المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذا هو الدرس الأول من المجموعة الثامنة من سلسلة (تطبيقات تربوية ونفسية من الكتاب والسنة)، أسأل الله العون والتوفيق والسداد، وسيكون بعنوان: التربية على علو الهمة.
الأمور الشريفة نيلها يحتاج لهمة
جاء في الحديث الصحيح عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله : إن الله تعالى يحب معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها[1]أخرجه القضاعي في مسند الشهاب القضاعي (2/ 150)، (1076)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1627)، وفي صحيح الجامع (1890)..
فهذا الحديث يدل على أن هناك أمورًا شريفة عالية تحتاج إلى همة للوصول إليها، وهناك أمور دنيئة وسافلة هي لأصحاب ضعاف الهمة.
والشخصيات تختلف بين عالي الهمة وضعيف الهمة؛ ولذلك يجب أن نشحذ أسرنا ومجتمعنا ومدارسنا وتعليمنا إلى علو الهمة.
يقول المناوي رحمه الله: "عظم الهمة -يعني علو الهمة-: عدم المبالاة بسعادة الدنيا وشقاوتها"[2]التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 243).، يعني هو لا يحسب للدنيا حسابًا، وإنما تجده عالي الهمة إلى مستوى ما بعد الدنيا، ألا وهي الآخرة، وهذا أكبر معلم في المنهج الإسلامي فيما يتعلق بعلو الهمة، فهل نحن وأبناؤنا وأجيالنا وزوجاتنا وبناتنا مرتبطون بالدنيا؟ أم أنهم مرتبطون بالآخرة؟
فرق بين الذي همه الدنيا كما قال النبي : من كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وشتت الله عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له [3]أخرجه أحمد في المسند (21590)، وقال محققوه: "إسناده صحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (404).، وفرق بين هذا وبين الذي الآخرة همه: فجعل الله غناه في قلبه، وجمع الله شمله، -بينما الآخر شتت الله شمله-، وأتته الدنيا وهي راغمة، تركض له الدنيا؛ لأنه مرتبط بأمر أعلى من هذه الحياة الدنيا.
فاختبار ذواتنا وأهلينا ومن نعول، ومن نربيهم، هل هم مرتبطون بمعالي الأمور أم بسفاسفها؟ أمر مهم جدًّا، وهذا هو سبب طرح مثل هذا الموضوع المهم، والدراسات للأسف الشديد في مجتمعاتنا العربية، وفي مجتمعنا السعودي، أتكلم عن المجتمعات المسلمة، ولا يهمنا المجتمعات الغربية وغير المسلمة القائمة على اللذة والمتعة، وهي منتهى رغباتهم في الحياة الدنيا.
وكلامنا عن المجتمعات المسلمة التي الأصل أنها تحقق قول الله : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، أن النتائج دلت على أن هناك أزمة فيما يتعلق بالهمة، ومن ذلك: "دراسة الشباب الأولويات والاهتمامات" التي نشرها مركز رؤية للدراسات الاجتماعية للمجتمع السعودي، وطبق تقريبًا على ألف وخمسمائة من سن الثامنة عشر إلى الرابعة والعشرين أو قريبًا من هذا، وكانت النتائج وغيرها من الدراسات تشير إشارات مؤلمة حول اهتمامات ليست عالية، وإنما اهتمامات دنيئة، وهذا يجعل الإنسان بحاجة أن يجعل ضمن خارطة اهتماماته وتربيته في داخل أسرته، كونه يعول الأسرة ويربيها وهو القائم عليها، أن ينظر فيما يتعلق بهذا الأمر، فيما يتعلق بسلم الأولويات والاهتمامات عند الأجيال (الذكور والإناث)، وعند النساء بالذات، وعند الشباب ذكورًا وإناثًا، ما هي الاهتمامات؟
الأماني من غير عمل دعاوى
سؤال كبير جدًّا، لذلك يجب أن نقف مع أنفسنا، وجاء في الأثر عن النبي : أصدق الأسماء حارث وهمام [4]أخرجه أبو داود (4950)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2435).، صاحب الهم العالي، وصاحب الحرث والعمل، وهذا جمع ما بين الدافع والعمل، الإنسان يحتاج إلى نية، ويحتاج إلى همة، ويحتاج إلى عمل، لا يكفي أنه يدعي.
فالدعاوى ما لم تقيموا عليها | بينات أصحابها أدعياء |
وكل يدعي وصلاً بليلى | وليلى لا تقر لهم بذاك |
فالإنسان بحاجة إلى أن يقول: أنا أريد الجنة، لكن عملك أين هو من الجنة؟
أبناؤنا يجيبون على اختبارات وبألسنتهم يتمنون أن الله يرضى عنهم، لكن أين أعمالهم فيما يتعلق بإرضاء الله ؟
سؤال كبير، لذلك النبي استغرب أيما استغراب، فقال: ما رأيت مثل النار، نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها [5]أخرجه الترمذي (2601)، وقال: "هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله، ويحيى بن عبيد الله ضعيف عند أكثر أهل … Continue reading، يستغرب ويستنكر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، الرجل أو المرأة أو من كان، أنه يدعي أنه لا يريد النار! ما رأيت مثل النار، نام هاربها، هو لا يريد النار لكنه نائم لا يعمل، ويقترف ما يقربه إلى النار والعياذ بالله، ولا مثل الجنة نام طالبها، هو يدعي أنه يريد الجنة ولكنه لا يعمل من أجل الجنة، بل ربما عمل عكس ما يوصله إلى الجنة.
فنحن في أمس الحاجة أن نراجع حساباتنا بكل صدق وصراحة فيما يتعلق بالهمة، همة ذواتنا وأشخاصنا، وهمة أهلينا وأبنائنا، وهمة من نربيهم، أين هذه الهمم؟
أغلب الدراسات إن لم يكن كلها مما اطلعت عليه تشير أن الهمم متجهة إلى قضيتين في أجيال مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة، ومع الإعلام الجديد تزداد، وهي مرتبطة بمسمى واحد تفرع إلى فرعين وهي الترفيه.
وفي دراسة لأحد مراكز البحوث في إحدى دول الخليج العربي عن دراسة طبقت على المجتمع السعودي: رقم واحد في تعامل المجتمع السعودي في قضية الإعلام الجديد مرتبط بالترفيه، والمقصود بالترفيه في الأبجديات الإعلامية والدراسات: الترفيه أيًّا كان حلالًا أو حرامًا، ويدخل في الترفيه:
- كرة القدم.
- وفيديو كليب.
- والأفلام، بأنواعها ويدخل فيها الإباحية.
- والأغاني.
يدخل فيه كل المتع واللذات التي قامت النظريات الغربية عليها فيما يتعلق بقضية الإنسان.
فالترفيه هو رقم واحد للأسف الشديد في الدراسات، الأجيال في السنوات الماضية، وبالذات فيما يتعلق بالرياضة والفن احتلت هاتان القضيتان رقم واحد في أكثر من دراسة اطلعت عليها، فهل الذين يحملون هذا الهم وهذه الهمة، هل هم قادرون يتحملون مستقبل هذه الأمة؟
سؤال كبير، هل هم قادرون على أن ينجحوا بأُسرنا؟
وهكذا بقية الأسئلة، فكم نحن في أمس الحاجة إلى التربية على علو الهمة.
المقصود بعلو الهمة
الخضر الحسين رحمه الله كان يقول: "علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور"[6]انظر: موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (5/ 1/ 49).، فهذا تعبير رائع من هذا الرجل رحمه الله، فالإنسان صاحب علو الهمة هو الذي يستصغر الأمور التي هي دون معالي الأمور، يعني يستصغر قضايا الرياضة والفن، حتى لو كان في بعضها مباحة يستصغرها، لا تهمه ولا تعنيه؛ لأنه مشغول بمعالى الأمور، فكيف لو كانت حرامًا؟
فهذا تعبير عن علو الهمة بكلمات رائعة: "هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور"، وعبر عنها المناوي رحمه الله بقوله: "عدم المبالاة بسعادة الدنيا وشقاوتها"[7]التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 243).؛ لأنه مشغول بالآخرة.
هذه التعريفات لا تجدها في أبجديات المنهج الغربي أبدًا بحال من الأحوال والماديين أبدًا، فالله مَنّ علينا بمنهج عظيم، فأين نحن من هذا المنهج التربوي العظيم، عن عمر بن الخطاب يقول: "لا تصغرن همتكم، -لا تكن همتكم صغيرة-، فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم، يقول : "لا تصغرن همتكم، فإني لم أر أقعد عن المكرمات"[8]أدب الدنيا والدين (ص: 319).، فإذا أردت أنك لا تصل للمكرمات، فصغر الهمة ستكون هي الوسيلة.
فهذا تفسير من عمر رضي الله عنه وأرضاه، لماذا نحن نطمح لأمور رائعة، وأمور عالية، وممتازة ولا نصل إليها؟
فلنراجع همتنا، المشكلة في صغر الهمة، والدعاوى والأمنيات ليس لها قيمة إذا لم يكن هناك عمل، وفي أمور الدنيا نتمنى أن نحصل فلوس، ووظيفة، ونتمنى نتزوج، وهكذا، فلا بد من عمل ومن اجتهاد، فأين العمل والاجتهاد في مثل هذا المضمار الكبير والعظيم؟
وعمر بن عبدالعزيز رحمه الله ورضي عنه يقول: "إن لي نفسًا تواقة، وإن نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدنيا، -يعني: الخلافة-، فلما بلغتها وجدتها تتوق لأشرف منازل الآخرة"[9]انظر: عيون الأخبار، لابن قتيبة (1/ 334)..
ويقول ابن الجوزي رحمه الله: "ومن علامات كمال العقل والراضي بالدون دنيء"[10]صيد الخاطر (ص: 28)..
وابن القيم له كلام جميل في علو الهمة، وهو من الذين استطاعوا أن يبرزوا بشكل كبير وموفق، وهو من العلماء الذين تكلموا في السلوك، وفيما يتعلق ببناء الإنسان، خاصة في كثير من كتبه وبالذات كتابه: "مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين"، يقول رحمه الله: "والهمة فعلة مِن الهم، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، فالهم مبدؤها، والهمة نهايتها"[11]مدارج السالكين (3/ 5).، فهذا معنى عظيم جدًّا.
فالإنسان في بداية إرادته هذا هم، لكنه قد لا يصل للهمة؛ لأنه مجرد إرادة فقط، يقول: "ومنتهى الإرادة هي الهمة"، يعني: أن صاحب الهمة لا يمكن يبقى بمجرد أماني، ودواعي.
ويقول رحمه الله: "فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته وطغت نفسه، اتصف بكل خلق رذيل"[12]الفوائد لابن القيم (ص: 144).، وهذا معيار رائع من هذا العالم الرباني فيما يتعلق بأجيالنا أو بعضنا ينحرف عن الخلق الحسن، حينما يجد خُلقًا دنيئًا من ابنه أو حتى من زوجته، أو حتى ممن كان فليدرك أن هذه مرتبطة بدنو الهمة.
يعني تفكير الولد هو تفكير دنيوي بحت؛ لذلك يساوم على هذا ومستعد أن يجادل والده ويتجاوز حدود الأدب معه حتى يحقق أمنيته الدنيوية! ولو كانت همته الآخرة لفكر بشيء أعظم من ذلك، لتنازعت رغبته مع رضا الله ، فقدم رضا الله على مرضاة نفسه، وهكذا أثر التربية على علو الهمة.
يقول ابن القيم رحمه الله: "العلم والعمل توأمان، وأمهما علو الهمة"[13]بدائع الفوائد (3/ 227).، يعني أن صاحب علو الهمة هو بمثابة الأم التي تلد التوأم، يعني العلم والعمل، فلا تتصور علمًا نافعًا وعملًا صالحًا منتجًا إلا بعلو الهمة.
أزمة التعليم وثقافة الشباب
حينما نشتكي من ثقافة الشباب، مثل: الدراسة التي أجريت قديمًا على ثقافة الشباب في المجتمع السعودي، وطبقت في الدمام والرياض وجدة، على طالب وطالبة في المرحلة الجامعية، وقامت بهذه الدراسة: "مجلة الأسرة" مشكورة، فتوصلت إلى نتيجة بعنوان:" شبابنا جماجم فارغة"، هكذا كان عنوان العدد الذي نشر فيها، والدراسة موجودة عندي: الفن والرياضة احتلا المركز الأول!
وهم طلاب في المرحلة الجامعية، وسئلوا أسئلة درسوها ومع ذلك كانت إجاباتهم في الفن، والفن المقصود به الأغاني والأفلام والمسلسلات، إجابتهم في ثقافتهم هذه، وثقافتهم في المعلومات في الجانب الرياضي كانت أعلى من ثقافتهم في الأمور المتعلقة بالشريعة والدين، والتاريخ، والجوانب الثقافية والسياسية والاجتماعية، وما شابه ذلك.
وإذا كنا نشتكي من الأعمال عند بعض أجيالنا أنهم كسالى، لما سئل أحد المفكرين: ماذا تقول عن قضية تشغل بالك بالشباب؟ قال: الكسل! والعديد من شركاتنا يدفعون أبناءنا لا يريدونهم يتوظفون عندهم، اجلس في بيتك ونأتي لك بالراتب لكن لا تأتي! هذه الخلفية، هذا التصور عن الشباب أنهم كسالى لا يعملون، وهذه قضية خطيرة جدًّا وتجدها متربطة بعلو الهمة وضعفها.
بينما تجد شابًّا يمكن ليس لديه أدوات، مثلاً الجوانب المادية في الحياة، ربما تكون شخصيته بسيطة جدًّا، جانب اجتماعي مقبول ليس من الناس المعروفين، لكنه منجز في الحياة، تربى على علو الهمة، يقول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا | تعبت في مرادها الأجسام [14]انظر: أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه (ص: 124)، والإعجاز والإيجاز (ص: 186)، والتذكرة الحمدونية (2/ 58). |
وأنا كنت اليوم مع طلابي في الجامعة وأتكلم لهم والطلاب الذين نحن ندرسهم هم الطلاب الذين سيتخرجون مربين للأجيال، سيكونون أساتذة يربون الأجيال في المراحل التعليمية المختلفة، ويطلع من هذه الأجيال الفقيه والعالم والطبيب والمهندس، و..، فقلت لهم مداعبًا: اسمحوا لي سأقسو عليكم لمدة دقيقة أو دقيقة ونصف: حينما يكون طالب كلية التربية يتمنى الأستاذ الذي لا يعطيه الواجبات، ولا يكلفه بالمشاريع، ويعتبر الأستاذ الرائع هو الذي يسلق المادة سلقًا، وإذا أتى الاختبار يقول: هذه الأسئلة تكفيك، وتجد له من الدعوات ما الله به عليم، ويحتل المراكز الأولى في أحسن أستاذ لديهم، قلت: بالله عليكم هل يجوز لطالب هو مربي الأجيال في المستقبل يكون بهذه المثابة، بينما طالب سيتعامل مع الآلات أقصد المهندسين، وآخر سيتعامل مع المرضى أقصد الأطباء، وآخر سيتعامل مع الأرقام أقصد إدارة الأعمال وأمثالها، وهم من الجدية والحرص بمكان، تستفيد منهم الآلات ويستفيد منهم المرضى في المستشفيات، وتستفيد منهم الشركات في ضبط المصروفات وما يتعلق بالقضايا المالية والحسابية،.. الخ، بينما مربي الأجيال يحب الدعة والكسل، هل يليق؟
وقلت لهم: لا يجوز لنا نحن معشر المربين الذين نربي المربين في المستقبل أن نتجاوب معهم ليصبحوا كُسالى؛ لأنهم إذا أصبحوا كسالى بقوا على كسلهم وتخرجوا كُسالى وسيربون لنا كُسالى، وهذا الكلام الذي أقوله تفسير لمشكلة وأزمة التعليم لدينا، حينما يكون المعلمون ليسوا أكفاء.
صاحب كتاب: "التربية الحرة" وهو من شبه القارة الهندية كان يناقش هذه القضية ويتكلم عن مشكلات التعليم، وأنه مهما كانت مشكلات التعليم في قضايا الإمكانات المادية، وفي مشكلات الطلاب والجيل وفي المباني وما يتعلق بها، وفي قضايا ما يرتبط بالمناهج وإن لم تكن مناهج إسلامية، يتكلم عن شبه القارة الهندية، ومناهجهم علمانية، يقول: سيبقى الذي يستطيع أن يدير المعركة، ويدير الأزمة هو المعلم.
فإذا لم نُوجد مربين ناجحين، أصحاب همم عالية ستكون الأزمة باقية، سيخرجون لنا طلابًا ضعيفي الهمة، وكما يقول الشاعر:
وما عجب هذا التفاوت بيننا | فكل إناء بالذي فيه ينضح |
لذلك من الخطل ومن الجُرم والخطأ في الرأي أن ينزع الرجل إلى خصلة شريفة حتى إذا شعر بالعجز عن بلوغ غايتها البعيدة انصرف عنها جملة، والتحق بالطائفة التي ليس لها فيها هذه الخصلة نصيب، فهو يرغب ويُحب أن يكون منجزًا، ويتمنى أن يُحسن التعامل مع الآخرين من خلال التودد لهم والرحمة بهم، والشفقة، لكنه يستسلم سريعًا لضعف عنده، فيترك هذه الأمنيات، ولا يعمل من أجل تحقيقها، ويتجه إلى الفئة الأخرى التي هو على شاكلته، والطيور على أشكالها تقع.
مثال: التدخين: المدخن يتمنى ويقول: ما شك في ضرره، ولا يوجد عاقل يقول: التدخين صح، بل مروجي التدخين يضعون عبارة على العلبة، وهذه من المضحكات المبكيات، لكن على الأقل لعلها تؤثر في فئة من الناس، حاول، قال: حاولت لكن لا فائدة، وهذا بسبب ضعف همته وعدم وجود العقل الراجح لديه، يحاول مرة مرتين، ولم ينجح؛ فاستمر على ما هو عليه من التدخين.
وهكذا القضايا والسلوكيات المنحرفة تأتي له رغبة لتركها وتعديل سلوكه ويكون إيجابيًّا في علاقته مع الله، وعلاقته مع الناس، لكنه يجرب مرة أو مرتين ولم ينجح، فيبحث عن مجموعة هو على شاكلتها؛ لأنه إذا بقي الإنسان الذي يعاني من ضعف الهمة مع ضعيفي الهمة لن يتقدم، مثل صاحب الدخان باقٍ مع المدخنين، يجالسهم يوميًّا، ويتمنى ترك التدخين، ويقول: حاولت لكن حين أقعد مع أصحابي أشم الريحة، ويقدمونه لي، وهذا شيء طبيعي جدًّا، لكن لا بد أن تغير هذه البيئة، البيئة هذه هي التي من خلالها يستطيع الإنسان أنه يتقدم.
أصناف الناس في علو الهمة
والعلماء صنّفوا الناس في علو الهمة إلى أربعة أصناف:
الأول: عظيم الهمة، وبعضهم أطلق عليه: عظيم النفس، وهذا عالي الهمة.
الثاني: صغير الهمة، أو ضعيف الهمة، وهو أيضًا ضعيف النفس، وصغير النفس.
الثالث: بصير بنفسه متواضع بسيرته، فهذا بين عالي الهمة وبين ضعيف الهمة، عارف بنفسه لكنه ليس عنده من ضعف الهمة،، وإنما مستبصر بذاته لكنه غير متقدم.
الرابع: الفخور المتعاظم، الذي ينسب لنفسه شيئًا وهي ليست كذلك فيحاول وضع نفسه في مراتب علية وهو ليس كذلك، وإنما ذاته منتفخة عن حقيقته.
أسباب دنو الهمة
أسباب دنو الهمة عديدة أوجزها سريعًا من خلال تصوراتنا الإسلامية:
السبب الأول: المعاصي: المعاصي أقعدت الإنسان عن علو الهمة، يعني مجرد يدخل في مشروع المعصية، -أسأل الله أن يتوب علينا وعليكم-، يجد أن نفسه تقعد عن معالي الأمور؛ لأن للمعصية جاذبية.
أذكر شابًا كان لا يترك الصف الأول، ثم بدأت أنظر فيه، وإذا به ليس كما كان عليه سابقًا، بدأ يتأخر، ثم بدأ ينقطع عن بعض الصلوات، ثم انقطع كلية، فناقشته وقت بداية التغير، فقلت له: أنت ما شاء الله تبارك الله حمامة المسجد، ما الذي حصل؟
قال: أعطيك الصراحة؟ قلت: نعم، الصراحة، قال: بمجرد أن والدنا أدخل الستلايت في البيت من غير تشفير، بدأنا نطلع على أشياء ما كنا نطلع عليها من قبل فأصبحت ثقيلاً للمجيء للصلاة؛ لأنه تتنازع نفسي أني أكمل الفيديو كليب الذي أشاهده بمخازيه وبلاويه، كذا يقول! وبين حي على الصلاة حي على الفلاح، نفسي تقول: اجلس، فأغلبها أحيانًا وتغلبني أحيانًا حتى غلبتني بشكل كبير!
فالمعاصي مقعدة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [سورة طـه: 124]، مقعدة عن الإنجاز، وصاحب النفس المضطربة التي تشعر بالضنك لا يستطيع أن ينجز.
الخوف والهم والحزن
السبب الثاني: الخوف والهم والحزن: الخوف والهم والحزن استعاذ منها النبي فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال[15]أخرجه البخاري (2893 ، 6363)، وأبو داود واللفظ له (1555).، فهذه الأمور الخوف والهم والحزن مُعوقات لعلو الهمة، مهموم يفكر في المستقبل، يا أخي: أشغل نفسك بالوقت الحاضر، أنجز الآن، فيقول: أنا ما أدري ما الذي أصابني! ما أدري كذا، ويدخل في قضايا الخوف، وبعضهم خائف من الموت.
وبعضهم يفكر في المستقبل لشيء ليس بين يديه الآن، فيغرق في التفكير في المستقبل الذي ليس بين يديه، فيصاب بالقلق والتوتر والخوف، وهذا هو مرض العصر، اليوم في الجانب النفسي القلق والتوتر، وكثير من الحالات التي تأتيني في الاستشارات حضوريًّا أو بالهاتف هذا الجانب هو الأول، وهي قضية القلق والتوتر، ويتبعه ما يرتبط بالماضي، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، فهو شاغل باله بما مضى، أو شاغلة بالها بما مضى، لماذا قلت كذا؟ ليتني لم أفعل كذا، ليتني فعلت كذا، انتهى الماضي.
الماضي: إن كنت قد أذنبت في حق الله فاستغفر، فالله يبدل سيئاتك حسنات، وإن كنت قصرت في حق أخ آخر فتحلل منه وانتهى الموضوع، لا ترجع إلى الصفحات الماضية وتعيشها، فهذه كلها من المعوقات لعلو الهمة؛ لأن الذهن مشغول، والمشاعر مشحونة، والجهد مربوط بالذهن، ومربوط بالفكر وبالمشاعر، فيقعد فلا يحقق المطلوب، ما زال في الماضي، مهموم، هذا المقعِد عن العمل يعتبر ليس إجراءً إيجابيًّا بل هو سلبي، هذا مما تعوذ منه النبي ، وليس معنى هذا الكلام أن الإنسان لا يتوب، أو لا يستفيد من الماضي فيعدّل الخطأ.
المقصود هنا: الذي يقعد عن العمل فيصير مهمومًا في المستقبل، حزينًا على الماضي، لذلك وصف الله أهل الإيمان يوم القيامة بقوله: فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38]، يعني أجمل ما يعطى الإنسان يوم القيامة حينما يدخل الجنة ويتمتع برؤية الله ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الخوف للمستقبل، فهم مستمتعون عارفون أن بالمستقبل خيرات عظيمة، دخلوا الجنان، ورأوا وجه الرحمن، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ لما مضى، فالماضي انتهى، فهذا الوصف يدل على أن السعادة تنال بتجاوز الهم والغم والحزن.
الغفلة
السبب الثالث: الغفلة: الغفلة، كم من آية في السماوات والأرض نمر عليها ونحن عنها غافلون، وهم عنها غافلون، الغفلة تجعل الإنسان لا يدرك حتى المؤثرات، فرق بين هؤلاء الغافلين وبين: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190-191]، إلى آخره.
كان الرسول يقرؤها فيبل لحيته حجره، ويبل الأرض من البكاء ، كما قالت عائشة، فكان يقول: ويل لمن قرأها ولم يتدبرها [16]أخرجه ابن حبان في صحيحه (620)، وجوّد إسناده الشيخ الألباني كما في السلسلة الصحيحة (68).، فرق بين هذا وذاك، فصاحب دنو الهمة من أسباب دنو همته الغفلة عن معاني هذه الحياة، ومعاني الدنيا في مقابل الآخرة، ومعاني أثر المعصية في مقابل أثر الطاعات، والغفلة عن معاني حقيقة النجاح في هذه الحياة، قال الله سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1-2]، فكل الإنسان في خسارة لكن استثنى أصحاب هذه الشروط الأربعة: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3]، أين أُسرنا وأجيالنا من هذه الأمور الأربعة؟ لا بد من الانتباه؛ لأن الغفلة تُقعد الإنسان، هو منهك في أعمال الدنيا، ومنهك في وظيفته، ومنهك في تحصيل المال، ومنهك في عدم الشبع من كذا.
يقلق إذا فاته ريال، أو فاتته فرصة مالية، ولا يقلق حينما يُضيّع حق لله ، يقلق حينما تضيع له حقوق خاصة، ولا يقلق على أحوال المسلمين التي ينظر فيها يمنة ويسرة، السبب في ذلك أن همته ضعيفة دنيئة بسبب الغفلة، يغفل عن معالي الأمور وعن الحقائق التي منها أهم قضية: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يعبدون، ليس الصلاة والصيام فحسب، وإنما العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة [17]مجموع الفتاوى (10/ 149)، هذه حقيقة العبادة التي خلقنا الله من أجلها، وهذا مفهوم العبادة الحقيقي، لذلك الغفلة عن مفهوم هذه العبادة، الغفلة عن تصور حقيقة الدنيا، الغفلة عن تصور الآخرة، الغفلة عن تصور أثر المعصية، وأثر الطاعة والفرق بينهما، الغفلة عن حقيقة الإنسان والحياة والكون وما يتعلق بها، كل هذه القضايا تجعل في همة الإنسان دنو وضعف.
إهدار الوقت
السبب الرابع: إهدار الوقت: فالوقت متروك، ماذا تفعل؟
قال: (فاضي)، مشروعه الآن (فاضي)، وبعد المغرب (فاضي)، وكذا بعد العشاء (فاضي)، فمن الذي سيشغل وقتك إن لم تشغله، فهؤلاء دائمًا يسمونهم الغيريين، أصحاب الضبط الخارجي (كنترول) الذين هم يشتغلون من خلال جهة خارجية، يشتغل خطأ يشتغلون خطأ، ليس عندهم الضبط الداخلي (السلك كنترول إنترنال)، الكنترول هذا ليس موجودًا بل هو ضعيف، إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساؤوا أساء.
وهذه مشكلة كبيرة موجودة بشكل كبير بسبب ضعف قوة الإرادة، وسيأتينا إن شاء الله تعالى بعدما ننتهي من علو الهمة، سنبدأ فيما يتعلق بالتربية على قوة الإرادة بإذن الله .
فقضية إهدار الوقت قضية مهمة جدًّا، كيف يمضي أجيالنا وأسرنا وأبناؤنا ونحن أوقاتنا؟
سؤال كبير، قيمة الوقت في دراسة تجربة تعمل في دورات إدارة الوقت، وقد طبقت عليّ في دورة حضرتها وطبقتها كذلك على طلاب وغيرهم والنتائج تقريبًا مطردة في هذا الجانب، باختصار شديد جدًّا: أمسك ورقة أنت وخلي ولدك كذلك وزوجته ومن تريد حتى تعرف قضية الوقت، واجعلهم يوزعون كل ما في بالهم من الارتباطات من نوم وأكل وشرب ومتابعة إعلام، ومن زيارات ودراسة ووظيفة، وضعها في دائرة، تستوعب كم ساعة؟
أربعًا وعشرين ساعة، لو طبقتموها ستجدون في الغالب لا تنغلق الدائرة، وبالمتوسط تقريبًا 20 ساعة أو 21 ساعة، وبقي ثلاث ساعات يوميًا ليس لك، تحاول تبحث فيما قُضيت لتقفل الدائرة فلن تجد، فكم ساعة في الأسبوع باعتبار كل يوم ثلاث ساعات؟
واحد وعشرين ساعة، يعني يوم كامل تقريبًا يذهب بدون فائدة، وكلامنا هذا باعتبار أن الواحد والعشرين ساعة قضيت في شيء صحيح وإنما نتكلم على الوقت الضائع الذي ذهب فيما لا فائدة فيه ولم نستطع إكمال الدائرة.
وفي هذه الساعات الإحدى وعشرين داخلٌ فيها كل شيء كالأكل والنوم والضحك و(السوالف) واستراحات قراءة القرآن وعلمه،...
أنا قصدي في هذا: إهدار الوقت كبير، إهدار الوقت من جانبين:
إمضاء الوقت بغير المفيد، ناهيك أن يكون ضارًّا، هذا إهدار من الوقت.
ومن جانب آخر عدم عمل شيء في الوقت أصلاً، يعني الواحد وعشرين ساعة قد تجد في بعضهم أنها ضائعة أصلاً، جلسة يقترف فيها أشياء لا تليق، ومضيعة للوقت وغير مفيدة بل ضارة، هذا يعتبر مشكلة في إهدار الوقت، هو يقول لك: أنا واحد وعشرين ساعة مشغول في اليوم، مشغول في ماذا؟
مشغول بعضهم، هذا إهدار الوقت، وإهدار الوقت آخر أن عنده وقت إضافي موجود وزائد لكن لا يمضيه، إذن هذين كلهم.
والشخص الذي عنده هذه المعاناة وتلك المعاناة في الحقيقة بلا شك أنه صاحب همة ليست عالية، صاحب الهمة العالية حريص على وقته، وعلى استثمار الوقت وإنجازه حريص، قال الحسن البصري رحمه الله: "ابن آدم إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ"[18]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 148)، وصفة الصفوة (1/ 244)، وسير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 585)..
والوقت ليس كما قيل: أغلى من الذهب، الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ونفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية؛ لأن الذهب قد يفوت وقد يعوض، الوقت لا يمكن تعوضه أبدًا، ويمكن أن تتحدى أي واحد مهما كان أن يعيد الدقيقة التي مضت قبل قليل، لا يستطيع، فإهدار الوقت من المعوّقات لعلو الهمة.
الوهن حب الدنيا وكراهية الموت
السبب الخامس: الوهن حب الدنيا وكراهية الموت: حب الدنيا وكراهية الموت، الموت يعني في سبيل الله أنه يموت على أمر يحبه الله ، وحب الدنيا هذا لا شك كما بين الرسول : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها [19]أخرجه أبو داود (4297)، وأحمد في المسند (22397)، وحسن إسناده محققوه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (8183).، يعني الأمم تتداعى علينا وتهجم علينا مثلما يهجم الجائعون على قصعة الأكل، فإذا كانوا في مرحلة من الجوع يحصل هجوم كتداعي الأكلة على قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، مثل السراب، مثل: غثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم منكم، ما يخافونكم، وليلقين في قلوبكم الوهن، قالوا: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
أسأل الله أن يُعلي هِممنا، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأن يوفقنا وإياكم على تربية أنفسنا وتربية من نقوم عليهم من أبنائنا وأُسرنا على مثل هذه المعاني العظيمة التي هي محل اختبار الإنسان في الدنيا.
فالله يختبرنا بمثل هذه القضايا والقضية ليست عبارة معلومات حتى كتاب الله الذي نتعبد الله به تلاوة وحفظًا، قال الله عنه: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ، إذا لم تكن قراءتنا لكتاب الله وحفظنا ليس لها أثر على ذواتنا ونفوسنا لا قيمة لكتاب الله، بل كما جاء في المأثور: "رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه".
فما أجمل أن نكون كما قال ابن مسعود : "إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا فأرعِها سمعك، فإما أمر تؤمر به، وإما نهي تُنه عنه"[20]تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 374)، وجود إسناده الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير (1/ 619).، فما أجمل حينما نسمع مثل هذه القضايا المتعلقة بعلو الهمة وغيرها من الخير في الجوانب الشرعية والجوانب التربوية والأسرية وإلى آخره، أن الإنسان أول شيء يخاطب نفسه؛ لأنه بالصورة هذه يستفيد، ولا يقول: الحمد لله أنا أحسن من غيري، ولا حاجة لهذا الكلام، والكلام هذا مكرر، وغير ذلك، الإنسان يحتاج إلى أنه يضع نفسه بمكان الخطاب.
ولذلك إذا أردنا أن نستفيد من خطب الجمعة، صحيح يوجد تفاوت وفرق بين خطيب وخطيب، وبين موضوع وموضوع، لكن إذا أردنا أن نستفيد من خطب الجمعة إذا دخل المصلي وهو في باله أن يستفيد من الخطيب ويشعر بأن الكلام موجه له سيستفيد لا محالة، أما إذا دخل وليس عنده هذا الشعور فهو سيوزع القضية، هذا المقصود به فلان، وهذا المقصود به الناس كذا، وهذه المقصود بها الفئة الفلانية، وهذه المقصود بها الفئة الفلانية، وكأنه خرج سالمًا من الخطاب ومن الاستفادة.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه القضاعي في مسند الشهاب القضاعي (2/ 150)، (1076)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1627)، وفي صحيح الجامع (1890). |
---|---|
↑2 | التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 243). |
↑3 | أخرجه أحمد في المسند (21590)، وقال محققوه: "إسناده صحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (404). |
↑4 | أخرجه أبو داود (4950)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2435). |
↑5 | أخرجه الترمذي (2601)، وقال: "هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله، ويحيى بن عبيد الله ضعيف عند أكثر أهل الحديث؛ تكلم فيه شعبة، ويحيى بن عبيد الله هو: ابن موهب وهو مدني"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5622). |
↑6 | انظر: موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (5/ 1/ 49). |
↑7 | التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 243). |
↑8 | أدب الدنيا والدين (ص: 319). |
↑9 | انظر: عيون الأخبار، لابن قتيبة (1/ 334). |
↑10 | صيد الخاطر (ص: 28). |
↑11 | مدارج السالكين (3/ 5). |
↑12 | الفوائد لابن القيم (ص: 144). |
↑13 | بدائع الفوائد (3/ 227). |
↑14 | انظر: أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه (ص: 124)، والإعجاز والإيجاز (ص: 186)، والتذكرة الحمدونية (2/ 58). |
↑15 | أخرجه البخاري (2893 ، 6363)، وأبو داود واللفظ له (1555). |
↑16 | أخرجه ابن حبان في صحيحه (620)، وجوّد إسناده الشيخ الألباني كما في السلسلة الصحيحة (68). |
↑17 | مجموع الفتاوى (10/ 149 |
↑18 | حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 148)، وصفة الصفوة (1/ 244)، وسير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 585). |
↑19 | أخرجه أبو داود (4297)، وأحمد في المسند (22397)، وحسن إسناده محققوه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (8183). |
↑20 | تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 374)، وجود إسناده الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير (1/ 619). |