المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه الحلقة السابعة من المجموعة الخامسة، وهو الدرس الثامن والخمسون من سلسلة التطبيقات التربوية، وسنختم بما يتعلق بمنهج النبي ﷺ في التعامل مع الأخطاء.
كل فرد معرض للخطأ
سنقف مع بعض الأساليب المتعلقة في التعامل مع الأخطاء، ومعلوم أن كل بيئة تربوية معرض أفرادها للخطأ، الأب أو الأم أو الأبناء أو الطلاب أو المعلمين، أي فرد ما دام أنه من البشر فهو معرض للخطأ، والطرف الآخر الذي ينبغي أن يكون له دور إيجابي، ويريد أن يكون على منهج النبي ﷺ فيما يتعلق بالجانب التربوي، وكيف يتعامل مع هذه الأخطاء لا بد أن يراعي مثل هذه المواقف التي وقفها النبي عليه الصلاة والسلام مع المخطئين، وكيف استطاع أن يحل مثل هذه المشكلات ويحتوي مثلها وأن يقلل منها حتى يعيش الإنسان في حالة من الاستقرار ويستمر في رسالته في هذه الحياة ألا وهي العبودية لله .
وسبق ذكر الشاب الذي جاء يستأذن النبي ﷺ في الزنا وسيأتي أيضًا وكيف تعمل معه، وكذا قصة ماعز والغامدية[1]سيأتي ذكره وتخريجه.، وهذه تعطي دلالة كبيرة على أن الشخصية التربوية المؤثرة من مؤشرات وجودها ذهاب أهل الخطأ والانحراف إليهم، وهذه قضية في منتهى الأهمية حينما يخطئ الابن ويكون مرجع هذا الابن لبيان الخطأ ومحاولته للخلوص من هذه المشكلة هو الأب سيكون هذا الأب أبًا ناجحًا، لكن إذا كان الابن يُخفي على أبيه، وكذا البنت تُخفي على أمها، أو الطالب على أستاذه، فهذا يعني أنه وهو يريد أن يتخلص من المشكلة له مرجع آخر قد يكون إيجابيًا وقد يكون سلبيًا، والخوف حينما يكون مثل هذه المراجع سلبية يتلقى من خلال المستشارين الافتراضيين على النت، فيدخل أو تدخل على النت يعرض وتعرض مشكلتها ويأتي عالَم فسيح لا يدرى ما هو وتتلقى ويتلقى التوجيهات المتعلقة بالمشكلة ليخلص من المشكلة من هؤلاء.
فيجب على المربي أن يكون كما كان عليه الصلاة والسلام مؤثرًا في أصحابه حتى أن بعضهم إذا ووقع في مشكلة في أشد القضايا يأتي إليه مثل: الشاب حين أتى ليطلب الإذن بالزنا، ومثل: قصة ماعز والغامدية لأجل أنهم يعلنون توبتهم من الزنا.
فينبغي أن نُشعر بهذا، وكل واحد يختبر نفسه هل يُؤتى إليه بعض من يربيهم؟ فإن كان معلمًا هل طلابه يأتون فيسألون عن مشكلاتهم؟ وهل الأبناء يأتون أباهم؟ وهل الزوجة تأتي وتتكلم مع زوجها؟
كذلك بالنسبة لك أنت هل تذهب إلى ثقة كما ذهب مثل هؤلاء إلى النبي ﷺ فتشكي ما عندك وتجد الحل الناجع لشخصية تربوية ناجحة؟
إذن نحن نحتاج إلى إدراك أثر هذه الشخصية التربوية في مثل حل المشكلات.
ولذلك كلما زادت هذه القضايا في المجتمع ذكورًا وإناثًا كلما استطعنا أن ننقل مشكلات، ونُوجِد فرصًا للجيل لحل مشكلاتهم، فهذه قضية مهمة فيما يتعلق بالتعامل مع الأخطاء.
ستأتي إليك مشكلات عويصة فوطن نفسك
يفترض أي واحد منا أنه سيتعرض إلى مشكلات عويصة، يعني يتصور الواحد منا أن يأتيه ابنه أو طالب له أو شخص لا يعرفه ويفعل فعل هذا الشاب، أو مثلما حصل من ماعز والغامدية فلا نستغرب وجود أي مستوى من المشكلات، ونوطن أنفسنا لمثل هذا الأمر، وهذا لأن القضية ليست مستحيلة بل ممكنة الوقوع حتى ولو كانت صعبة على النفس؛ لذلك ينبغي أننا نتصور هذا الأمر، والبعض منا ينزعج أولًا قد لا يكون هو مرجعه وهذا مشكلة يرجع لإنسان ليس شخصية جاذبة، فمهم جدًّا أن المربين آباء ومعلمين يكونون جاذبين للمتربين حتى يأتون إليهم في مثل هذه الملمات، كل واحد معرض لمشكلة، ومعرض لوقت تضيق فيه نفسه فيأتي يبحث فيذهب فإذا وجد هؤلاء الناس الصالحين المصلحين الناس الثقات استطعنا أن نحل المشكلات.
كذلك يكون مثل هذه الشخصيات مُوّطنة نفسها بأن تسمع أسوأ المشكلات، وتحتمل أسوأ الاحتمالات فلا يتصور أنه مجرد أن يسمع أن وقع في مثل هذه القضايا الفواحش، وما شابه ذلك أن القضية أصبحت سحابة سوداء، وعندئذ تتغير المزاجية وتتغير النفسية، وتصبح عبارة عن وضع آخر تمامًا في النفسية وفي التوجيه، وفي التعامل، لا، لا، مع كل ما حصل من مثل هذه المواقف وغيرها كما سيأتي معنا في قصة شارب الخمر .. إلخ كلها كانت توطين من الشخصية المربية لمثل وقوع مثل هذه المشكلات، فلا بد أن نوطن أنفسنا وهذا يسمونه التقبل، يقول أهل الاختصاص: وفرق بين التقبل والقبول، فالرسول ﷺ تقبل هذا الشاب بمعنى آخر تقبله على وضعه واستمع منه، كما تقبل أبا الوليد عندما تكلم معه فقال رسول الله ﷺ: أفرغت؟ [2]أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 330)، (36560)، والحاكم في المستدرك (3002)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، … Continue reading.
فتقبله على وضعه وهو كافر لكن ليس قبولًا يعني معنى آخر لا يقبل وضعه وذاك يعتبر أنه ما سمعه ما طلبه هذا الشاب، وما حصل من ماعز لا شك أنه خطأ، لا شك أنه منكر، لا شك أنه انحراف، فهنا لا نقبل ذلك.
وهناك بعض الآباء يقبل أي شيء، بعض الآباء للأسف الشديد تكلمه عن ابنه فيجيب بأنه مراهق، وأذكر قصة قال لي أحد المرشدين الطلابيين: يمارس ابنه بعض السلوكيات غير أخلاقية في الفصل الدراسي فجاء الأب إلى المدرسة بعد أن استدعي فقال: ابني مراهق، يعني أمر طبيعي فلما تهون المشكلة.
فهذا موطن نفسه برود يعني هذا عنده لا مبالاة، ويرى أن القضية طبيعية مثل ما يقول لك: الولد لا يصلي مقصر، هو مراهق، يصلي فيما بعد، ويقال له: ولدك يفعل هذه الفواحش! ويتابع أفلام إباحية!، فيقول بكل برود: مراهق، وفيه أناس للأسف الشديد جعل المراهقة مبررًا لا مفسرًا، وقبل هذا الوضع مع أنه حتى سن المراهقة لا يلزم منه التصور على أنها مرحلة انحراف ومرحلة طيش، وفيها قابلية لمثل هذا الأمر، فيه احتمالية لمثل هذا الشيء في بعض النوازع تكون قوية في هذه المرحلة، لكنها كما عند هذا الشاب الذي أتى إلى النبي ﷺ فراجعه النبي عليه الصلاة والسلام وتقبل ذلك، فتوطين هذه النفس لمثل هذه المشكلات حتى لو عظمت تساعد المربي أن يحل المشكلة بطريقة صحيحة كما حل النبي ﷺ هذه المشكلة، وتساعد الطرف الآخر الذي يشتكي من المشكلة ابنًا كان أو طالبًا أو من كان، إلى أنه يتخلص من هذا الوضع الذي أصابه الهم بسببه.
وهذه هذه الأشياء لا يقبلها أصحاب الفطر السوية، لذلك زجره أصحاب النبي ﷺ يستأذن بالزنا!، هذا أمر غير محمود ويعرف الشاب أن الزنا محرم، أتى يستأذن فما تقبلوا هذا الأمر، فالنبي ﷺ أدرك أن عنده مشكلة فلم ينهره ولم يعنفه فأدناه واحتواه، وتأتي هنا قضية القرب الحسي الجسدي فما أجمل أن يكون المعالج المربي مع صاحب المشكلة الأب مع أبنائه إذا أراد أن يعالج مشكلة يعالجها بالتلفون؟ يعالجها من بُعد عبر الواتساب؟
لا، يعالجها من خلال قرب مادي وقرب حسي: ادن [3]تخريجه في الحاشية التالية.، فدنا حتى جلس بين يدي النبي ﷺ.
فهذ أسلوب من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في حل المشكلات والخلوص من الأخطاء وتجاوزها.
من أساليب حل المشكلات الحوار والإقناع
ومن الأساليب يتعلق بالحوار والإقناع، وسبقت الإشارة إلى شيء منه في اللقاء السابق، ونكمله الآن بإذن الله .
فبدأ بهذا الحوار الذي نحتاج أن نجربه بشكل كبير جدًّا، وهو كما يسمى بأسلوب العقلاني الانفعالي صورة تظهر في عقل صاحب مشكلة وتؤثر في وجدانه بعد ذلك: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات: 12]، هذه الغيبة، فهو يتصور لحم أخيه وهو ميت ويأكله هذا التصور الذهني ثم يأتي أثره في النفس فيقول: فكرهتموه، فيكره ذلك فتشمئز نفسه من الغيبة، أسلوب من أساليب الابتعاد عن الغيبة من خلال هذا الأسلوب العقلاني الانفعالي مثل قصة الشاب الذي جاء يستأذن في الزنا فقال له النبي ﷺ: أتحبه لأمك؟، قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا. والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟، قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟، قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، فأصبح يتصور أن الذي أتى من أجله ليأخذ الإذن من النبي ﷺ يحصل لأمه، يتصور من يزني بأمه، يتصور من يزني بأخته، من يزني بعمته، من يزني بخالته، هذه صورة عقلية، ثم تضرب هذه الصورة العقلية أثرها في الجانب الانفعالي، فقال: "لا، فداك أبي وأمي"، وهكذا الناس لا يرضونه لأمهاتهم...
فحصل التفاعل من خلال هذا الأسلوب ولم يقل له: حرام؛ لأن الشاب مدرك حكمه، فيحتاج إلى طريقة أخرى تؤثر فيه، والتكرار الذي حصل من النبي ﷺ في تعدد المحارم وكان بالإمكان الاكتفاء واحدة محاولة لمساعدة الشاب لشدة الأمر عليه للخلوص من هذه المشكلة، ولأنه قد لا يكفيك دليلًا واحدًا لتقنع الطرف الآخر، قد يحتاج إلى دليل ثاني وثالث ورابع حجة بعد أخرى وأسلوب عقلاني انفعالي ثاني وثالث ورابع، فإذا كان الأمر شديدًا عند الطرف الآخر متمكنًا منه فتحتاج إلى طول بال، وتحتاج إلى أدلة وأساليب أكثر.
حاجة جيلنا هذا إلى الحوار والإقناع
وجيلنا اليوم يحتاج إلى الحوار والإقناع لما للإعلام من أثر عليه فالإعلام الجديد يربيه الحوار ويعطيه مجالات للإقناع بغض النظر سلبي أو إيجابي، فلم يعد ينفع مجرد الأمر افعل ولا تفعل لحل مشكلة ما، فبعض الشباب اليوم في أمس الحاجة لأسلوب الحوار والإقناع، لحل الخطأ ومعالجته، ومن كان منحرفًا أن يستقيم ويتجاوز هذه المشكلة، وهذا هو الاستقرار النفسي وهو أدنى مستوى في تحقيق الهدف في هذه الحياة بعيدًا عن المشكلات، وعنده شيء من البناء الإيجابي في هذه الحياة، وإذا جاءت المشكلات عكرت مزاج الإنسان فيكون مهمومًا مغمومًا، ولم يشعر بلذة الصلاة، حياته مكدرة، هذا في الصلاة فكيف بغيرها؟ فلذلك كلما خلصناه من المشكلات حققنا له هدف الاستقرار، وهذا حد أدنى للخلوص من المشكلة التي يعاني منها.
ثم إن القضية العقلانية الانفعالية ممكن أي واحد مسلم وكافر يفعلها، وكذا القرب أي واحد ممكن يفعلها مسلم وكافر التقبل لا القبول كما سبق، المرجعية ممكن شخص كافر لكن القضية المرتبطة بالجانب الإيماني المرجعية لله ، فوضع النبي ﷺ يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه[4]أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة … Continue reading.
نحتاج إلى الموعظة نحتاج إلى التربية الإيمانية وإلى الربط بالله وبعض المعالجين يستحون من استخدام العلاج الإيماني في المشكلات، وفي الجلسات الإرشادية، ويستحون أنهم يُوجِّهون في الرقية وأن يقرأ على نفسه وفي قضية العلاج بالقرآن والعلاج بالصلاة، وإلى آخره، للأسف هذا يكون جزء مما يتولد من الفلسفة التي اطلع عليها الغربية وأثرت فيه كثيرًا بمنأى عن قضية التأصيل الإسلامي لمثل هذه القضايا، والرسول ﷺ بين أن الأمر لله من قبل ومن بعد، فالذي سيطهر قلبه ويحصن فرجه هو الله ، وهو الذي سيغفر ذنبه، ولذلك كان هذه خاتمة رائعة جدًّا لا بد أن نربط صاحب المشكلة بالله ، نربطه بالعودة إلى الله .
وبعض الذين يمارسون شيئًا من هذا قد يكونوا غير مختصين، وقد جلست مع بعضهم وأعجبني تأكيده على بعض الحالات وأنه يقف هذا الإنسان ويصلي مثلًا في آخر الليل، ويقرأ آية ويحاول يكررها؛ لأن لها ارتباط وكان بوضعه ومشكلته فكان لهذه المشكلة حل لمشكلته؛ لأنها رسائل من رب العالمين يكررها ويتمعنها، والرسول ﷺ قام لليلة بآية واحدة هي قول الله سبحانه: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118][5]أخرجه النسائي (1010)، وابن ماجه (1350)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1205)..
فكان هذا الرجل الفاضل يعطي جرعاته في حل المشكلات بانتقاء آيات لها علاقة بالمشكلة المذكورة ويطلب منه أن يقوم الليل بهذه الآية، وحدثني عن عدد من الإنجازات التي وفقه الله إليها مع بعض الحالات، فهذا من أساليب التعامل مع الأخطاء وحل المشكلات ممكن نستفيدها من منهج النبي ﷺ.
أثر القرب المعنوي في حل المشكلات
وكذلك القرب المعنوي والاهتمام به والرحمة التعاطف معه، والشعور بأن المربي حريص عليه كل هذه من القضايا الوجدانية، القرب المعنوي، يعني يشعر بأنه مهتم به: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] فهذا وصف للنبي ﷺ فعلى المربي أن يتحلى بهذا الخلق النبيل الذي كان النبي ﷺ متصفًا به، وإذا كان كذلك لا شك أن هذا بسببه يملك مشاعر صاحب المشكلة، وهذا الذي أتى بماعز والغامدية للنبي ﷺ.
فكلما كان عنده هذه الصفات الوجدانية القِيَمية قوية كلما كانت مؤثرة على الأجيال كما أثبتت الدراسات في علم النفس التربوي، وللأسف الشديد الذي غالبًا يكون مقصر في الجانب التربوي الأسري من الآباء مع الأبناء، وفي الجانب التربوي المدرسي من المعلمين مع الطلاب، وفي الجانب التربوي الوظيفي بين المسؤول ومن تحته، ضعف إشباع الجانب العاطفي، ضعف إشباع الجانب الوجداني، هذا القرب المعنوي.
وأتى مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إلى النبيِّ ﷺ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ النبيُّ ﷺ: مِثْلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ، قالَ له رَسولُ اللهِ: فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟، فَقالَ: مِنَ الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ: أَبِهِ جُنُونٌ؟، فَأُخْبِرَ أنَّهُ ليسَ بمَجْنُونٍ، فَقالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا؟، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ منه رِيحَ خَمْرٍ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: أَزَنَيْتَ؟، فَقالَ: نَعَمْ، فأمَرَ به فَرُجِمَ، فَكانَ النَّاسُ فيه فِرْقَتَيْنِ: قَائِلٌ يقولُ: لقَدْ هَلَكَ، لقَدْ أَحَاطَتْ به خَطِيئَتُهُ.
وَقَائِلٌ يقولُ: ما تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِن تَوْبَةِ مَاعِزٍ. إنَّهُ جَاءَ إلى النبيِّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ في يَدِهِ، ثُمَّ قالَ: اقْتُلْنِي بالحِجَارَةِ، قالَ: فَلَبِثُوا بذلكَ يَومَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسولُ اللهِ ﷺ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَقالوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ.
قالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِن غَامِدٍ مِنَ الأزْدِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ، فَقالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كما رَدَّدْتَ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ، قالَ: وَما ذَاكِ؟ قالَتْ: إنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقالَ: أنْتِ؟ قالَتْ: نَعَمْ، فَقالَ لَهَا: حتَّى تَضَعِي ما في بَطْنِكِ، قالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ حتَّى وَضَعَتْ، قالَ: فأتَى النبيَّ ﷺ، فَقالَ: قدْ وَضَعَتِ الغَامِدِيَّةُ، فَقالَ: إذن لا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا ليسَ له مَن يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: إلَيَّ رَضَاعُهُ يا نَبِيَّ اللهِ، قالَ: فَرَجَمَهَا"[6]أخرجه مسلم (1695).، فهذا الحديث فيه جوانب نذكر بعضها:
منها: أن بعض الناس الذين يعيشون أثر المشكلة يكونون في حالة شديدة قد لا يكفيها إجراء معين فيتخلصون من الحالة النفسية، فالنبي ﷺ كان يريد أن يرد ماعزًا والغامدية فيتوبا إلى الله بينهما وبين الله، وهذا هو الواجب، أن الناس الذين يحصل عندهم تعامل مع غيره في المشكلات فيما يتعلق في حق الله أنه يربى على التوبة، وأنه يستغفر الله ، ولا يتجاوز مثل هذا الأمر؛ لأن هذا الأمر الواجب الذي عليه، لكن ماعز والغامدية يريدا أن يرتاحا من هذا الذنب الذي وقعا فيه، ولذلك بعض الناس قد تجد منه طلبات حينما يقع في مشكلة أكبر مما ترى أنه هو حل له ولمشكلته، فالأمر يختلف من شخص لآخر ومن طبيعة إلى طبيعة.
فإذن نحتاج أن نتنبه لمثل هذه القضية، وتصور يعرف مصيره أنه سيرجم، وكذلك تعرف مصيرها بأنها سترجم، وكان هذا أفضل خيار بالنسبة لهما، فلا شك أن مما يتعلق بالتعامل مع الأخطاء أن هناك من يكون في واقع أثر المشكلة أنه قد يكون عنده من الحس الإيماني والشعور بالذنب ما يفوق به الذين لم يقعوا بمثل هذا، فما يقع في قلب الإنسان لا بد ننتبه له، ولذلك ربما تكون من رحمة الله بالعبد أنه يذنب فينكسر قلبه لله فتكون أوبته وعودته إلى الله أفضل بعد الذنب، فمثل هؤلاء بالنسبة لهم نعمة عظيمة، وتوبة منهم صادقة ثم انطلاق إلى السعادة في هذه الحياة ينبغي أننا كما نحرص على أن نتجاوز المشكلات.
زراعة الحس المرهف تجاه المنكرات
كذلك ينبغي أن نشعر بأن يتجاوز هذه المشكلة بكل طاقته وبكل إيجابيته وبكل حيويته وهذا يحتاج إلى زراعة الحس المرهف تجاه المنكرات والمعاصي والذنوب والأخطاء وعدم قبولها والتأفف منها، فنحتاج إلى أن نستثمر مثل هذه المواقف، والناس يتفاوتون في هذا الجانب، وقد يكون في حق الله، لا يتعلق بقضية توبته بينه وبين الله، وتنتهي القضية وهذا لا شك أنه غسيل للذنب لكنه في أناس قد تكون القضية بالنسبة إليهم تحتاج إلى شيء أكبر من هذا الأمر فلا نستغرب بل أننا نستثمر مثل هذا الأمر إلى مستوى دافعية أكبر إلى أن يسعدوا في هذه الحياة.
ولذلك مهم جدًّا عند حل المشكلات والتعامل مع الأخطاء الفأل؛ لأن بعض الناس يكون عنده شيء من الإحباط فلا بد يكون فيه فأل وقادر أن يتجاوز، ماعز والغامدية ليس عندهم إحباط رضي الله عنهم وأرضاهم وإنما الشعور بالذنب، يريدون أن يصفوه بينهم وبين الله ، وهم عارفين أن هذه الطريق فلذلك الإنسان يحتاج أن يساعد على الإيجابية حتى ولو وقع في الخطأ على الخروج من الإحباط إذا كان قد شعر بشيء من الإحباط عند وقوعه في الخطأ، وعنده وقوعه في الذنب الذي هو في حق الله أو في حق العباد.
الأمر الآخر: حكم النبي ﷺ لما اختلف القوم في حق ماعز، وقال هؤلاء مقولتهم بيّن الرسول ﷺ فقال: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتها، هذا من الفأل بيان الصورة الإيجابية لمن وقع في المشكلة، وأراد الخروج منها وبالذات ما يتعلق بالانحراف وما شابه ذلك؛ لأنه عكس ذلك التوبيخ، وعكس ذلك الإشعار بالقنوط لما لا يجد الموجه من الآباء أو من المعلمين، أو من غيرهم التوجيه الصحيح، كما وجه النبي ﷺ من خلال المعطيات كالقرب المادي الحسي والقرب المعنوي والحوار، وما شابه ذلك حصل حوار لكن صار إلحاح من الطرف الآخر لذلك لا نستغرب أن صاحب المشكلة قد يلح عليك بأشياء لم تكن تتصورها فلا بد أن نتحملها؛ لأن صاحب المشكلة إذا ضغطت عليه القضية واتجه للخلوص منها بإيجابية فقد يكون عنده طلبات، نحتاج أن نعاونه ونساعده على تحقيق هذه الطلبات مع أنه قد يكون يكفيه أقل من ذلك لكن هو يريد أن يرتاح، ولذلك الصبر عليه فماعز طلب من النبي ﷺ أن يطهره أربع مرات، والغامدية تأتي وتذهب والبعض قد لا يتحمل أن يستمع المشكلة ناهيك أنه يضع الخطوة الأولى ثم ينتظر، وهذا أرجو ألا يكون تكلفًا، لكن ما يسمى بالمقابلات في التخصص وما يرتبط بالمقابلة الأولى، وإعطاء تكاليف معينة، ثم المجيء للمقابلة الثانية، ثم الثالثة فأنت قد لا تستطيع أخي الأب أو المعلم أو المربي أيًا كنت أن تحل المشكلة من أول لقاء، قد تقول له: أتمنى منك أن تفعل هذا الفعل، أن تقرأ هذا الأمر أن تفكر في هذا الموضوع ثم نلتقي مرة أخرى، يأتي أخرى ثم نلتقي مرة ثالثة ولذلك لا بد من طول بال والذين عندهم هذا التحمل ولديهم هذا الاستعداد فيما يتعلق بالمنح أو الجود لوقتهم ومنح فرصًا لأبنائهم خاصة عند مشكلاتهم لطلابهم خاصة عند مشكلاتهم لزملائهم، عند مشكلاتهم للمجتمع عمومًا يأتيك شخص لا تعرفه ويأخذ منك وقتًا وما شابه ذلك خاصة إذا كنت إمامًا في المسجد من ناس يأوون إليك لا شك أن هذه من القضايا التي يمكن أن نستفيد منها في موقف النبي ﷺ مع أصحابه في المشكلات.
التعامل مع المعطيات لا يعني إغفال الحق
ولا يضيع الحق مع كل هذه المعطيات، فالحق لم يُضع في قصة الشاب وإنما حصل الحوار والإقناع حتى تغير فكره وخرج وليس في نفسه حاجة في الزنا.
وماعز والغامدية أقيم عليهما الحد، ومهما قلنا من القضايا الوجدانية، ومن القرب المادي، والقرب المعنوي، واحتوى المربي للمشكلة لا نغفل عن إحقاق الحق ولا نُغفل إحقاقه، فإذا كان الأمر يستدعي إظهار حق فلا يقال: هذا خطأ، ولا ينبغي أن تفعله، والصواب كذا، إذا كان يحتاج إلى أمر يلزم منه عقوبة، وكان هذا هو الرأي المناسب ليكون العقوبة، وما شابه ذلك، فتختلف القضايا خاصة عندما يدخلها جوانب شرعية كالحدود والتعزيرات، وغيرها، فالكلام في بيان الصورة التي نريد أن نصل إليها فيما يتعلق بالمعطيات التي نناقشها فيما يرتبط بأساليب التعامل مع الأخطاء في منهج النبي ﷺ.
أخرج مسلم عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ﷺ. إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله ﷺ: مه مه، قال: قال رسول الله ﷺ: لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله ﷺ دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله ، والصلاة وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله ﷺ قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه[7]أخرجه مسلم (285)..
فيظهر في قوله عليه الصلاة والسلام: إن هذه المساجد...، إحقاق الحق وبيان الصواب ولم يسكت عن بيان الحق عند المشكلات بحجة الاحتواء، ففي بيان الحق: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله ، والصلاة وقراءة القرآن.
مراعات المآلات عند معالجة الأخطاء
وينبغي عند معالجة الأخطاء وحلها النظر إلى مآلات الأمور فالأعرابي حين بال في المسجد قال من حضر من الصحابة : مه مه؛ لأنهم فكروا في هذا النجاسة في المسجد، فنهاهم النبي ﷺ فقال: لا تزرموه، فتركوه؛ لأن هناك أضرارًا وآثارًا مرتبطة به بغيره إذا قطع البول بعد أن بدأ، فينبغي أن يفكر الإنسان في مآلات الأمور حين يحل مشكلة ولا يستعجل، وينظر للمصالح والمفاسد، فإذا تصورها عرف كيف يفعل، ولذلك ينبغي أن لا نستعجل الحلول ونظن أن القضية عبارة عن سؤال، حلال أو حرام، يجوز أو لا يجوز، نعم أو لا، هذا ليس صحيحًا أن يكون الأمر لازمًا بهذه الصورة، فالمشكلة تحتاج إلى تصور عنها وصبر.
فصبر النبي ﷺ حتى انتهى الأعرابي من بوله ثم حصل بيان الأمر، وما حصل من الآثار هي أقل من الآثار فيما لو أنه مُنع وهو يبول، فأُتيّ بدلو من ماء ثم شنه عليه، فذهبت النجاسة، وعُلّم الأعرابي وبُيِّن له الحق.
وينبغي معرفة بيئة الشخص الذي وقع في المشكلة فثقافة الأعرابي في ذلك الزمان متوقع منه أن يقع منه هذا الأمر، وحتى في زمننا اليوم الذي يعيش في البادية تجد ثقافته تختلف عن ثقافة الحضري أو الذي يعيش في المدينة، فلا بد من مراعة هذا الجانب لأجل تفسير الحالة ثم الخلوص بعد ذلك بالنتيجة الإيجابية في حل المشكلة، أما معاملة سين وصاد من الناس بمعاملة واحدة وأن الطلاب كلهم سوى فهذا خطأ، وقد تكون عند أحدهما المعلومة ناقصة عنده فيكون هو سبب مشكلة، والثاني عنده المعلومة، ففرق بين هذا وهذا.
وطالب عنده ظروف اجتماعية من أسرة فقيرة وآخر من أسرة غنية ففرق في التعامل مع هذا وهذا، وطالب من خلال وضع اجتماعي مستقر وعلاقة حميمية بين الوالدين، وآخر من بيئة فيها انفصام بين الزوج وزوجته كل هذا لا بد أن نتعاطها فيما يتعلق بحل المشكلات، وأهل التخصص يسمونه هذه الحالة وغيرها دراسة الحالة، وبعبارة أخرى لا بد من تصور القضية حتى نصل إلى حل المشكلة.
مثال آخر:
عن أبي هريرة : "أن رجلاً سأل النبيَّ ﷺ عن المباشرة للصائم فرخَّص له، وأتاه آخرُ فسأله فنهاه، فإذا الذي رخصَ له شَيْخٌ، والذي نهاه شابٌّ"[8]أخرجه أبو داود (2387)، والبيهقي في السنن الكبرى (8162)، وقال الألباني في صحيح أبي داود (2065): "حسن صحيح"..
فالشاب قد لا يملك إربه بخلاف الشيخ فلا بد من الفقه في مثل هذه المسائل فيما يتعلق بالفروق الفردية ومراعاة حال صاحب المشكلة، فكل شخص يختلف عن الآخر الأبناء وكذا الطلاب.
مثال آخر:
حديث عمرو بن أبي سلمة قال: "كنت غلامًا في حجر رسول الله ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله ﷺ: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد"[9]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، فهذا خلل سلوكي من طفل، والخطأ منه وارد؛ لذا حل من النبي عليه الصلاة والسلام التوجيه المباشر لكونه أنسب شيء؛ لأنه طفل المعلومات والأرضية والخلفية ليست مطلوبة يحتاج من يعلمه إياها والأطفال هم مرتع وبيئة التعليم والتوجيه، ومن يقول: إنهم أطفال ولا يوجهون مثل هذا التوجيه مخطئ للأسف.
ويوجد من يكتب يتحدث بأن الأطفال لا نشغلهم بحفظ كتاب الله، ولا نشغلهم ببعض الأمور المتعلقة بالعقيدة، و...، ونسي أو جهل أن رسول ﷺ يقول: يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك [10]أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد في المسند (2763)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957).، وقال هنا: يا غلام الله وكل بيمينك وكل مما يليك، ثم انظر مخاطبة النبي ﷺ الغلام بقوله: يا غلام...، وبعض المواقف التي قد تحصل لنا مع الأطفال حين يخطئ أحدهم فأول عبارة نقولها: ممتاز!، لكن يقصد بها النهر والشدة، وقلّ من يقول: يا ولدي لا تفعل كذا، فالنداء الطيب ما بعده سيكون أطيب تعليم وراحة، وسلمنا من التوبيخ واللوم والعتاب في مثل هذه المرحلة التي متوقع منها الخطأ.
صحّح الخطأ بالطرق الصحيحة تدخل التاريخ
والناس الذين يمارسون التوجيه وحل المشكلات والتأثير في الآخرين تصحيح الأخطاء بالطريقة السليمة لن يُنسون في التاريخ عند أصحابهم أبدًا فكيف إذا كانوا آباء أو معلمين فإن لها الأثر الكبير.
مثال آخر:
حديث أبي هريرة أتي النبي ﷺ برجل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان [11]أخرجه البخاري (6777)..
وفي رواية: قال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول الله ﷺ لأصحابه: بكِّتوه فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله، وما استحييت من رسول الله ﷺ، ثم أرسلوه، وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه[12]أخرجه أبو داود (4478)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3621)..
وعن عمر بن الخطاب، أن رجلًا على عهد النبي ﷺ كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله ﷺ، وكان النبي ﷺ قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي ﷺ: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله[13]أخرجه البخاري (6780)..
يعني على شدة هذا الذنب وأنه شرب أم الخبائث، بل وأُتيّ به مرارًا.
وكذلك إقامة الأمر الشرعي الذي أمر به النبي ﷺ إلا أن النبي ﷺ يبين أنه لا يجوز أبدًا أن نكون سببًا في اتساع دائرة المشاكل، ولا نكون عوانًا للشيطان على أبناءنا وطلابنا وأحبابنا، وغيرهم، بطريقة حل المشكلات، وإنما نتبع طريقة الرسول ﷺ لنقلل المشكلة ودائرتها.
وعونه بطلب المغفرة له والرحمة، وبذكر الجانب الإيجابي لديه، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله، وكما في قصة عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: قال: "كان الرجل في حياة رسول الله ﷺ، إذا رأى رؤيا، قصها على رسول الله ﷺ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي ﷺ، قال: وكنت غلامًا شابًا عزبًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله ﷺ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة، على رسول الله ﷺ، فقال النبي ﷺ: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل قال سالم: فكان عبد الله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلًا"[14]أخرجه البخاري (3738)، ومسلم (2479)..
والشاهد قوله: نعم الرجل عبد الله، ثم وجهه إلى الجانب الذي يحتاج إلى أن يحسن نفسه فيه: لو كان يصلي من الليل، وكان لهذا التوجيه أثر بالغ فكان بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلًا، فكانت هذه الرؤيا رحمة به رضي الله عنه وأرضاه.
أيها المربي: ضع في بالك أن المشكلة مهما بلغت فهناك بذرة طيبة موجودة، وأن هناك حسنات وإيجابيات لدى الطفل في المقابل؛ فحاول أن تتذكرها وقت حل المشكلة، ويمكنك ذكرها له؛ لأن هذا يريح نفسيته، ويقبل بعد ذلك على تعديل السلوك وتصحيح المسار.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يستعملنا وإياكم في طاعته، ويجعلنا وإياكم متبعين لهدي نبيه ﷺ.
فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله سبحانه، والحمد لله رب العالمين.
↑1 | سيأتي ذكره وتخريجه. |
---|---|
↑2 | أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 330)، (36560)، والحاكم في المستدرك (3002)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وأبو يعلى في مسنده (1818)، وذكره الألباني في صحيح السيرة النبوية (ص: 160). |
↑3 | تخريجه في الحاشية التالية. |
↑4 | أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (370). |
↑5 | أخرجه النسائي (1010)، وابن ماجه (1350)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1205). |
↑6 | أخرجه مسلم (1695). |
↑7 | أخرجه مسلم (285). |
↑8 | أخرجه أبو داود (2387)، والبيهقي في السنن الكبرى (8162)، وقال الألباني في صحيح أبي داود (2065): "حسن صحيح". |
↑9 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑10 | أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد في المسند (2763)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957). |
↑11 | أخرجه البخاري (6777). |
↑12 | أخرجه أبو داود (4478)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3621). |
↑13 | أخرجه البخاري (6780). |
↑14 | أخرجه البخاري (3738)، ومسلم (2479). |