المحتوى
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ مباشرةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أُسس التربية"، ومن قناتكم قناة "زاد العلمية".
حياكم الله، ونحن في ظلال اسمٍ من أسماء الله "الفتاح"، أسأل الله أن يفتح علينا وعليكم، اللهم آمين.
لعلنا في ظل هذه الأزمات المُدْلَهِمَّات، ونحن في هذه الحياة في العُسر واليُسر -أيها الإخوة الأكارم- بأمس الحاجة لأن نكون مع أسماء الله وصفاته، ومن ذلك ما يتعلق باسم "الفتاح".
أسأل الله أن يفتح على ضيفنا فضيلة الأستاذ الشيخ يوسف بن عوض الرشيد، القائد التربوي في إدارة التعليم، وإمام وخطيب جامع العبدالكريم بالدمام.
حياكم الله يا شيخ يوسف.
الضيف: الله يُحييك، وجزاك الله خيرًا يا دكتور خالد على هذه الدعوة الكريمة في رحاب هذه القناة المُباركة.
المحاور: الله يحفظكم ويُبارك فيكم، لعل هذا اختيارك الحقيقة؛ فأنت مَن اختار هذا الموضوع في التطبيقات التربوية: اسم الله "الفتاح".
سبب اختيار هذا الموضوع
نريد أن نعرف سبب هذا الاختيار، ثم مقدمةٌ بسيطةٌ مهمةٌ حول ما يتعلق بمحاور لقائنا، حفظك الله.
الضيف: بإذن الله.
الحمد لله الذي لم يزل عليًّا، ولم يزل في عُلاه سَمِيًّا، الجنة لمَن أطاعه ولو كان عبدًا حبشيًّا، والنار لمَن عصاه ولو كان شريفًا قرشيًّا، أنزل على عبده ومُصطفاه قولًا بَهِيًّا: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].
والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على أشرف خلق الله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومَن سار على نهجه واهتدى بهُداه.
ثم أما بعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الضيف: بالنسبة لهذا الموضوع نحتاج إلى توطئةٍ وإلى تقدمةٍ.
أقول يا كرام: إن هذه الحياة فرصةٌ، وليست فرصًا، الحياة فرصةٌ، ويتأخر كثيرٌ منا في كل شيءٍ ظنًّا منه أنه مُخلَّدٌ، وإن لم يقل هذا بلسانه قاله بحاله، ولا شيء يدوم في الدنيا: لا العمر، ولا الصحة، ولا الأُنس؛ ولذلك يقول الأول:
ثمانيةٌ لا بُدَّ منها على الفتى | ولا بُدَّ أنْ تجري عليه الثمانيه |
سُرُورٌ، وهَمٌّ، واجتماعٌ، وفُرْقَةٌ | وعُسْرٌ، ويُسْرٌ، ثم سُقْمٌ، وعافيه[1]لم أقف على قائله أو مصدره. |
هذه الأمور التي تجري علينا لا بد أن نستعدَّ لها، وما أجمل -يا كرام- أن يُربي الإنسان نفسه على طاعة ربه! يقول الله في القرآن: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7]، ويقول ربي -تبارك وتعالى-: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [القصص:84].
أيها الإخوة الكرام، نحن بهذه الأعمار القصيرة التي نحياها على الأرض إما أن نصعد في درجات الجنان، أو نحطّ بها في دركات النيران، والعياذ بالله.
فلذلك ينبغي علينا أن نسير، وأن نُؤطِّر أنفسنا للسير إلى الله -تبارك وتعالى-، وما أجمل أن يعيش الإنسان -كما ذكرتُ- هذه المعاني الجميلة حتى يُنجز الهدف الذي أراد الله منَّا في هذه الأرض، وهو عبادته، تبارك وتعالى!
المحاور: هذا كلامٌ جميلٌ، وتقدمةٌ مهمةٌ.
إذن الاسم ماذا نقصد به بالدقة لو أردنا أن نتعرف على حقيقة هذا الاسم: "الفتاح"؟
أنا كنتُ أطَّلع على "المنهج الأسمى في آيات الله الحسنى"، وكنتُ أتصور أن في ذهني معنًى من المعاني المشهورة، وإذا الاسم فيه معانٍ عظيمةٌ.
الضيف: أحسنتَ، أحسنتَ.
ورد اسم "الفتاح" في القرآن مرةً واحدةً إفرادًا، ومرةً واحدةً على صيغة الجمع.
أما فعل "الفتح" وما قاربه من التَّصاريف فقد ورد كثيرًا، يقول ربي -تبارك وتعالى-: وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سبأ:26]، ويقول ربي -تبارك وتعالى-: وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89].
فالأولى على الإفراد، والثانية بصيغة الجمع، ويُقال: بالمثال يتضح المقال.
دعونا نذكر في ثنايا الفوائد شيئًا من سِيَر الماضين واللاحقين ممن انتهت أعمارهم؛ لأن الحيَّ لا تُؤمَن عليه الفتنة.
النبي كان يقول يومًا لأصحابه -وتأمل معي كيف يكون الفتح الذي نقصده قبل الدخول والشروع في المعاني؟-: مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ فإذا بأبي بكرٍ الصديق يقول: أنا، قال: فمَن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟ قال أبو بكرٍ : أنا، قال: فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكرٍ : أنا، قال: فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكرٍ : أنا[2]أخرجه مسلمٌ (1028)..
هذه الحالات والكمالات التي حققها أبو بكرٍ لم تأتِ عَبَثًا، فهو يُدرك معنى الحياة، ويُدرك أن الدنيا فرصةٌ، وإذا لم يُفِد الإنسان نفسه سيلقى يوم القيامة حسراتٍ وندمًا.
المحاور: إذن استغلال الفرص في هذه الدنيا هو من آثار اسم الله "الفتاح"، حيث لا يمكن للإنسان أن يتأتى له هذا التوفيق إلا من الله .
الضيف: الله يفتح عليك.
وهذا المعنى أيضًا يُلْحَظ في الحديث الأول في "الصحيح"، والحديث الآخر: لأُعْطِيَنَّ الرايةَ غدًا رجلًا يُحِبُّ الله ورسوله، ويُحِبُّه الله ورسوله، فأعطاها لعلي بن أبي طالبٍ ، ففُتِح عليهم في خيبر[3]أخرجه البخاري (3009)، ومسلم (2404)..
وهذا الفتح يأتي من المحبة، وهي المحبة التي تحصل للعبد نظير قُربه من الله -تبارك وتعالى-، ولعلنا نذكر المعنى المقصود من "الفتاح".
معنى "الفتاح" ومراتب الفتح
"الفتاح" طبعًا صيغة مبالغةٍ، والمقصود به: كثير الفتح، فالله -جلَّ وعلا- يفتح كل شيءٍ مُغلقٍ، وبالمناسبة: الفتح مراتب:
المرتبة الأولى: فتحٌ لك.
والثانية: فتحٌ عليك.
والثالثة: فتحٌ إليك.
ثلاث مراتب أُعيدها سريعًا: فتحٌ لك، وفتحٌ إليك، وفتحٌ عليك.
كيف يحصل هذا الشيء؟ أو كيف يتَّضح هذا الأمر؟
كل إنسانٍ على وجه الأرض فتح الله عليه: أعطاه صحةً، وأمنًا، وأعضاء، وبصرًا، هذه النِّعَم هي فتوحاتٌ نحن لا نُدركها؛ لأننا اعتدنا عليها.
هل تذكرون أيام كنَّا في الحجر الماضي؟ ما كنَّا نُدرك قيمة ما نعيشه من حياةٍ طبيعيةٍ، فلما حُرمنا منها استشعرناها، فكنا نتمنى مجرد الخروج، ولا نريد سفرياتٍ ولا لقاءاتٍ، فقط نريد أن نخرج من البيوت!
المحاور: فهذا فتحٌ؟
الضيف: هذه الفتوحات موجودةٌ عند كل أحدٍ.
المحاور: من أي؟
الضيف: الفتح الأول: فتحٌ لك:
فتحٌ لك يعني: موجودٌ في الإنسان، حتى عند الكافر، يعني: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76]، فقارون فتح الله عليه بالمال، لكنه ما استفاد منه، أُعطي الفرصة فما استفاد منها.
لذا يا إخوان هذه الصحة التي لدينا لن تدوم إذا لم نستغل هذه الفرصة فيما يُقربنا إلى الله، وسنكون في خسارٍ، نسأل الله العافية.
المحاور: إذن لا يلزم من الفتح لك أنك وُفِّقتَ؟
الضيف: أبدًا، أبدًا.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك عبدالله بن جدعان ابن عم أبي بكرٍ الصديق كان يُطْعم الطعام، ويصل الأرحام.
المحاور: وهو جاهليٌّ.
الضيف: شيءٌ غير طبيعيٍّ، فكانت عائشة رضي الله عنها تسأل وتقول: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يَصِل الرحم، ويُطْعِم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين[4]أخرجه مسلم (214)..
فعائشة تستغرب كل هذه التَّصرفات والأُعطيات، والصِّلة، والفخر، لم يقل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
فإذا لم يكن الإنسان في أصله من المُوحدين فلن يستفيد من هذه الفتوحات؛ ولذا نرى عند مَن يُسمّون بالآخر والكفار من الأُعطيات والفتوحات ما الله به عليمٌ.
المحاور: إذن هذه الفرص التي تقصدها يا شيخ يوسف؟
الضيف: هذه الفرص.
المحاور: هل يتغير المعنى حين نقول: عليك، أو: إليك؟
الضيف: أحسنتَ، أحسنتَ.
ذكرنا أن وجودها، هذا الوجود لك، طيب، إليك؟
أن تستفيد أنت منها.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: أن تستفيد أنت من هذه الفتوحات التي أُعطيتها، فتُسخرها فيما يُقربك إلى الله.
ثم تنتقل إلى المرتبة الثالثة: أن يفتح الله عليك، أن تُوصل هذا الفتح للآخرين.
ونعود لأبي بكرٍ الصديق : في اليوم الأول الذي أسلم فيه يُسلم على يديه ستٌّ من العشرة المُبشرين بالجنة، كلهم في ميزان أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه يستشعر هذا المعنى .
وحتى لا يقول أحدٌ: أبو بكرٍ الصديق هو خير رجلٍ طلعت عليه الشمس. أقول: المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد، امرأةٌ لا نعرف اسمها، ولا رسمها، فما الفتح الذي فتح الله به عليها؟
كانت تكنس مسجد رسول الله ، ومن أمرها العجيب: أن الصحابة لما ماتت ما أخبروا الرسول ؛ فهي لم تكن بمقام أبي بكرٍ، ولا مقام عمر.
فلما علم النبي ذهب إلى قبرها فصلَّى عليها حتى يُوصل رسالةً إلى الجميع: أن هذا الفتح ليس خاصًّا بآل فلان، أو آل علان، وإنما يخصُّ ذات الإنسان مهما كان في طبقاتٍ نحن نراها في نظرنا من الطبقات الدنيا، فالدنيا بطبيعتها: فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [الإسراء:21].
المحاور: ولذلك: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
الضيف: أحسنتَ، هذا المعنى.
المحاور: إذن قضية "لك" هي الفرص المُتاحة؟
الضيف: أحسنتَ.
المحاور: وقضية "إليك"؟
الضيف: تستفيد أنت منها.
المحاور: و"عليك"؟
الضيف: وعليك أن تُوصلها إلى الآخرين، وأن تُسخرها للآخرين.
المحاور: يا سلام! يا سلام!
طيب، قضية "بك"؛ لأنه جاءت العبارة بالحق، يعني: يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ [سبأ:26]؟
الضيف: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سبأ:26]، أحسنتَ.
وهذا يُوصلنا أيضًا إلى أن نعرف المعاني، ما معاني الاسم؟
"الفتاح" كما ذكرنا هو صيغة مُبالغةٍ: كثير الفتح، فيأتي بمعنى: الحاكم بالعدل، كالآية التي ذكرنا قبل قليلٍ يا دكتور خالد: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ، هذا فيما يتعلق بالحكم، فالله حاكمٌ عدلٌ ، وهذا العدل يجري في الدنيا، ويجري في الآخرة، لا يُظلم عند الله أحدٌ .
وأيضًا المعنى الآخر: معنى الناصر، كما قال ربي -تبارك وتعالى-: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، هذا الفتح نصرٌ، وليس المقصود به فتح مكة، وإنما صُلح الحديبية؛ ليتهيأ النبي لدعوة الناس، ويرتاح من أذى قريشٍ .
ثم يأتي المعنى الذي نسير إليه: وهو أن الله يفتح الرحمات والبركات والأرزاق على خلقه، وهو المعنى المقصود.
المحاور: إذن نحن سنُناقش هذا بالأخص، لن نُناقش معنى الحكم، ولن نُناقش معنى النصر؟
الضيف: أبدًا.
المحاور: جميلٌ، إذن الآن الشيخ يوسف كان يُوضح قضية الاسم، وهذا التوضيح مهمٌّ جدًّا حقيقةً، وأيضًا أظن أنه لا يوجد أحدٌ -وأظن هذا للتأكيد والاعتقاد- إلا ويدخل ضمن هذا الفتح؛ فكلٌّ عنده ما فتح الله له به.
الضيف: أحسنتَ.
المحاور: ويبقى بعد ذلك ما قلته: الفتح إليك، والفتح عليك في نشر هذا الأمر الخيِّر.
هل بقي شيءٌ في التأصيل الشرعي في هذا الموضوع، أو ما يتعلق بدلالات الاسم وبعض الأمثلة؟ هل بقي شيءٌ؟
الضيف: يقول الأول:
إذا هَبَّتْ رياحُك فاغتنمها | فإنَّ لكلِّ خافِقَةٍ سكونُ |
وإنْ دَرَّتْ نِيَاقُك فاحْتَلِبْها | فما تدري الفَصِيل لمَن يكونُ[5]"أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص203). |
فالنفس تُقْبِل في مواطن، وفي أماكن، وفي أزمنةٍ، فإذا أقبلت حاول قدر المُستطاع أن تستفيد من هذا الإقبال.
وأصح من ذلك قول النبي : إن لكل عملٍ شِرَةً، ولكل شِرَةٍ فَتْرَةً، فمَن كانت فترتُه إلى سنتي فقد أفلح[6]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (6764)، وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين"..
فإذا أقبلت نفسك على فتحٍ من الفتوحات أيًّا كان، فهذه الفتوحات ليست في جانبٍ واحدٍ: كالعبادي، بل في الجانب الاقتصادي، والاجتماعي، فتوحاتٌ في كلِّ آنٍ.
المحاور: فتوحاتٌ ربانيةٌ.
الضيف: فتوحاتٌ ربانيةٌ، والفتوحات الربانية والفُيُوضات الإلهية يفتحها الله على أهل قُربه ، نسأل الله أن نكون منهم.
المحاور: اللهم آمين، اللهم آمين.
إذن هل تريد أن ننتقل إلى الأنواع؟
الضيف: ننتقل إلى الأنواع، وإن سمحتَ لي يا دكتور أن أذكر أن الناس تُحب القصص والسِّيَر، كما قال الإمام أبو حنيفة: "سِيَر الرجال أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه"[7]"أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" للمقري التلمساني (1/ 21) بلفظ: "الحكايات عن العلماء أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من … Continue reading؛ لأنها في الحقيقة ترجمانٌ لهذا الدين.
المحاور: وأتمنى يا شيخ يوسف إذا كان بإمكانك بعد هذه السِّيَر أن تذكر لنا الحاجة إلى هذا الاسم في ظل ظروفنا التي نعيشها اليوم.
الضيف: أحسنتَ، أحسنتَ.
المحاور: الله يُعطيك العافية.
الضيف: جزاك الله خيرًا يا دكتور خالد.
أنواع الفتوحات
ننتقل إلى المحور الثاني -إن صحَّت العبارة-، ونحن تكلمنا قبل قليلٍ عن دلالات الاسم، ونتكلم الآن عن أنواع الفتوحات.
وذكرتُ يا أحبة أن موضوعنا يتعلق بالفتوحات والرحمات التي يفتحها ربي على عباده، فمن أنواع هذه الفتوحات.
المحاور: لعلك تعذرنا يا شيخ يوسف، معنا فضيلة الشيخ: مشعل العتيبي.
حيَّاكم الله يا شيخ مشعل.
المتصل: الله يُحييك شيخ خالد، أهلًا وسهلًا.
المحاور: يا مرحبًا، يا مرحبًا، يا مرحبًا.
المتصل: الله يجزيك خيرًا.
المحاور: سُعداء باللقاء بك ومُداخلتك، بارك الله فيك.
المتصل: الله يجزيكم خيرًا، والله أنتم جعلتُمونا نتشرف ونزداد شرفًا ووِسامًا.
المحاور: الله يحفظك، الله يجزيك خيرًا، وهذا فتحٌ من الله علينا أن تُشاركنا، بارك الله فيك.
نحن في ظلال الفتوحات الربانية مع اسم الله "الفتاح"، فهلا حلَّقْتَ بنا يا شيخ مشعل، بارك الله فيك.
تفضل.
المتصل: الله يجزيكم، ويكتب أجركم، ويجعلنا وإياكم من المقبولين.
المحاور: آمين، آمين.
الضيف: الله يكتب أجرك.
المحاور: تفضل يا شيخ.
المتصل: أقول: أحيانًا حين أنظر إلى كثيرٍ من الآباء والأبناء على السواء -أقصد في موضوع التربية- وكذلك المصلون عندنا في المساجد تجدهم يأنسون بموضوع النتائج، وموضوع: دعوتُ وما استجاب الله لي. وأيضًا الأُنس بموضوع الثمرات والفتوحات، لكن والله أنا دائمًا أحاول أن أُعلّق الناس بموضوع اليقين بأنك تتعامل مع الله، وتُعامل الله.
فأهمية الصلاح في التربية وفي نفسك وفي أبنائك لها شأنٌ عظيمٌ.
فأنت لا تنظر إلى الفتوحات، فقد تمرض، وقد تَفْتَر؛ ولذا دعا الأنبياء لأبنائهم حتى قبل وجودهم، ودعوا لأنفسهم، وحرصوا على أن يختم الله لهم بالصلاح: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشعراء:83].
فالفتوحات، والثمرات، والحسنات، وحُسن الخاتمة والعاقبة؛ كل هذه تأتي بعد الصلاح.
لو تأملتَ الصلاح تجده بركةً تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وحسناتٍ من الأبناء إلى الآباء: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82]، إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثٍ، ذكر منها: ولدٍ صالحٍ يدعو له[8]أخرجه مسلم (1631)..
بل والله في خطبة الجمعة الماضية لمَّا اخترتُ موضوع: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196] والله ما استطعتُ أن أُكمل كثيرًا من ...؛ لأنك تجد أشياء عظيمةً جدًّا في موضوع تولي الله الصالحين: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196].
يعني: إذا تولاك الله تحتاج مَن؟
يعني: يتولاك الله، يكفيك في دينك، ودُنياك، وأُخراك: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، تريد ماذا؟!
إذن لا خوفٌ عليك، ولا أنت تحزن، مَن هم؟
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] يعني: أنت تشهد الصلاح في كل شاردةٍ وواردةٍ من حياتك: وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه[9]أخرجه البخاري (6502)..
يعني: ماذا قال الله ؟
قال: إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:25]، وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:86]، هل هناك أعظم فتحًا من أن يُدخلك الله في رحمته؟
تخيل أنك تُمسك ولدك حتى تُربيه على الصلاح، وتقول له: يا ولدي، اقرأ قول الله: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ [الأنبياء:105، 106].
يعني: هذه الأشياء إذا زُرعت في الأبناء، بل إذا أصبح الآباء قُدوةً في هذا الجانب؛ والله إن الفتوحات ستأتيك، حتى إنك أحيانًا لا تنظر من اللذة التي تعيشها.
لما تسأل الإنسان -هذا العبد- الذي قد لا ينظر إلى الصلاح بالصورة التي ينظر بها للنتائج والفتوحات، قل له: كم رصيدك مع الله ؟
رصيد الدنيا! أنت ستذهب إلى القبر ...، والله لا بطاقة (الفيزا)، ولا المحفظة، ما رصيدك أنت؟
الرصيد الذي تستأنس به وتتلذذ به هو الذي يفتح لك، وهو الذي تجد أثره في حياتك وبعد مماتك في صلاح أبنائك.
يعني: الآن -سبحان الله!- لما أتأمل سورة الأنبياء أجد جبريل ينزل إلى النبي ويقرأ عليه، حتى تعرف كم رصيدك الآن؟ وتُراجع نفسك.
تخيل مَلَكًا يقرأ القرآن لأول مرةٍ عن أعنف حالاتٍ في القرآن عن الأنبياء وصلاحهم، والاستجابات الفورية لهم من الله : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء:83].
تأمل الآن: يأتيك شخصٌ ويقول لك: والله أنا أشتكي أنني مسّني الضر. في أيش مسَّك الضر؟ يقول: في زوجتي. اقرأ عن أيوب : أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.
الآن شخصٌ مات له ولدٌ، تخيل هذا الولد الذي بين يديك وأمام نظرك مات، ثم ذهبتَ به وأودعته في قبره، ثم عدتَ إلى البيت تلتفت إلى ملابسه فتتعب وتتضايق، وتظن أن كل مصائب الدنيا أُصبتَ بها!
أيوب جرَّبها أربع عشرة مرةً؛ يموت له ولدٌ ويُعزَّى فيه، ثم يموت الولد الثاني، وهكذا.
هذا هو الضرُّ الذي لا نقف عنده: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ، قِفْ عند الضر، اعرف ما الضر الذي أصاب هذا النبي حتى قال الله: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:84]؟
وهو ما طلب، مجرد أنه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يعني: أنا تحت مشيئة رحمتك.
أيوب مسَّه الضر في ولده، فَقَدْ فَقَدَ أربعة عشر ولدًا، ثم المرض الذي ابتلاه الله به!
تعرف ما هو المرض؟
الآن بعض الناس يخشى وباء (كورونا) مُقارنةً بما أُصيب به أيوب ؛ فقد كان جلده يتفتت ويتقيَّح، وصَديدٌ ينزل، كلما جلس نزل من جلده وتساقط، وكلما وقف نزل من جلده وتساقط!
والكل يبتعد عنه خوفًا من العدوى، حتى زوجته التي كانت تخدم هنا وهناك، إذا علموا أنها زوجته ابتعدوا عنها؛ خوفًا من العدوى، وأيضًا فقد المال، فقد خسر أمواله كلها، ثم ابتُلي بأيش؟
ثم تنظر إلى هذا كله وتعلم أن هذا هو الضر حقًّا، أما الضر الذي قد يراه البعض فهو شيءٌ بسيطٌ بالنسبة لهذا الذي أصاب أيوب .
قال الله : فَاسْتَجَبْنَا لَهُ، ما السبب؟
تخيل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ، ماذا أعطاه؟
والله يقول فقط: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، لم يطلب شيئًا من الله ، فاستجاب الله له فكشف المرض، ثم استجاب له فرزقه أربعة عشر ولدًا، ثم استجاب له فرزقه الأموال والذهب، كل هذا لماذا؟
يعني: لو يقرأ هذا الإنسان المسكين الذي يظن بشيءٍ بسيطٍ أنه ابتُلي، ينظر ما الذي جعل الله يستجيب استجابةً فوريةً: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:84]؟
هذا لماذا؟
إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا [ص:44]، لماذا؟
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]، هذا رصيدٌ مُمتلئٌ.
هذا إذا أخطأ جاء وانكسر.
هذا إذا أسرف على نفسه جاء ليعود إلى الله .
هذه هي الحياة مع الله.
يقول أبو بكرٍ : "لا خيرَ في حياةٍ نحياها لا نُريد بها وجه الله"[10]أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 60) برقم (39) عن نُعيم بن نَمْحَة: أن أبا بكرٍ الصديق قال في خطبةٍ له: "لا خيرَ … Continue reading.
الحالة التي بعدها: يقرأ جبريل ، ثم ماذا؟ يقول: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [الأنبياء:85]، رصيدٌ، كلٌّ عنده رصيدٌ.
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:86]، لِمَ يا رب أدخلتهم في رحمتك؟
إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:86].
بعدها جاءت أعنف حالة سجنٍ في الأرض: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء:87].
تخيل: ما سُجِنَ في الدنيا، فالسجن في الدنيا حتى لو كان انعزاليًّا تجد فيه مَن يدخل، ومَن يخرج، وكهرباء وماء وطعام.
أما هذا فلا، فقد كان في ظُلماتٍ ثلاثٍ، وهو مع ذلك يُنادي! يُنادي مَن؟
لا يُنادي إلا الله: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، وأضلاع الحوت تُحيط به، والظلام أطبق عليه، فهو في ثلاث ظلماتٍ، لا ينام؛ لأن بطن الحوت مُمتلئٌ بالسوائل والرائحة الكريهة، وقد سمَّى الله تلك الحالة بالغمِّ: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88].
انظر إلى السبب: فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143، 144].
يا مَن تستهين بالذكر، وتستهين بالتَّسبيح، وتظن أنه أمرٌ، الفتوحات والله كلها من التَّسبيح، الفتوحات والله كلها من الذكر، الفتوحات والله كلها من السجود بين يدي الله، الفتوحات والله كلها من قيام الليل، الفتوحات كلها من تدبر القرآن والإقبال على كلام الرحمن، هذه هي الفتوحات.
حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: يأتي أمرٌ للنبي أن يذهب إلى بيتها بنفسه، ما قال لعمر : أحضر ابنتك. ولا قال لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أحضر أختك. لا، النبي يأتيه أمرٌ من الله أن يذهب إلى بيتها، لماذا؟
ما رصيد حفصة؟
راجعْ حفصة؛ فإنَّها صَوَّامةٌ قَوَّامةٌ، وإنها زوجتُك في الجنَّة[11]أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 365) برقم (934)، والحاكم في "المستدرك" (6753)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع … Continue reading.
أرأيتَ ما فعل الصيام والقيام؟
جعلا النبي يمشي إلى بيت حفصة، ويقف عند بابها ليُراجعها!
هذه هي الفتوحات، هذا هو الفتح العظيم.
فكيف تستهين بالصيام؟! ولا تصوم إلا من رمضان إلى رمضان!
وكذا تستهين بالقيام، وتستهين بقراءة القرآن!
هذه هي الفتوحات التي نحتاجها، وسورة الأنبياء كلها خيرٌ.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا شيخ مشعل.
حقيقةً حلَّقتَ بنا في أمرٍ بالغ الأهمية، جزاك الله خيرًا.
وكأن الخلاصة الأخيرة بالتحديد هي: أن تلكم الفتوحات التي نريد مآلاتها في الدنيا والآخرة تتأتى من هذا الفتح العظيم من الله بصلاحنا وصلاح أبنائنا، كذا يا شيخ؟
المتصل: لذا أقول: جاء في خواتيم هذه السورة قول الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94]، هذه هي النتائج، وهذه هي الفتوحات: فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ؛ لأنك فقط تحتاج أن تُحلق باليقين في قلبك، كن على يقينٍ أنك تتعامل مع مَن بيده خزائن مَلْأَى، وخزائنه لا تنقضي ولا تنتهي، وأن الأثر سيظهر، إن لم يكن في حياتك مع أبنائك، وفي بيتك، سيظهر بعد مماتك وهم مُنَعَّمون بصلاحك، وهذا هو الرصيد الذي ننتظره.
أسأل الله أن يُوفقني وإياكم، وينفعني وإياكم بالصلاح والثبات والبركة في الوقت والمال.
المحاور: آمين، شكرًا، جزاك الله خيرًا يا شيخ مشعل، وبارك الله فيك، ونلتقي على خيرٍ، بإذن الله.
كان معنا فضيلة الشيخ مشعل العتيبي حول هذه الإطلالة اللطيفة.
إذا كان لكم تعليقٌ يا شيخ يوسف على ما ذكر.
الضيف: بيَّض الله وجهه، كفاني مُؤنة الطرح فيما يتعلق بالفتح بالعبادة والتوبة، جزاه الله خيرًا.
وأُضيف على ذلك: أن النبي قال لزوجاته؛ لأن بعض الناس يتصور أن هذا خاصٌّ بالرجال فقط، لا، حتى النساء، النبي يقول: أسرعكنَّ لحاقًا بي أطولكنَّ يدًا[12]أخرجه البخاري (1420)، ومسلم (2452) واللفظ له.، تقول عائشة رضي الله عنها: كنَّ إذا اجتمعن كل واحدةٍ تمد يدها، فكانت سودة رضي الله عنها أطولهنَّ يدًا[13]أخرجه البخاري (1420).، لكن النبي يريد المعنى الآخر، وكانت زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها -وهي التي كانت تُساوي وتُسامي عائشة في المحبة- تدبغ الجلود، وتبيع الجلود، وتتصدق بها[14]"المستدرك على الصحيحين" (6776) وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يُخرجاه". ووافقه الذهبي..
فالنبي يقصد المعنى الآخر؛ وهو النفع المُتعدي، فكانت زينب رضي الله عنها هي التي ماتت بعد النبي ، فعلمت زوجات الرسول أنها كانت المقصودة.
وهذا المعنى وهذه القصة تُضاف للذي ذكره الشيخ مشعل، بارك الله فيه.
المحاور: جزاك الله خيرًا، لعلنا يا شيخ يوسف نسمع منكم تلكم الأمثلة المتعلقة بقضية الفتوحات الربانية بعد الفاصل.
أيها الإخوة، فاصلٌ، فكونوا معنا، بارك الله فيكم.
الفاصل:
الفتاح
منذ خَلْق آدم وإلى يومنا هذا يقوم الصراع بين الحق وأهله والباطل وأهله، ويفتح الله بينهما بحكمه، فهو سبحانه الفتَّاح.
فالفتَّاح هو الحاكم بين عباده بالعدل، قال تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89] أي: احكم بيننا وبينهم بحكم الحق الذي لا ظلمَ فيه.
وفتحه تعالى بحكمه أنواعٌ:
منها: فتحه بحكمه الشرعي فيما شرعه على ألسنة رسله، وفتحه بنصر أوليائه ودحر أعدائه، وفتحه بحكمه القدري فيما يُقدِّر على عباده من خيرٍ وشرٍّ.
والفتاح هو الذي يفتح لعباده أبواب الرزق والرحمة، ويفتح لهم ما انغلق عليهم من أمورهم، فيُغني فقيرًا، ويُسهل مطلبًا، ويُفرج عن مكروبٍ، قال تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [فاطر:2].
وهو الفتَّاح الذي يفتح قلوب عباده وعيون بصائرهم ليُبصروا الحقَّ.
وكان من دعاء النبي في الصلاة: اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السَّماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لِمَا اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ[15]أخرجه مسلم (770)..
فمَن آمن بأن الله هو الفتَّاح سأله من فضله ورحمته، قال النبي : إذا دخل أحدكم المسجد فليقُل: اللهم افتحْ لي أبوابَ رحمتك، وإذا خرج فليقُل: اللهم إني أسألك من فضلك[16]أخرجه مسلم (713)..
ومَن آمن بأن الله هو الفتاح تمسك بدينه، ولم يتأثر بمكر أعدائه حتى يحكم الله بينهم يوم القيامة بحكمته وعدله، قال تعالى: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سبأ:26].
المحاور: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع تطبيقاتٍ تربويةٍ مع اسم الله "الفتاح".
أمثلةٌ للفتوحات الربانية
حياكم الله يا شيخ يوسف، ومُستعدون جدًّا ومُتلهفون للأمثلة حول الفتوحات الربانية.
تفضل، حفظكم الله.
الضيف: الله يفتح علينا وعليكم وعلى كل مسلمٍ.
المحاور: اللهم آمين.
الضيف: الحقيقة بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
من الأشياء المُلفتة للنظر، والكل يحفظ هذه القصة: عندما ذكر النبي السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حسابٍ، ولا سابق عذابٍ، كم عدد الصحابة؟ كثيرٌ.
انظر إلى المُبادرة، وهذا الذي أريد أن أصل إليه: أن الفرصة إذا ما استُغلت قد لا تعود، فيقوم عكاشة بن محصن ويقول: يا رسول الله، ادْعُ الله أنْ يجعلني منهم. قال: أنت منهم.
سبحان الله العظيم! انظر حتى تعلم أن الفرصة أحيانًا لا تتكرر: فقام رجلٌ آخر فسأل النبي أن يدعو الله تعالى أن يجعله منهم، فقال: سبقك بها عكاشة[17]أخرجه مسلم (218)..
نحن يا إخواني أحيانًا لا نستطيع أن نُنافس على ما يحدث في الدنيا.
بعض الناس يرى هؤلاء أصحاب المليارات، وأصحاب القصور، وأصحاب السيارات، وتجده ينام ويستيقظ على هذه القضية، بينما -سبحان الله العظيم!- أمر الآخرة أسهل، يقول النبي : الجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نَعْلِه، والنار مثل ذلك[18]أخرجه البخاري (6488)..
يا أخي، إذا لم تستطع أن تُنافس أهل الدنيا فنافس أهل الآخرة.
يا إخواني، كان بعض السلف -عليهم رحمة الله- يقولون: أيظن أصحاب محمدٍ أنهم يُسابقونا إلى محمدٍ ؟! لا يمكن[19]"إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي (4/ 411)، والقائل هو أبو مسلم الخولاني، قال: "أيظن أصحاب محمدٍ أن … Continue reading، فكانوا يشقون على أنفسهم بالعبادة يريدون أن يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب محمدٍ ، وهذا المعنى عامٌّ عندهم .
الغلام الصغير الذي قال للنبي : أريد مُرافقتك في الجنة. لما قال: سَلْ، فقلَّب النظر، قال: أنت يا رسول الله في مقامٍ عالٍ، فأريد مُرافقتك في الجنة. فقال: أو غير ذلك قال: هو ذاك. قال: فأعِنِّي على نفسك بكثرة السُّجود[20]أخرجه مسلم (489)..
هذه الأمور التي يمكن أن نُنافس عليها في الآخرة يا إخواني، إذا حققنا هذا الأمر ونافسنا عليه وصلنا إلى مَن ذكرهم ربي: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].
يا إخوان، الفضل من الله، والله الفضل من الله.
سبحان الله العظيم! أنا كنتُ أتأمل من فترةٍ وأُراقب هذا الموضوع، وأعيش فيه؛ تأديبًا لنفسي، ونفعًا لإخواني، فأرى أناسًا الله يفتح عليهم فتحًا مُبينًا، وأُعطيكم مثالًا، وأنا سأذكر الأموات؛ لأن أمرهم انتهى.
من الناس مَن ماتت أجسادهم، لكن بقيت حسناتهم، الدكتور: عبدالرحمن السميط، هل هناك أحدٌ لا يعرفه؟
استشاري وطبيبٌ في دولةٍ خليجيةٍ، لا يحتاج إلى أن يذهب إلى أدغال أفريقيا، وإلى المُستنقعات، وإلى البعوض، وإلى القبائل الوثنية، لا يحتاج إلى هذا، لكنه فَقِهَ الحياة، وفَقِهَ أن الدنيا فتحٌ، فعاش في تلك الديار تسعًا وعشرين سنةً، وأسلم على يديه أكثر من أحد عشر مليونًا!
يا إخواني، والله الواحد يتمنى -أنا أشعر بالرعشة- أن يلقى ربه بهذا العمل.
وعلى سبيل المثال: جماعة تحفيظ القرآن -قديمًا كانت تُسمى: جماعةً، والآن جمعية- لما تتأمل فصولها، والمشاهد، وهذا الخير المُنتشر، والآن أصبح الأمر فضائيًّا كما يُقال: عبر الحواجز.
والشيخ عبدالرحمن الفريان -رحمه الله- وربما البعض لا يعرفه؛ لأنه تُوفي في عام أربعةٍ وعشرين -عليه رحمة الله-، ومنذ عام اثنين وثمانين للهجرة وهو يرأس هذه الجمعية إلى أن توفاه الله ، وقد ولَّدَت الجمعية جمعياتٍ، وتخرج منها حُفَّاظٌ، وما زالت باقيةً، وقد فتح الله عليه، وكلَّم المسؤولين وولاة الأمر، فوافقوه وأقرُّوه، فنفع الله به، رحمة الله عليه.
وكان بالمناسبة لا يجلس في الرياض إلا الأربعاء والخميس، والجمعة يأتي للخطبة ثم يذهب إلى الهِجَر يدعو إلى الله ، فهو خطيبٌ، وهو داعيةٌ، وهو مديرٌ للجمعية، أو رئيسٌ للجمعية.
فما أجمل أن يعيش الإنسان مع القرآن!
كما ذكرتُ لكم قبل قليلٍ: هذه الرياح إذا انطلقت كن معها حتى يُعطيك الله .
أيضًا من المعاني: رجلٌ يُقال له: أبو نصرة، قد لا يعرفه البعض، ناصر بن علي الانبريك، اشتغل بالقضاء والتعليم والتدريس.
يُقال: إن هذا الرجل كان قد فتح الله عليه بمالٍ، لكنه -سبحان الله! عنده الفتح- كان يذهب إلى السجون، وينظر في أحوال المُعسرين والمديونين؛ فيُفرج عنهم بأمر الله تعالى، حتى قال الذين لهم علاقةٌ بالموضوع: لما مات هذا الرجل فقدناه.
وكان قد أوقف للجمعيات الخيرية في منطقة القصيم قُرابة الأربعين مليونًا؛ لأنه يعلم أن هذه الدنيا زائلةٌ، وأن مالك ما قدَّمتَ، ومال وارثك ما أبقيتَ.
هؤلاء مشاهير، لكن دعوني أضرب مثالًا بشخصٍ ...
المحاور: يعني: يا شيخ يوسف، هذا الكلام جميلٌ، لكن قد يقول البعض: من الصعب أن تكون نفسي هكذا! بينما تجده يَلْهَث في الدنيا، والرسول يقول: حُفَّت الجنة بالمَكاره، وحُفَّت النار بالشَّهوات[21]أخرجه مسلم (2822).، وكأنه يقول: هذا جانبٌ طبيعيٌّ في النفس البشرية أنها تميل إلى الملذَّات، وتميل إلى الشهوات، بينما قضية الجنة فيها مكاره، مع أن هؤلاء يستلذون؛ فقد لقيتُ الدكتور عبدالرحمن السميط فوجدتُه حقيقةً يستمتع بذهابه إلى هذه الأماكن، فيقول مثلًا: جلسنا ثلاثة أيامٍ ما نأكل إلا الموز، فلم يكن لدينا إلا الموز، وندخل في المُستنقعات التي يكون فيها ما لا تتوقع.
طيب، ما الذي يجعله في سعادةٍ؟
هذه السعادة هي التي كان ينشدها؛ ولذلك كان لا يُعْتَب عليه أكثر من أن يُقال: إن الله فتح عليه هذا الفتح فكان إمامًا في هذا الباب.
الضيف: الله أكبر!
يقول النبي : إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا اسْتَعْمَله، وفي روايةٍ: عَسَلَه، وفي روايةٍ: عَسَّله، قالوا: يا رسول الله، وما عَسَّله؟ وما عَسَلَه؟ وما استعمله؟ قال: يفتح له بابًا لعملٍ صالحٍ قبل الموت ثم يقبضه عليه[22]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (17217) و(17784)، وقال مُحققوه: "صحيحٌ لغيره"..
يعني: إذا فتح الله عليك ربما تكون النهاية في هذا المجال؛ ولذلك كان كثيرٌ من العباد يقولون: "اللهم إنا نسألك الميتة الحسنة".
يعني: أحد الفضلاء من جماعة مسجدي كان يقول: يا فلان، أنت دخلتَ من باب المنبر. هذا من باب الطُّرفة، أيام إشكاليات التفجير والبلاوي التي صارت قديمًا، كفانا الله شرَّها.
يقول: هل تُغلق الباب؟ فقلتُ: نعم، أغلق الباب، لكن الباب من (الألومنيوم) بسيطٌ. ثم قلتُ له: يا أبا فلان، والله لا أحسن من الموت في المسجد، هل هناك أحسن من أن تموت في المسجد؟ قال: نعم، أريد أن أموت في المسجد، لكن ليس بالتفجير، جزاه الله خيرًا.
فأقول: سبحان الله! إذا هيأ الله لك خيرًا فاستغلّ هذا الخير.
رجلٌ باكستانيٌّ الله أعطاه صنعةً؛ يهتم بالتجليد والتغليف، ما الذي فتح الله عليه؟
انظر -سبحان الله!- كيف يدل الله العبد على شيءٍ؟
يعني: الآن في الحديث: أو مُصحفًا ورَّثَه[23]أخرجه البزار في "مسنده" (7289)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3175) بلفظ: عن أنسٍ قال: قال رسول الله : سبعةٌ يجري للعبد … Continue reading.
طيب، الآن المصاحف تأتي من الدولة -وفَّقها الله-، ما أحدٌ يأتي بها من الخارج، المصاحف بالنسبة للمساجد تأتي من مجمع الملك فهد، رحمة الله عليه.
فهذا الرجل كان يذهب بشنطته وحقيبته، وفيها المُعدات البسيطة، فيُصلح أغلفة المصاحف المُمزقة، ويُصلي فرضين أو ثلاثة.
المحاور: في المساجد؟
الضيف: يسير على قدميه، اليوم الفلاني في المسجد الفلاني، فإذا انتهى انتقل إلى المسجد الآخر.
انظر للخير الذي ساقه الله على يد هذا الذي لا نعرفه لما يُتداول مثل هذا المقطع لهذا الرجل، هذا فتحٌ من الله، والله هذا فتحٌ من الله ، وبعض الناس يستحقر هذا العمل!
المحاور: كنتُ سأقول: هناك مَن يقول: أتعب نفسه هذا الرجل!
الضيف: هو الآن مصحفٌ سيُقرأ، وهذا المصحف له أجرٌ، فلا شيء يضيع في الإسلام: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [الزلزلة:7].
المحاور: أحسنتَ.
الإمام أحمد لما سأله ابنه -رحمة الله عليهم-: لِمَ تُتعب نفسك؟! قال: "راحتها أُريد"[24]أخرجه أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (4/ 47) برقم (1204) بلفظ: "قيل للربيع بن خثيم: لو أرحتَ نفسك! قال: … Continue reading.
الضيف: الله أكبر! هذا هو.
ذكرتَ قبل قليلٍ يا دكتور: أن بعض الناس يقول: أنا نفسي لا تُطيق! والإنسان دائمًا عدو ما يجهل، فأي شيءٍ أنت لم تُجربه ستشعر أن بينك وبينه مفازةً، لكن حين تعيشه تراه عاديًّا.
على سبيل المثال: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [الإسراء:20]، فالله لا يحرم أحدًا.
إذا سألتَ ربك أن يفتح عليك سيفتح الله عليك، ولا تملّ.
أحدهم يقول: "جاهدتُ نفسي عشرين سنةً على قيام الليل، ثم استمتعتُ به عشرين أخرى"[25]يُنسب للإمام سفيان الثوري -رحمه الله-، راجع شرح "كتاب التوحيد" لعبدالكريم الخضير، الدرس العاشر.، يعني: هناك مُعاناةٌ.
المحاور: وهذا أيضًا ما أشار إليه مشعل في قضية اليقين، فالواحد منا يحتاج إلى أن يكون لديه اليقين ليُدرك حقيقة ما يمكن أن تؤول إليه هذه الفتوحات.
الضيف: الله أكبر!
هذا هو المعنى، هذا الخير الذي سيسوقه الله إليك، وأنت المُستفيد، ربي لا يستفيد، أنت المُستفيد الأول والأخير.
وكما ذكرت يا إخواني، سابقوا في الآخرة، لا بد أن تُسابقوا، يا إخواني، نحن حُرمنا من رؤية محمدٍ في الحياة، إذن متى موعدنا؟ متى لقاؤنا مع محمدٍ ؟ على الحوض، إذا ما لقيت محمدًا عند الحوض فلن تراه، اللهم صلِّ وسلم عليه.
المحاور: نسأل الله أن يجعلنا من الذين يلقونه.
الضيف: هذه من الأشياء التي تُؤثر في الخاطر، إذا لم تُقدم عملًا كثيرًا، إذن كيف ستلقى هؤلاء السابقين؟!
كلنا يا إخوان نتمنى رؤية محمدٍ ، وأبي بكرٍ الصديق، وعمر، وإبراهيم ، والأنبياء، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ومحمد بن عبدالوهاب -عليهم رحمة الله-، نتمنى رؤية هؤلاء الصالحين.
المحاور: الحقيقة يا شيخ يوسف في ظل هذه الماديات التي نعيشها اليوم، والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ الحقيقة هناك حاجةٌ كبيرةٌ لمثل هذه المعاني الإيمانية العظيمة، والآثار الإيمانية لمثل هذا الاسم "الفتاح".
فنحن نعيش أزمة إيمانٍ، ونحتاج إلى هذه المعاني لنُربي بها أنفسنا وأبناءنا.
وهذه الفرصة التي مررنا عليها، وما زالت بعض آثارها موجودةً فيما يتعلق بهذه الجائحة -نسأل الله أن يكشف الغُمَّة- ما زالت فرصةً ثمينةً جدًّا، وهي قضية التأثير على الأبناء، وتربية الأسرة على مثل هذه المعاني العظيمة.
هل لك تعليقٌ حول التربية في هذه القضية وما يتعلق بها، حفظك الله؟
الضيف: سبحان الله العظيم!
هذه الأزمة وضعت النقاط على الحروف، وأعادت كل شيءٍ إلى مكانه، كانت عندنا أشياء مهمةٌ، واكتشفنا أنها تافهةٌ، ليست مهمةً، رتَّبتْ، وبيَّنتْ أمرًا آخر وهو -سبحان الله العظيم!- ربما أناسٌ كانوا قد جعلوا بينهم وبين المرض مفازةً، فإذا بالمرض يأتيهم في بيوتهم، والعكس صحيحٌ؛ حتى تعلم أن النافع الضار هو الله ، وأن القضية ليست قضية 1+1=2، في ميزان الله ليس 1+1=2، ربما يكون 1+1= مليار؛ لأن الله خزائنه ملأى، سَحَّاء الليل والنهار ، لكن المشكلة فينا نحن.
بعض الناس إذا سأل الله يسأل بما يليق به هو، لا تسأل ربك بما يليق بك، وإنما سَلْ ربك بما يليق به ، فالله عنده أشياء.
المحاور: الله أكبر !
الضيف: انظر لسليمان عليه الصلاة والسلام: وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35]، وأعطاه الله.
فمشكلتنا في سؤالنا لربنا أن فينا بخلًا، وفينا كسلًا، ونحقر أنفسنا، لماذا تحقر نفسك؟!
يا أخي، سَلْ ربك بتوحيدك، سَلْ ربك باتِّباع سنة نبيك ، يجب أن تكون مُستصحبًا ذلك حتى تصل إلى الله.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وأنا أقول -سبحان الله!- دائمًا: إذا ربَّيتَ نفسك على هذه المراتب يفتح الله لك -وذكرنا هذا في البداية يا إخواني- أو يفتح بك، أو يفتح عليك، لا بد أن يكون لها أثرٌ على مَن حولك: على زوجتك، وأولادك، وقرابتك.
يا إخواني، يقولون: إن أصحاب قيام الليل نورهم في وجوههم من آثار القيام، وهم أبعد الناس عن الغيبة، وهذا موجودٌ عندهم بشكلٍ كبيرٍ، نسأل الله أن يعصمنا.
إن أصحاب قيام الليل أبعد الناس عن الغيبة، لماذا؟
حصَّلوا خيرًا في الليل، ولم يُفرطوا به في النهار؛ ولذلك تجد الواحد منهم -سبحان الله!- إذا صار مجلسٌ فيه من هذا الكلام الذي لا يليق فهو يُربي نفسه والآخرين؛ قام أو نهاهم.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ، جزاك الله خيرًا يا شيخ يوسف، هؤلاء أصحاب قيام الليل الذين هم مع كتاب الله.
دعنا نمضي مع كتاب الله، ومعنا القارئ: خالد الزيادي.
حياكم الله، ومرحبًا بكم، ولعلكم تُسمعوننا من كلام الله ، بارك الله فيكم.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيَّاكم الله.
المتصل: الله يُحسن إليكم، وأشكر لكم هذه المُداخلة الكريمة.
المحاور: تفضل حبيبنا، لعلك تُسمعنا مما فتح الله به عليك من كلام الله حول اسم الله "الفتاح".
آياتٌ من سورة الفتح
المتصل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًالِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح:1- 9].
المحاور: جزاك الله خيرًا، وفتح الله عليك أخي الكريم، وبارك فيك، وجعل القرآن ربيع قلوبنا وقلوبكم، وجزاكم الله خيرًا.
شكرًا لك حبيبنا، وجزاك الله خيرًا.
يا شيخ يوسف، هذه الآيات الكريمات -ومعنا قُرابة أربع دقائق- لو ختمنا حولها، وعرَّجتَ حول الآثار الإيمانية المتعلقة باسم الله "الفتاح".
تفضل، بارك الله فيكم.
الضيف: جزاك الله خيرًا يا دكتور خالد.
أولًا: فيما يتعلق بالآثار الإيمانية -إن صحَّت العبارة- إذا استشعرنا أن الله هو الفتاح؛ جعلنا نتعلق به وحده ، فالأبواب المُغلقة، والأمراض الدائمة، والأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وهذا البلاء الذي نزل بنا؛ لا مَفْزَع لنا منه إلا بالله ، والاحترازات هي في حقيقتها لا تُقدم ولا تُؤخر إذا لم يكن العون من الله -تبارك وتعالى- لهذا الإنسان.
هذا يُعلقنا بالمولى الذي بيده مقاليد كل شيءٍ، وبيده مفاتيح كل شيءٍ ، فلا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع .
المحاور: إذن تعميق قضية التوكل على الله.
الضيف: هذا مهمٌّ، هذا أساس كل شيءٍ.
الأمر الثاني: الاستعداد والتَّهيؤ للآخرة، فبعضنا إذا مرض يضجر! سبحان الله العظيم!
أيّهما أفضل؟ وأيّهما أولى: أن يتهيأ الإنسان بمرضٍ فيستعد، أو يُباغته الموت؟
ما في شكٍّ أن موت الفجأة أصعب على النفس من التَّهيئة، فأحيانًا هذه الأمراض -سبحان الله!- تُهيئ الإنسان فيستعدّ ويُصحح الوضع ويُرتب الأولويات.
والحقيقة يا إخواني أننا مُغادرون، وسبحان الله! لا أحد موجودٌ في المقبرة الآن ذهب وقد انتهى شغله؛ منهم مَن عمَّر بيتًا، ومنهم مَن كان يرقب تخرجًا، ومنهم مَن كان يرقب زواجًا، وانتهى كل شيءٍ في لحظةٍ؛ لذا الاستعداد مهمٌّ، والله "الفتاح" يجعلك ترتبط بما يتعلق بالآخرة.
يا إخوان، كلنا الآن نتقاتل، ونتسارع، ونتقاطع على جناح بعوضةٍ! يعني: هذه الدنيا كلها جناح بعوضةٍ! وليتها بعوضةٌ، جناح بعوضةٍ كما قال النبي .
والإنسان لا بد أن يعرف حقيقة الدنيا، وحقيقة الآخرة.
وأنت تعجب أحيانًا ممن حولك، فربما الواحد لما تفوته -على سبيل المثال- الصلاة لا يُعاتبه أحدٌ، ولا يُذكره أحدٌ، ولا ينقُده أحدٌ، لكن إذا فاته أمرٌ من أمور الدنيا –سبحان الله!- يتكالب عليه الناس كلهم!
يا إخواني، لا مجالَ للمُقارنة أصلًا، فعلى الإنسان أن يضع الشيء في مكانه.
أيضًا يا أحبة، أن يعلم ويثق بموعود الله، تبارك وتعالى.
يا إخواني، نحن الآن -كما يُقال- في ذيل الأمم، لكن ضع في بالك نقطةً: هل تعتقد أن الضعف الذي يمرّ بأمة الإسلام لو كانت بهذا المقدار من الضعف هل سيهتم بها العدو؟!
كل المكائد، والمكر الكُبَّار، والخُدَع، والحروب الشَّعواء، هذه كلها لأجل هذه الأمة الضعيفة! فماذا لو صارت قويةً؟ لانتهى كل شيءٍ.
إذن هم يعلمون أن قوتنا في ديننا؛ ولذلك يُشغبون علينا في أشياء كثيرةٍ، حتى ما يتعلق بالجانب الإعلامي، فمن الأول أشغلونا بالقنوات، والآن أشغلونا بهذه الأجهزة والتفاهات، ونحن نُعاني ما نُعاني، وأبناؤنا أيضًا، نسأل الله أن يُصلح أحوالنا جميعًا.
المحاور: اللهم آمين.
دوام التَّعرض لنفحات الله
الضيف: أيضًا نختم بما يتعلق بدوام التَّعرض، فربما ما أعطاك الله هذه المرة.
المحاور: دوام؟
الضيف: دوام التَّعرض للفتح الرباني، فربما ما أعطاك الله في هذه السنة، أو في اليوم الفلاني، أو في الساعة الفلانية، واصل، اقرع الباب دائمًا وأبدًا، ولا تَكَلَّ، ولا تَمَلَّ حتى تصل إلى الله -تبارك وتعالى-، وكما قال النبي : إنَّ لربِّكم في أيام دهركم نفحاتٍ فتعرَّضوا لها، لعل أحدكم أن تُصِيبه منها نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بعدها أبدًا[26]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 180) برقم (2856)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" (1917)..
هذه قضية التَّعرض لنفحات الله، ونفحات الله موجودةٌ في الأيام.
المحاور: إذن لا نزهد في القُرب من الله .
الضيف: أبدًا، كما قال النبي : اتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرةٍ[27]أخرجه البخاري (1417)، ومسلم (1016).، لا تحقرها، ولو شِقُّ تمرةٍ.
أعرف أناسًا يوميًّا يدخل أحدهم على البنك الذي عنده، ويذهب إلى الجمعيات الخيرية أو الجمعيات القرآنية، وعنده حركةٌ يصنعها -وعنده الكثير-: فاليوم -مثلًا- يجرُّ هذا، والتي تقف عنده في أول شيءٍ يتصدق لها ولو بعشرة ريالاتٍ، ولو بريالٍ، هذا صنيعه؛ لأنه يستشعر أن كل يومٍ ينزل فيه مَلَكان: فيقول أحدهما: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا[28]أخرجه البخاري (1442)، ومسلم (1010)..
بعضنا يتصدق، لكن صدقاته بعيدةٌ، فيمكن أن يتصدق بعشرة آلافٍ خلال الشهر، وهذا يتصدق يوميًّا حتى يتحقق له هذا الأمر، وهذا فتحٌ.
المحاور: لا شكَّ، وتوفيقٌ من الله.
أقول: هذا المثال الأخير مثالٌ رائعٌ جدًّا، فعلى سهولته إلا أنه فتحٌ من فتوحات الله .
شكرًا لكم يا شيخ يوسف على هذه الإطلالة الطيبة.
وشكرًا لكم أيها الإخوة والأخوات على هذه المُتابعة حول التطبيقات التربوية لاسم الله "الفتاح".
أسأل الله أن يجعل فيما ذُكِر عونًا لنا على الفتوحات الربانية في هذه الدنيا، وأن نلقى آثارها يوم نلقاه في جنات النعيم مع والدينا ومَن نُحب، اللهم آمين.
كونوا معنا -بإذن الله - الأسبوع القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | لم أقف على قائله أو مصدره. |
---|---|
↑2 | أخرجه مسلمٌ (1028). |
↑3 | أخرجه البخاري (3009)، ومسلم (2404). |
↑4 | أخرجه مسلم (214). |
↑5 | "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص203). |
↑6 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (6764)، وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين". |
↑7 | "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" للمقري التلمساني (1/ 21) بلفظ: "الحكايات عن العلماء أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه". |
↑8 | أخرجه مسلم (1631). |
↑9 | أخرجه البخاري (6502). |
↑10 | أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 60) برقم (39) عن نُعيم بن نَمْحَة: أن أبا بكرٍ الصديق قال في خطبةٍ له: "لا خيرَ في قولٍ لا يُراد به وجه الله، ولا خيرَ في مالٍ لا يُنْفَق في سبيل الله". |
↑11 | أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 365) برقم (934)، والحاكم في "المستدرك" (6753)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (4351). |
↑12 | أخرجه البخاري (1420)، ومسلم (2452) واللفظ له. |
↑13 | أخرجه البخاري (1420). |
↑14 | "المستدرك على الصحيحين" (6776) وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يُخرجاه". ووافقه الذهبي. |
↑15 | أخرجه مسلم (770). |
↑16 | أخرجه مسلم (713). |
↑17 | أخرجه مسلم (218). |
↑18 | أخرجه البخاري (6488). |
↑19 | "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي (4/ 411)، والقائل هو أبو مسلم الخولاني، قال: "أيظن أصحاب محمدٍ أن يستأثروا به دوننا؟! كلا، والله لنُزاحمنَّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالًا". |
↑20 | أخرجه مسلم (489). |
↑21 | أخرجه مسلم (2822). |
↑22 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (17217) و(17784)، وقال مُحققوه: "صحيحٌ لغيره". |
↑23 | أخرجه البزار في "مسنده" (7289)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3175) بلفظ: عن أنسٍ قال: قال رسول الله : سبعةٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو كَرَى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (3602). |
↑24 | أخرجه أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (4/ 47) برقم (1204) بلفظ: "قيل للربيع بن خثيم: لو أرحتَ نفسك! قال: راحتها أريد". |
↑25 | يُنسب للإمام سفيان الثوري -رحمه الله-، راجع شرح "كتاب التوحيد" لعبدالكريم الخضير، الدرس العاشر. |
↑26 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 180) برقم (2856)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" (1917). |
↑27 | أخرجه البخاري (1417)، ومسلم (1016). |
↑28 | أخرجه البخاري (1442)، ومسلم (1010). |