أسلوب الاحتياط، ويُعيد الصلاة والوضوء.
المحاور: أحسن وأريح.
الضيف: دعني أُعيد الوضوء وأرتاح، هذه المرحلة الأولى، وهي التي نُريد أن نعمل عليها.
المحاور: يا سلام، كيف؟
الضيف: بالعمل بالقواعد الآتية:
مهارات الهدوء وضبط الذات
الأولى: تعلم مهارات الهدوء والسكينة أمام ضغط الوسواس وإلحاحه في النصف ساعة الحرجة الأولى؛ لأن مريض الوسواس في العلاج مثلًا لما نقول له: "لا تستجب للفعل الوسواسي أو للطلب الوسواسي" يرتفع القلق عنده؛ لأنه يعتقد أنه ارتكب خطأً، فالخوف مشكلةٌ، كما في سورة الجن: فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، فماذا يصير؟
لما يتوقف عن الفعل الوسواسي بسبب القناعات المغذية الوسواسية عنده يعتقد أنه في إثمٍ وخطأ ومشكلةٍ.
المحاور: والصلاة لن تُقْبَل.
الضيف: وأن صلاته لن تُقبل، وسيدخل النار، وعبادته غير صحيحةٍ، وهو كافرٌ، ... إلى آخره، هذا من بعض المرضى طبعًا، وبعض المرضى يعرف أنه لن يدخل النار، ولن يكون كافرًا، لكن يقول: "أنا ما أتحمل ضغط الوسواس".
فنقول: عندك ضعفٌ في ترويض الخوف، والتعامل مع الخوف الداخلي خاصةً، كيف تعامل مع المشاعر الداخلية؟
والقاعدة تقول: إذا قلَّ مستوى الخوف عندك سيقلّ مستوى الوسواس.
المحاور: لا شك.
الضيف: ارتباط الخوف بالوسواس ارتباطٌ قويٌّ جدًّا، فإذا استطعت أن تخفض من مستوى الخوف سيقلّ مستوى الوسواس، لكن هناك مشكلةٌ، وهي: أن الخوف لا ينزل إلا بمزيدٍ من الخوف، بمعنى: أنَّ أحسن طريقةٍ لعلاج الخوف أن تُعالِجه بالخوف، كيف؟
ما تخاف منه افعله ولا تهرب منه؛ لأنك كلما هربتَ من الوسواس كلما كَبُرَ، لكن إذا واجهتَه على حقيقته، واستطعت أن تصمد أمامه، وهو يضغط عليك ويُخوِّفك ويُرْعِبك، وأنت تتعلم مهارات الصمود أمام هذا التخويف؛ سينكمش.
المحاور: لا شك، أليست هذه هي القاعدة الثالثة: المُواجهة، أو هي شيءٌ آخر؟
الضيف: هذا تمهيدٌ للمواجهة.
المحاور: إذن ما ذكرتَه من التلازم بين الخوف والوسواس حقيقةً يحتاج من الأسرة أن تقف معه، فالتربية منذ نعومة الأظفار فيما يتعلق بما يُحْدِث الخوف لدى الأجيال والقلق.
دعني أُعطيك مثالًا نحن دائمًا نذكره في مجال التربية، وهو: أن يعود الطالب المُتميز من الاختبار إلى الأم الحريصة جدًّا على دراسته، وحين يدخل عليها يكون السؤال الذي يتوقعه من أمه: "ربما أخطأتَ في شيءٍ؟".
فهذه القضايا التربوية عمومًا والبيئة التي تُهيئ الخوف تُساعد على ذلك.
الضيف: مشكلات هذه الصفات الذاتية كثيرةٌ جدًّا، لكن الأبحاث التي أُجريت على دور الأُسَر في إيجاد الصِّفات النفسية الوسواسية ليست قويةً جدًّا، ويبدو -والله أعلم- أنه السبب الأكبر في أن لدى هذا الشخص قابليةً.
المحاور: يعني: الجانب البيولوجي والفسيولوجي مثلًا؟
الضيف: ما أدري بيولوجي أو لا؟ لكن لديه قابليةٌ، قد يكون بيولوجيًّا، وقد تكون صفاتٍ مختلفةً، المهم أنه يجب أن يكون لدى الطفل القابلية للتأثر بالتوجيه.
فيجب على المريض أن يتعلم مهارات الهدوء وضبط الانفعال لحظة الوسواس، ويتقمص الهدوء، ويتعلم مهارات الانفصال والاتصال، وقد تكلم الغزالي عن الانفصال والاتصال.
المحاور: يعني: كلمة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" داخلةٌ في هذا.
الضيف: سنتكلم عن "أعوذ بالله"، لكن -للأسف- كثيرٌ من الأشياء الجيدة يستعملها مريض الوسواس بطريقةٍ خاطئةٍ، مثل: المبالغة في استعمال الاستعاذة، فتتحول الاستعاذة نفسها إلى سلوكٍ وسواسيٍّ؛ لذلك أنا أقول للمريض: استعذ ثلاث مراتٍ فقط، واستعملها من باب القوة، وليس من باب الخوف.
واحدةٌ من المرضى تقول: "كنتُ أسمعك تقول لي: واجهي بقوةٍ وثقةٍ، وليس بخوفٍ"، وبعد ذلك تقول: ما كنت أفهم أيش قصدك؟ كيف: ثقةٌ، وخوفٌ؟!
تقول لما تحسَّنت: أنا أُواجِه الوسواس بقوةٍ وبثقةٍ، وليس مثلما كنتُ أُواجهُه قبل ذلك، فقد كنتُ أواجهه وأنا خائفةٌ أن يغضب مني ويرجع مرةً ثانيةً، يعني: كأني أُقَدِّم له القرابين ليذهب، الآن لا، توجد قناعةٌ، وماذا عندك؟ وكما يُقال: أكبر ما بخيلك اركبه، أنا أُواجهك، تفضّل، ماذا عندك؟ هاتِ، أنا خائفةٌ فعلًا منك، لكني سأقف أمامك بإذن الله.
المحاور: إذن هذه مهارة الهدوء.
الضيف: لا تجعل استجاباتك انفعاليةً سريعةً.
وفي هذه النقطة كلامٌ كثيرٌ، فيمكن أن نجلس فيها ثلاث جلساتٍ أو أربع مع المريض نُعلِّمه فقط كيف يتعلم؟ لأن هؤلاء المرضى يجدون صعوبةً كبيرةً في فهم هذا الكلام.
فمثلًا تقول له: هناك أناسٌ كثيرون يُواجهون مخاوف ولا يخافون. فيقول: أنا أستغرب، كيف يعيش هؤلاء؟!
المحاور: إذن قضية التعود على مهارات ضبط الانفعال وضبط الذات قضيةٌ مهمةٌ.
الضيف: خاصةً الخوف، وفي هذه النقطة كلامٌ كثيرٌ.
المحاور: أنتم تُعطونهم مهارات يا دكتور؟
الضيف: نُعلِّمهم هذا.
المحاور: وتُتابعونهم؟
الضيف: طبعًا، الجلسات أقل شيءٍ 20 جلسة، أو 15 جلسة كل أسبوعٍ، خمسٌ وأربعون دقيقةً.
وأضرب مثالًا -والأمثلة كثيرةٌ- من أجل أن تُبيِّن للمريض معنى أن يكون هناك شيءٌ مُزعجٌ، ومع ذلك أنت قادرٌ على التَّحمل، مثلًا: ذهبت إلى استراحةٍ، أو إلى البحر، أو إلى أي مكانٍ، وجلستم في النزهة، ثم فجأةً هذا (البوكلين) الدقاق والحفار الكبير للبلدية يحفر جنبكم، والأرض جبليَّةٌ، وضوضاء، وأنتم جالسون تتحدثون؛ هذا إزعاجٌ، صحيح؟
فماذا يحصل مع الوقت؟
تنسون هذا الدقاق، متى تنتبهون؟
عندما يتوقف، فما الذي حصل؟
الله أودع فينا مهارة القدرة على الانفصال عن المُزعجات، هذه المهارة عند مرضى الوسواس ضعيفةٌ، فيجلس طول الوقت في الاستراحة، أو في النزهة: الدقاق أزعجنا، ومتى يسكت هذا؟ وسكِّتوه، واذهبوا له، أقفلوه، أنا ما أعرف أن أتصرف، وكيف أعيش؟ وكيف أتحدث؟
المحاور: لم يستطع الانفصال.
الضيف: لم يستطع الانفصال عن هذا، مع أنها مهارةٌ طبيعيةٌ موجودةٌ، ولماذا الناس لا يأتيهم وسواسٌ؟
لأن عندهم مجموعةً من المهارات، منها: قُدرتهم على الانفصال عن هذه الفكرة الوسواسية، يعني مثلًا: مرضى الوسواس يعتقدون أن الناس الأصحاء لا تأتيهم أفكارٌ وسواسيةٌ، ولا يشكون أحيانًا أنهم اغتسلوا أو ما اغتسلوا، والأصحاء تأتيهم هذه الأفكار، فهذا طبيعيٌّ.
المحاور: أكيد.
الضيف: ويأتيهم وسواسٌ في العقيدة، أو حتى وساوس جنسية، فهذه أفكارٌ طبيعيةٌ، وطبيعة الحياة الإنسانية ورود هذه الوساوس.
المحاور: طبيعة النفس البشرية.
الضيف: طبيعة النفس البشرية، لكن نحن نتعامل مع الفكرة الوسواسية على أنها جاءت وذهبت وانتهى الأمر، لكن المريض يتعامل معها باعتبارها مهمةً جدًّا، ولا يستطيع أن ينفصل عنها، ويكون خائفًا ومُرتَبِكًا، وهي فكرةٌ عاديةٌ، فتكبُر وتكبُر.
ولذلك علينا أن نُركز على كيفية تعليمه هذه الجزئية خاصةً، وفيها كلامٌ كثيرٌ، ومن ضمن ذلك شيءٌ نُسميه: نزع الأهمية، فهناك فرقٌ بين فكرةٍ وسواسيةٍ، وفكرةٍ صادقةٍ صحيحةٍ.
وأضرب لهذا مثالًا للمرضى برائحة حريقٍ في المطبخ، مقارنةً بفكرةٍ وسواسيةٍ: أنتم جالسون في الصالة، وشممتم رائحة حريقٍ في المطبخ، فهل هذه فكرةٌ تستحق الاهتمام والذهاب للتأكد؟
المحاور: أنت الآن تُمارس معنا العلاج المعرفي السلوكي.
الضيف: هي تستحق الذهاب للمطبخ؛ لأنه احتمالٌ حقيقيٌّ، لكن فكرة أنك غسلتَ يدك أو ما غسلتَ، هذه أمامك، أنت تراها، فما تحتاج أن تتأكد، لكن مريض الوسواس ما يُفرِّق.
المحاور: ما يُفرِّق، جميلٌ.
الضيف: بالنسبة له رائحة حريق المطبخ لها نفس أهمية وقيمة وسواس أنه غسل يده أو ما غسلها.
المحاور: ولما تُورد هذا المثال لمرضاك هل فعلًا يقول لك أحدهم: إن هناك فرقًا؟
الضيف: مرضى الوسواس يحتاجون إلى رفقٍ شديدٍ جدًّا.
المحاور: قد يكون هذا متأخرًا قليلًا.
الضيف: رفقٌ شديدٌ، وليس رفقًا عاديًّا؛ لأنه كارهٌ لهذا المرض، ولا يدري مِن أين يبدأ؟ فإذا جاء في العيادة يجب أن يعرف أن نسبة النجاح ليست مئةً في المئة، يجب أن يعرف هذا المرضى، فنحن إلى الآن لا نستطيع علاج الوسواس مئةً في المئة، فهناك نسبة ثلاثين في المئة من المرضى لا يتحسنون، لكن هناك نسبةٌ كبيرةٌ جدًّا من المرضى يتحسنون.
المحاور: أنت تقصد التحسن أيًّا كان وضع هذا التحسن، أو تقصد أن ثلاثين بالمئة ما يتحسنون أبدًا؟
الضيف: أنا دائمًا أقول للمرضى: سيبقى جزءٌ من الوسواس لن يذهب منك، طبيعةٌ نفسيةٌ فيك، فقالت إحدى مريضاتي: لا، أنا أريد أن يكون الوسواس عندي صفرًا. فقلتُ لها: إذا كان الوسواس صفرًا فلن تكوني إنسانًا، الله تعالى يقول: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:5]، فالوسوسة جزءٌ من طبيعتنا، فيجب أن تعرفي أن من عشرين إلى ثلاثين في المئة من الأفكار التي تأتيكِ هي أفكارٌ عاديةٌ، لكن لأن ردَّة الفعل عنيفةٌ تحوَّلت إلى وسواسٍ.
المحاور: إذن أنت لا تقصد من الثلاثين بالمئة أنه لن يتحسن أبدًا، إنما هناك تحسنٌ، لكن سيبقى معه مستوى من الوسواس.
الضيف: سبعون بالمئة من المرضى يتحسنون بدرجاتٍ متفاوتةٍ، فبعضهم يتحسن تحسُّنًا كبيرًا جدًّا، وبعضهم يتحسن تحسُّنًا متوسطًا، وثلاثون في المئة لا يتحسنون.
المحاور: أبدًا؟
الضيف: أبدًا.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: هؤلاء الثلاثون في المئة يحتاجون إلى برامج علاجيةٍ خاصةٍ مُتقدمةٍ، وهذا -للأسف- شيءٌ غير موجودٍ عندنا، وأتمنى أن يتبرع أحد التجار بإنشاء هذه الفكرة، وهي فكرة ما يُسمّى بـ"المصحات"، والأحسن من المصحات "المنتجعات النفسية"، والمنتجع النفسي مُطبَّقٌ في كثيرٍ من دول العالم، وهو كأنه فندقٌ.
المحاور: حدائق.
الضيف: حدائق وأشياء كثيرةٌ، وقد أُنشئ أول منتجعٍ نفسيٍّ لعلاج الوسواس في بنسلفانيا بأمريكا قبل نحو ثلاثين عامًا، والحالات الصعبة تتحسن في هذا المنتجع في خلال ثلاثة أسابيع؛ لأن المريض يظل فيه أربعةً وعشرين ساعةً.
المحاور: يعني: هؤلاء يحتاجون إلى جرعةٍ قويةٍ.
الضيف: يحتاجون إلى جرعةٍ مُكثَّفةٍ، وبالمناسبة مرضى الوسواس الأفضل لهم الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج بالجلسات، هذا الأفضل، وليس دائمًا، ففي الغالب يُحبذا الجمع بين الدواء والجلسات؛ لأن الدواء يساعد على تخفيف التوتر والخوف، فالمريض يستطيع من خلاله أن ينطلق، ولا يستطيع أن ينطلق معك في الجلسات.
المحاور: يعني: الجانب الدوائي سيُساعد على هذا؟
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: جميلٌ، طيب، دكتورنا قبل أن نخرج إلى فاصلٍ إذا كان هناك شيءٌ مُتبقٍّ في القاعدة الثانية نذكره، حفظك الله.
الضيف: عندي مثال العباءة المشقوقة، أو الثوب المشقوق: امرأةٌ تمشي وجلبابها مشقوقٌ مثلًا، فقالت لها واحدةٌ: يا أختي، عباءتك أو جلبابك مشقوقٌ. فالتصرف الطبيعي أنها تلتفت وتتأكد، فلما التفتت ما وجدت شيئًا، فمشت قليلًا، فلحقتها هذه المرأةُ وقالت لها: يا أختي، عباءتك مشقوقةٌ. يعني: قالت لها ذلك مرةً ثانيةً، فهي تريد أن تتأكد، يمكن ما انتبهت، فتأكدت وما وجدت العباءة مشقوقةً، فهل ستُطيعها في المرة الثالثة؟ لا، لكن مريض الوسواس يُطيع الوسواس مليون مرة.
المحاور: نموذج العباءة مشقوقةٌ مستمرٌّ.
الضيف: في كل مرةٍ يقول له: العباءة مشقوقةٌ، يتأكد فيجد أن العباءة غير مشقوقةٍ، وهكذا.
المحاور: إذن هو سببٌ في شقِّ هذه العباءة.
الضيف: مع كثرة التأكد.
المحاور: نسأل الله أن يُعافيهم ويشفيهم، ويحفظنا وإياكم بحفظه.
الضيف: نقطةٌ أخيرةٌ.
المحاور: تفضل.
الضيف: من أجل أن نُنهي محور ردَّة الفعل: كيف تُناقِش الوسواس؟ أفضل طريقةٍ لمناقشة الوسواس: عدم مناقشته.
المحاور: أنت تتحدث عن الشخص أو عن المُعالج؟
الضيف: عن المريض، أفضل طريقةٍ لمناقشة الوسواس: عدم مناقشته، لا تُناقِشه، ولا تُجادِله بأدلةٍ علميةٍ، ولا تتفاوض معه، ولا تتحاور معه، ولا تُقدِّم أيَّ تنازلاتٍ، واعتبره كأنه غير موجودٍ.
المحاور: يعني: إغفاله وإهماله.
الضيف: اعتبر أنه شخصٌ أمامك، واجِه، شخصٌ أمامك يقول: أنتم فيكم، وأنتم فيكم، وأنتم فيكم، وأهلك، وأمك، وأبوك. وأنت جالسٌ تنظر إليه وهو يتكلم، فلا تُناقِش، ولا تُجادِل، ولا تُحضِر أدلةً، ولا تقرأ كتب الفقه، ولا تسأل المشايخ، ولا تبحث في (الإنترنت)، ولا تقرأ في (جوجل)، كل هذا لا قيمةَ له؛ لماذا؟
لأن الناس الطبيعيين لا يفعلون ذلك، ولا يبحثون هذا البحث المُضني المُتعِب عن إجاباتٍ لأشياء غير حقيقيةٍ.
إذن إحدى مشكلات مرضى الوسواس: ردَّة الفعل الأولى، فهو مباشرةً يسأل المشايخ: سلامٌ عليكم، أنا أتاني وسواسٌ ماذا أفعل؟
فالشيخ يقول له: يا ولدي، أنت صحيحٌ. جزاك الله خيرًا يا شيخ، فيشعر الشيخ أنه عالج المريض، والمريض يشعر أنه ارتاح، وينزل السماعة، وبعد خمس دقائق يذهب إلى شيخٍ ثانٍ.
فلا تسأل المشايخ، ولا تُناقِش، ولا تتصل، ولا تبحث، عبادتك صحيحةٌ.
المحاور: واتَّجه للمُختص.
الضيف: عبادتك صحيحةٌ.
المحاور: واتجه للمُختص.
الضيف: واتجه للمُختص.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل مع هذا الحديث الماتع، فكونوا معنا.
الفاصل:
قد وصل بي الحال إلى الغفلة عن الطاعة، والتكاسل في أدائها، وكأني لا أشتاق إلى جنةٍ، ولا أرهب نارًا، ولا أخشى أن يتخطفني الموت في أي لحظةٍ، ولا أدري ماذا أفعل؟
كانت هذه رسالةً من شابٍّ أُصيب بِضعف الإيمان نتيجة تكاسُله في طاعة ربه، وغفلته عنها، ورأى من نفسه كثرة الوقوع في المعاصي، والتدرج إلى معاصٍ جديدةٍ، والتهاون في أداء الصلوات، والتكاسل عن الطاعات، وقلة ذكر الله ودعائه، وعدم التأثر بآيات القرآن، وعدم ذكر الموت أو التأثر به.
كل هذه أعراضٌ لها أسبابٌ:
منها: التواجد في وسطٍ تكثُر فيه الغفلة، وارتكاب المعاصي، والتسويف وطول الأمل، وشدة التعلُّق بالدنيا، والغفلة عن الآخرة وحسابها، والإفراط في المُباحات، والإقلال من المُرفهات.
فمَن أراد النجاة والفلاح فلينفض عن نفسه غبار التكاسل والتهاون والتسويف، وليبتعد عن أهل الغفلة والسوء والهوى، وليلتزم طاعة ربه ومرضاته وذكره ودعائه، وليحرص على صُحبةٍ صالحةٍ تُذكره إذا نسي، وتُعينه عند الفتور والكسل، فإن الله تعالى يقول: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28].
المحاور: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع سعادة الدكتور خالد الجابر حول علاج الوسواس القهري في العبادات.
حياكم الله دكتور خالد.
الضيف: أهلًا بكم.
المحاور: الله يحفظك، أمتعتنا في القاعدتين: الأولى والثانية.
الضيف: حيَّاك الله.
المحاور: ونتمنى ألَّا تنتهي الحلقة إلَّا وقد أتممنا القواعد الأربع.
الضيف: بإذن الله.
المحاور: فماذا عن القاعدة الثالثة؟
الضيف: لكن انتبه، لا يأتيك وسواسٌ!
المحاور: الله يستر، هذا وسواس الوقت.
الضيف: وسواس البرامج (التليفزيونية).
المحاور: (التليفزيون) الله يستر، جزاك الله خيرًا.
مواجهة الوسواس
الضيف: القاعدة الثالثة: أحسن طريقةٍ للتعامل مع الوسواس: مُواجهة الوسواس، فواجه الوسواس، وعاكس سلوكيات الوسواس.
فهما قضيتان: واجه الوسواس، وعاكس سلوكيات الوسواس.
المحاور: هذه الرابعة، وهي: العلاج؟
الضيف: هذه الثالثة.
المحاور: كل هذا في الثالثة.
الضيف: يعني: غالب المرضى يقول لك: تجاهل الوسواس، لكن ما ينفع هذا، عادةً التجاهل و(التطنيش) ينفع في المستويات الخفيفة التي لم تصل إلى مرضٍ.
المحاور: عنده قدرةٌ على ذلك.
الضيف: يمكن للإنسان أن يتجاهلها، لكن إذا ارتفع الوسواس يجب أن تُغيِّر الاستراتيجية، فهي عبارةٌ عن معركةٍ أو حربٍ، يجب أن تُغيِّر الاستراتيجية.
المحاور: هل يمكن أن تُعطينا مثالًا في العبادات مع التطبيق لهذا؟
الضيف: بإذن الله.
إذن أول شيءٍ أن تُواجه الوسواس، وتتوقف عن الاستجابة، نحن مثلًا في الوضوء.
المحاور: لنأخذ مثالًا في الصلاة يا دكتور إذا كان ذلك ممكنًا.
الضيف: نبدأ بالوضوء؛ لأن الوضوء عادةً قبل الصلاة.
ففي الوضوء أولًا نضع قائمةً -كشفًا- بالسلوكيات الوسواسية التي يفعلها المريض، وهي كثيرةٌ جدًّا، وبعضها خفيٌّ.
فعندنا نوعان من أنواع السلوكيات الوسواسية:
سلوكياتٌ نُسميها: سلوكيات الاستجابة، وهي إعادة الوضوء والتكرار ... إلى آخره.
ونوعٌ آخر مهمٌّ جدًّا يعرفه المرضى، ونشرحه لهم بدقةٍ، اسمه: سلوكيات الأمان، أو الخُدَع، أو الحِيَل، وهي أن المريض يفعل أشياء حتى يمنع ورود الوسواس.
ومن ضمن الأمثلة: تحذيراتٌ وترتيباتٌ قبل الذهاب إلى دورة المياه، فيضع بالقائمة السلوكيات الوسواسية، وهذه السلوكيات الوسواسية نضعها في برنامجٍ، ونجلس مع المريض شهرين أو ثلاثةً.
القاعدة عندنا كالتالي: الوسواس جاءك بالتدريج؛ ولذلك فعلاجه يحتاج أيضًا إلى تدريجٍ، بمعنى: أننا نحتاج إلى فترةٍ زمنيةٍ كافيةٍ كي تتعلَّم أنت كيف تتخلص من هذه السلوكيات الوسواسية في الوضوء، أو في الصلاة، أو في الطهارة؟
فنضع له قائمة سلوكيات الاستجابة، وقائمة سلوكيات الأمان، ويُطبِّق المريض عندنا الوضوء في العيادة.
أنا عندي في العيادة المغسلة، ويتوضأ المريض أمامي، وأُصوِّر المريض (فيديو) بجوَّاله هو، وفي كل مرةٍ نُصوِّره (فيديو) بجواله، فهو يتعلم الطريقة الصحيحة للوضوء.
أنا أُسميه: الوضوء العفوي، أو الطريقة العفوية التي يعملها الناس الطبيعيون عادةً، ثم في كل مرةٍ نُتابِع معه، ونترقى خطوةً لأعلى.
وكثيرٌ من المرضى يقول: جربتُ المواجهة فلم تنفع، لماذا لا تنفع المواجهة؟
لأنك جرَّبتها وحدك، ولا يستطيع مريض الوسواس مواجهة الوسواس ومخالفة ومُعاكَسة السلوكيات الوسواسية إلَّا مع مُعالِجٍ، فلا يستطيع وحده؛ لأن المسألة فيها انتكاساتٌ وصعوبةٌ وطلوعٌ ونزولٌ.
المحاور: عفوًا دكتور، مثالك الذي ذكرته بالنسبة للوضوء أمامك، والتصوير، فأين المواجهة هنا؟ وأين المُعاكسة؟
الضيف: المواجهة أنه الآن جاء يتوضأ فقال له الوسواس: ما غسلتَ اليد. فهو يُواجِه ويُكْمِل، بحيث إنه لا يستجيب للوسواس، ولا يُعيد مرةً أخرى، هذه هي المواجهة، ولا يفعل سلوكيات الأمان، مثل: "أستغفر الله، لا إله إلَّا الله"، ويهزّ رأسه، ويضغط على يده أكثر من مرةٍ حتى يتأكد، وأحيانًا بعض المرضى عنده دفترٌ وهو يتوضأ يكتب: غسلتُ يدي.
المحاور: يا لطيف.
الضيف: غسلتُ وجهي.
المحاور: الحمد لله.
الضيف: نحن نُسميه: التقييد.
المحاور: مستوى كبيرٌ.
الضيف: يعني: هو جزءٌ من الوسواس: تقييدٌ كتابيٌّ، أو تقييدٌ صوتيٌّ، وبعضهم يُشَغِّل الجوال ويضعه على (الكاميرا) ويتوضأ، فإذا انتهى تأكد أن جميع الخطوات صحيحةٌ، هذه السلوكيات يتوقف عنها نهائيًّا.
المحاور: جميلٌ، أنتم تُصورون حتى تروا الفرق بين مرةٍ ومرةٍ؟
الضيف: التصوير في الجلسة له فوائد أخرى، من ضمنها: أن نعرف نحن إلى أي مستوى وصل؟ يعني مثلًا: إذا لم يستطع أن يتوضأ وضوءًا صحيحًا حتى في العيادة نعرف درجة الوسواس التي عنده، ثم يتوضأ وضوءًا صحيحًا، ونقول: هذا هو الوضوء الصحيح.
المحاور: فهو بحاجةٍ إلى مُعالجٍ لا محالة؟
الضيف: قطعًا.
المحاور: لا محالة.
الضيف: والتجربة بيَّنت هذا.
المحاور: وهذه قضيةٌ مهمةٌ.
الضيف: عندي تمرينٌ أُسميه: قاوِم لأقصى ما تستطيع، والمدارس في المواجهة كثيرةٌ جدًّا، لكن الطريقة التي أستعملها أنا أني أبدأ من فوق، وهناك ناسٌ يبدؤون من تحت، أنا أبدأ من فوق، بمعنى: أن نقول للمريض: الهدف عندك أن تتوضأ في دقيقتين.
المحاور: الذي هو المستوى العادي.
الضيف: الناس الطبيعيون يتوضؤون في دقيقتين، أنا أريدك أن تتوضأ في دقيقتين، فيقول: أنا ما أقدر، أنا ما أستطيع، أنا أتوضأ في نصف ساعةٍ. يا ابن الحلال، جرِّب في دقيقتين، والجلسة القادمة أخبرني ماذا حصل معك؟ واكتب لي.
وعندنا جدولٌ اسمه: جدول متابعة الوسواس، سبعة أيامٍ في خمسة فروضٍ، سبعةٌ في خمسةٍ.
ومن ضمن سلوكيات الأمان: أن يجمع الصلوات، بأن يتوضأ وضوءًا واحدًا يُصلي به الصلوات الخمس كلها.
أنا أقول له: لا، توضأ لكل صلاةٍ، ولا تجمع الصلوات. وبعض المرضى يترك الصلاة.
المحاور: هذا الذي كنتُ سأقوله.
الضيف: بعض المرضى يترك الصلاة، ويأتي ويقول: أنا تركتُ الصلاة، أنا كافرٌ!
يا أخي، الموضوع الفقهي هذا نُناقشه فيما بعد، أنت الآن مريضٌ، لا تترك الصلاة.
المحاور: يعني: يعتبر هذا الترك من قبيل الأمان له والراحة.
الضيف: لا، من التعب.
المحاور: قصدي: لأجل أن يرتاح.
الضيف: المريض يترك الصلاة وهو كارهٌ لذلك، ويأتي ويقول: أنا تعبتُ من الوسواس. ونحن نرفق به، ويقول: العلماء يقولون: مَن ترك الصلاةَ كفر. لا تنطبق عليه.
المحاور: لأنه خارج التغطية.
الضيف: لأنه خارج التغطية.
إذن شيءٌ اسمه: قاوِم لأقصى ما تستطيع، قم بتمرين الدقيقتين هذا، وأحيانًا أُحْضِر لهم طاسةً وأقول لأحدهم: ضع فيها ستمئةٍ وخمسين ملي من الماء؛ لأن هذا وضوء النبي . فيقول: أنا ما أقدر أن أتوضأ! فالطاسة فيها ستمئةٍ وخمسون ملي، توضأ فيها.
ولا يستطيع المريض النجاح من أول مرةٍ، لكن هذا هو هدفنا، نمشي معه أسبوعًا وراء أسبوعٍ وراء أسبوعٍ وراء أسبوعٍ؛ حتى يصل المريض إلى العلاج -بإذن الله- في خلال خمسة عشر أسبوعًا، أو عشرين أسبوعًا.
المحاور: ويُطبِّق وحده؟
الضيف: بالنسبة لدور الأسرة في مساعدة المريض على تطبيق التمارين هذه لها قصةٌ مختلفةٌ، يعني: أنا أُحْضِر الأسرة وأتأكد أنهم مناسبون؛ لأن بعض الأُسَر تضغط على المريض ... إلى آخره.
المحاور: واضحٌ.
الضيف: هذه القضية مختلفةٌ.
المحاور: واضحٌ جدًّا.
الضيف: هنا نقطةٌ مهمةٌ، وهي: أن المريض يجب أن يعرف أنه لما أقول له: توضأ في دقيقتين، سيرتفع الخوف عنده، فأنا أقول له: هذا خوفٌ علاجيٌّ.
المحاور: طبيعيٌّ ومطلوبٌ.
الضيف: هذا خوفٌ مطلوبٌ وعلاجيٌّ؛ لأن هذا الخوف الطبيعي هو الذي سيُحرِق الخوف من الوسواس.
المحاور: هذا البديل.
الضيف: هذا البديل، هذا الخوف نحن نُحضره لكي يُقاوم الخوف الوسواسي فيُحرِقه، وأنا أستخدم عباراتٍ لطيفةً للمرضى حتى يفهموا.
فهذا الخوف نحن نستجلبه، أنا أُحضر الخوف وأُواجه به الخوف الذي يُعطيني إياه الوسواس؛ حتى يذهب الخوف الذي يأتي من الوسواس، وهذا ليس سهلًا مع المرضى؛ ولذلك نحن ندرس كل أسبوعٍ.
المحاور: وتختلف حالةٌ عن حالةٍ.
الضيف: تختلف حالةٌ عن حالةٍ، ... إلى آخره.
المحاور: جميلٌ جدًّا.
أمثلةٌ للسلوكيات الوسواسية
الضيف: ندخل الآن سريعًا في أمثلة السلوكيات الوسواسية؛ لأنها مهمةٌ جدًّا، فمثلًا: يُخْرِج المريض الريح قبل الوضوء، وقبل أن يدخل الحمام؛ حتى لا يشغله خروج الريح أثناء الوضوء، فيضغط على بطنه، ... إلى آخره.
التردد والرهبة قبل الوضوء عند كثيرٍ من المرضى، ويُسمونها: الشبكة، يعني: لا بد أن تشبك، فهناك حاجةٌ، ينتظر شيئًا معينًا، ويشبك مع الوضوء، أو يدخل في جوِّ الوضوء، فيجلس مُترددًا، خائفًا، هذا يجب أن نتوقف عنه، وهذا عرفتُه من المرضى.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: هناك اشتراطاتٌ إضافيةٌ: النية ما حضرت، النية ما شبكت، النية ما دخلت.
المحاور: ينتظر أن تأتي.
الضيف: ينتظر لحظة فيضٍ إلهيٍّ.
المحاور: سبحان الله العظيم!
الضيف: سنتكلم في القاعدة الأخيرة -إن شاء الله- عن معنى النية، ... إلى آخره.
فالمريض بسبب الوسواس يقول: "بسم الله الرحمن"، يرفع الصوت، ويضغط على الحروف؛ حتى يتأكد أنه قالها.
هذه كلها أشياء خفيةٌ، وبدون معالجٍ لن تستطيع أن تكتشفها، فالمُعالج دوره أن يكتشف هذه الأشياء، ويُساعدك في التخلص منها.
وبالمناسبة: ترك سلوكيات الأمان أسهل من ترك الاستجابة، فهذا يُساعِد على هذا، فهي منظومةٌ مُتكاملةٌ.
ويقوم المريض بطريقةٍ مُعقدةٍ في غسل الأعضاء، مثلًا: يغسل العضو بقوةٍ جدًّا، ويضغط، ويُسمّونه: الدعك، ويأخذ بفتوى المالكية؛ فالمالكية عندهم الوضوء بالدعك، فيأخذ فتوى المالكية، وأن الدَّعك ضروريٌّ، وأنك يجب أن تدعك، ... إلى آخره.
وبالمناسبة: عندهم الاختيار الانتقائي للفتاوى.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: ويبحث عن الفتاوى التي تُناسِب دائرة الوسواس والشك الكثير وتغيير نظام اليوم، فلا يخرج إلَّا بعد العشاء؛ لأنه في أوقات الصلوات لا يستطيع أن يذهب، وكيف يُصلي أمام الناس؟ وكيف يتوضأ أمام الناس؟
لكن نحن نسأل عن برنامجه اليومي: ماذا تفعل؟ فنقول للمرأة مثلًا: اذهبي إلى السوق، أو إلى (المول) مثلًا، وتوضئِي في (المول)، وبالنسبة للرجل: اذهب وتوضأ في دورة المياه أمام الناس.
هذا كله برنامجٌ متكاملٌ، الهدف منه أن يعيش حياةً طبيعيةً، ويُواجه الوسواس من جميع الجهات، فبعض المرضى يرشّ الماء على الثوب، ويستدل بالحديث.
نقول: الحديث في مرحلة الوسواس الخفيف، لكن إذا وصل إلى الوسواس القهري يُصبح الرشّ سلوكَ أمانٍ.
بعض المرضى يُغير ملابسه، ويتوضأ بغير ملابسه، أو إذا أراد أن يستنجي يُغير ملابسه، وبعض المرضى يغتسل اغتسالًا كاملًا، وبعض المرضى يتجنب النجاسة، فلا يجلس على الكلام، يعني: قصة طويلة.
فنحن نأخذ هذه التفاصيل والسلوكيات الوسواسية كلها قائمةً، ونضعها أمام المريض، فهذه نتجنبها -إن شاء الله- خلال شهرين قادمين أو ثلاثة.
المحاور: وهي خطةٌ.
الضيف: أنا أُسميها: خطة عملٍ متكاملةً للمريض.
المحاور: إذن القوائم تختلف من شخصٍ لشخصٍ.
الضيف: طبعًا، والقائمة الأصلية كبيرةٌ جدًّا، وكل مريضٍ له قائمته الخاصة، ولو تكلمنا عن السلوكيات الوسواسية سنجدها كثيرةً.
المحاور: واضحٌ جدًّا يا دكتور.
الضيف: منها: الجدال مع الوسواس: لا، أنت قلتَ لي كذا، لا، أنا متأكدٌ أنِّي توضأتُ، لا، أنا متأكدٌ، والله العظيم توضأتُ، ... إلى آخره.
المحاور: بينه وبين نفسه؟
الضيف: بينه وبين نفسه، وأحيانًا يرفع صوته بالجوال، يستخدمون التقنية، وهذه فيها كلامٌ كثيرٌ، وسنختصر من أجل الوقت.
المحاور: يتبقى معنا تقريبًا عشر دقائق.
الضيف: طيب.
المحاور: إذا رأيت أن ننتقل للرابعة.
الضيف: طيب، قبل أن ننتقل هناك نقاطٌ أساسيةٌ في موضوع المواجهة، وما منع الاستجابة والسلوكيات الوسواسية؟ ولماذا يجب أن يكون هذا عند مُعالجٍ نفسيٍّ؟ لأن الانتكاسات كثيرةٌ، والخوف يرتفع، ويزيد عليه الوسواس، ولا يستطيع أن يُقاوم، فكيف يعرف؟ فهذه مهمةٌ، فيجب أن يعرف أننا نحن الذين جلبنا هذا الخوف.
المحاور: من مصلحتك.
الضيف: لأنه من مصلحته.
المحاور: أليس الجانب الدوائي الكيميائي يمكن أن يُساعد أيضًا في تخفيف هذه الحِدَّة التي تصفها يا دكتور في قضية الانتكاسات؟
الضيف: صحيحٌ، أنا أستطيع من خلال الأدوية والجلسات عادةً حين أُقَيِّم المريض إذا وجدتُ عنده مشكل الخوف عاليًا.
المحاور: أعطيته.
الضيف: أُعطيه أدويةً؛ حتى يرتاح قليلًا.
ندخل في القاعدة الرابعة.
المحاور: جميلٌ، حفظك الله.
تعديل الصفات النفسية الوسواسية
الضيف: القاعدة الرابعة: تعديل الصفات النفسية الوسواسية، بمعنى: لماذا يفعل المريض كل الذي ذكرناه في السابق؟
لأن لديه بعض الصفات الوسواسية، وهذه الصفات ليست كلها موجودةً عند كل الناس، تتفاوت، فالمرضى يتفاوتون؛ بعضهم عنده هذه، وبعضهم عنده هذه، لكن أبرز ثلاثة أمورٍ:
الأشياء المتعلقة بالإثم والخطأ، والاحتياط والمسؤولية.
الثانية: المتعلقة بالتأكد واليقين والتصديق والاقتناع.
الثالثة: بعضهم عنده قناعاتٌ غريبةٌ في موضوع النية: أن النية لا بد أن تأتي، كيف تجيء النية؟
فنبدأ بالإثم: ومع أنني لستُ مفتيًا، وأخاف من الإفتاء والقول على الله بغير علمٍ، لكني أقولها بثقةٍ مطلقةٍ جدًّا: لا إثمَ عليك.
وهذا الكلام ليس من عندي، بل من عند المشايخ، من النبي إلى يومنا هذا.
المحاور: اللهم صلِّ وسلم عليه، أحسنتَ.
الضيف: إلى يومنا الوسواس -بأنواعٍ متفاوتةٍ- موجودٌ عند الصحابة، وقد جاء ناسٌ من أصحاب النبي فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتُموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان[2]أخرجه مسلم برقم (132)..
المحاور: الله أكبر!
الضيف: يعني: لا إثمَ عليك، صلاتك صحيحةٌ.
المحاور: وفي الحديث: الحمد لله الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسة[3]أخرجه أبو داود برقم (5112)، وصححه الألباني..
الضيف: صلاتك صحيحةٌ، وإذا وُجِدَ مريضٌ عنده مع الوسواس مشكلةٌ في القولون؛ فيُخرِج الريح أحيانًا، سألتُ بعض المشايخ عن ذلك فقالوا: يُعامِل الجميع معاملةً وسواسيةً.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: حتى لو خرج منه فعلًا ريحٌ؛ لأننا لا نستطيع أن نُعالج الوسواس إلَّا إذا اعتبرنا الجزء الصحيح من خروج الريح وسواسيًّا، يعني: لا نستطيع أن نُميِّز، فنقول له: أنت الآن في مرحلةٍ علاجيةٍ، والمشقة ترفع الحرج وتجلب التيسير، فنحن في هذه المرحلة العلاجية نتعامل معها جميعها باعتبارها وسواسًا.
وبالمناسبة: أنا أقرأ في الفلسفة كثيرًا والثقافات والديانة الإسلامية، فوجدتُ أن الإسلام أحسن من بقية الديانات في التعامل مع الوسواس، فلو نُقارن مع النصارى سنجدهم متشددين أكثر من الإسلام، فالإسلام متساهلٌ جدًّا في الوسواس؛ فحين تستعرض فتاوى العلماء على مدار التاريخ تُلاحِظ شيئًا واضحًا: أن مريض الوسواس مُعفى من أشياء كثيرةٍ.
نعم، لا بد من الحرص على الاحتياط والتورع، لكن يجب أن تُفرِّق بين الحرص الجيد والحرص غير الجيد، ويجب أن تُفرِّق بين الاحتياط المفيد والاحتياط غير المفيد، فهؤلاء المرضى لا يعرفون.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: والله إني أجلس معهم في العيادة أحيانًا ساعةً كاملةً، أو جلسةً كاملةً.
المحاور: لأجل أن تُساعدهم على التمييز.
الضيف: فقط، يقول: أنا ما أعرف أن أُمَيِّز، ما أدري: هل هذا احتياطٌ أو عدم احتياطٍ؟
التأكد واليقين
المحاور: النقطة الثانية من موضوع القاعدة الرابعة: التأكد واليقين.
الضيف: نعم؛ ولذلك بعض المرضى عنده مشكلةٌ في الكمالية في التشدد، والاكتئاب يأتي مع الوسواس، وعندي مرضى مثلًا بعضهم يقول: بعدما غيرتُ من صفة الكمالية والتشدد اكتشفت الحياة بطعمٍ آخر مُختلفٍ، حتى كوب الشاي أصبحتُ أشربه بشكلٍ مختلفٍ عن السابق، وتعاملي مع الناس أصبح عفويًّا، وأجد نفسي (رائقًا) ومبسوطًا.
وهناك شيءٌ نُسميه: نزع المعنى والدلالة والفكرة الوسواسية. فجميع هذه الأفكار لا معنى لها، ولا دلالةَ لها: لا شرعًا، ولا عقلًا، ولا عُرْفًا، لكن أنت كموسوسٍ تعتقد أن الوسواس قال لي: أنت ما غسلتَ. لا يا حبيبي، هذا الكلام ما له معنًى.
المحاور: فالجانب المعرفي هنا ظهر بشكلٍ قويٍّ في هذه النقطة.
الضيف: صحيحٌ، في القناعة يكون هناك جزءٌ معرفيٌّ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
طيب، من أجل الوقت: المُوسوس لا يمكن أن يفعل ما يطلبه الوسواس منه من أفعالٍ سيئةٍ أو خطيرةٍ أو أخطاء.
فما يتعلق باليقين والتأكد: قاوم رغبتك في التأكد والتثبت، لا تتأكد.
وأنا أقول للمريض: إذا استطعتَ أن تخرج من البرنامج العلاجي بأنك توقفتَ عن التأكد والفحص و(التشييك) فأنت قد كسبتَ مكسبًا كبيرًا جدًّا.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: تُعدِّل هذه الصفة فيك.
المحاور: وجاء في الأثر: فليستعذ بالله ولينتهِ[4]أخرجه البخاري برقم (3276)، ومسلم برقم (134)..
الضيف: "ولينتهِ" هذا في الحديث؟
المحاور: أي نعم في الحديث.
الضيف: يتعوَّد أن ينتهي، ولا تتأكد، ولا تُعِد النظر مرةً أخرى، ولا تشكّ؛ لأن التأكد غير مطلوبٍ: لا شرعًا، ولا عقلًا، ولا عُرْفًا.
النية عند مرضى الوسواس
المحاور: النقطة الأخيرة التي حول النية، وما النية؟
الضيف: طيب، بقيت أشياء مثل: تُغير طريقتك في الاقتناع والتصديق، فلا تُصدِّق ... إلى آخره.
نأخذ الأشياء التفصيلية بسرعةٍ، فهناك أشياء مهمةٌ وغريبةٌ جدًّا، وموجودةٌ عندنا -المسلمين- فقط، وليس فيها أي أبحاثٍ، ونحن سننشر فيها -إن شاء الله- أبحاثًا.
فعند المرضى أشياء غريبةٌ في النية: لا بد أن تأتي النية، ويجب أن أكون مُركِّزًا، ولو مثلًا رأى أحدًا من أبنائه يتوضأ وكلَّمه، يقول: انقطعت النية! فيُعيد.
فنحن نشرح له ما النية؟ وهل هي شيءٌ خارجيٌّ يحضر؟ ... إلى آخره.
والتركيز أيضًا لاحظناه في المرضى، فيقول أحدهم: يجب أن أكون مُركِّزًا. فما التركيز؟ لا يوجد شيءٌ اسمه: تركيزٌ، وكذلك الكفر؛ فيعتقد أنه إذا لم يتنظف من البول بشكلٍ جيدٍ فصلاته غير مقبولةٍ، ويكون كافرًا.
المحاور: ما أشار إليه ابن القيم في الاسترسال مع الخواطر إلى الأفكار.
الضيف: صحيحٌ.
الأخيرة: الإثم
فعندهم مستوى عالٍ جدًّا من تأنيب الضمير، وتأنيب الضمير جيدٌ، لكن مستواه عالٍ جدًّا، يصل إلى مرحلة الجَلْد، وهذا غير مطلوبٍ: لا شرعًا، ولا عقلًا، ولا عُرْفًا.
أسأل الله تعالى الشفاء لمرضى المسلمين.
المحاور: آمين.
الضيف: وأعتذر، فنحن انتهينا لكننا ضغطنا المادة ضغطًا قويًّا، أسأل الله تعالى أن يشفي جميع مرضى المسلمين.
المحاور: آمين، الله يحفظك يا دكتور خالد، ونحن سعداء جدًّا جدًّا بك، وأنا أول المُستفيدين، وأسأل الله أن ينفع بعلمك ويُعينك، وأنت من أهل التَّحمل والصبر، وهنيئًا لك: أَحَبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس[5]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6026)، وأبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه" برقم (97)، و"قوام السنة" للأصبهاني كما في … Continue reading.
الضيف: جزاك الله خيرًا.
المحاور: إن الله لم يُنزل داءً إلا أنزل له شفاءً، علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله[6]أخرجه أحمد ط. الرسالة برقم (4236)، وقال مُحققو "المسند": "إسناده صحيحٌ"..
أشكر دكتورنا خالد، فقد حلَّقنا معه في القواعد الأربع، وأسأل الله أن يشفي كل مريضٍ، وأن يُعيننا وإياكم على التوعية في هذا الجانب، والانتباه له، والاستفادة من أهل الاختصاص في هذا الجانب، والإحالة إليهم.
لقاؤنا الأسبوع القادم بإذن الله، فكونوا معنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري برقم (5678). |
---|---|
↑2 | أخرجه مسلم برقم (132). |
↑3 | أخرجه أبو داود برقم (5112)، وصححه الألباني. |
↑4 | أخرجه البخاري برقم (3276)، ومسلم برقم (134). |
↑5 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6026)، وأبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه" برقم (97)، و"قوام السنة" للأصبهاني كما في "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/265) واللفظ له. |
↑6 | أخرجه أحمد ط. الرسالة برقم (4236)، وقال مُحققو "المسند": "إسناده صحيحٌ". |