المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في مشارق الأرض ومغاربها مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد العلمية".
حينما نتحدث عن الفتاة فنحن نتحدث عن البنت والأخت والزوجة والأم والجدة مُستقبلًا، نتحدث عن بُناة الأجيال وعمَّن يتخرج منها حقيقةً صُناع الحضارات.
أسأل الله أن يُبارك في حلقاتنا هذه، وهي حلقاتٌ عدةٌ ستكون بعنوان "تربية الفتاة"، وسنُحلق عبر هذه الحلقات -بإذن الواحد الأحد- حول التربية الإيمانية، والروحية، والعلمية، والفكرية، والثقافية، والأخلاقية، والاجتماعية للفتاة.
التربية الإيمانية للفتاة
حلقة اليوم ستكون -بإذن الواحد الأحد- مُختصةٌ بمجموعةٍ من المحاور المتعلقة بالمحور الأول وهو: التربية الإيمانية للفتاة، وسيُشاركنا مجموعةٌ من المستشارين والمستشارات، ومعنا -بإذن الله - الأستاذة أسماء الجراد -كاتبة وخبيرة تربوية-، ومعنا الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله المُقبل -الخبير والمستشار الأسري-، وكذلك معنا الأستاذة أريج الطباع، مستشارةٌ نفسيةٌ وأسريةٌ.
وفي هذه الحلقة سنُحلق حول مفهوم الفتاة، وأهميتها، وما يتعلق بقضية الفرق بين الفتاة والصبي، والفتاة التي نريد، ثم نُعرج على مراحل النمو، واحتياجات كل مرحلةٍ، والهوية الجنسية للفتاة، ثم نختم بما يتعلق بالمشاكل النَّسوية في الوقت المعاصر.
معنا على الهاتف الأستاذة أسماء الجراد، كاتبة وخبيرة تربوية.
مرحبًا بكم أستاذة أسماء.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: حيَّاكم الله أستاذة أسماء.
ماذا يعني مصطلح: تربية الفتاة؟
عندما نقول: "تربية الفتاة"، ماذا يعني لنا هذا المصطلح من حيث المفهوم والمراحل العمرية؟
تفضلوا.
المتصلة: في البداية نقول: إن التربية هي توفيقٌ من الله أولًا وآخرًا، ثم بذل السبب من الأهل، وبذل السبب يكون بالإعداد الكافي لإيجاد الإنسان المُتوازن الفعَّال والمُنتج في الحياة.
وعملية التربية تتكون من ثلاث درجاتٍ أو مراحل: عبارة عن مُدخلات، ثم عمليات، إلى المُخرجات.
المُدخلات تكون في الأسرة والبيئة الدينية من الجامعة أو السوق أو المهنة.
والعمليات تتكون من الحسِّ والفكر والعاطفة، وتحريك المشاعر، والضمير، وتعليم طرق التفكير السَّوي والسليم.
ثم تأتي مرحلة المُخرجات، أو النهاية، أو النتيجة التي نريد، وهي نتيجةٌ إما أن تكون قطعيةً أحيانًا، لا يمكن تغييرها، أو تكون أحيانًا نتيجةً مُتوازنةً -إن شاء الله- وسليمةً، فتوافر المُدخلات السليمة ودقّة العمليات وجودتها يضمن -إن شاء الله- قوةً وصلابةً في المُخرجات.
ولما يأتي الحديث عن هذه المُدخلات والعمليات في تربية الفتاة نهتم كثيرًا بخبرات الطفولة التي تتلقاها الفتاة، وتشكيل التصور وبناء الأفكار والمُعتقدات والاتجاهات، سواء نحو ذاتها، أو نحو العالم والبيئة المُحيطة.
ويكون أيضًا بتفاعل الوالدين وتدريبهما لهذه الفتاة، وتقمص دورهما الحقيقي، فكل شخصٍ يقوم بدوره الحقيقي في الحياة، وطريقتهما في التعامل مع هذه الفتاة، فتأتي مرحلة التكليف للفتاة، وهي مرحلة البلوغ.
ولا بد أن يتم العمل قبلها على تربية هذه الطفلة تربيةً سليمةً ومُتوازنةً؛ لنجني ثمرة الالتزام بكل خيرٍ، وتقبل دورها كأنثى، ويُمهد للاستعداد للخطبة، أو للمرحلة المُستقبلية، وتحمل مسؤولية الأسرة.
ويكون ذلك أيضًا برعاية الجانب العاطفي والعقلي من فهم الوالدين للمراحل النّمائية التي تمر بها الفتاة، وقفزات النمو بشكلٍ جيدٍ، وهذه مهمةٌ غائبةٌ عن كثيرٍ من الناس طبعًا، ولا يُدركون أبعادها حتى يقعوا في كثيرٍ من المشاكل، فيمكن أن يبدأوا بالبحث عن حلولٍ، وأحيانًا لا يتنبَّهون لهذا حتى تمرَّ الفتاة بفترةٍ عصيبةٍ لا تفهم فيها مَن هي؟ ومَن تكون؟ وماذا تريد في حياتها؟
المحاور: ما شاء الله! إذن نحن نتحدث أستاذة أسماء عن مشروعٍ حضاريٍّ تربويٍّ، وكثيرٌ من الأُسر أستاذة أسماء قد تتساهل جدًّا في مرحلة الطفولة عمومًا، ثم المراحل المُبكرة من المُراهقة، فتكون بعد ذلك المُنتجات والمُخرجات التي لا تتمناها الأُمة أو الأسرة من هذه الفتاة على حسب ما تقوم به الأسرة من أهدافها التي تريدها في تنشئة وتربية الفتاة.
إذن لا بد من الاهتمام بمرحلةٍ عمريةٍ مهمةٍ جدًّا، ينبغي العناية بها في الأسرة وغير الأسرة فيما يتعلق بقضية المرأة، أليس كذلك؟
المتصلة: بلى، فعلًا مراحل النمو عند الفتاة تمر بكثيرٍ من الإشكاليات المختلفة عن بناء الطفل، أو عن تربية الطفل الذكر؛ لأنَّ كثيرًا من المشاكل التي تمر بها الفتاة بعد البلوغ تشعر معها بعدم اتِّساقٍ بين طفولتها وشبابها، ما قبل البلوغ، وما بعد البلوغ، فيجب على الأهل الاهتمام والانتباه بشكلٍ أكبر لهذه المرحلة.
المحاور: الاهتمام والانتباه، يعني: عبارةً مهمةً جدًّا، والرعاية والتنشئة.
المتصلة: يُقال: إن تربية الفتاة تبدأ قبل ولادتها باختيار الأم الاختيار الجيد.
المحاور: بلا شكٍّ، وهذه هي وصية النبي ، ويا ليتنا نتنبه لهذه النقطة الأخيرة التي ذكرتها الأستاذة أسماء.
إذن من خلال كلامكم أستاذة أسماء نحن نتحدث -كما قلتُ- عن مشروعٍ مهمٍّ جدًّا يحتاج إلى اهتمامٍ فعلًا كما ذكرتم: مُدخلاتٌ تحتاج إلى عملياتٍ وآلياتٍ، وعندئذٍ نحن سنستبشر بتلكم المُخرجات الرائعة، وهي الفتاة التي نريد، بإذن الله .
إذن أنا أفهم أيضًا أن العنوان "تربية الفتاة" سنأخذه عبر حلقاتٍ تشمل مرحلة الطفولة والمُراهقة بالنسبة للبنت، أليس كذلك؟
المتصلة: بلى.
المحاور: طيب، إذن نحن -بإذن الله- ستكون لنا أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقات عنايةٌ بمرحلة الطفولة ومرحلة المُراهقة بالنسبة للمرأة والأُنثى، ولعل الله يُبارك في هذه الحلقات، ونحن في أول حلقةٍ بتوفيقٍ من الله وعونه.
شكرًا لكِ أستاذة أسماء، ولنا عودةٌ معكِ -بإذن الله -، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد.
استمعنا أيها الإخوة والأخوات إلى أهمية هذا الموضوع من حيث التعريف والمفهوم ابتداءً، وكذلك المرحلة العمرية، فدعونا أيضًا نُؤكد على أهمية التربية والعناية بها، وخاصةً ما يتعلق بهذا الجنس: المرأة، أو البنت، أو الفتاة، أو الأنثى في هذه المرحلة: الطفولة والمُراهقة من خلال أستاذنا الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله المقبل، الخبير والمستشار الأُسري.
مرحبًا بك أستاذ عبدالعزيز، ولعلنا نسمع منك -حفظك الله- ما يتعلق بهذه التربية، وأهميتها، وتأثيرها.
تفضل، بارك الله فيك.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حيَّاك الله أخي الكريم دكتور خالد، وأسأل الله لك التوفيق.
موضوعٌ رائعٌ جدًّا ومهمٌّ، ويجب علينا دائمًا أن نعزف على وَتَر مثل هذا الموضوع؛ بالنسبة لأهمية التربية وتأثيرها: فإذا كانت الأُسرة تُعدّ مصنعًا يتشكل فيه الأبناء، وتصنع سلوكهم، وتُشكِّل آراءهم إيجابًا أو سلبًا، فإننا بكل سهولةٍ نستطيع الحُكم على مستوى التربية من مستوى سلوك الأبناء: ذكورًا وإناثًا، خاصةً حين نُدرك أن التربية في الأصل هي خيطٌ مشدودٌ يبدأ منذ قدوم الطفل، ولا ينتظر حتى تبدأ المشكلات؛ لأننا إذا انتظرنا حتى تبدأ المشكلات سنُعاني منها مع أبنائنا، ونذهب لحلِّها، وتكون التربية حينئذٍ علاجًا لا مُبادرةً، وبالتالي يُصبح أثرها ضعيفًا.
كما أن للقدوة أثرًا عظيمًا جدًّا، وقد تختصر على رب الأسرة الكثير من المجهودات التربوية، لكن تكمن خطورة التربية في كون مَن تراه أو أراه أنا أو يراه أي أحدٍ في أي مؤسسةٍ يقدر أن تكون له مراجعةٌ فيها أو معاملةٌ: إما شخصًا حيويًّا، مُتحمسًا، ذا خلقٍ ومُبادرةٍ، مُبتسمًا، يستقبلك ويُؤدي عمله بصورةٍ رائعةٍ جدًّا، وإما شخصًا باردًا، مُتماوتًا، وربما ذا خلقٍ سيئٍ، مَن الذي صنع هذه القوالب السلوكية بهذا أو ذاك؟
كثيرٌ من المظاهر والسلوكيات السلبية التي نرى الفتيات يتشكلنَ فيها، سواء في المدارس، أو الأسواق، أو المناسبات، أظن أن الفتيات فيها بشكلٍ عامٍّ ضحايا الإهمال التربوي أو التربية السيئة.
أسأل الله أن يكتب لكم الأجر والتوفيق على طرح مثل هذه الموضوعات.
المحاور: آمين، كن معنا دكتورنا، وشكرًا لك على هذه اللفتة الطيبة، وهي: أن الذي نراه من عالم الفتيات في المدارس والأسواق والشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي ... إلى آخره، ما هو إلا منتج العناية والتربية الأسرية: سلبًا أو إيجابًا، وهذه مسؤوليةٌ نحملها بأنفسنا وجميع الآباء والأمهات في مشارق الأرض ومغاربها؛ فلننتبه لمثل هذا الأمر.
طيب، دكتور عبدالعزيز، لو لفتم النظر حول الفرق بين الصبي والفتاة: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران: 36].
نعم، تفضل، الله يحفظك.
المتصل: أما الفرق أخي الكريم بين تربية الصبي والفتاة: فالقواسم العامَّة للتربية بالتأكيد تشمل كلا الجنسين: الولد والفتاة، سواء من حيث الفرح بقدومه، أو من حيث حاجته للتربية والعناية به، وإشباع حاجاته النفسية، والإنفاق عليه، ولكن لأنَّ لكلٍّ من الجنسين وظيفةً حياتيةً مختلفةً تُكمل وظيفة الآخر جاء التوجيه النبوي مُؤكدًا على تربية البنت، وقد يكون لهذا التأكيد جملة دلالات، منها: إزاحة ما قد يعلق في الذهن من كون البنت تميل للهدوء، ويغلب عليها الانقماع، وأنَّها لا تحتاج للتربية مثل الطفل الولد الذي يبدو على سلوكه الحركة والانطلاق، وقد نقول: الشقاوة، إن صحَّ التعبير.
ومن ذلك أيضًا: كون وظيفة المرأة المُستقبلية مهمةٌ جدًّا، فهي تتولى تربية الأطفال في سنٍّ مهمةٍ جدًّا، ثم كون الأطفال في تلك السن يحتاجون جهدًا مُضاعفًا وتعبًا، فكانت التهيئة التربوية لهذا الدور مهمةٌ، كما أن المضامين التربوية تختلف من الولد عنها في البنت، وهو ما نجده مُضمنًا في أحاديث المصطفى .
المحاور: اللهم صلِّ وسلم عليه.
المتصل: فقد جاءت أحاديث كثيرةٌ، وحسب الأحاديث والروايات يمكن أن أذكر طرفًا منها.
المحاور: يا ليت.
المتصل: مثلًا: جاء في الأحاديث قوله : مَن كن له ثلاث بناتٍ، أو ثلاث أخواتٍ، أو بنتان، أو أختان، اتَّقى الله فيهن، وأحسن إليهن حتى يَبَنَّ أو يَمُتْن؛ كن له حجابًا من النار[1]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (23991)، وقال مُحققوه: "صحيحٌ لغيره".، يُحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما.
وتلاحظ هنا بجلاء التأكيد على الإحسان والرحمة والمُشاركة الوجدانية في حالتي الفرح والحزن والإنفاق، فمن خلال ذلك ستجد أن هذا التوجيه بجملته هو الذي يتَّسق ويتوافق مع حاجات الفتاة.
المحاور: جزاك الله خيرًا، أحسنتَ وأبدعتَ دكتور عبدالعزيز، وحلقتَ بنا بهذه التوجيهات النبوية التي نُدرك من خلالها الفرق بين تربية الفتاة وتربية الصبي، مع المُشْتَرَكات التي أشرتَ إليها، فشكرًا لك على هذا الجمع الرائع الطيب.
لعلنا نختم معك دكتور عبدالعزيز -حفظك الله-، إذن من وجهة نظرك: ما الفتاة التي نريد؟ وما المنتج التربوي بالنسبة لتربية الفتاة؟
تفضل، الله يحفظك.
المتصل: بالنسبة لموضوع الفتاة: إذا أردنا أن نُحدد ما الذي نريده من الفتاة؟ أو ما الفتاة النموذج التي نطمح إلى أن نصل إلى مستواها في بيوتنا وأُسرنا؟ فأرى أن الفتاة النموذجية تلك الفتاة التي تعرف بوضوحٍ هدفها الكبير في الحياة ورسالتها، ومن أين تستمد سلوكها؟ ومتى تقف؟ ومتى تتحرك تجاه الحياة والأحياء؟
أرى أن الفتاة التي يمكن أن تُمثل نموذجًا للتربية الناضجة هي تلك الفتاة التي تُمثلها الفتاة الأنصارية التي جاءت رسول الله ، لما جاء الرسول يخطبها لرجلٍ من أصحابه، وكان ذلك الرجل فيه دمامةٌ، فطلب أبوها من رسول الله أن يستشير أُمها، لكن الأم كطبع كثيرٍ من الأمهات وهي ترى الدَّمامة في ذلك الخاطب رفضت رفضًا كبيرًا وقالت: "لا لعمر الله، لا نُزوجه"، فلما أراد الأب أن يقوم ليأتي رسول الله فيُخبره بما قالت أمها، قالت الجارية: "مَن خطبني إليكم؟" فأخبرتها أمها، فقالت: "أتردون على رسول الله أمره؟! ادفعوني فإنَّه لم يُضيعني"[2]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (19784)، وقال محققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط مسلم"..
المحاور: الله أكبر!
المتصل: إنَّها تَتمثل قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، ولقد مات زوجها فيما بعد قبل أن يدخل بها، فكانت كما تصفها الكتب: "فما كان في الأنصار أَيِّمٌ أنفق منها"[3]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (19784)، وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط مسلم"..
الفتاة النموذجية تلك الفتاة التي تشدّ على يد والدها ألا يُطعمها إلَّا من كسبٍ حلالٍ وهو يخرج لطلب الرزق، وهي التي تشدّ على يد والدها أن يصبر على الحق ولو ناله الأذى، وهي تلك الفتاة التي تحتكم في كل شؤونها إلى الدين، وتُمارس شعائر دينها بكل حبٍّ -تسليم- ودون أي شعورٍ بالضيق والحرج، وهي تلك الفتاة التي تنطلق في الحياة بأهدافٍ تسعى لتحقيقها، مُستشعرةً أن وقتها أثمن من أن تضيع منه لحظةٌ، لكن انطلاقها في الحياة وتفاعلها فيها لا يُنسيها شأن الآخرة التي تُوقن أنها ستصير إليها.
إنها تلك الفتاة التي يدخل سلوكها الخُلُق العالي، والتعامل الراقي.
إنها تلك الفتاة التي لا تسمح لنفسها أن تسخر من أحدٍ، أو تهزأ بأحدٍ، أو تخدع أحدًا، أو تُمارس الغشَّ على أحدٍ.
إنها الفتاة التي تُدرك أنها لن تُؤدي فرائض دينها إلا بالعلم، وأن العلم يرفع صاحبه درجاتٍ.
إنها الفتاة التي وجدتْ طعم الإيمان، وانعكس على كل حياتها وسلوكها.
إنها الفتاة العالية الهمَّة التي تملأ وقتها بكل ما ترى أنه يُفيدها، أو يجعلها تُفيد غيرها، والتي تتوازن في جوانب حياتها بحيث لا يطغى جانبٌ على آخر، تُعنى بعقلها، وقلبها، وجسدها، وجمالها، ومشاعرها، ودراستها، وعلاقاتها، وأساليب تواصلها.
إنها الفتاة التي تعرف وظيفتها الحياتية، فتستعدّ لها، وتقوم بها، وتُدرِك أن قيامها بوظيفة الأمومة هو أكبر خدمةٍ تُقدِّمها لأمتها ووطنها.
إنها الفتاة التي تعتزّ بأُنوثتها، وتُدرك مكانتها.
أعتقد إلى حدٍّ كبيرٍ أنَّ مثل هذه المُحددات تُمثل النموذج الذي يُفترض أن نسعى إلى تحقيقه على أرض الواقع.
المحاور: ما شاء الله! تبارك الله! أحسنتَ يا دكتور عبدالعزيز، نعم، إنها والله المُحددات الرائعة التي ينبغي أن تكون مُستحضرةً، وهي مجالات نحن بأمس الحاجة إليها أيها الإخوة والأخوات أن نضعها ضمن أهدافنا التربوية مع أُسرنا، حقًّا إنها من أروع ما يكون.
نشكر الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله المقبل، كبير المُستشارين الأُسريين، وفَّقه الله لما يُحبه ويرضاه، ونشكره على هذه الإطلالة الرائعة.
ونسأل الله أن يُعيننا وإياكم أيها الإخوة والأخوات على أن نكون كعبدالله بن بُسر -وأنا أقول هذا الكلام حتى نُسلي أنفسنا- أتى النبي فقال: "يا رسول الله، لقد كثُرت عليَّ شرائع الإيمان، فدُلني على شيءٍ أتشبَّث به" يعني: هذا الرجل عنده استسلامٌ، ولا يريد أن يمحو التنازل عنه أمورًا معينةً، ويُسهِّل عليه أمورًا أخرى، وأن يجعل بعض هذه الأمور ليست مُلزمةً له، وما شابه ذلك، وإنما قال: "فدُلني على شيءٍ أتشبَّث به"، فقال النبي -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله تعالى[4]أخرجه ابن ماجه (3793)، والترمذي (3375)، وصححه الألباني..
أحبتي، نحن في حياة ابتلاء واختبار، ولا بد أن ننجح؛ لأنه كما جاء في الحديث: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[5]أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829).، فالأب راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته، والأم راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، وكما قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، وقال : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
إذن هذه القضايا نحتاج فيها إلى سندٍ، وما أعظم السند أن يكون من الله ! وأما الذي يكون بعيدًا عن الله سيشعر بثِقل هذه المُعطيات والمُحددات والأهداف والمنتجات التي تُلزِم بمُدخلاتٍ وعملياتٍ كما أشارت أيضًا الأستاذة أسماء.
فنحن بأمس الحاجة إلى هذه المنتجات، والمنتج التربوي الذي أشار إليه الدكتور عبدالعزيز المقبل، وفَّقه الله.
مراحل نمو الفتاة واحتياجات كل مرحلة
طيب، نعود إلى الأستاذة أسماء إن كان لها تعليقٌ على ما ذكر الدكتور عبدالعزيز، وتتحدث معنا في الدقائق القادمة حول مراحل النمو، واحتياجات كل مرحلةٍ فيما يتعلق بالفتاة، مع ما أشرنا إليه في قضية الطفولة والمُراهقة.
معنا أستاذة أسماء؟
المتصلة: نعم، معكم.
المحاور: تفضلوا، الله يحفظكم.
المتصلة: نقول: إن تربية الفتاة تحتاج فهمًا لطبيعة التغيرات الفسيولوجية والجسدية والحركية والاجتماعية والانفعالية لكل مرحلةٍ تمر بها بشكلٍ عامٍّ طبعًا، ونستوعب أيضًا المُهمات النَّمائية، ونُوفر الفرص والخبرات المناسبة بشكلٍ خاصٍّ في كل مرحلةٍ من المراحل العمرية للفتاة، ولدينا مرحلة الطفولة المُبكرة والمُتأخرة، وكثيرٌ من الفتيات تبلغ في هذه المرحلة -في مرحلة الطفولة المُتأخرة- في سنٍّ مبكرةٍ؛ في سن التاسعة أو العاشرة.
والبلوغ يُعتبر مرحلةً مهمةً في حياة الفتاة؛ لأنها ترى فيه انسلاخًا سريعًا من الطفولة الجميلة، فيبدأ جسدها يتغير بتغيراتٍ وتحولاتٍ مُفاجئةٍ وسريعةٍ غير مُتوقعةٍ، وطبعًا لا بد من وصول الفتاة للتوافقية الجسدية مع نفسها ومُحيطها وبيئتها؛ ولذلك تحتاج إلى كثيرٍ من الأمور في هذه المراحل، فتحتاج الفتاة للكثير من الحب والتَّقبل والاهتمام يفوق أضعاف حاجة الابن؛ نظرًا لطبيعة الفتاة النفسية والعاطفية.
ونقول ذلك لأننا نحتاج من الأبوين العناية بهذه الفتاة والاهتمام بها: بالسلام عليها واحتضانها عند الدخول للمنزل، أو عند دخولها، ويسألاها عن أحوالها واهتماماتها، ويُشاركاها شيئًا منها أيضًا، ويخرجان معها، ويُحبانها، ويُعرفانها على الأشياء، أو -مثلًا- الهدايا، ورسائل الحب القولية والفعلية.
وأن يمدحها الوالدان ويُشجعانها على أي تصرفٍ جميلٍ: على لباسها، ومظهرها، وأخلاقها، وحِشْمتها، ويُعلمانها كيفية التعامل مع الحياة والضغوط والأشخاص السيئين.
وعلاقة الوالدين ببعضهما أيضًا لا بد أن تكون جيدةً، كما يُقال: إن الأب إذا أراد أن يُقدم أفضل خدمةٍ لأولاده فعليه أن يُحب أمهم، فعلاقة الوالدين ببعضهما تُؤثر بشكلٍ كبيرٍ على علاقة البنت بنفسها ومع والديها، وأيضًا علاقتها لاحقًا بزوجها وأبنائها، وعلاقتها أيضًا مع الجنس الآخر، فكثيرٌ من الآباء -للأسف- يُهملون بناتهم في مرحلة الطفولة المُتأخرة، ويعتبرونهن لا يفهمن أو لا يَعِين الحياة بشكلٍ كاملٍ، مما يُؤثر لاحقًا على نظرة البنت في الحياة.
المحاور: لا شكَّ أستاذة أسماء أنَّ هذه عبارةٌ عن غفلةٍ وجهلٍ في نفس الوقت، فهذه مرحلة النُّضج العقلي والوجداني ... إلى آخره، نعم لم تكتمل بعد كما سيأتي في المراحل الأخرى، لكنها أيضًا مرَّت بمرحلة التمييز قبل البلوغ، فتستطيع أن تُميز، وتكون هناك مُحاكمةٌ عقليةٌ وتُميز بين الصواب والخطأ، وعندها قضية المشاعر والوجدان موجودةٌ من باب أولى، وما شابه ذلك، فعدم إدراك أنَّ الطفلة تفهم وتُدرك وتشعر هذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا، خاصةً -مثلما أشرتم- أن مرحلة الطفولة المُتأخرة غالبًا تبلغ فيها الفتاة؛ فلذلك العلم بهذا الشيء والانتباه له والتعامل معه بطريقةٍ سليمةٍ هو من الأمور والاحتياجات المهمة جدًّا التي ينبغي أن نتنبه لها في تربيتنا للفتاة، نعم، نُكْمِل.
المتصلة: وأيضًا تقديم الأهل لبرنامجٍ مُكثَّفٍ من الرفاهية والإغراق بالماديات وبالنِّعَم هم بهذا يُسيؤون إلى مستقبل بناتهم وأبنائهم حين يفعلون ذلك؛ لأن البنت تبدأ في رؤية الحياة من وجهة نظرٍ ماديةٍ، فتريد الحصول على كل شيءٍ بدون مقابلٍ وعملٍ واجتهادٍ؛ فيقتلون فيها حب العلم والعمل.
المحاور: أنت تُشيرين إلى قضية ما يُسمَّى: بالدلال والدلع والحماية الزائدة، وتلبية الاحتياجات المادية، وما شابه ذلك.
المتصلة: نعم، دون الالتفات للحاجات النفسية والعاطفية والفكرية، فلا بد أن تُغرس في الفتاة محبة الله ومُراقبته بالحياء والحِشْمة والسَّتر من عمرٍ مبكرٍ، ولا ننتظر لمرحلة البلوغ فنُفاجئها بأنها لا بد أن تضع الحجاب، وتُصبح هناك مشكلةٌ بينها وبين الحجاب، أو بينها وبين الدين، وهناك كتابٌ مُميزٌ بعنوان: "فتاة الضباب"، أنصح به كل فتاةٍ.
المحاور: مرةً أُخرى عنوان الكتاب؟
المتصلة: "فتاة الضباب"، وهذا الكتاب رائعٌ جدًّا، ويُناقِش كيفية توصيل المعلومات لهؤلاء الفتيات، ومُناقشة بعض المشاكل التي تعرضها النَّسوية وغيرها في الدين، ويُحاولن تشويه بعض المفاهيم الدينية في نفوس البنات.
فلا بُد أن تُخصص الأم -والوالدان عمومًا- وقتًا لسماع الفتاة؛ للاهتمام بها بالتواصل العاطفي بينها وبين الأم؛ لأنَّ النمو الجسدي الجسمي لا بُد أن يُصاحِبه النمو العقلي، وتحمل المسؤولية، والقدرة على الاختيار، وتحقيق الاستقلال النفسي والاستعداد للزواج.
هذا كله يتشكل في مراحل نمو الفتاة منذ طفولتها وحتى بلوغها، وحتى وصولها إلى عمرٍ مُناسبٍ للزواج.
المحاور: بارك الله فيكِ أستاذة أسماء، ولعلكِ تبقين معنا قبل أن نخرج لفاصلٍ ونعود إليكم -بإذن الله - لنُكمِل ما يتعلق بمراحل النمو واحتياجاته إن بقي شيءٌ من ذلك، وندخل في نهاية كلامكم عن قضية الهوية الجنسية للأنثى، وكيف نحميها؟
لا شك أن ما ذُكِر أيها الإخوة والأخوات فيما يتعلق بهذه المراحل وإدراكها مهمٌّ جدًّا، خاصةً ما أشارت إليه الأستاذة الكريمة؛ لوجود البلوغ المُبكر، فلا شك أننا بأمس الحاجة إلى التعلم وأخذ النفس بالعزيمة والإرادة القوية والتَّشاور بين الزوج وزوجته فيما يتعلق بتربية الفتيات؛ حتى تَشُبَّ الفتيات صالحاتٍ أعزَّةً في المستقبل.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل، فكونوا معنا.
الفاصل:
كلكم راعٍ
كلماتٌ قصيرةٌ تحمل بين طيَّاتها تنبيهًا وتحذيرًا خطيرًا، وتُوجه حواسنا ومداركنا إلى دورنا الحقيقي الذي سنُحاسَب عليه: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[6]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829)..
فمن أهم أدوارنا الجديرة باهتمامنا في هذه الحياة: التركيز على مسؤوليتنا تجاه رعيتنا، فالآباء والأمهات لهم الأثر الأعظم بعد الله في مستقبل الأبناء والأجيال؛ لذلك خصَّهم النبي بالذكر فقال: والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها، ومسؤولةٌ عن رعيتها[7]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829)..
إن الأبناء زهرة الحياة، وقُرة أعين الآباء والأمهات، وبصلاحهم ودعائهم تُرفع الدرجات في الآخرة، ولكن يجب أن نُدرك أن ذلك مرهونٌ بحُسن تربيتهم، وصلاح نشأتهم.
فهنا كان لزامًا علينا البحث عن أبرع الطرق وأفضل الأساليب في التربية والتوجيه؛ ليكون أبناؤنا في قابل الأيام مصدر بِرٍّ وسعادةٍ لنا، وسواعد خيرٍ وبناءٍ للمجتمع والإنسانية.
حماية الهوية الجنسية للفتاة
المحاور: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع تربية الطفل في حلقتنا الأولى، ومع الأستاذة أسماء.
أستاذة أسماء -حفظكم الله- كنتم قد تحدثتم عن المراحل المتعلقة بنمو الفتاة، وذكرتم معانٍ مهمةً جدًّا تحتاج الأسرة أن تتنبه لها، فإذا بقي عندكم شيءٌ فيما يتعلق بهذا الموضوع، ثم الكلام حول حماية الهوية الجنسية بالنسبة للفتاة.
المتصلة: نتحدث عن حماية الهوية الجنسية للفتاة، ونُعرفها في البداية بأنها: إدراك الشخص لذاته أو لهُويته كذكرٍ أو أنثى، وهو أمرٌ مُكْتَسَبٌ طبعًا من البيئة المُحيطة، ويعتمد على طريقة التربية وتعليم الطفل في مراحل مُبكرةٍ من عمره، فالطفلة تكتسب الهُوية الأنثوية طبعًا من الأم، والطفل يكتسب الهُوية الذكورية من الأب، فلا بد أن يكون هناك تواصلٌ مع كلا الوالدين حتى يُصبح الجنس البيولوجي مُتوافقًا مع الهوية، هذا هو الطبيعي والفطري، والذي نسعى لغرسه في الأبناء.
وهذا يعتمد طبعًا على الآباء والأمهات، وكيف يُساعدون أبناءهم على اكتساب هذه الهوية؟
ويكون أيضًا بقيام الوالدين بدورهما الطبيعي في الأسرة تجاه الطفل والطفلة، فالطفلة في السنوات الأولى تحتاج إلى تقليد والدتها، وإلى رؤية كيف يتصرف الأب؟ وكيف يتعامل مع والدتها؟ فإذا لم يتفاعل الأب معها ويغمرها بالحب والحنان، ويُعطيها الوقت الكافي، ويحاول أن يجعل الصورة واضحةً عندها كذكرٍ، فتتماهى مع الأم، وتذوب شخصيتها في شخصية الأم، ولا تستطيع أن تتعامل لاحقًا مع أي شخصٍ، أو أحيانًا تتقمَّص دوره وتُصبح مُسترجلةً، وهذا ناتجٌ عن فشلٍ تربويٍّ مع الأسف تقوم به الأُسر.
المحاور: عفوًا أستاذة أسماء، الفشل التربوي في ماذا بالضبط؟
يعني: متى تصل الفتاة لهذا المستوى من الانحراف في وضع الهوية الأُنثوية الجنسية لها بحيث تُصبح مُشابهةً للذكر؟ ومتى تأتي هذه القضية؟
المتصلة: تأتي من عدم محبة الفتاة من البداية، أو عدم غرس محبة الأنثى لذاتها من الطفولة، وإحساسها بأنها أقلّ من الذكر، أو إحساسها بعدم العدل بين الأبناء؛ بين الذكور والإناث، وأيضًا عدم تعويدها على الأنوثة وخفض الصوت والحياء ولبس -مثلًا- الحُلي والإكسسوارات في المرحلة العمرية المُبكرة، والقمع أو مُصادرة الحريات، وعدم احترام رأيها، وعدم احترام مكانتها وكيانها، وازدراء المرأة في المنزل، أو العلاقة السيئة بين الوالدين، والعفو عن الشاب في كثيرٍ من المشاكل أو الأخطاء التي يرتكبها دون عقابٍ، ومُحاسبة الفتاة بشكلٍ صارمٍ، وعدم تقبُّل لعب الطفلة بالألعاب الحركية.
المحاور: إذن اتَّقوا الله، واعدلوا في أولادكم كما قال النبي [8]أخرجه مسلم (1623)..
المتصلة: نعم، وكذلك عدم الفصل بين الجنسين في المرحلة العمرية بعد سنِّ العاشرة أو بعد سنِّ البلوغ يجعل الفتاة تتقمَّص دور الذكر ودور الشاب المفقود أحيانًا في حياتها: كأبٍ، أو أخٍ، أو ابنٍ أحيانًا؛ فتبدأ تتصرف وتعمل أعمال الرجال حتى تذهب هُويتها، وتُصبح مُسترجلةً.
وأحيانًا بكثرة الحديث عن الفتاة بأن -مثلًا- هذه البنت (بوية) أو غير ذلك من المصطلحات التي نسمعها من بعض الأمهات تجاه البنات؛ يجعل الفتاة تتقمص هذا الدور بشدةٍ، وتُخالف طبيعتها، وتجعل حياتها وأفكارها مُشوشةً أحيانًا.
المحاور: عفوًا على المقاطعة، ذكرتم قضيةً مهمةً جدًّا وهي: المُحافظة على جنس المخلوق كما قال الله : وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36]، ومَن يريد أن يجعل الذكر مثل الأنثى يُناقض أمر الله ، ويُناقض الفطرة والواقع، والذين يُنادون بالمُساواة لا يمكن أن يصلوا لمستوى المساواة؛ ولذلك هناك فرقٌ بين ادعاء المساواة وبين المُطالبة بالعدل، فالعدل هو المطلوب، والمُساواة خطيرةٌ وشائكةٌ، وقد تظهر هذه القضية معنا في قضية النَّسوية.
وأنا أذكر -أستاذة أسماء- في بعض البرامج النَّسوية أو النسائية في إحدى الجامعات أقاموا برنامجًا -وكنت أستغرب من هذا البرنامج- بعنوان: "إنكِ فتاةٌ"، ولما بحثتُ وسألتُ: لماذا هذا العنوان، وهو في بيئة الفتيات والطالبات مثلًا في الجامعة؟! تَبيَّن أنه يُراد به تحقيق وتأكيد هذه الهوية؛ لمَّا لاحظوا بعض المظاهر المتعلقة بما أشرتم إليه بخصوص المُسترجلات، وما شابه ذلك.
وهذا أيضًا يُؤكد على أن الحاجة كبيرةٌ، خاصةً مع خطورتها في المستقبل، فحينما نفقد هذا الجانب التوجيهي والتربوي في وقتٍ مبكرٍ من عمر الفتاة ربما سنندم، ولات حين مندم.
نعم، إذا بقي شيءٌ أيتها الأستاذة الكريمة؟
تقبل الدور الجنسي للفتاة
المتصلة: نقول أيضًا: تقبل الدور الجنسي كأُنثى واحدةٌ من المهمات النَّمائية في سنِّ المُراهقة التي تُساهم في اكتسابها المهارات الخاصة.
المحاور: تقصدين أستاذة أسماء أن تكون المهنة مناسبةً للفتاة؟
المتصلة: المهن، وأيضًا التَّصرفات المناسبة كأنثى، يعني: لما ترى النماذج التي حولها بالتعزيز -سواء بالاشتراطات المختلفة- نعمل على تنمية هذا الحس الذاتي من الطفولة بفهم واستيعاب هذه الفتاة، فنتركها تلعب وتتكلم وتُلازم أُمها، وتستقبل معها الضيوف، وتُراقِب كيف تصنع الطعام؟ وكيف تُحدِّث الأخوات؟ وكيف تُساعد الأم، وتهتم بالطفل الصغير، وتقوم بالمهام المنزلية؟
هذه الخبرات تجعلها تلعب دورها كابنةٍ، وفتاةٍ، وأختٍ، وزوجةٍ، وتعرف السلوك الاجتماعي المعياري المقبول، والذي تقوم عليه المسؤولية الاجتماعية.
وتقبلها لنفسها أيضًا يجعلها تتقبل الآخرين من حولها، وتستطيع التعامل معهم بشكلٍ جيدٍ وسليمٍ، وتحمي حدودها، وتُنمِّي الاستقلال المعرفي، وتتعلم مهارة حلِّ المشكلات، وتتعلم كيف تُفكر؟ وكيف تَنْقُد؟ وكيف تُبْدِع؟
المحاور: إذن تجد هذه الفتاة ذاتها حقيقةً بشكلٍ صحيحٍ، وتستطيع أن تُدرِك مَن هي فعلًا، وهي تحمل القدرات والطاقة والمجالات المختلفة، وتبقى أنثى وفتاة، وقادرة على أن تلتزم بأوامر الله وأوامر النبي ، وأنْ تسلك في حياتها كأنثى، مع ما يُحبه الله ويرضاه، هل الأمر كذلك؟
المتصلة: نعم، وعندما تُصبح رؤية تربية الفتاة تربيةً للحياة لتُصبح فاعلةً ومُؤثرةً وذات إمكانياتٍ ومواهب، وتتمتع بصحةٍ نفسيةٍ سويةٍ؛ تكون الفتاة هي صمام أمان المجتمع، ومرجع نهضته مستقبلًا، وهذا طبعًا لا يتحقق إلا بالعمل الدَّؤوب، وبناء الوعي، وفهم طبيعة الفتاة، وفهم التغيرات التي تحصل معها في كل مرحلةٍ، والاهتمام بها والمُشاركة كما أسلفنا بالتَّقبل، وتنمية المهارات والمواهب التي تكون عليها هذه الفتاة.
المحاور: شكرًا لكم أستاذة أسماء على هذه الإطلالة المهمة جدًّا فيما يتعلق بهذه المرحلة العمرية من حيث الخصائص والهوية.
نشكركم شكرًا جزيلًا، ونسأل الله أن يُبارك فيما ذكرتم، وشكرنا موصولٌ لكم لتنسيق هذه الحلقات، ونسأل الله أن يزيدكم علمًا وإيمانًا وتوفيقًا ويقينًا، وإذا كان لديكم شيءٌ في نهاية هذه المُداخلة؟
المتصلة: نقول للأهالي: اصنعوا لأبنائكم وبناتكم عالمًا يستغنون به عن الناس حينما يكبرون، فالسلاح الحقيقي ليس هو الدراسة والتلقين والشهادة، ولكن السلاح الحقيقي هو بناءٌ معرفيٌّ وتدريبٌ حقيقيٌّ على حبِّ الدين والقراءة ومسؤوليات الحياة منذ الطفولة.
المحاور: شكرًا أستاذة أسماء.
كانت معنا الأستاذة أسماء الجراد، الكاتبة والخبيرة التربوية، نشكرها على ما قدمتْ.
ونسأل الله أن يُوفقنا وإياكم للقيام بهذا الدور المطلوب المنوط بكل أبٍ وأُمٍّ، ونسأل الله العون والتوفيق، وأن يُصلح لنا ولكم النيات والذُّريات، اللهم آمين.
مشاكل النَّسوية في وقتنا المعاصر
معنا في نهاية الحلقة الأستاذة أريج الطباع، المستشارة النفسية والأُسرية، ولعلكِ أستاذة أريج -بإذن الله - تختمين لنا هذه الحلقة حول ما يتعلق بقضية مشاكل النَّسوية في وقتنا المعاصر.
فمرحبًا وأهلًا وسهلًا، تفضلي أستاذة أريج.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله، حيَّاكم الله جميعًا، ويُسعدني المُشاركة معكم في لقاء اليوم.
المحاور: حيَّاكم الله.
المتصلة: موضوع تربية الفتاة موضوعٌ يستحق الكثير من الوقفات، فالتربية الآن لم تَعُد تقتصر على التربية الوالدية كما كانت سابقًا، بل أصبحت المُؤثرات حولنا في التربية كثيرةً جدًّا، حتى تكاد آثارها تمتد لتتأثر بآثار الثقافة العالمية، وهذا تحدٍّ كبيرٌ لنا كأهالي أو كمُربين.
وموضوع النَّسوية من الموضوعات التي ازداد طرحها مُؤخرًا، وهي تُشكل خطرًا على فتياتنا، فنحتاج أن نَعِي خطر هذه الدعوى وسبب نشأتها؛ كي نعرف كيف نحمي فتياتنا منها؟
النَّسوية أتت كردَّة فعلٍ لواقعٍ يختلف تمامًا عن واقعنا، لكن انتشارها وتأثيرها على مجتمعاتنا بات واضحًا، وأيضًا توجد الكثير من الأسباب التي لنا دورٌ فيها، ويجب علينا الاعتراف بنقاط الضعف التي كانت لدينا في التربية القديمة؛ لنحاول أن نتداركها الآن، ونُركِّز على نقاط القوة في التربية؛ لنتلافى هذه الأخطاء مُجددًا.
وأنا أعمل مُعالجةً نفسيةً واستشاريةً، وأقوم بالعديد من الدورات، وتُقابلني الكثير من الفتيات اللاتي تأثرنَ بالفكر السائد حاليًّا، ومن أكثر أسباب التأثر -طبعًا إضافةً للتربية بوسائل التواصل المُنتشرة-: انتشار الأفكار العالمية عليها، فالآن مع عصر العولمة لم يعد هناك تأثيرٌ مجتمعيٌّ فقط، فقد أصبح تأثير المجتمع أعمَّ وأشمل بكثيرٍ، لكن أيضًا توجد ردَّات فعلٍ كثيرةٌ من سلوكياتٍ خاطئةٍ عانت منها الفتاة سابقًا.
ومُعاناة الفتاة من الظلم أو من رؤيتها لظلم الرجل لها تجعلها تلجأ أحيانًا كثيرةً إلى الأفكار الغربية؛ لتُخرجها من واقعٍ تحسبه مُرتبطًا بثقافتها!
ومن الأخطاء أيضًا: أن الكثير من العادات والأفكار الجاهلية المُنتشرة نُسِبَت إلى الدين، وهي ليست منه، فالإسلام أعزَّ المرأة وأكرمها وحفظ لها حقوقها، والعلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة تفاضلٍ، بل هي علاقة تكاملٍ، وليست علاقة مُساواة بالتأكيد، لكن المرأة لديها نقاط قوةٍ، والرجل لديه نقاط قوةٍ، وكلاهما يحتاج للآخر؛ ولذلك نلاحظ في حياة الرسول أن هناك الكثير من النساء اللاتي وقفن معه، مثل: زوجته خديجة رضي الله عنها، والسيدة عائشة، وكيف روت عنه الكثير من الأحاديث؟ وكانت عالمةً، وشُهِدَ لها بذلك من الصحابة، وبناته ومحبته لهن، وآثارهن أيضًا فيمَن حولهن، فالكثير من النساء ورد ذكرهن في عصر الرسول وبعده.
وأيضًا حينما نرى في القرآن نجد سورةً كاملةً أُفْرِدَت باسم المرأة، وهي سورة مريم، وحينما ولدتها أُمها قالت: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36]، لكن التعويض كان بعد ذلك حينما وهبتها لله.
وكانت الرسالة التي وصلتنا: أن مريم كانت أُم نبيٍّ، وهي التي واجهت قومها حين اتَّهموها بأعزِّ ما تملك، وهو عِرضها، لكنها وقفت بقوةٍ، واستطاعت أن تكون أُمًّا لعيسى ، وأيضًا ذكرها كان مُميزًا بذلك.
فنُلاحِظ أن تكريم المرأة ودورها كان واضحًا، وحقوقها كذلك، لكن الخطورة تكمن في أننا بِتْنا بموضع المُدافِع، فما عُدنا نرى كيف عزز الإسلام المرأة؟ بل صِرنا ننسب السلوكيات الخاطئة من بعض الناس لثقافتنا، وهذا خطأٌ كبيرٌ.
فنحتاج نحن كتربية والدية أو كتربية مُجتمعية وكمُربين أن ننتبه لهذه النُّقطة، فحينما نُربي الفتاة نُشعرها بتميزها ونقاط قوتها كأُنثى، وبنفس الوقت نُوضح لها دورها الذي أعزَّها الله به.
وبالنسبة للفكر النَّسوي هو فكرٌ خطيرٌ جدًّا بدأ ينتشر ويدخل إلينا، وقد كان ردَّة فعلٍ لظلم المرأة، فكانت هناك الكثير من الدعاوى الخبيثة التي دخلت ضمنه: كالدعوى لسفور المرأة من خلاله، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحقيقة أن المُساواة ليست حُلمًا للمرأة أبدًا، المرأة تحتاج إلى رجلٍ يحميها ويقوم على شؤونها، وتحتاج إلى قوةٍ وسندٍ، وإلى مَن تثق به من الرجال؛ لكي تشعر بالأمان أكثر، والرجل يحتاج إلى دِفْء المرأة وعاطفتها وقوتها معه في الحق، فكلاهما يحتاج الآخر، لكنْ لكلٍّ منهما دوره.
ونلاحظ في النَّسوية أنها ألغيت الفوارق بين الجنسين، وكذلك بدأت الدعوى إلى أن المرأة لا تحتاج للرجل، وكأنَّ العلاقة بين المرأة والرجل علاقة عداوةٍ، والحقيقة أنها ليست كذلك.
ومما يُؤسفني أنَّ النَّسوية بدأت تأخذ طابع الأسلمة، وهذا خطيرٌ جدًّا؛ لأن النظرة للعلاقة بين الجنسين أصبحت نظرةً مُشوهةً، فعلاقة الجنسين ليست علاقة عداءٍ، بل هي علاقة تكاملٍ وودٍّ، فيحتاج كلانا للآخر؛ لنستطيع القيام بواجبنا تجاه المجتمع.
كيف نُربي الفتاة على ذلك؟
نُربيها منذ الطفولة بألَّا نزرع العداوة بين الفتى والفتاة من خلال التفرقة بالتعامل، أو من خلال إشعار الفتاة بالظلم تجاه الذكر، أو من خلال عدم الوضوح باختلاف الأدوار بينهما، فنحتاج للحوار والتربية بالمحبة الحنونة، ونحتاج كذلك إلى أن نكون مع أبنائنا فيما يُشاهدونه حولهم من تأثيراتٍ خارجيةٍ، نسمعهم ونستمع لمشاكلهم، ونُحاول أن نُحاورهم لنفهم ما النقاط التي استطاعوا التأثير عليهم بها؛ لنستطيع أن نُعالِج هذه الثَّغرات.
المحاور: مهمٌّ جدًّا.
المتصلة: وسنجد أن كل ذلك موجودٌ في تراثنا الإسلامي، ولو عُدنا له عودةً صحيحةً سنجد الكثير، والحمد لله الآن هناك كتبٌ في المكتبات ردَّت على هذه الأفكار، وهي تُساعد المُربين الذين يتناولونها، المهم أن تكون العلاقة علاقة ثقةٍ ومحبةٍ ومبنيةً على التفاهم، وليست علاقة قمعٍ، أو إجبارٍ، أو إطلاق أحكامٍ على الجيل الجديد من حيث تأثره بهذه الثقافة.
فأنا أثق أن الفتيات اليوم لديهن من الذكاء والفطنة ما يُعيننا على مُساعدتهن في فهم حقيقة المخاطر التي تُحيط بنا من الثقافات الغربية.
وأنا أثق بالمُربين حاليًّا، وأثق بفتياتنا، وأثق بقُدرتنا على تربية الفتاة المُتميزة التي يكون لها أثرها وبصمتها، ليس على أُسرتها فحسب، بل على المجتمع بأسره، ولكنْ ذلك يكون من خلال المنهج الإسلامي الصحيح، وثقتها بنفسها وبتميزها، وبما تملكه من نقاط قوةٍ، وأيضًا من خلال احترامها للرجل وللعلاقة بينهما، وتقديرها لحقوق كل طرفٍ على الآخر.
فأتمنى أن تكون مُداخلتي مفيدةً لكم، وأن نحظى فعلًا بنماذج من الفتيات اللاتي نتشرف بأنَّهن بناتنا وفتياتنا، بإذن الله، وفَّقكم الله، ويسَّر لنا جميعًا.
المحاور: آمين، شكرًا لكِ يا أستاذة أريج على هذه الإطلالة الطيبة، ونُؤكِّد على ما ذُكِر فيما يتعلق بالدعوى النَّسوية وأثرها على الفتيات من خلال التَّمرد والهروب، وعدم الطاعة والاستجابة، أو الاستقلالية عن ولي الأمر، وما شابه ذلك من نقاطٍ ذكرتها الأستاذة.
وأنا أقول: إضافةً لقضية الظلم وما يرتبط بهذا الجانب، كذلك يذكر أهل الاختصاص ما يتعلق بقضية الدلال والدلع والحماية الزائدة حينما يكون كل ما تطلبه مُنَفَّذًا تصل بعد ذلك إلى مستوى أنها لا تستطيع أن تستجيب للأمر والنهي، وما شابه ذلك؛ فلذلك لا بد من الودِّ والحزم كما كان النبي مع بناته، وكما حصل مع فاطمة؛ فكان يقوم لها، ويُقبِّل جبينها، ويأخذ بيدها، ويُرحِّب بها، ويُجْلِسها مكانه، وهو نفسه -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- يقول: لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها[9]أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688)..
أيها الإخوة والأخوات، كنا في حلقةٍ عن تربية الفتاة، وأخذنا ما يسَّر الله في الجزء الأول منها، ونعدكم أن نُكْمِل هذه المحاور -بإذن الله -، ونشكر شكرًا جزيلًا مَن شاركنا من المُستشارين والمُستشارات.
وأسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ولقاؤنا في الأسبوع القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (23991)، وقال مُحققوه: "صحيحٌ لغيره". |
---|---|
↑2 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (19784)، وقال محققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط مسلم". |
↑3 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (19784)، وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط مسلم". |
↑4 | أخرجه ابن ماجه (3793)، والترمذي (3375)، وصححه الألباني. |
↑5 | أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829). |
↑6 | أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). |
↑7 | أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). |
↑8 | أخرجه مسلم (1623). |
↑9 | أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688). |