المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: هذا هو اللقاء الثاني عشر من المجموعة الثانية، والرابع والعشرين من المجموعة كلها، والجزء الثامن من حلقات تربية الشباب وإرشادهم.
سنقف -إن شاء الله تعالى- بعد هذا الدرس، ونعود مرةً أخرى بعد شهرٍ وأسبوعٍ مع الفصل الدراسي الثاني -بعون الله -، وسنحتاج إلى إكمالٍ معدودٍ مع تربية الشباب وإرشادهم أيضًا -بعون الله -، ثم نُكمل باقي الموضوعات الأخرى إلى نهاية العام الدراسي.
أسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ.
كنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند باقي الأسئلة التي سألها الإخوة عن منظومة الحاجات النفسية للشباب، وأهمية العناية بهذه الحاجات وتلبيتها بالنسبة للشباب -ذكورًا وإناثًا- فيما يتعلق بتربيتهم وإرشادهم، حيث إن العناية بهذه الحاجات سيُساعد على الاستقرار النفسي بالنسبة للشباب، وعكس ذلك سيُسبب مشكلةً؛ ولذا كثيرٌ من تفسيرات عدم الاستقرار في شخصية الشباب -ذكورًا وإناثًا- هو بسبب عدم تلبية الحاجات التي ذكرناها، وسنُكملها، إن شاء الله تعالى.
وأشرنا ضمن هذه المنظومة إلى الحاجات الإيمانية والعبادية والتدين، ثم الحاجة إلى الزواج والعِفَّة والجوانب الجنسية، ثم الحاجات المعرفية والثقافية والفكرية، والحاجات المُتعلقة بالجانب التربوي والمهني للشباب، ثم وقفنا عند الحاجات النفسية.
الحاجات التعليمية
اليوم نُكمل -إن شاء الله تعالى- المُتبقي من هذه الحاجات في هذه المنظومة، وهي: الحاجات المتعلقة بالجانب التعليمي، أو ما تُسمَّى: بالحاجات المدرسية، أو الحاجات الجامعية.
فالشباب -ذكورًا وإناثًا- يحتاجون منا إلى مراعاةٍ، ومن توفيق الله أنَّ هذا الموضوع يأتي في وقت الاختبارات، فمن أهم القضايا المتعلقة بهذا الجانب: أن يعيش الطالب وضعًا مُستقرًّا، طبيعيًّا في الجانب التعليمي.
ومن أشد ما يُعاني منه الشباب -ذكورًا وإناثًا- ما يُسمَّى: بقلق الامتحانات والدرجات، ونحن لو رجعنا إلى كلامنا في التدين والإيمان لأدركنا أن عدم ربط التعليم بالغاية الأساسية: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] هو الذي ولَّد عند أجيالنا هذه القضية، وطرائق تربية الأسرة لأبنائها منذ الصغر على قضية الدرجات والشهادة، وكذلك بالنسبة للمعلمين، حتى أصبحت القضية الأساسية عند الطالب الشابِّ -ذكرٍ أو أنثى- أن يجتاز الاختبار، ويحصل على الشهادة، وعندئذٍ كان الشيء الذي يُقلق هؤلاء هو: كيف أستطيع أن أتجاوز قضية الامتحانات والدرجات؟ ومَن لم تكن لديه قِيَمٌ تربطه فإنه سيدخل في مضمار الغش وما يتعلق بقضية الاحتيال.
وقد يكون كُره الشباب أو الأجيال للتعليم بسبب ربطنا له بقضية الامتحانات والدرجات، وما يُسمَّى: بالتقييم، وأساليب التقييم، فينبغي أن نُدرك هذه القضية، فهي مهمةٌ جدًّا.
فليس صحيحًا أبدًا أن تُنهي كل ما يتعلق بالطالب والطالبة في ليلةٍ واحدةٍ؛ لأن القضية ليست مُرتبطةً بالأسئلة فقط، ولكن الأمر مُرتبطٌ بما هو أكثر من ذلك، وهو بناء الشخصية، فهل حِصصنا الدراسية ومُحاضراتنا الجامعية تبني فعلًا أجيالًا؟ وهل هم يتلقون أشياء تشعر من خلالها أنهم يرتقون في بيئتهم التعليمية، أم أنهم قومٌ ينتظرون فقط لحظة الاختبار النهائي، وعندئذٍ يبدأ منسوب القلق يزداد لديهم؟!
ولذلك فإن ما يُسمَّى: بالاتجاهات الإيجابية نحو التعليم والدراسة قضيةٌ مهمةٌ جدًّا لهذه الأجيال، فينبغي أن نخفض مستوى القلق تجاه الامتحانات والدرجات، ونرفع مستوى الترغيب في التعليم؛ حتى يكون محبوبًا.
وهذا -بلا شكٍّ- ليس كلامًا نظريًّا، فينبغي أن تكون بيئة التعليم في مدارسنا وجامعاتنا وأُسرنا وإعلامنا تُساعد على هذا الجانب بشكلٍ كبيرٍ جدًّا؛ ولذلك فإن هذه حاجةٌ مهمةٌ جدًّا للشباب، فخذ مثلًا طرائق المُذاكرة، فالشباب يحتاجون إلى أساليب المُذاكرة السليمة، فجزءٌ من إشكاليات الشباب مثلًا أنهم لا يعرفون عن المُقرر إلا وقت الحضور، ولا تجد أحدًا يأتي وهو يرغب في الحضور رغبةً داخليةً، وإنما يحضر لأنه مُلزمٌ، فهذه قضيةٌ أخرى، وهو ما يُسمَّى: بالاتجاه الإيجابي، أو السلبي، فأين البيئة التي تجذب هؤلاء الشباب حتى يُحبوا التعليم، ويتَّجهوا إلى الاتجاهات الإيجابية نحو التعليم؟
ومرةً سألتُ مجموعةً من الطلاب، وقد أُخرجوا من الفصل الدراسي لما طبَّقوا في إحدى الثانويات برنامجًا من البرامج، فقلت: لماذا خرجتم؟ قالوا: والله طُردنا من الفصل الدراسي. فقلت: أسألكم بالله أنتم لما خرجتم هذا اليوم من المدرسة، هل كنتم راغبين فعلًا؟ قالوا: تريد الصدق؟ والله نحن لا نرغب ولا نريد الدراسة ولا المدرسة. فقلتُ: طيب، وزملاؤكم؟!
وبالفعل دخلتُ على أحد الفصول وطبَّقتُ عليه ما يتعلق بمقياس التخصص، ووجدتُ أن الطلاب عندهم نفس هذه المشكلة.
فعندنا اليوم حاجةٌ كبيرةٌ إلى أن نثبت هذه الحاجة التعليمية؛ حتى يُصبح التعليم ذا أثرٍ، كما هو عليه في بلاد العالم -شرقه وغربه-: كاليابان، وغيرها، فنحن نحتاج لذلك، ولا يكون ذلك إلا من خلال الاتجاه الإيجابي نحو الدراسة والتعليم، وعدم ربط التعليم بقضية الدرجات والامتحانات، وإنما ببناء الشخصية، فهذا من أكبر ما يحتاجه الإنسان.
والمعلم بلا شكٍّ مُؤثِّرٌ، والبيئة المدرسية والإدارة والعائلة مُؤثرةٌ، فهناك فرقٌ بين العائلة التي يأتيها ابنُها وأول سؤالٍ تسأله له: هل أخطأتَ أو ما أخطأتَ في الاختبار؟ سؤالٌ عن الخطأ، وكأنهم يريدون منه أن يصير في عالم الملائكة والمدينة الفاضلة عند أفلاطون!
فهذه مشكلةٌ كبيرةٌ جدًّا، وهم يرون أن هذا من الحرص الزائد، وهذا ليس حرصًا إيجابيًّا، هذا حرصٌ سلبيٌّ، وسيُولد في المستقبل جيلًا من المُراهقين الشباب -ذكورًا وإناثًا- عندهم هذا القلق، وسيكون منهج كثيرٍ من أبنائنا أنهم لا يُذاكرون إلا ليلة الاختبار، خاصةً بالنسبة للشباب، وتجد عند بعضهم المكتبة موجودةً في السيارة، وتُفتح عند النزول للدرس أو لليوم الدراسي، ثم تُوضَع، ولا تُعرف إلا ليلة الاختبار، وهذا مما يُسبب القلق.
ولذلك ينبغي أن يعلم الطالب طريقة المُذاكرة الأسبوعية، وأن يكون في بيئةٍ مُشجِّعةٍ له على المذاكرة، وأن يكون هناك مجالٌ لتقويته في مجالات الضعف التي عنده، وأن يكون هناك مجالٌ لما يُسمَّى: بالتلخيص، وهو أن يُذاكر ويُلخص، وهذا من أفضل الأساليب والمهارات في المُذاكرة والاستذكار على أية حالٍ.
الحاجات الأسرية
من الحاجات أيضًا: الحاجات الأسرية، وهذه من حاجات الشباب المهمة، فينبغي أن نضعها في بالنا، ومن أهم معاييرها ما يتعلق بتفهم الوالدين للاهتمامات والتَّغيرات التي طرأت على الشباب، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
وكثيرٌ يشتكون من الشباب، خاصةً في سنِّ المُراهقة المُبكرة، ويقول الشاب أنهم يتعاملون معه على أنه ما زال طفلًا، والنبي تعامل مع الأطفال على أنهم رجالٌ، وأسند إليهم مسؤوليةً ومهمةً عليه الصلاة والسلام، فكيف بالشباب حينما يتعامل معهم بهذا الأسلوب؟!
هذه ضريبة ضعف التعاون في المرحلة المُبكرة، وهي الطفولة، فيأتي أيضًا استكمال المشوار في مرحلة الشباب؛ ولذلك يحصل بعد ذلك انفصامٌ بين جيل الآباء وجيل الأبناء فيما يتعلق بتلبية الحاجات الأسرية، وتحصل المشكلات الأسرية؛ لعدم وجود التفاهم بين الطرفين، وأكبر قضيةٍ أنني يا أبتي لم أعد طفلًا، وإنما أصبحتُ رجلًا، وكذلك يا أمي لم أعد طفلةً، وإنما أصبحتُ فتاةً.
وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، حتى مع الضعف الموجود في هذه المرحلة عند محمد أو فاطمة في شخصيتهم، وحتى في مجال القيم، وما شابه ذلك، إلا أن هذا الشعور ينبغي أن نهتم به؛ لأنه من القضايا المهمة جدًّا.
وليس المقصود أننا لا نهتم بالجوانب الأخرى، ولكن قصدتُ بهذا أن هذا الجانب حاجةٌ أيضًا مثل الحاجة إلى التدين، فلا بد أن نفهم أننا نتعامل مع رجالٍ وأمهاتٍ، ويكفي أنَّ شرعنا جعل قضية التكليف بأمهات أصول الدين مُرتبطةً بالبلوغ، ولا يتنازع أن سنَّ 15 قد تحقق فيه البلوغ بلا ريبٍ بالنسبة للذكر والأنثى، وقد يحصل ذلك قبل سنِّ 15، خاصةً مع الإناث، فقد تبلغ البنتُ وعمرها تسعٌ، وما شابه ذلك، وقد جاء عن بعض العلماء أن المرأة -البنت- إذا بلغت تسعًا أصبحت أمًّا، فإذا كان الشرع قد حمَّل هؤلاء المسؤولية، فكيف بالبيئة الأسرية؟!
فلا بد أن نُدرك أننا نتعامل مع أناسٍ قادرين على تحمل المسؤولية، لكن عند الآباء والأمهات انطباعٌ سلبيٌّ بأنهم غير قادرين، والذي جعلهم غير قادرين هو بيئتنا الأسرية، فنحن السبب، فهذا مُنتجنا، إذا اعتبرناهم ما زالوا صغارًا، ولا نستطيع أن نُكلِّفهم، ولا نثق بهم، فمَن الذي أوصلهم لهذا المستوى؟ في الغالب البيئة الأسرية هي التي أوصلت هؤلاء الشباب -ذكورًا وإناثًا- إلى هذا الاضطراب في الثقة وتحمل المسؤولية، وعندئذٍ لم يكن هناك تفهمٌ من المُربين -من الوالدين والأسرة- لهذه الحاجة المتعلقة بأن الولد أصبح رجلًا، وأن البنت أصبحت أمًّا.
الجانب الآخر: أن هذا الشابَّ وتلك الفتاة حريصان على إقامة علاقات مُتوازنة داخل الأسرة، فيعرفان برَّ الوالدين، وحقوق الوالدين، وحقَّهم على الوالدين، وكذلك ما يتعلق بقضية الإخوة -ذكورًا وإناثًا- والعلاقة بينهم.
فهذه من القضايا المهمة جدًّا، وإذا حصل شرخٌ في هذا الجانب حصل الاضطراب الأسري، وعدم ارتياح الشاب -ذكرًا وأنثى- للبيئة الأسرية، ويلجأ الشاب إلى مصادر أخرى: إما مصادر حقيقية، أو مصادر افتراضية من خلال (الشِّلَّة) والأصدقاء، أو من خلال العالم الافتراضي الموجود الآن في التقنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويُفرغ الجانب العاطفي من خلالها، وتكون الصداقات مع أناسٍ مجاهيل، فهو عالمٌ افتراضيٌّ، اسمه: محمد، وإذا به بنتٌ، أو اسمه: فاطمة، وإذا به رجلٌ، وهكذا، وتمشي على هذا الحال؛ لأن القضية لم تُشبع بطريقةٍ سليمةٍ من خلال الأسرة.
وقد أجاد في هذا الموضوع الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه الجميل "التواصل الأسري"، وأنا أنصح بالرجوع إلى هذا الكتاب في هذا الموضوع خاصةً.
الحاجات الاجتماعية
من حاجات الشباب أيضًا: الحاجات الاجتماعية، فلا بد من مُراعاة الحاجات الاجتماعية أيضًا للشباب، وترتبط بهذه القضية مجموعة أمورٍ، لكن نُركز على قضيتين:
القضية الأولى: القيم
فهم القيم الاجتماعية التي تُوجه سلوكه، فحتى يسير بشكلٍ إيجابيٍّ في المجتمع لا بد أن يفهم، يعني مثلًا: نظام "ساهر"، فهو لا بد أن يفهم النظام الآن، وهذا نظامٌ اجتماعيٌّ موجودٌ، بغض النظر عن رأيك ورأيي، لكنه نظامٌ اجتماعيٌّ، وفهمه لهذا النظام يجعله ينضبط في السرعة، فهذا هو النَّسق القِيَمي أو المنظومة القِيَمية في التعامل مع أجهزةٍ، فكيف بالنَّسق القِيَمي المُرتبط بقضية التعامل مع الناس بالاحترام، والتقدير، والتضحية، والبذل، وحبِّ الخير للآخرين، ومُساعدتهم، والصدق، والأمانة، وما شابه ذلك؟ فكل هذه القيم تضبط مشواره الاجتماعي، ويعرف ما له، وما عليه، والذي ينبغي أن يكون.
فلا بد في هذه القيم أن تكون واضحةً لدى هذا الجيل؛ لتُساعده على توجيه سلوكه، وتهديه إلى الطريق السليم؛ ولذلك ينبغي أن تكون عندنا مشاريع أُسرية وأحيائية ومُجتمعية ومدرسية فيما يتعلق ببناء النَّسق القِيَمي للشباب.
ولا تظنوا أن قضية الاحترام أو الأمانة واضحةٌ لديهم، فقد يتصورها الشابُّ ذهنيًّا، لكن نريد أن يعيش هذه القيم، وأن يُمارسها بطريقةٍ صحيحةٍ، وأن يجد البيئة التي تُساعده على تلبية هذه القيم وإشباعها، وأن يتمكن منها، فهذه من الحاجات الاجتماعية التي يحتاجها الشباب: ذكورًا وإناثًا.
والحقيقة أن هناك الآن عددًا من الجهات التعليمية وغير التعليمية أصبحت تهتم بالقيم، وهذا مشروعٌ إيجابيٌّ، خاصةً إذا أصبحت هذه القيم في إطار منهجنا الإسلامي، وفي إطار الغاية التي خلقنا الله لها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وإلا سنُصبح مثل غيرنا إذا ضاعت القيم؛ ففي أمريكا انطفأت الكهرباء في إحدى الولايات، فسُجِّلت الآلاف من حالات السرقة؛ لأن الرقيب البشري موجودٌ، والرقيب الرباني غير حيٍّ في قلوبهم.
فنحن نحتاج إلى هذا الجانب، وإلا فما الفائدة إذا كنا مثل غيرنا؟! وما الفرق بيننا وبين المجتمعات الأخرى؟! فكلهم يدعو إلى القيم، وكل مجتمعٍ يدَّعي أنه لا بد له من قيمٍ إيجابيةٍ، والأوائل الذين تكلَّموا في هذا الجانب -وهم أصحاب الفلسفة: كأفلاطون، وأرسطو، وسُقراط، وغيرهم- تكلَّموا في هذه القضايا، لكن الأمر يختلف عندما يكون في إطار المنهج العبادي الإسلامي الذي ننتمي إليه.
تكوين الصداقات
من الحاجات الاجتماعية المهمة لجيل الشباب -ذكورًا وإناثًا- ما يتعلق بتكوين الصداقات الجيدة، وهذه من القضايا المهمة جدًّا، وأنا أقول: نصف الطريق في نجاح التربية والإرشاد للشباب -ذكورًا وإناثًا- إيجاد بيئة صداقاتٍ إيجابيةٍ تستطيع أن تخدم دينها ودنياها بطريقةٍ صحيحةٍ، أما أن تخدم دنياها فقط على حساب دينها فهذه غير نافعةٍ.
ولا نتصور أنه يوجد تعارضٌ بين الدين والجانب الدنيوي؛ لأن الدين جاء بالحثِّ على العمل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ [التوبة:105]؛ ولذلك مهمٌّ في الشاب -ذكرًا أو أنثى- أن يُدرك مَن هو الصديق الصالح؟ وأن يُربَّى منذ الطفولة على بعض الصداقات الإيجابية، وإيجاد محاضن يستطيع أن يذهب إليها، ويجد أصدقاء يعرفون حقَّ الله، وحقَّ أنفسهم، وحقَّ الناس، والعلاقة مع الله، ومع الآخرين، ومع أنفسهم، فهذه منظومةٌ مهمةٌ جدًّا فيما يتعلق بتكوين الصداقات.
والنبي يقول: لا تُصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ[1]أخرجه الترمذي (2395)، وأبو داود (4832)، وحسنه الألباني.، فهذا أسلوب الحصر والقصر: لا تُصاحب إلا مؤمنًا؛ لأنه جليسٌ صالحٌ، والدراسات دلَّت على أن أكثر سببٍ في انحراف الشباب في مرحلة الشباب -ذكورًا وإناثًا- الصداقات؛ ولذلك ينبغي أن نُدرك هذا الجانب، وأن تكون هناك معرفةٌ بالصديق الصالح، وما ميزاته وسماته؟ وكما قيل: "صديقك مَن صدقك، لا مَن صدَّقك"[2]"المدهش" لابن الجوزي (ص225).، وليس هو مَن يُلبي رغباتي الشخصية فقط، وإنما هو الذي يُعزز فيَّ الجوانب الإيجابية، وفوق ذلك أيضًا يُساعدني على حلِّ المشكلات، ويسلك بي إلى الطريق الصواب في الدنيا والآخرة، فهذا هو الصديق النافع.
فينبغي أن نُعرِّفه بالأصدقاء الإيجابيين، ونُوجد له البيئة التي من خلالها يجد الأصدقاء الإيجابيين، ولا بد أن يعرف الآباء أصدقاء أبنائهم وبناتهم، فهذه -والله- من الأمور الخطيرة، خاصةً مع هذا العالَم الافتراضي اليوم عبر التقنية.
وإذا تعاملنا مع هذه القضايا بطريقةٍ جيدةٍ من وقتٍ مبكرٍ استطعنا أن نُخفف على أنفسنا كثيرًا من إرهاقات التربية والإرشاد لهؤلاء الشباب.
ومن خلال الاستشارات أجد كثيرًا من المعاناة، وكنا يوم الخميس في مركز حي الجامعيين في برنامج "الاستشارات الهاتفية"، وكانت أكثر الاستشارات التي جاءت مُتعلقةً بقضية الشباب، يقول أحدهم: والله أنا لا أعرف كيف أُربي هؤلاء؟ ويريد إجابةً في دقيقةٍ أو نصف دقيقةٍ عن مشوار 15 عامًا أو 20!
يعني: الإنسان يقف في بعض الأحيان مع بعض الاستشارات حيران، ماذا يقول؟ كأنه يريد أن تحلَّ له المشكلة بلحظةٍ من اللحظات، وهو مشروعٌ كبيرٌ، وهذا الذي نذكره الآن في الجزء الثامن من تربية وإرشاد الشباب، ولن نستطيع أن ننتهي منه.
والمُستقرئ للنصوص الشرعية -كما ذكرنا سابقًا، وكما سيأتي معنا لاحقًا- يجد الشيء الكبير في هذا الجانب، وإذا لم توجد الإرادة في تحقيق هذه الحاجات، وطغى علينا الجانب المادي الذي نبنيه في أسرنا ومجتمعنا؛ سنعض أصابع الندم، إلا أن يكتب الله شيئًا، كما يقول بعض الآباء: والله، أبنائي طلعوا صالحين، وأنا والله ما بنيتهم عليه، ولكن ذلك من رب العالمين. يقول: والله أنا مُقَصِّرٌ، لكن الله وفَّقه وتعرف على أناسٍ طيبين، وأساتذةٍ مُباركين في إحدى المدارس، وكتب الله له الهداية.
طيب، ودورك أنت؟!
فالحمد لله الذي سلَّم هذا الابن وسلك هذا المسلك الإيجابي، طيب، وغيره من الأبناء؟ طيب، أنت أين مسؤوليتك؟! والله يقول: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:95].
فالحقيقة أنه ينبغي إعادة ترتيب الأولويات داخل أُسرنا فيما يتعلق بقضية توجيه وإرشاد وتربية الشباب، وما يتعلق بتربية الأجيال منذ الطفولة.
والآن هناك حملةٌ على قنوات (MBC) سيئة الذكر، والحمد لله أنا لا توجد عندي هذه القنوات أو غيرها، وهذا من فضل الله عليَّ.
وقد تابعتُ بعض أفلام الكرتون في هذه الأيام من خلال (الإنترنت) لبعض هذه القنوات، فوجدتُ شيئًا عجيبًا، وأنا أعرف هذا الكلام من قبل، وقرأتُ دراساتٍ عن هذه القنوات وغيرها، ومن سنواتٍ والبعض يتكلم، لكن لما جاءت هذه المُقاطعة الآن وهذه الحملة الكبيرة وجدتُ شيئًا عجيبًا، ففي أحد الأفلام الكرتونية عبارة: "لعنة الله على عمر بن الخطاب"، وفي إحدى اللقطات الأخرى شعار (الماسونية)، فأعداؤنا يريدون أن يسلخوا الناس من دينهم وقِيَمهم، ولقطةٌ ثالثةٌ فيها رسومٌ عبارة عن نساءٍ عُراةٍ! وكلها أفلام كرتونية! والطفل الصغير يتفاعل معها، وينشأ عليها!
فهذه ثلاث لقطاتٍ رأيتها في ثوانٍ، فكيف بالكم اليومي الكبير؟! وكيف بالمجموعة كلها وغيرها من المجموعات؟!
ويجيء أبٌ ويقول: ماذا أفعل؟ أنا ما أقدر أن أمنعهم!
الله أكبر! فكيف نقدر أن نمنعهم من أمورٍ معينةٍ نرى أهمية المنع منها؛ لأنها قضيةٌ مُرتبطةٌ بفلوسٍ ومالٍ ودنيا، لكن في جانب القيم التي ستُسأل عنها تتراخى عن ذلك؟! فهذه مصيبةٌ كبرى!
واحدٌ من الفُضلاء -أعرفه- يقول: اتَّخذتُ قرارًا بإلغاء هذه القنوات بعد أن رأيتُ بأم عيني ما فعله المسلسل التركي بالناس وبأبنائي.
هذا كلامه قبل سنتين، ويقصد القنوات التي ذكرناها قبل قليلٍ، فهذا صحا بعد فترةٍ من الزمن، وبعد الجرعات الكثيرة، ونحن ما نصحوا إلا بعد أن تأتينا الصَّفعات تلو الصَّفعات، حتى نقول في النهاية: صحيحٌ، يمكن أن هذه ما انتبه الأطفالُ لها، وما رآها عيالي! مَن قال: إنهم ما رأوها؟!
وللعلم: هذه القضية موجودةٌ حتى عند الشباب، فإذا لم يكن هناك نضجٌ تربويٌّ داخل الأسرة، فضع في ذهنك أن هناك هامشًا من التَّحفظ الخاص عند الأبناء لا يُفصحون عنه لك، أما إذا وُجِدَ النضج التربوي الراقي مع اتِّقاء الله فيمكن أن تذوب هذه القضايا، لكن هذا في القلَّة القليلة، فهذه القنوات تبثُّ ما لا يُتصور من الناحية العقلية والفكرية والأخلاقية والقِيَمية، فإلى متى الغفلة؟ والله إننا لمسؤولون: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [الصافات:24]، والله سنقف أمام الله وليس بيننا وبينه ترجمانٌ، وسنُسأل عن هذا.
وأحد الشباب قبل يومين تابعني عبر الخاص في (تويتر)، فدخلتُ أريد أن أعرف مَن هذا الشخص؟ وإذا به شابٌّ قريبٌ من حيِّنا، وقال: أنا فلان الفلاني، طالبٌ في مرحلةٍ جامعيةٍ. فجلستُ أقرأ ما كتب، فإذا بها حواراتٌ بينه وبين فتياتٍ غير مُنضبطةٍ، فقلتُ له على الخاص: أنا قرأتُ بعض (تغريداتك) وشعرتُ أنك تفتقد شيئًا من الجانب العاطفي، ولكن هذا الجانب لا يمكن أن يُملأ بما قرأتُه من حواراتٍ بينك وبين الفتيات في بعض (تغريداتك)، فتنبَّه، فأنت في عالَمٍ مفتوحٍ، الكل ينظر إلى ما تكتب، وقبل ذلك رب العالمين يعلم هذه القضية.
فمن أين أتت هذه المشاكل؟
من عدم إشباع الجانب الاجتماعي والأسري والعاطفي، وتكوين علاقات صداقةٍ قائمةٍ على متانةٍ وقوةٍ.
وأيضًا بسبب الفراغ، وهي من أكبر مشكلات الشباب -ذكورًا وإناثًا-؛ لذلك من القضايا التي نُعالج بها مَن يأتي من الشباب، أو نستفسر منهم، أو من آبائهم؛ أننا نقول: أشغله، واشغل نفسك. فالإنسان عندما يشغل نفسه لا يكون عنده مجالٌ للتفكير، يعني مثلًا: من السلوكيات: العادة السرية -والعياذ بالله-، وقضايا التفكير في جوانب لا أخلاقية، وفي أمورٍ مُرتبطةٍ بالجانب العقدي، فهذه علاجها أن يشغل الإنسانُ نفسَه، وكل واحدٍ يسأل نفسه، وسيجد أنه حينما يُفكر في أمورٍ ثم يبدأ العمل ينقطع هذا التفكير، فكيف بمَن يشغل نفسه بالله والعبادة والذكر، وقراءة الشيء النافع، والأصدقاء النافعين؟ ... إلى آخره.
فهذه قضيةٌ مهمةٌ، وهي أيضًا من الحاجات التي ينبغي أن نضعها في بالنا مع الشباب: ذكورًا وإناثًا.
القدوة
من القضايا الاجتماعية: القدوة، فمن الحاجات المهمة: الحاجة للاقتداء، يعني: الشاب -ذكرًا أو أنثى- يحتاج إلى أن يتَّجه إلى مَن يتمثله ويقتدي به؛ ولذلك من المهم أن نربطهم بالقدوات العظيمة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فهل درس وقفاتٍ في السيرة داخل الأسرة؟ وهل ارتبط الشباب -ذكورًا وإناثًا- بسيرة النبي من خلال الأحياء والجامعات والمدارس؟
فهذه من القضايا المهمة جدًّا، فالقضية ليست قضية معلوماتٍ، القضية مُرتبطةٌ بجانب الحاجات الفطرية، فهو يحتاج إلى مَن يقتدي به، فقدِّم له النموذج النافع الصالح.
حين يأتي أحد الصحفيين ويقول: شبابنا اليوم قدوتهم هم أهل الرياضة والفن. وصدق، وقلنا لكم من قبل أن الدِّراسات دلَّت على هذه القضية، فأول شيءٍ الرياضة والفن، والدراسات المُجتمعية على الشباب في مجتمعنا السعودي اليوم دلَّت على هذه القضية، فما معنى هذا الأمر؟ معناه أننا نحتاج إلى إعادة تأهيل الشباب في جانب قيمة الاقتداء.
وأنا أرى أن أكبر ما يُضعف هذه الحاجة هو الأسرة، ولو كنا آباء وأمهات على مستوى من الاقتداء لاختصرنا الطريق بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
وحقيقةً يا إخوة، إن من أنفع ما يكون في السير في التربية والتوجيه لمثل هؤلاء: أن نشعر أننا مُقَصِّرون.
ولابن القيم كلامٌ جميلٌ جدًّا ونافعٌ عن النفس البشرية، وأن الإنسان يشهد على نفسه بالتقصير، وهذه شهادةٌ منا لله ربِّ العالمين، فالجانب الإيجابي ليس مني ولا منك، وإنما توفيق ربِّ العالمين، وأما نحن فمُقَصِّرون مهما فعلنا.
وحين تأتي اتصالاتٌ من بعض الآباء والأمهات تستغرب؛ فلا تكاد تسمع منهم اعترافًا بأنهم مُقَصِّرون، وقد اتَّصل عليَّ منذ وقتٍ قريبٍ أحدهم وقال: أنا أُقِرُّ بأنني مُقَصِّرٌ. فقلتُ: الله يجزيك الخير، كلنا مُقصِّرون، لكن المطلوب التَّكرار والمحاولة.
الحاجات الصحية
من الحاجات الأخرى أيضًا: الحاجة الصحية المتعلقة بقضية البناء الجسمي بطريقةٍ إيجابيةٍ وسليمةٍ، فالشاب حينما ينمو نموًّا صحيًّا وجسديًّا بشكلٍ جيدٍ فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ولا بد أن نُراعيها في الشباب، خاصةً في زمنٍ انتشر فيه السُّكَّري، والضغط، وأمراض القلب، وغيرها -نسأل الله أن يُعافينا وإياكم-، فينبغي أن نبني جسدًا صحيًّا بطريقةٍ إيجابيةٍ من حيث نوع الأكل ومقداره، يعني: الجانب الكمي، والنوعي، والكيفي.
فينبغي أن تنتشر الثقافة الصحية في أوساط شبابنا؛ لأن الوجبات السريعة هي التي أخذت بلُبِّ أبنائنا -ذكورًا وإناثًا- حتى أصبح هناك جانبٌ من الضغط على الأسرة: أنه لا بد من وجباتٍ سريعةٍ من خارج البيت، وفي هذا إسرافٌ في المال، وكذلك ضررٌ في الجانب الصحي.
فمن المهم جدًّا أن يُعطى الشابُّ ثقافةً، والإنسان في بعض الأحيان عدو ما يجهل، وحين نُعلِّمهم يُدركون.
وقد أتينا بأحد المُختصين لطلابنا في مثل هذه المرحلة -وهي مرحلة الشباب- قبل ثلاثة أسابيع، وهو مُختصٌّ وطبيبٌ (فسيولوجيٌّ)، وتكلم في اللقاء لمدة ساعةٍ ونصف في حواراتٍ مع الشباب عن قضيتين: الفواكه والخضار والماء، وأثرها على الجسم سلبًا وإيجابًا، وقد دُهشتُ مما طُرِحَ، وكنتُ أقول لأحد المسؤولين عن هذا اللقاء: لا بد من أن نُسجل هذا اللقاء مرةً أخرى، أو نُخرج مطويَّةً وننشرها بين طلاب وطالبات جامعاتنا؛ لأنها معلوماتٌ بسيطةٌ، لكنها مُؤثرةٌ في بناء الجسم، خاصةً لما سُئل هذا الدكتور المُختص عن وظائف الأعضاء: ماذا لو قصَّر الإنسانُ في هذا الجانب المُتعلق بالجرعات التي قلتَها في الفواكه والخضار والماء؟ فذكر أن معظم الأمراض التي نعيشها اليوم -وهي أمراض العصر: كالسُّكري، فثلث المجتمع السعودي مُصابٌ به، وأيضًا ما يُسمَّى بـ: سكر الأطفال- ارتفعت بصورةٍ عاليةٍ بسبب الغذاء ونوعيته ومقداره، حتى لو لم توجد تُخْمَةٌ، فالغذاء ذاته يُسبب إشكالاتٍ؛ ولذلك هذه من الحاجات المهمة جدًّا لدى الشباب، والتي تنبغي مُراعاتها.
وكذلك ما يتعلق بطبيعة بنائه الجسمي، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ولا بد أن ننتبه لها، والنبي كان يُداعب الأطفال ويُربيهم على الرجولة وهم أطفالٌ، وليس كما نفعل نحن في بعض الأحيان في جوانب معينةٍ نظن أنها إيجابيةٌ، وهي سلبيةٌ، فالمُراهق يبدأ صوته يتغير، وجسمه يطول مثلًا، فنقول له: ما شاء الله يا محمد، صار فيك كذا. ونظن أن هذا عبارةٌ عن مُداعبةٍ إيجابيةٍ، وهي سلبيةٌ ومُؤثرةٌ في نفسه؛ ولذلك ينبغي أن يُقال له: حصلت عندك تغيراتٌ جسميةٌ طبيعيةٌ.
فلا بد أن تكون هناك ثقافةٌ مُنضبطةٌ نُعطيها من خلال أُسرنا؛ حتى لا يتعاملون معها بطريقةٍ غير صحيحةٍ، فيُصبح هناك نفورٌ ممن يُعلِّق عليهم، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ، حيث يبدأ الجسم يخرج فيه شعرٌ، ... إلى آخره، ولا بد أن يتكيف معه، ولا يستغرب منه.
ولذلك فإن مَن لا يُمارسون الثقافة الإيجابية هم في الحقيقة يُجرمون في حقِّ شبابهم -ذكورًا وإناثًا- بسبب أن الشابَّ يبدأ في رؤية أشياء معينةٍ في جسمه، أو في بلوغه، وهو غير عارفٍ بكيفية التعامل معها، ناهيك عن ارتباطها بالجانب العبادي، وما يترتب على هذه القضية.
الحاجات الأخلاقية
من الحاجات: الحاجات المُتعلقة بالجانب الأخلاقي، وهي الحاجات الأخلاقية، فلا بد من تزويدهم بالقيم التي تضبطهم عن الانحراف: كقيمة العفَّة، والمُراقبة، والتَّحمل، والصبر، حتى لا ينحرفوا، ولا بد أن نُذكرهم بقول الله : أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى [الحجرات:3]، فهم القوم الذين تميل نفوسهم للمعصية ويتركونها، فلهم أجرهم عند الله، وهم أفضل من الذين لا تميل نفوسهم لهذه المعصية، ولا يفعلونها؛ لأن هؤلاء عندهم مُجاهدةٌ، فلا بد أن يُدركوا هذه المعاني.
وكذلك يُدرِك الشابُّ معاني التوبة، وأن الإنسان حتى لو أذنب -وكلٌّ مُعرَّضٌ للذنب- فهناك بابٌ اسمه: باب التوبة، وهذا مهمٌّ جدًّا للشباب، فيُعرَّف بشروط التوبة، وأن باب التوبة مفتوحٌ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] ... إلى آخره.
فهذه القضية مهمةٌ جدًّا؛ لأنها إذا لم تحصل حصلت الصِّراعات النفسية الداخلية، فالشابُّ عنده انحرافٌ، وعنده القيم من الناحية المعرفية والعملية، والانحراف -بلا شكٍّ- يخفُّ عند مَن عندهم قيمة المُراقبة لله ، والذي عنده ضعفٌ في الصلاة وأداء حقِّ الله ينحرف بسهولةٍ، ثم مع هذه القيم قد ينحرف، وهذه قضيةٌ لا بد أن يفهمها الواحد، كما قال : كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون[3]أخرجه ابن ماجه (4251)، والترمذي (2499)، وحسنه الألباني.، فلا بد أن يُدرك الشابُّ أنه قد يُخطئ، ولكن عنده بابٌ اسمه: باب التوبة تَجُبُّ ما قبلها.
الحاجة إلى التقنية
أخيرًا الحاجات المُتعلقة بالقضايا التقنية، وجيل اليوم من الشباب -ذكورًا وإناثًا- هم جيل التقنية، وقد اطَّلعتُ قريبًا على ما يتعلق بالإعلام الجديد، وكان في لقاءٍ في مركزي -بتوفيق الله - المزروعية، واللقاء حواري، وأنا استفدتُ من المُحاضرين عن التربية في عصر الإعلام الجديد، وأوجد عندي أشياء جديدةً من جانب الدِّراسات والأرقام، ولعل هذا اللقاء يخرج -إن شاء الله تعالى- في مُنتجٍ صوتيٍّ، بإذن الواحد الأحد.
فأرقام التعامل مع التقنية بالنسبة للشباب أرقامٌ عاليةٌ جدًّا، في (تويتر) و(فيس بوك) و(يوتيوب)، ونحن في المجتمع السعودي عمومًا من حيث الكم رقم واحدٍ في العالم بين الذين يدخلون على (اليوتيوب) من خلال مُحرك البحث (جوجل)، وليس ذلك من حيث العدد، فبالنسبة للعدد نحن لا نُساوي شيئًا عند الصينيين، ولا حتى عند مصر، لكن نسبة العدد إلى عدد السكان وإخراج النسبة، فنحن رقم واحدٍ بالنسبة للدخول على (اليوتيوب)، وكذلك استخدام (اليوتيوب) من خلال الجوَّالات الذكية رقم واحدٍ في العالم، وأرقامنا عاليةٌ في أشياء عديدةٍ جدًّا.
وأيضًا هناك أرقامٌ أخرى عاليةٌ -للأسف- في جانبٍ آخر سلبيٍّ مُتعلقٍ بالكيف: ما البرامج التي يدخلون عليها؟ والقلق الذي ذكرناه في الحلقات الأخيرة، وكانت نسبته 60% إلى 65% لدى الشباب الذين ارتادوا العيادات النفسية الرسمية، وسجَّلوا بطريقةٍ رسميةٍ؛ كان هذا هو السبب، فإذا كان المُنتج إيجابيًّا فلا إشكالية؛ ولذلك فإن الحاجات المُتعلقة بالجانب التقني حاجتان: الاستثمار، والمُقاومة.
فمسلك الاستثمار: أن أي شيءٍ إيجابيٍّ ينبغي أن نستفيد منه فيما يتعلق بوسائل التقنية ووسائل الاتصال الحديثة؛ ولهذا ينبغي أن تكون هناك ثقافةٌ عند الآباء والأسر والمجتمع حول هذه القضايا التقنية الجديدة المتعلقة بالإعلام الجديد، ولا يُشترط أن تكون عندنا ثقافةٌ واسعةٌ، فلا شكَّ أن الأبناء غلبوا الآباء الآن في اتِّساع ثقافتهم في هذا الجانب، لكن ينبغي ألا يكون الآباء جاهلين لا يعرفون كيف يستثمرونها؟ فإذا جهل المُربي ذلك كيف سيستطيع أن يُعلم المُتربي؟ وكيف سيستطيع أن يستثمر هذه التقنية الحديثة؟ ولذلك لا بد أن نطلع على مجالات الاستثمار.
المسلك الثاني: المُقاومة والمُدافعة، فالأول: استثمار الجوانب الإيجابية، والثاني: مقاومة الجوانب السلبية.
فما أجمل أن تأتي الأبناء (تغريدةٌ) سيئةٌ، فيقولون: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، ويقومون بعمل إغلاقٍ عليها! وما أجمل أن يُربوا على هذه القضايا! حتى لو لم يكن هناك أحدٌ يجلس فوق رأسه، لكن الله فوقه، فهو يُراقب الله .
وهذه القضايا اليوم مهمةٌ فيما يتعلق بالتقنية، وأنا أعرف أحد الشباب في الجامعة كان عنده بحثٌ في دراسته الجامعية في المستوى الثالث في الجامعة، وكان يحتاج إلى مئتي شخصٍ يقومون بتعبئة استمارةٍ له، وبَثِّها بوسيلتين: (تويتر) و(واتس آب)، وحصل في يومٍ واحدٍ على ألف وأربعمئة استجابةٍ، وهو يريد مئتين!
ونحن في الدراسات قبل وقت التقنية كنا إذا وزعنا استمارات حصلنا على خمسٍ وعشرين بالمئة، ونعتبرها إنجازًا، وهذا حسَّن من أدائه البحثي بشكلٍ كبيرٍ، والآن سيُرشح على مستوى البحوث في مؤتمرات البحث العلمي التي تُقيمها وزارة التربية ووزارة التعليم العالي على مستوى جامعات المملكة للقاء السنوي.
ومن خلال استخدام هذا الإعلام الجديد يستطيع الإنسان أن يحصل على رزقٍ من خلال تسويق مُنتجٍ داخل الأسرة، أو منتجٍ أتى به من الخارج وسوَّقه.
وقضية الثقة مُؤثرةٌ في التسويق، فيُسوِّق لنفسه ويكسب، ناهيك عن قضية الرسائل المُتعلقة بالفكر والجوانب الشرعية والتربوية.
وعلى أية حالٍ هذا الموضوع كبيرٌ، ولعله يكون له -إن شاء الله- لقاءٌ آخر أكثر تفصيلًا.
بهذه الصورة نكون قد انتهينا من منظومة الحاجات المُتعلقة بالشباب -ذكورًا وإناثًا-، وستكون لنا -إن شاء الله تعالى- مع بداية الفصل الثاني عودةٌ إلى بعض الأشياء المُتبقية التي نحتاجها لإتمام هذا الموضوع المُتعلق بتربية وإرشاد الشباب.
الإجابة عن الأسئلة
الآن الوقت قد انتهى، ولعلكم تسمحون لنا أن نُجيب عن الأسئلة التي بين أيدينا؛ لأن هذا آخر لقاءٍ، ونحن عندنا يا شيخ طارق مجموعةٌ من الأسئلة الشرعية، فسنسمع منك -جزاك الله خيرًا- الإجابة عنها في آخر اللقاء؛ لأن الشباب يُلحون في ذلك، وهي أسئلةٌ فقهيةٌ بسيطةٌ لها علاقةٌ بالدرس.
أُحب أخًا يسمع الأغاني
يقول السائل: لي أخٌ في الله أُحبه جدًّا، لكنه بدأ يسمع الأغاني، وأنصحه، لكنه ما زال يسمع الأغاني، ويزداد في هذه المعصية، فهل حبي له يكون حبًّا في الله؟ مع العلم بأنني ما زلتُ أدعوه إلى ترك هذا الطريق، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: أولًا: هذه أمورٌ قلبيةٌ، فصاحب هذا السؤال جزاه الله خيرًا على هذا الإحساس الذي عنده، ويا حبذا لو أنه سأل نفسه هذا السؤال: لماذا أنت مُتعلِّقٌ به؟ هل بسبب أنك تُحبه في الله، أو أن لديك شيئًا آخر؟
ثم كونك تبقى مُؤثرًا عليه وتنصحه هذا مكسبٌ ومطلوبٌ، فاستمر في هذا الجانب مع الحذر؛ لأن بعض الناس تكون شخصيته ليست قويةً، ويكون الآخر أقوى منه، فيُنتبه لذلك.
ثم مع هذا كله لا تتخذه خليلًا وصديقًا حميمًا -كما قلنا قبل قليلٍ-، وقد جاء في الأثر: لا تُصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ[4]أخرجه الترمذي (2395)، وأبو داود (4832)، وحسنه الألباني.، فهذا هو الفوز والفلاح، والله يقول: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]؛ لأن هؤلاء الذين تبقى العلاقة معهم إلى يوم القيامة.
فارتباطك به اجعله من أجل إقامة النصح، فإذا كان كذلك فلا بأس، أقصد من الناحية التربوية.
الممنوع مرغوبٌ
يقول السائل: الكثير يقولون: كل ممنوعٍ مرغوبٌ، فنحن نقوم بمنع المُحرَّم عن الشاب، وحين نقوم بمنعه عن الشاب فإننا نُعزز لديه الرغبة لاكتشافه والنظر إلى هذا الممنوع المعروف.
الجواب: أولًا: هذه قضيةٌ نظريةٌ، وسأُعلِّق عليها بعد قليلٍ، هذا جانبٌ.
الجانب الثاني: إذا كنا نقول هذا الكلام، وقد نكون مُقَصِّرين في التربية، فهذا سيكون مُبررًا للتقصير، وليس علامةً على النضج التربوي، شئنا أم أبينا، فلا بد أن نُدرك أنه في بعض الأحيان تضغط علينا أمورٌ؛ لأن واقعنا مُشكلٌ، فأنا سأُبرر لواقعي، وأقول: لو منعت عنهم هذه القنوات فكل ممنوعٍ مرغوبٌ، سيذهبون لمُشاهدتها عند أصدقائهم.
فلو سِرنا على هذه الافتراضات ستفترض كل شيءٍ، وعندئذٍ لا يمكن أن تفعل شيئًا لأبنائك، حتى لو ذهبوا إلى المسجد سنفترض أن هناك احتمالًا أن يذهبوا إلى شرب دخانٍ، أو حشيشٍ ... إلى آخره، طيب، لماذا تتركهم يذهبون إلى المسجد؟ دعهم في بيتك!
وإذا ذهبوا إلى المدرسة سيفترض أنهم لن يذهبوا إليها، وهكذا، ولا تنتهي هذه الافتراضات التي لا قيمةَ لها من الناحية العملية، وهذا كله بسبب ضعف النضج التربوي.
فهذا المنع لا يأتي مجردًا، وإنما يأتي في بيئةٍ تربويةٍ صحيحةٍ؛ لأن الذي يقول: كيف أمنع؟ لا يُربي تربيةً صحيحةً في الأساس، فهو بين أمرين: إما قاسٍ، وإما مُدَلِّلٌ: وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
وهذه قضيةٌ من أشكل الإشكاليات؛ ولذلك هذه القاعدة لا يجوز أن نكون أسرى لها بحالٍ من الأحوال؛ ولذلك بعض الناس الذين ربَّوا أبناءهم من الصِّغر على هذه المعاني والقيم ارتاحوا بعد ذلك، فأبناؤهم نشأوا شيئًا فشيئًا، وعرفوا أن هذا صوابٌ، وهذا خطأٌ، وبعض الآباء يقول: سأجعل الصواب والخطأ أمام ولدي: يا ولدي، شاهد هذا المشهد، واعلم أنه غير صحيحٍ، وما الذي يحصل عند النفس البشرية؟!
طيب، هو غير صحيحٍ، فلماذا تجعله يُشاهده؟! وهل كان النبي يُربي الصحابة بهذه الطريقة: يُريهم المنكر والشرَّ، ويقول: هذا هو الشر؟! هل كان هكذا؟! أم أنه إذا جاء الحرام طارئًا ورُئِيَ كُفَّ البصر عنه، وبُيِّن خطره؟
والأصل أن يكون التعليم والتوجيه والتذكير موجودًا سلفًا قبل الوقوع فيه، وكلام السلف الصالح والصحابة في ذلك واضحٌ، وما من خيرٍ إلا ودلَّهم عليه ، وما من شرٍّ إلا وحذَّرهم منه ، فكيف نُعزز مفهوم المُراقبة الذاتية للشاب وخشيته من الله ومُراقبته له ؟
فتنمية الجانب الإيماني والعلاقة بالله منذ الصِّغر مطلوبةٌ، وأن يكون هذا المُربي لهذا الشخص قدوةً في هذا الجانب الإيجابي، وكذلك إيجاد بيئةٍ تُعين على هذا الجانب الإيماني، فلا شكَّ أن هذه الأمور تُساعد بشكلٍ كبيرٍ جدًّا على مطلب هذا الأخ في قضية المُراقبة، وغير ذلك لن يكون؛ لأن الصَّوارف كثيرةٌ، والصُّحبة السيئة صارفٌ، والإعلام السيئ الذي يصرف عن الإيمان؛ ولذلك ذكرنا أن القيم الاجتماعية والأخلاقية تضبط مسير الإنسان في حياته، فإذا لم يكن الأب قدوةً سيقول الأبناء: أبونا ضعيفٌ في قضايا اللجوء إلى الله ، فكيف لا تُريدنا أن نكون ضُعفاء؟! ففاقد الشيء لا يُعطيه.
تنمية الثقة بالنفس عند الأبناء
يقول السائل: كيف نُنَمِّي الثقة لدى الأولاد؟ فلدي بنتٌ قليلة الأصدقاء في المدرسة والاحتكاك مع أفراد العائلة، كيف أُعيد ثقتها بنفسها؟ يا ليتك تُعطينا أمثلةً في البيت.
الجواب: لا بد من تحميل الأولاد المسؤولية من وقتٍ مُبكرٍ، فهذا من أفضل الأساليب فيما يتعلق بقضية اكتساب جانب الثقة المُتعلقة بالنفس البشرية، حتى تعيش البنتُ سعادة تحقيق الإنجاز والنجاح؛ لأن الإنجاز والنجاح حاجةٌ في التعليم والحياة المجتمعية: بأن تشعر أنها أنجزت، فاجعليها تتحمل المسؤولية، فيتعزز فيها جانب الثقة، وكذا الألعاب التعاونية الجماعية، فهذه من القضايا المُفيدة جدًّا في الأسرة وغير الأسرة.
وكذا المشاركة في مشروعٍ في البيت مع الآباء: كرحلةٍ جماعيةٍ، أو أُكلِّفها بتجهيز الطعام، وتقديم المائدة، واستقبال الضيوف، والرحلات الجماعية والترتيب لها، والأدوار البيتية، وتوزيع المسؤوليات: هذا عليه كذا، وهذه عليها كذا.
هذه كلها تُنَمِّي الثقة في الابن، حتى لو أنك أسندت مهمة المفتاح لأحد أفراد العائلة: فأنت يا محمد، وأنتِ يا فاطمة، هذا المفتاح مسؤوليتك. فنحن -للأسف الشديد- نُعاني من التربية، ولا تقل: أنا ما أثق. فإذا قلت: أنا ما أثق، فاعلم أن هذا هو الفشل في التربية؛ لأن هؤلاء منتجك أنت في البيت كما قلنا قبل قليلٍ، فهذه من الأشياء التي تُغذِّي جانب الثقة.
عدم الاقتداء رغم وجود القدوة
يقول السائل: القدوة في البيت موجودةٌ، لكن الأبناء لا يقتدون بالآباء مع وجود التَّشجيع والتَّحفيز. من وجهة نظرك ما المشكلة؟
الجواب: والله أنا أرى أننا لو افترضنا أن هذا الكلام صحيحٌ فبالتأكيد هناك صوارف أخرى تحتاج إلى ضبطٍ وتعديلٍ، فالإعلام مثلًا فيه صوارف هزَّت جانب الاقتداء.
ولو افترضنا أن كلام السائل أو السائلة صحيحٌ -وهو أن الأب والأم في محل القدوة فعلًا- فإن الإعلام يُدَمِّر ذلك، فتتنازع القدوات السيئة مع القدوات الإيجابية.
فمطلوبٌ أن يكون عند أبنائك وبناتك والشباب والفتيات وحدةٌ في التلقي والاقتداء، أما أن نجعلهم يضطربون فيأخذوا من هذا ومن هذا، وتحصل تناقُضاتٌ، فهذا الذي يُولد شيئًا من الاضطراب.
وأنا أُبرر ذلك أيضًا بالفراغ، فأشغلهم بالنافع والمُفيد، وكذا أيضًا مُخالطة الأصدقاء.
يقول السائل: عندي ابنٌ عمره 15 سنة، يجلس على (البلاي ستيشن) منذ حضوره من المدرسة حتى وقت النوم، ولا يُصلي في كثيرٍ من الأوقات ...؟
هذا السؤال أجبنا عنه سابقًا، فيظهر أن السائل أعاده مرةً أخرى.
دور المدرسة مع الطلاب غير المُلتزمين بالدين
يقول السائل: ماذا تقترح لبرنامج المدرسة مع الطلاب غير المُلتزمين بالدين؟ هل يُنتقى أسوأ الطلاب من المرحلة المتوسطة ويكون لهم لقاءٌ أسبوعيٌّ فترة الفُسحة؟
الجواب: والله أنا أُؤيد ذلك، وهذا رائعٌ جدًّا، فإذا كان هذا الأخ المُعلم يملك شيئًا من القُدرات والهمِّ فيتوكل على الله ، مع أهمية وضع خطةٍ، والنظر في احتياجاتهم الحقيقية، فينظر إلى احتياجاتهم بناءً على هذه المنظومة من الحاجات، من خلال أدبيات الشريعة والدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية.
فتحتاج إلى سعة صدرٍ ولباقةٍ وودٍّ، مع هيبةٍ، فهذا لا شكَّ أنه مشروعٌ أعتبره جيدًا، وتوكل على الله يا صاحب هذا السؤال.
رضا الله والتأثير في أصدقائي
يقول السائل: ما أعظم عملٍ يحصل به رضا الرب؟
وكيف أصل إلى قلوب أصدقائي؛ لأنهم يُؤخرون الصلاة عن وقتها، ويسمعون الأغاني؟
أرجو النصيحة، بارك الله فيكم.
الجواب: أما ما يتعلق بالسؤال الأول: فأعمال البرِّ كثيرةٌ، والرسول سُئل مثل هذه الأسئلة: أي العمل أفضل؟ أو: أي الإسلام أفضل؟ فأجاب بإجاباتٍ مُختلفةٍ، فقال مرةً: الصلاة على وقتها[5]أخرجه البخاري (527)، ومسلم (85).، وقال مرةً: الجهاد[6]أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83).، وقال مرةً: حجٌّ مبرورٌ[7]أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83).، ورتَّب ترتيبًا مُختلفًا.
فقال أهل العلم: هذه الإجابات المختلفة بناء على حال الشخص؛ ولذلك لا بد من النظر في حال الشخص، فأعمال البرِّ واسعةٌ.
ولا شكَّ أن الإنسان الذي يريد أن يقتدي بأبي بكر يأتي بجميع أبواب البرِّ والخير؛ حتى تُفتح له أبواب الجنة الثمانية، هذا من أعظم ما يكون على الإنسان، نسأل الله أن نكون وإياكم منهم.
أما السؤال الثاني: كيف أصل إلى قلوب أصدقائي؟
فالأصدقاء سبق أن أشرنا أكثر من إشارةٍ حولهم، لكن نُؤكد هنا على الدعاء لهؤلاء الأصدقاء المُقصِّرين، وهناك (فلاشات)، وجاءتني الآن لقطاتٌ تُنتقى عبر (تويتر) أو (الواتس آب)، واحدٌ اقتطع جزءًا من كلام الشيخ محمد المختار الشنقيطي -وفَّقه الله-، وهي موعظةٌ في الاختبارات جميلةٌ جدًّا ورائعةٌ، وبثثتُها إلى بعض الطلاب، وشكروا مثل هذا الأمر، وما شابه ذلك.
فعندنا اليوم مجالٌ لاستثمار التقنية برسائل قصيرةٍ جدًّا تُحيي القلوب.
فأنت حاول أن تزرع وتُؤثر فيهم إيمانيًّا، فمهمٌّ جدًّا الجانب الإيماني؛ لأن الجانب الإيماني هو الذي يجعل الإنسان ينظر إلى ما يُحبه الله فيلتزم به، والبُعد عن مُخالطة ما يكره الله، فلا تُكثر من مُخالطتهم، وليكن لقاؤك بهم من أجل نفعهم، أو ما يلزم بالأمر الذي يرضاه الله ، والتَّنبه للنفس كما قلنا سابقًا.
أسئلةٌ شرعيةٌ
تفضل يا شيخ طارق، سنسألك أسئلةً سريعةً جدًّا، ونرغب أن نعرف الإجابة عنها؛ لأن لها علاقةً بدروسنا السابقة، وقد جمعناها حتى لا تذهب سُدًى.
هنا سؤالٌ يقول: في حالة عدم إدراك الركعة الأخيرة هل أكون قد أدركتُ الجماعة؟
الجواب: هذه مسائل خلافيةٌ طبعًا، والقول الراجح -والله أعلم- أن هذا ما يُدرك الجماعة، وهذا الذي ذهب إليه الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- وغيره، وهذا بشرط: إذا لم يجد جماعةً أخرى، فإذا كانت هناك جماعةٌ أخرى يلتحق بالجماعة الأخرى، يعني: يجد -إن شاء الله- أجر الجماعة.
أما الركعة فإنها تُدرك بالركوع كما جاء في الحديث: مَن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة[8]أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607).، وفي روايةٍ أخرى: مَن أدرك السجود، وهي ضعيفةٌ كما قال ابنُ حجر وغيره.
فإذا جاء المسجد والناس في التشهد الأخير: فهو إن كان سيجد جماعةً أخرى فالأفضل أن ينتظر تسليم الإمام، ويدخلون في الجماعة الأخرى، فإن لم تكن هناك جماعةٌ يدخل ويكون بحسب نيَّته، لكن الجماعة لم يُدركها، أما سبب تأخُّره عنها فهذا أمرٌ آخر يرجع إلى سبب التأخير والانقطاع.
يقول السائل: هل يجوز أن أُسلم مع الإمام وألحق الصلاة مع الجماعة المُتأخرة؟
الجواب: لا يقطع الصلاة، فإذا صلَّى مع الإمام وبقيت عليه ركعاتٌ يُكمل صلاته وحده.
يقول السائل: هل يُؤمر الابن بالصلاة قبل السابعة؟
الجواب: لا طبعًا، ما يُؤمر، الحديث واضحٌ: مُروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ[9]أخرجه أحمد ط. الرسالة (6756)، وقال مُحققو "المسند": إسناده حسنٌ.، يُحَثُّ ويُعَلَّم فقط، لكن ما يُؤمر.
يقول السائل: متى يُؤخذ الابن إلى المسجد؟
الجواب: موضوع أخذ الأطفال للصلاة يكون عندما يبدأ الابن في الإدراك والمعرفة، لكن طبعًا هناك قضايا أخرى مُتعلقةٌ بهذا السؤال: فإذا كان مثلًا مُؤْذٍ، أو كثير الحركة والكلام؛ فهذا طبعًا لا يذهب به إلى المسجد، أما إن كان الابن يقف مع أبيه، ويستفيد من وجوده مع الجماعة، ويرى هذه العبادات وهذه المُثُل وهذا التَّجمع الجميل، فالأفضل أن يذهب به، لكن ما يُؤمر بالذهاب به إلى المسجد إلا طبعًا بعد السابعة كما قال .
يقول السائل: هل يقطع الصفَّ؟
الجواب: لا، ما يقطع الصفَّ، وهذا فيه أقوالٌ فقهيةٌ، فبعض الفقهاء يقولون: إذا كان الولد أقلَّ من ثلاثة أشبارٍ طولًا وعرضًا فإن وجوده يقطع الصفَّ.
وطبعًا هذه الأشياء ما عليها دليلٌ، كلها اجتهادات فقهاءٍ، والصحيح أنه ما يقطع الصفَّ، يقطع الصفَّ في حالةٍ واحدةٍ: إذا رقد ونام، فمثلًا: بعض الأبناء ينام، ويجعله الأب مثلًا في الصفِّ بين الجماعة، فهذا طبعًا لا شكَّ أنه يقطع الصفَّ، لكن الابن الصغير -على القول الصحيح والراجح- لا يقطع الصفَّ.
وفي هذا تفصيلٌ عند الشيخ ابن عثيمين في وجوب صلاة الجماعة عنده في آخر الكتاب، فقد ذكر أحكام المسائل، وردَّ هذا القول؛ لأنه فعلًا من اجتهادات الفقهاء، وليس فيه نصٌّ صريحٌ.
يقول السائل: فضيلة الشيخ، إنني أرى كثيرًا من المُصلين عند السجود تكون أصابع القدمين مطويَّةً إلى الأمام، وآخرون يسجدون وهم يحملون أشياء بيدٍ واحدةٍ، وكثيرٌ لا يستقر في الصلاة؛ فهو كثير الحركات! فيطلب التَّعليق.
الجواب: كون أصابع القدمين مطويَّةً إلى الأمام -إلى القبلة- هذا هو الصحيح والسُّنة.
وآخرون يسجدون وهم يحملون أشياء بيدٍ واحدةٍ إذا كانت هناك ضرورةٌ وسببٌ، فالنبي حمل أمامة رضي الله عنها.
والشوكاني رحمه الله لما وقعت عمامته رفعها، فلاموه، فقال: أتلومونني في رفع عمامةٍ، والنبي حمل أمامة رضي الله تعالى عنها؟!
فإذا كان هناك سببٌ فلا إشكالَ، لكن من غير سببٍ طبعًا لا شكَّ أن الحركات الزائدة تُؤثر في الصلاة على حسب كثرتها وعدم احتياجها، فقد تصل إلى أن تُبطل الصلاة إذا كانت كثيرةً من غير حاجةٍ.
وحمل المصحف في الصلاة طبعًا جائزٌ، ما فيه إشكالٌ، لكن ليس هو الأفضل.
يقول السائل: هل هناك عددٌ مُعينٌ من الحركات يُبطل الصلاة؟
الجواب: لا، لكن كثرتها من غير سببٍ تُبطل الصلاة، لكن لا يوجد عددٌ معينٌ، فضابطها: كثرة الحركات من غير سببٍ، والقليلة لسببٍ لا تقطع الصلاة، لكنها تُؤثر في أجر الصلاة.
جزاكم الله خيرًا، وشكر الله لك يا شيخ طارق، ونسأل الله لكم التوفيق والسَّداد.
ولقاؤنا يتجدد -إن شاء الله تعالى- مع بداية الفصل الدراسي الثاني، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
والحمد لله ربِّ العالمين.
↑1 | أخرجه الترمذي (2395)، وأبو داود (4832)، وحسنه الألباني. |
---|---|
↑2 | "المدهش" لابن الجوزي (ص225). |
↑3 | أخرجه ابن ماجه (4251)، والترمذي (2499)، وحسنه الألباني. |
↑4 | أخرجه الترمذي (2395)، وأبو داود (4832)، وحسنه الألباني. |
↑5 | أخرجه البخاري (527)، ومسلم (85). |
↑6 | أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83). |
↑7 | أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83). |
↑8 | أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607). |
↑9 | أخرجه أحمد ط. الرسالة (6756)، وقال مُحققو "المسند": إسناده حسنٌ. |