المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذا هو اللقاء الخامس من المجموعة الخامسة حول معالم المنهج النبوي التربوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وسبق الكلام عن مجموعة من المعالم فيما يتعلق بالتعامل في كتاب الله ، وسمة التعليم والربط بين العقيدة والسلوك، والتفقه في الدين، وحول التربية الأسرية، وما يتعلق ببناء القيم والأخلاق والآداب، وما يرتبط برعاية الحقوق والمعاملات، والعناية بالأهداف بأنواعها الثلاثة: المعرفية، والوجدانية، والمهارية، وحول التقييم وإصدار الأحكام، والمقياس الحقيقي للنجاح.
وكذلك ما يتعلق بالفروق الفردية ومراعاتها، وهي من القضايا التي ظهرت جليًّا في منهج النبي ﷺ في تربيته لأصحابه .
اهتمام النبي ﷺ بالأطفال
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان متميزًا في تربيته وما يتعلق بتعامله مع جميع المراحل العمرية، تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع جميع المراحل العمرية: نجد مثلًا: ما يرتبط بالأطفال كما جاء في الحديث الصحيح : عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال: أحسبه، قال: كان فطِيمًا، قال: فكان إذا جاء رسول الله ﷺ فرآه، قال: أبا عمير ما فعل النغير؟ [1]أخرجه البخاري (6129)، و(6203)، ومسلم (2150)..
فهذا الموقف يُحتاج إليه في التعامل مع مرحلة البراءة والطفولة، والحافظ ابن حجر العسقلاني[2]انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 583)، وما بعدها. رحمه الله استنبط فوائد عديدة من هذا الموقف النبوي: أبا عمير ما فعل النغير؟، وليس المراد الوقوف عند هذه الأحاديث واستلهام الدروس من كل حديث؛ لأننا لن ننتهي، وإنما هو إعطاء معالم عامة في التعامل، والنبي عليه الصلاة والسلام هو المربي الأول ويتعامل مع الأطفال بهذا التعامل.
ألسنا بأمس الحاجة أن نتعامل مع أطفالنا بمثل هذا التعامل؟! وكذا المعلمون بأمس الحاجة؛ لأن يتعاملوا مع طلابهم الصغار في المرحلة الابتدائية وما دونها بمثل هذا التعامل؟!
فالنبي ﷺ نزل إلى مرحلة الطفولة وعاش مشاعر الطفل، بل لاحظ اللفتة الكريمة من النبي ﷺ حين رآه حزينًا لم يغفل عنه واهتم به عليه الصلاة والسلام، فسأل عن سبب حزنه كما في رواية أبي داود عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله ﷺ: يدخل علينا ولي أخ صغير يُكنى أبا عمير، وكان له نَغْر يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي ﷺ ذات يوم فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟، قالوا: مات نغره، فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟[3]أخرجه أبو داود (4969)، ومسلم (2022)..
فهذا الوقت لم يذهب سدى وإنما في بناء أجيال؛ لأن الأطفال الصغار كلما أعطيناهم اهتمامًا ورعاية وعاطفة وأشعرناهم بالمحبة والود كلما تلقوا منا، لماذا هم قد ينفرون من بعض المربين آباء كانوا أو معلمين ثم يتلقون من أطراف أخرى؟ وقد تكون أطرافًا سلبية، أو أطرافًا منحرفة من الإعلام، وغيره.
ومن خلال العناية والرعاية الرسول عليه الصلاة والسلام ينزل إلى مستوى هذا الطفل، ثم يداعبه: يا أبا عمير ما فعل النغير؟، صورة من صور البساطة في التعامل، والرحمة والشفقة، والنزول والتواضع، المعايشة الشعورية، فكم نحن بحاجة إلى مثل هذه المواقف العظيمة التي وقفها النبي ﷺ، فلذلك كان جزءًا من اهتماماته بالطفولة.
الأب أحيانًا قد يجرم في حق أطفاله
وبعض الناس لا يريد أو لا يرغب في التعامل مع الأطفال، فالأب ليس له مفر من التعامل مع أطفاله وأبنائه، ولذلك البعض يستعمل وسيلة الانحراف، كأجهزة الإعلام مثلًا إذا كانت منحرفة، كوسيلة لإشغال الأطفال وإبعادهم عن الصياح والصراخ الذي يتأذى منه الوالدان، وهذه الطريقة غير سليمة ومثل هذا إجرام في حق الطفولة؛ بأنْ سُلّمت تربية فلذات أكبادهم إلى من يحرّف مسار الفطرة فيهم، كأجهزة الإعلام والألعاب الإلكترونية غير النظيفة.
وأقدر الأب الذي يبحث عن اللعبة الإلكترونية المناسبة من حيث المضمون والمحتوى بالدرجة الأولى، لكن الذي لا يدري ماذا يلعب ابنه؟! تجده على الأون لاين والألعاب عبر التقنية مع مشارق الأرض ومغاربها، ويلعب مع ذاك وتلك، وهو لا يدري من الذين يلعب معهم، ثم يكتسب علاقات وصدقات افتراضية تؤثر في أخلاقه، وفكره، ونحن بحاجة أن نعوض ما يفقده بعض الأطفال في بعض البيئات.
الجناية على مرحلة الطفولة
حينما لا يوفق الطفل إلى أب أو أم غير ناجحين، أو إلى معلم ومعلمة غير ناجحين، وإلى مجتمع كذلك لا يساعد فيعوض من خلال أب ناجح، ومن خلال معلم ناجح، ومن خلال بيئات مجتمعية ناجحة.
والمشكلة أن مرحلة الطفولة من المراحل التي جُني عليها؛ لبراءتها، عن عمرو بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي النبي ﷺ: يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك[4]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، فهذا توجيه مباشر يحتاجه الأطفال، فلو سكتنا عن مثل هذا الأمر ستكون النتيجة المترتبة على ذلك هي استمرارية السلوك السيئ، ولا مشكلة أن نواجه الطفل لتصحيح خطأ وقع فيه.
ولذلك عندنا إشكاليات في هذا الموضوع:
الإشكالية الأولى:
أننا لا نرى التوجيه بحجة أنهم لا يزالون صغارًا، والرسول ﷺ وجه في آداب الأكل والشرب، ووجه عليه الصلاة والسلام في قضايا العقيدة عندما كان رديفه ابن عباس رضي الله عنهما فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك،... [5]أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957).، والذي لا يمارس التوجيه أصلًا يرى الطفولة مرحلة ضائعة، كأنها خارج التاريخ، متروكة للطفل وهذا غير صحيح.
الإشكالية الثانية:
وأشد منها: البديل الذي سيحل محل الأب في التوجيه، حينما يكون هذا البديل منحرفًا، وما أكثر الانحراف اليوم، اطلعت على تقرير عن بعض الألعاب الإلكترونية وأعد هذا التقرير شخص مختص بالحاسب الآلي فتابع بعض الألعاب وعمل التقرير ورفعه للجهات، هذا الكلام ليس غريبًا، يقف شعر الرأس حين يعلم الشخص أن ولده يمارس هذا، فيجب أن نجتهد في تربية الطفل لكون التقليد عند الأطفال شيئًا لا بد منه.
وهنا قضية أساسية في الطفولة وهي قوة التقليد والمحاكاة، فهو مقلد لا يُدرك إذا لم تعلمه مثلما علم الرسول ﷺ ابن عباس، وعلم عمرو بن سلمة فلن يعرف الحق من الشر، والحق من الباطل؛ لأنه إذا سكت عنه سيفهم أنه على الصح وهذه مشكلة كبيرةً جدًّا، يقف لها شعر الرأس؛ حيث فيها إبراز قضايا الكفريات: كالصليب وما يتعلق به، الحوافز (البونص)، هي قضية شعار الصليب، هذا الجانب العقدي.
الجانب الأخلاقي كأن يتعرف على بنت ويرُكِبها السيارة وخطوات شيئًا فشيئًا، هذا (البونص)، وكلما استطاع أن يحقق مستويات عُليا كلما دخلت مثل هذه الحوافز في اللعبة، فهذه مشكلة كبيرة جدًّا!.
وسألني شخص عن بنت صغيرة قريبة له، يذكر عن أم هذه البنت أنها تقوم بخلع ملابسها وتحاول أن تفعل هذا الشيء مع الطرف الآخر وكان ذكرًا، فقلت له: أسألك وأسألهم: هل في بيتهم دش؟ وقنوات فضائية؟
قال: نعم، وللأسف أن هذه القريبة وزوجها متساهلون جدًّا، وبيئتهم مفتوحة جدًّا، ما عندهم ضوابط، يُرى ما يُرى.
وقال: فعلًا هي تشهد بأن السبب هو من خلال ما رأته هذه الطفلة الصغيرة وهذا الطفل الصغير لبعض المواقف السيئة، والدروس المخزية التي تبث عبر أجهزة الإعلام، وعبر الأجهزة الذكية، دروس تقوية، تقوية الشر، وتقوية الفساد، والأب والأم غافلون عن الرعاية التي ما جعلت النبي ﷺ بعيدًا عن الأطفال، وما جعلت النبي ﷺ مستنكفًا أن يكون قريبًا منهم، وإنما عليه الصلاة والسلام أدرك حاجة قرب المربي من مثل هذه الفئة العمرية (الطفولة)!.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: ليس منا لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه [6]أخرجه أحمد في المسند (22755)، وقال محققوه: "صحيح لغيره دون قوله: ("ويعرف لعالمنا)"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع … Continue reading فأكد قضية الرحمة بالصغير، والرحمة بالصغير مرتبطة بالقيم، ومن رحمته بالصغير أن يحفظه من مزالق الشرور ودهاليز الفساد من الأفكار المنحرفة، والسلوكيات المنحرفة هذه هي الرحمة، وليس الرحمة أن يترك كما يريد، ليس الرحمة أن يفعل ما يشاء، وليس الرحمة أنه لا يحتاج أننا نثقل عليه!
أنت الآن لا تثقل عليه بالتوجيه وأجهزة الإعلام تضخ عليه بالتوجيه، لماذا أجهزة الإعلام راضٍ عنها تزخ بالتوجيه وتوجيه خفي ولا تقول شيئًا في ذلك؟ هي إشكالية استسلام تجاه مرحلة البراءة والطفولة.
ولذلك مهم جدًّا للآباء والمربين أن يقرؤوا عن خصائص مرحلة الطفولة، ويطلعوا على ما يتعلق بهذه المرحلة، فهذه المرحلة من أثمن المراحل في بناء الشخصية، ومن أسرع المراحل في بناء الفكر والسلوك، فإذا تخلينا عن المسؤولية سيأتي من يعتني بهذا الجانب؛ لأن لديه من الخصائص مثل قوة التقليد والمحاكاة، ومثل: سرعة القابلية والتشكيل، تجعل الطفل إذا ما وجد من يتلقى منه بشكل سليم سيتلقى بشكل سلبي إلا إذا وفقه الله بمعلم ناجح في المدرسة وعوض النقص الذي في البيت، وما شابه ذلك.
فنحتاج أن نتنبّه إلى مثل هذه القضايا في التعامل مع الأطفال، فكان النبي عليه الصلاة والسلام من معالم تربيته أنه يعتني بمرحلة الطفولة، وهو القائد وهو المربي وهو المشغول، وهو العالم عليه الصلاة والسلام فلم يشغله ذلك عن أنه يمازح الأطفال، وأنه يربي بعضهم على كتم السر، وتحميل المسؤولية كما فعل مع أنس[7]أخرجه مسلم (2309-2310)، وأبو داود (4774)، واللفظ له.، أنه يلاطفهم ويداعبهم كما فعل مع أبي عمير.
أيضًا من معالم المنهج النبوي أن النبي ﷺ كان يربي جميع المراحل العمرية، ولا يغفل عن هذه المراحل أيًّا كانت، فالطفولة ذكرناها، وأذكر أني كنت في أحد المساجد في كلمة حول التربية الأسرية فبعد اللقاء كلمني أحد الآباء تقريبًا هو ستيني أو سبعيني في العمر وكان محترقًا بسبب أنه كان يشتكي أحد أبنائه المراهقين الشباب الذي ضاع وانحرف، عرفت من خلال بعض الموجودين أن الأب هو سبب البلاء، وكما يقال: ما ينشأ عليه الأبناء هو بسبب ما ربي عليه الآباء، هذه قاعدة شبه مطّردة لا تنخرم إلا قليلًا.
قلت له: عندك ابن الآن صغير؟ قال لي: نعم، قلت له: اهتم به واحرص عليه، وعامله معاملة طيبة، واستفد من الكلام الذي قيل في الكلمة، واغرسه فيه قدر ما تستطيع وتعامل معه بهذه الطريقة، وابنك الكبير لا تيأس ادع الله أن يفتح عليه، وإلى آخره.
وقصدت بهذا الكلام أن الرعاية التي توجد للأطفال بطريقة سليمة سيجعل الطفل يقبل على المرحلة الأصعب وهي المراهقة بشكل فيه استقرار نفسي واجتماعي إيجابي.
وما يحصل من خلل في مرحلة المراهقة التي يعاني منها كثير من الناس، ويبدأ يفتح الأب وتفتح الأم على أبنائهم وبناتهم ذكورًا وإناثًا، تجد الكثير أنهم قد ضُيِّعوا في مرحلة الطفولة.
فهي قضية تحتاج إلى وِد وحزم، وتحتاج إلى رعاية واهتمام حتى نستطيع أن نتعامل بطريقة سليمة ونفهم كيف نتعامل مع مثل هذه المرحلة.
اهتمام النبي ﷺ بالشباب
والنبي ﷺ لم ينس الشباب، فوجههم ورباهم، واهتم بهم، كحديث عبد الله بن مسعود عندما عرض عليه عثمان أن يتزوج بكرًا فقال: أما لئن قلت ذلك، لقد قال لنا النبي ﷺ: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوجن، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء [8]أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400).، هذه عناية بهم، واللفتة التي أريد أن أقف عندها إضافة لقضية العناية بالمرحلة العمرية التي ذكرنا الطفولة هو أبرز ما يحتاجه الطفل وهي الرحمة، والقرب والاهتمام والرعاية، وهذا ما يحتاجه الطفل تملكه أحيانًا عندما تفعل هذا الفعل وإن كان حتى الكبير تملكه، ولكن الطفل بالدرجة الأولى فهو كالعجينة.
والنبي ﷺ في مثل هذا الحديث يدرك ما يحتاج الشباب، وفرق بين هذا التوجيه وبين توجيه كثير من الآباء والأمهات ممن لا يستطيع تحمل المسؤولية، يعني نقيض هذا التوجيه تمامًا، أقول هذا الكلام؛ لأنه في حوارات عديدة مع الشباب وما أكثر ما يتحدث الطلاب والشباب وبالذات المرحلة الجامعية عن مثل هذا الموضوع، وأكبر عقبة هي العقبة الاجتماعية المتعلقة بقضية نظرة الآباء لأبنائهم بأنهم لا يستطيعون القيام بالمسؤولية، والنبي ﷺ مدرك من الشاب ويرى أنه لا بد له من وقاية حتى لا ينحرف، والوقاية ابتداء في الزواج وإذا لم يستطع أُعطي البديل.
والمشكلة عندنا اليوم في تربيتنا أننا عملنا بالجزء الأول، وغفلنا عن الجزء الثاني؛ فبررنا للجزء الأول بأنه لا مال له وليس عنده دخل مالي، بغض النظر عن المبالغات في بعض الأمور، وبعض الاعتبارات، وغفلنا عن قوله: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء، لا توجد إلا عند القلة القليلة الذي يربي أبناءه على صيام النفل، وما يتعلق بهذا الجانب، وهذا اعوجاج كبير في التربية، والشخص الذي يقول: والله فيه ظروف وما شابه ذلك، ولكن الحمد لله أبشرك ولدي من الناس الذين أشغلوا أنفسهم بالطاعة والعبادة ولله الحمد والمنة أنهم يصومون الخميس والاثنين، وممن يصوم أيام البيض، وإلى آخره، فهذا الشاب على الأقل حصّن نفسه، وأخذ بالتوجيه النبوي.
فكما اهتم النبي ﷺ بالطفولة اهتم بالشباب والمراهقة، أدرك حاجة هذه المرحلة، ولذلك يجب أن نقرأ عن خصائص مرحلة الشباب والمراهقة حتى نعرف.
فبعض الأحيان يقرأ الإنسان أو يسمع شيئًا مختصرًا ويكون عنده استجابة يدرك حقيقة ما يفعل هو مع أبنائه، ويدرك أن هناك خللًا يمارسه مع أبنائه، إدراك الحاجات النفسية عند الأطفال والمراهقين، ولو قرأت كتاب الدكتور عبد العزيز النغيمشي في المراهقين، أو كتاب علم النفس في المراحل العمرية للدكتور عمر المفدى في الطفولة وفي المراهقة، وأخذت بعض هذه المعالم والعناوين، وملخصاتها وكتب علم النفس؛ لأنها من أكثر الكتب تفصيلًا وانتشارًا في المكتبة العربية؛ ستجد أنه ربما لديك ولديّ تقصير كبير قد تكون نسبته60%، 70% في التعامل مع هذه المرحلة من الطفولة، أو مرحلة المراهقة.
مثال في مرحلة الشباب ما يتعلق بتحمل المسؤولية: كثير من المعلمين يشتكون من الطلاب، يقولون: نقول لهم: فهمتم؟ فيهزوا الرأس، وتسأل بعض الطلاب: عندك شيء تسأل؟ يقول: عندي لكن ما تعوّدنا السؤال، وتجد أن كثيرًا يحوّل إلى صاحبه وإلى غيره، الأب ذاته مصدر من مصادر المشكلة؛ لأنه يريد ولده يقوم بهذا الدور لكنه لا يثق فيما يقوم به، جربه وليخطئ فما المشكلة؟!
فتحمل المسؤولية عبارة عن محك خطير لا بد تكون نتيجته واحدة، فجعل له شيئًا بسيطًا وحمله فيه المسؤولية.
فتحمُّل المسؤولية من الحاجات النفسية لمرحلة الشباب الأساسية، وجزء من إشكالية الفصل الدراسي وجزء من إشكالية في الأسرة هو ضعف تحميل الأبناء والبنات المسؤولية، إنما تجد الشغال الشغالات والسواقين، والآباء والأمهات المركزيين الذين يحبون أن يقوموا بكل شيء، وهكذا بالنسبة للمعلم وما شابه ذلك، خاصة أن البعض لا يتحمل، يريد يرى النتيجة سريعة، فلا يثق أن ابنه أو ابنته وهي لا تثق أنهم يأتون بالنتيجة سريعًا.
ولعدم وجود الثقة يقول الأب مثلًا: بدل صداع الرأس أفعلها أنا، أو أكلف السواق، أو الشركة الفلانية، وما شابه ذلك، فهناك ممارسات تحتاج أن نتنّبه لها حينما نتعامل مع مثل هذه المراحل العمرية.
والنبي ﷺ ذكر الشباب في حديث أبي هريرة في الصحيحين: سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه [9]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
والشاهد من الحديث: قول النبي ﷺ: وشاب نشأ في عبادة الله، فقال في هذا الموقف: شاب، وفي كل المواقف الأخرى قال: رجل، رجل، رجل وإمام عادل، وهنا: وشاب نشأ في عبادة الله، والشاب رجل لكن الرجولة تأخذ معنى أكثر ظهورًا في مراحل أخرى ما بعد مرحلة الشباب ومرحلة المراهقة.
فهذا الشاب لديه من الصوارف ما ليس لدى غيره من المراحل العمرية تصرفه عن عبادة الله ، منها الصارف المرتبط بقضية الغريزة والشهوة، هذا صارف ضخم جدًّا عند الشباب، وطبيعة المرحلة وفتوة الشباب، وحماسة الشباب، فالنبي ﷺ يبين أن من هؤلاء السبعة شاب نشأ..؛ لأن الطفل متصور هذه القضية عنده، كما يقال، ديناميكيًّا تقليديًّا، مع والده فيطلع.. وإلى آخره، والكبير عندما تقول: تربينا على هذا، أو أنه مثلًا بدأ يعود إلى الله وسنه يتقدم!
فالشباب مرحلة عنفوان، فالشاب إذا فرّغ طاقته في طاعة الله وعبادة الله فهذا يسلك مسلكًا عظيمًا جدًّا ووُفق بشكل كبير، وقد رُوي في الحديث: يعجب ربك للشاب ليس له صبوة [10]أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 250)، برقم (571)، والبيهقي في الأسماء والصفات (993). يعني شاب لا يتوقع ما يكون عنده انحراف، فالشاب صوارفه كثيرة؛ ولذلك البعض يفهم هذه المرحلة بالمقابل فهمًا تبريريًّا أنه مراهق قابل للانحراف، وإذا حصل له انحراف فطبيعي ينحرف! وهذا غير صحيح.
فالقضية تفسيرية وليست تبريرية، فممكن الكبير ينحرف، ومن له تسعون سنة ممكن ينحرف، لكن الشباب أدعى للانحراف، والطفولة أدعى لتقليد الانحراف، وتشرُّب الانحراف، وما يتعلق بهذا الجانب؛ لذلك النبي ﷺ راعى المراحل العمرية، ومنها هذه المرحلة الخطيرة، وبيّن ما ينبغي في الجانب الوقائي كما في حديث ابن مسعود في موضوع الزواج والجانب البنائي المتعلق بالتربية الإيمانية.
فيجب على الأسر أن تعض على التربية الإيمانية بالنواجذ، وكثير من الأمور التي تُشكِل اليوم وظهرت في السطح بصورة أكبر متوقع في ظل هذه الثورة المعلوماتية، والثورة العارمة المتعلقة بالقضايا الجنسية، متوقع يحصل هذا الانحراف، فعندما يوفق الأبناء إلى مسلك العبادة والطاعة فما أهنأ الآباء، وما أهنأ الوالدين إذا وُفقوا ببنات على مثل هذا المنوال.
ولذلك يجب أن نفتّش عن هذه القضية في مثل مرحلة الشباب، فالنبي ﷺ اهتم بهذه المرحلة واهتم بما تحتاجه هذه المرحلة بصورة أكبر كما حصل في مرحلة الطفولة.
اهتمام النبي ﷺ بالكبار
كذلك النبي ﷺ لم ينس فئة الكبار في ظل منهجه عليه الصلاة والسلام النبوي التربوي، فيقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر [11]أخرجه أحمد في المسند (2329)، وقال محققوه: "صحيح لغيره.
فإذن توقير الكبير واحترامه هنا لفئة جديدة تجاوزت مراحل الطفولة ومراحل الشباب والمراهقة.
فهذه لها عدة حاجات من أبرزها ما ذكره النبي ﷺ في قضية الاحترام والتوقير والتقدير، وما أشد على الكبير حينما لا يُحترم ولا يُقدر ولا يُوقر، وبالذات إذا كان هذا الأمر من الأبناء، ومن الزوجة، والمعلم إذا كان من الطلاب، والرئيس إذا كان من مرؤوسيه.
والكلام ليس عن مواقف قد تكون فيها معطيات معينة مشكلات، أو الأستاذ مضيع أو مسيئ في التعامل، أو... إلى آخره، أنا أتكلم على الظروف الخاصة، ومع هذه الظروف الخاصة أو الأحوال الخاصة إلا أنه سيبقى الكبير يُحترم ويُقدر حتى لو أخطأ، فلو أخطأ عليّ والدي أو أخطأ علي معلمي، أو أخطأ عليّ من هو أكبر مني ولي حقٌّ عليه؛ لا يمكن بحال أنني آخذ حقي، أو لا أحترمه ولا أوقره وأذله وأحقره، لا يجوز هذا بحال من الأحوال، فالكبير يحتاج لهذه المعاني، هذه القضية تحتاج إلى انتباه وعناية، وكلما امتد العمر كان بحاجة إلى مزيد عناية واحترام، فكبار السن عندما يتقدم بهم العمر يحن إلى أبنائه، ويحن إلى الناس وإلى الذين حوله، ويتمنى الناس يجلسون معه، ويتكلمون معه، ويمضون وقتًا معه، لذلك نحتاج أن نفتش عن كبارنا ماذا أعطيناهم من اهتمامات واحترام، وبالذات الكبار الذين هم في أسرنا من آباء وأجداد ماذا نفعل معهم؟
فهل نعطيهم مزيدًا من العناية والاحترام مع التقصير السابق فيشعرون بأن هناك تعويض، فالكبير يحتاج إلى مثل هذا الجانب، والكبير قابل لقضية الاختلال في موضوع طريقة التفكير وفي موضوع التوجيه، وقد يكون هذا جبليّ عنده من وقت مبكر، ولكن قد تصبح القضية أكثر وضوحًا مع تقدم العمر، ووجود الأمراض، وما شابه ذلك، كعدم تحمله و"الزعل" (الغضب) بسرعة، والضيق، وإلى آخره.
فعلى من حوله أن يراعوا مثل هذا الجانب، وهذا لا شك أنه من توقير الكبير واحترامه.
عناية النبي ﷺ بالنساء
وكذلك النبي ﷺ لم ينس فئة النساء وأكد عليها واهتم بها، وكانت هذه الفئة محل اهتمام النبي ﷺ، وليس المجال مجال الكلام حول هذا الأمر وما يتعلق بتربية النساء وإن كان يستحق في ظل المتغيرات المعاصرة اليوم، ويحتاج إلى كلام فيما يربط بتربية المرأة وتربية البنات، وتربية النساء عمومًا خاصة في ظل المتغيرات التي رأس حربتها محاولة تغيير المرأة، وقد قيل: كأس خمرة وامرأة تفعلان بالمسلمين ما لا يفعله جيش عرمرم.
فقضية صرفهم للشهوات ورأسها أم الخبائث الخمر، وفتنة الأمة في قضية النساء كفيلة أنها تحرّف المجتمع ولا حاجة لئن نشغلهم بحروب عسكرية؛ لأننا لو استطعنا أن نحرّف المرأة وندخلهم في الشهوات لاستطعنا أن نغير المجتمعات الإسلامية، وصدقوا في هذا بشكل كبير.
فالصورة من الصور التي تحتاج إلى مراجعة الأسر لوضع البنات ووضع النساء عمومًا، فالتزامهم بما أمر الله به قولًا وعقيدةً وفعلًا وسلوكًا وما يرتبط بقضية المؤثرات التي يتأثرن بها من إعلام وصديقات وزميلات، هل هي متجهة باتجاه إيجابي، أو متجهة باتجاه سلبي؟! فتحتاج القضية لرعاية واهتمام.
ولذلك صدق النبي ﷺ حين يقول عليه الصلاة والسلام: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء [12]أخرجه البخاري (3331)، ومسلم (1468).، فالحل قول النبي ﷺ: فاستوصوا بالنساء خيرًا.
وهذا الأمر فيه تنبيه بليغ في العناية بالعنصر النسائي: استوصوا بالنساء خيرًا في طريقة التعامل والتربية، الأصل أنها ضعيفة، فهذا إقرار لا أحد يجادل فيه فماذا نفعل؟ وهل نسكت عن أخطائهن؟! أو نعدل؟!
نعدل لكن نعدل بالحسنى، وهذا من الوصية، لكن هناك أناس يتجاوزون قضية الضعف عند المرأة ويتعاملون معها كما يتعاملون مع عالم آخر، وربما يكسر المرأة، وتنكسر عندئذ عاطفتها ويصبح بعد ذلك الإشكالات والخلافات بين الزوجين، أو بين الآباء والأبناء، أو ما أشبه ذلك.
الوصية بالنساء وصية عظيمة جدًّا، وثبت في الدراسات الحديثة أن قضايا الإنجاز والانضباط أعطت دلالات كبيرة جدًّا أن النساء يتفوقن على الرجال في الدراسات الميدانية في مثل هذه المعالم الشخصية.
استغلال النساء بحجة الفراغ والبحث عن عمل
وينبغي عندئذ أن نستثمر هذا في تربيتنا، وللأسف أنها استغلت استغلالًا سلبيًّا من بعض جهات المجتمع، وتنازلات بعض الآباء فزجت المرأة للعمل إلى مستوى أصبحت المرأة تعمل مع الرجال، وتختلط مع الرجال، بحجة أنها فارغة وتحتاج أن تعمل، تحتاج إلى مصدر مالي، وما حصل لنا قبول إلا في هذا المكان، والحمد لله متسترة متنقبة، والرجال الذين معها عاقلون!! فصرنا نأخذ صك الجواز في هذا الموضوع!
وللأسف أصبح هذا الموضوع شائكًا اليوم ومعقدًا في مجتمعنا بعد أن كانت الأمور واضحة، أصبحت هناك الآن أشياء تخالف ما تربت عليه الأسر سابقًا ما عليه الفتاوى الشرعية، فتحتاج القضية إلى انتباه في مثل هذا المضمون، وأصبح ممن يضغط في هذا الجانب النساء أنفسهن والبنات أنفسهن والأمهات أنفسهن، وتجاوزت القضايا والتنازل في القيم على حساب أنها فارغة تريد عملًا، بدل ما تكون فارغة؛ لذلك ينبغي أن نعيد ثقافة العمل عن بُعد، وعندنا ضعف في هذا الجانب كبير، ثقافة العمل عن بعد: تعمل المرأة في بيتها من خلال بعض المعطيات المتعلقة ببعض البرامج، فالتقنية الحديثة ساعدت في هذا الجانب بشكل كبير جدًّا، فبرنامج الانستغرام بحد ذاته من البرامج التي هي فرصة النساء بشكل كبير في موضوع التسويق والاستثمار بالمأكولات، وما أشبه ذلك.
وهناك بعض النساء يقمن بطبخ ذبائح في بيوتهن ثم يبعنها، والناس يطلبون منهن ذلك، فهناك مجال لتعمل لكن تكون حرة في وقتها، لا تعمل ثمان ساعات كما يعمل الرجل، ثم تعود مع هذه المعاناة الشديدة، ناهيك بأن تكون في أوساط الرجال، وقد حدثني بعض رجال الهيئة عن المعاناة التي تأتي من نساء يعملن في أماكن مختلطة ويشتكون من قضية التحرش، وكذلك الشباب.
والتقيت بشخص في الطائرة مدخن، عادي تمامًا، قال: أتيت إلى القصيم؛ لأن الوالدة قالت: اخرج من عملك الآن ولا تقف في الشركة التي أنت فيها؛ لأني أعمل بجوار نساء، وقلت له: كيف الوضع؟
قال: حدث ولا حرج، وبدأ يذكر بعض القضايا التي لا يقبلهاالكافر العاقل!
والعالم اليوم حتى الغربي حتى الكافر أكبر معاناته في قضايا عمل المرأة هي قضية التحرش رقم واحد بتسجيل الإحصاءات والدراسات، وما يتعلق قديمًا وحديثًا؛ لأن تجربتهم في عمل المرأة من فترة قديمة هي قضية التحرش، هي قضية كبيرة جدًّا، ولذلك جاء بعضهم إلى وضع أماكن مستقلة للنساء و"باصات" خاصة للنساء، ومطالبة بالجامعات تكون مستقلة للنساء، وإلى آخره، ومطالبات وجهات ومؤسسات تدعو مثل هذه الدعوات، وما شابه ذلك.
فذكر لي من الخيانات الزوجية، يقول: أمامي وأنا أسمع تُلاعب وتُضاحك الشاب أمامنا الذي معنا، وحينما يكلمها زوجها كأنها جماد، جفاف! وهذا يفسر نفسيًّا أن الإشباع العاطفي لها تحصِّله عند هؤلاء الشباب.
فالمرأة ضعيفة، ومن ضعفها أنها تغفل وتظن أنها مُحَصَّنة، لكن ماذا عن نظر الرجال إليكِ؟!
فعندما يقال: من أقوى الأشياء التي يمكن يخاطب فيها الرجل أهله في بعض القضايا المتعلقة بتنازلات معينة، أن يقال للبنت والمرأة: لا تفكري بنظرتك إلى نفسك، فكري نظرة الرجال إلى المرأة، المرأة نظرتها إحساس، المرأة ينظر إليها الرجل بكيفية تختلف عن نظر المرأة؛ ولذلك جاءت العصمة من الله فقال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ إلى آخر الآية [النور:30-31].
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم إلى الخيرات، والطاعات، وأن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وأن يعيننا وإياكم على أن ننتهج في تربيتنا في الأسرة وفي المدارس وفي غيرها منهج النبي ﷺ الذي أعطانا أعظم ما نحتاجه في هذه الحياة؛ حتى نسعد في الدنيا، ثم نسعد في الآخرة، جعلنا الله وإياكم من السعداء في الدنيا والآخرة، هذا -والله تعالى أعلم-.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه البخاري (6129)، و(6203)، ومسلم (2150). |
---|---|
↑2 | انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 583)، وما بعدها. |
↑3 | أخرجه أبو داود (4969)، ومسلم (2022). |
↑4 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑5 | أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957). |
↑6 | أخرجه أحمد في المسند (22755)، وقال محققوه: "صحيح لغيره دون قوله: ("ويعرف لعالمنا)"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5443). |
↑7 | أخرجه مسلم (2309-2310)، وأبو داود (4774)، واللفظ له. |
↑8 | أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400). |
↑9 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑10 | أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 250)، برقم (571)، والبيهقي في الأسماء والصفات (993). |
↑11 | أخرجه أحمد في المسند (2329)، وقال محققوه: "صحيح لغيره |
↑12 | أخرجه البخاري (3331)، ومسلم (1468). |