المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فهذا -بحمد الله- هو اللقاء السادس من المجموعة الثالثة من "التطبيقات التربوية والنفسية من الكتاب والسنة".
وكنا قد تكلمنا قبل لقاءين عن الاستقرار النفسي، وهذا هو اللقاء الثالث حول الموضوع نفسه، ونستكمل -إن شاء الله تعالى- ما يتعلق بكيفية تحقيق الاستقرار النفسي.
ولعلنا ننتهي -إن شاء الله تعالى- في هذا اليوم مما يتعلق بهذا الموضوع؛ حتى نبدأ بموضوعاتٍ أخرى بتوفيق الله وعونه.
وقد ذكرنا وضوح الهدف وغايته والتَّعلق به، وذكرنا ما يتعلق بالعبادة، ومُطابقة الفكر للسلوك والقيم، وانتظام الاهتمامات، وتلبية الحاجات بحلالٍ وانضباطٍ، ونيةٍ طيبةٍ، وما يتعلق بالأصدقاء وانتقائهم، وكذلك إشغال أوقات الفراغ.
ووقفنا عند قضية الإيجابية مع الله، ومع النفس، ومع الآخرين، وعدم السلبية، من خلال المُبادرات الطيبة والخيِّرة.
البيئة الذاتية
ونستكمل هذه النقاط، وأظن أننا في النقطة الثامنة، وهي: البيئة الذاتية التي تُساعد على الاستقرار النفسي والشعور بالراحة والطمأنينة النفسية.
والبيئة الذاتية المقصود بها: ما يوجد بداخل هذا الإنسان، وما يتعلق بقوة إرادته، وما يرتبط بحُسن هِمَّته وعمله، فالله قد ربط التغير المجتمعي والأسري بتغير الأفراد فقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، وهذه قضيةٌ من أهم القضايا التي تتعلق بجانب التعامل مع النفس وتربيتها، وتحسين البيئة الذاتية للإنسان بألا يكون تابعًا للآخرين وإمَّعةً، وإنما تكون له إرادةٌ وطاقةٌ وهمَّةٌ وعملٌ فيما يُرضي الله ؛ حتى يستقر في هذه الحياة استقرارًا نفسيًّا سليمًا.
ومن العوامل المُساعدة على الضبط الذاتي: قوة الإرادة، وهو ما يُسمَّى بقضية (self control).
وهناك خمس وسائل يذكرها أهل الاختصاص في مجالات تغيير السلوك وتعديله:
الأولى: ضبط المُثيرات
فلا بد من ضبط أي مُثيرٍ إيجابيٍّ يساعدني على تقوية هذه الإرادة، فأنا أغتنم هذا المُثير الإيجابي، وأي مثيرٍ سلبيٍّ يُعيقني عن قوة الإرادة أبتعد عنه.
فضبط المُثير هو أولى العمليات، والإنسان العاقل يفعل الشيء الإيجابي، ويترك الشيء السلبي، ويعرف الشيء الذي يُساعده على الإنتاج، ويعرف الشيء الذي لا يُساعده، أو يُعيقه عن الإنتاج.
فضبط هذه المُثيرات هي أول خطوةٍ فيما يتعلق بقضية البيئة الداخلية.
الثانية: وضع معايير
لا بد أن يضع الإنسان لنفسه معايير وواجباتٍ وأُسسًا وميثاقًا يسير عليه في أي قضيةٍ من القضايا، ففي بعض الأحيان يشعر الإنسان بشيءٍ من الخجل الاجتماعي، أو ما يُسمَّى بـ"الرهاب الاجتماعي"، وهو أشد من الخجل الاجتماعي، فأي مُثيرٍ يتعرض له يجعله خجولًا، فيبتعد عن هذا المُثير حتى يشعر بالاستقرار، والمُفترض أن يكون مرتبطًا بالآخرين: بزوجته، وأبنائه، وأسرته، والمجتمع، فإذا كان لديه ما يُسمَّى بـ"الرهاب الاجتماعي" سيُصبح عنده عدم استقرارٍ نفسيٍّ، وعندئذٍ يحتاج إلى هذه الذاتية، فيضبط المُثير السلبي الذي يؤدي إلى هذا الرهاب والخجل.
وكذلك الشخص المُدخن لا بد أن يبتعد عن أي مُثيرٍ يساعد على التدخين: كأصدقاء مُدخنين، أو دعايات، وأما المثير الإيجابي فإنه يأتي به من خلال أُناسٍ يُساعدونه، أو بالاندماج مع مجموعةٍ تُشجعه على أن يتحدث ويتكلم ويرتبط بالآخرين.
وبعض الناس الذين عندهم الرهاب الاجتماعي مثلًا يشعرون بعدم الاستقرار النفسي والمجتمعي، فتأتي مثلًا مناسبةٌ اجتماعيةٌ: زواجٌ أو عزومةٌ، فتجد عنده ترددٌ: هل يذهب أو لا يذهب؟
فيجب أن يضع الإنسان لنفسه معايير، وأنه يجب عليه حينما تأتيه مثل هذه الحالة ألا يستجيب لها، ومباشرةً يحضر هذه المناسبة، لكن لا يلزم أن يُمسك الجهاز ويتكلم أمام الناس، فمجرد أنه يُلزم نفسه أن يدخل هذه المناسبة الاجتماعية فهذا جيدٌ، وإلا فالرهاب الاجتماعي ربما يجعله لا يُصلي صلاة الجماعة.
وهناك أناسٌ عندهم هذه القضية المرضية، فتجد أنه يبتعد عن المجتمع، حتى لو كان في عبادةٍ، بسبب أنه لا يُحب أن يختلط، بسبب الاضطراب وعدم الاستقرار وشعوره بمرضٍ يُسمَّى: الرهاب الاجتماعي، أو الخجل الاجتماعي.
الثالثة: القُدرة على الاحتكاك بالآخرين
لا بد أن يُشجع نفسه ويُعطيها رسائل إيجابيةً بأنه قادرٌ على أن يحتكَّ بالآخرين، وأن يتقدم ويُنتج ويترك التدخين مثلًا، وأنه قادرٌ على أن يُحسن العلاقة بزوجته ... إلى آخره، فيُعطي رسائل إيجابيةً؛ لأن هذه الرسائل الإيجابية تكسر الرسائل السلبية عند البعض.
وهناك عددٌ من الناس يعيشون ما يُسمَّى بـ"الإيحاء السلبي"، فيقول: أنا لا أقدر. طيب، مَن الذي يجعله لا يقدر؟ هو الذي يجعل نفسه لا يقدر.
أنا والله أود أن أكون مُتدينًا وحريصًا على الخير، وأبتعد عن المعاصي، لكني ما أقدر.
فهو الذي حكم على نفسه الآن، وأعطى لنفسه رسائل سلبيةً جعلته يعيش هذا الأمر، فهو لا يشعر باستقرارٍ ذاتيٍّ؛ لأن بيئته الداخلية من قوة الإرادة ضعيفةٌ بسبب أنه لا يُشجع نفسه من خلال الرسائل الإيجابية.
ثم يقولون: يُسجل الإنسان إنجازاته، فإن كانت إيجابيةً فالحمد لله، وإن كانت سلبيةً أعاد مرةً أخرى مثل هذا العمل.
وقوة الإرادة والضبط الذاتي من أروع ما أراه من الأساليب التي نحتاج إلى أن نُربي أنفسنا وأولادنا عليها.
والضبط الخارجي يُسمونه: (external control)، ولا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الضبط الخارجي فقط، وإنما لا بد من ضبطٍ داخليٍّ، يعني: لا يضبط نفسه إلا إذا جاء مَن يُساعده من الخارج، فهو مستعدٌّ أن يترك التدخين حين يأتيه شخصٌ يُساعده على ذلك، ومستعدٌّ أن يقوم إلى الصلاة حين يأتيه شخصٌ يُساعده على الصلاة.
صحيحٌ أن الإنسان يتأثر بالآخرين، لكن لا بد أن يُقوي الجانب الذاتي؛ ولذلك فإن بعض الناس إذا ابتعد عن المُثيرين الإيجابيين أو عن البيئة الإيجابية ضَعُف بسرعةٍ، فتجده يتغير بسرعةٍ، أو شيئًا فشيئًا.
والحاصل أننا كي نشعر بالاستقرار الذاتي والنفسي والراحة النفسية لا بد من إيجاد هذه البيئة الذاتية المتعلقة بقضية قوة الإرادة والضبط الذاتي والتحسين للذات، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
الرابعة: البيئة الخارجية
وقد تحدثنا عنها، وهي: الأصدقاء، لكن نؤكد هنا على المجتمع ومُؤثراته، فبلا شكٍّ هذه القضية مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك كلما حسَّن الإنسانُ بيئته الخارجية كان ذلك عونًا له على الاستقرار؛ لأنه إذا كان في بيئةٍ خارجيةٍ تؤدي إلى الاضطراب النفسي والانحراف الفكري أو السلوكي سيكون غير مُستقرٍّ نفسيًّا، فالإعلام والأصدقاء والوظيفة مُؤثراتٌ تؤثر في ذلك؛ ولذلك على الإنسان أن يختار لنفسه وظيفةً، ليس من أجل المال فقط، وإنما يختار الوظيفة التي يشعر فيها بالاستقرار النفسي.
فالبيئة الخارجية مُؤثرةٌ فيه؛ لأنه يوميًّا يأتي إليها، فقد يسمع كلامًا طيبًا، وقد يسمع كلامًا سيئًا، وقد يرى أخلاقًا كذلك، وقد يرى أُناسًا أهل طاعةٍ لله ، وقد يكونون غير ذلك، وقد يجد أناسًا يجد منهم الرائحة الطيبة، وقد يجد أناسًا يجد منهم الرائحة الخبيثة من دخانٍ، وما شابه ذلك، إذن لا بد من العناية بالبيئة الخارجية.
وانظر إلى الرجل الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا، كما في الحديث الصحيح المشهور، فقد نصحه العالِم وقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوءٍ[1]أخرجه البخاري برقم (3470)، ومسلم برقم (2766)..
فالبيئة الخارجية مهمةٌ ومؤثرةٌ، والإعلام مهمٌّ، وأولياء الأمور الذين ينتقون الإعلام المُحافظ النظيف لأسرهم ولأنفسهم ولزوجاتهم غير الذين يفتحون الأمور من غير ضوابط، ومع هذا تجد أحدهم مثلًا يقول: والله يا أخي أشعر أن أبنائي عندهم قلقٌ واكتئابٌ وضيقٌ، أو كذا. فهذه نتيجةٌ مُتوقعةٌ؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:124]، فهذه لها ارتباطٌ بالاستقرار النفسي بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
ولا بد أن نراجع بيئاتنا الخارجية، ونظافة هذه البيئة من إعلامٍ، وأصدقاء، ومجتمعٍ، ومدرسةٍ، فأختار المدرسة المُناسبة، والمعلمين المناسبين، وإذا كان الابن يُحب الكرة أختار له الفريق الذي يلعب معه، ويكون هؤلاء من الذين يُراعون القيم والأخلاق والصلاة وحقَّ الله .
فهذه قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا فيما يتعلق بالاستقرار الذاتي.
الخامسة: الاستفادة من أصحاب الاستقرار النفسي السليم
لا بد من الاستفادة من مواقف أصحاب الاستقرار النفسي السليم، والقراءة عن هؤلاء السعداء الذين حملوا في تاريخهم عنوانًا رائعًا جدًّا عن السعادة الحقيقية، لا السعادة الوهمية، ويُمثلها قول أحد السلف: "إنه ليمر بالقلب أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيبٍ"[2]"إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، ط. المعرفة، (2/ 197)..
فحين يقرأ لعظماء هذه الأمة، وعلى رأسهم النبي ، والأنبياء، والصالحون، والصِّديقون، والشُّهداء الذين بذلوا لهذه الأمة، وشعروا بالسعادة، على كثرة عنائهم وتعبهم؛ تُرفرف نفسه بالسعادة.
وقد قيل لبعض العُبَّاد: إلى كم تُتعب نفسك؟ فقال: راحتها أُريد[3]"الفوائد" لابن القيم (ص42).، فهو يُتعب نفسه في الدنيا حتى يرتاح في الآخرة، وسيُعوِّضه الله بسعادة الدنيا والآخرة: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
وفي المقابل: الاطلاع على مواقف أهل التَّعاسة والشَّقاء، وقد أثبتت الدراسات على المجتمع السعودي أن أهل الفن والرياضة هم قُدوات شبابنا -ذكورًا وإناثًا-، ودعونا نأخذ عيناتٍ ونقرأ حول بعض المُطربين والمُطربات، والمُغنيين والمُغنيات، والمُمثلين والمُمثلات، وما شابه ذلك، وننظر كيف عبَّروا -خاصةً الذين سلكوا مسلك التوبة- عن واقع التعاسة التي كانوا يعيشونها؟ بل نجدهم ربطوها بالنسبة الطردية، أي: أنهم كلما ازدادوا شهرةً ازدادوا تعاسةً.
الآن لو قلنا مثلًا: سيدخل واحدٌ علينا ويأخذ لقطاتٍ، ونريد من كل واحدٍ أن يبتسم للثاني، وكل واحدٍ يُسلم على الثاني، ونشعر بأننا سُعداء، فهذه اللقطة كاذبةٌ، وستُنشر للعالم بالابتسامات، ورفع الأيدي، وكم من لقطاتٍ لا تُعبر عن السعادة الحقيقية، وإنما هي سعادةٌ وهميةٌ؟!
وهذا طبيعيٌّ جدًّا، يعني: مُمثلٌ ومُمثلةٌ ماذا سيُعطيك؟!
هو يريد أن ينشر بضاعته، فلا بد أن يُشعر الطرف الآخر بأنه سعيدٌ ومبسوطٌ، ولكن كما قال الشاعر:
ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ | ولكن التَّقيَّ هو السعيد[4]البيت للحطيئة العبسي كما في "الحماسة البصرية" (ص137). |
فإدراك حقيقة السعادة لا شك أنه من الأمور التي نحن بأمس الحاجة إليها.
السادسة: التوجيه التربوي والأكاديمي والمهني
التوجيه التربوي والأكاديمي والمهني هو ما يرتبط بما سميناه سابقًا: حاجات الشباب، لكن نذكره هنا بشكلٍ عامٍّ.
فكلما كان الإنسان في المهنة المناسبة لميوله وقُدراته، أو في التَّخصص المُناسب لميوله وقُدراته كان أكثر استقرارًا؛ ولذلك ينبغي أن تُرشَد الأُسَر والأفراد إلى العناية بقضية اختيار التخصص والمهنة والوظيفة بطريقةٍ صحيحةٍ، وكم رأينا مثل هؤلاء الناس الذين يأتيك أحدُهم فيقول: أنا أريد أن أطلع من تخصصي، أو مللتُ من وظيفتي؟! وفي المقابل تجد البعض مبسوطًا، وله عشرون أو ثلاثون سنةً في وظيفته.
فينبغي أن نُراعي الاستقرار الذاتي؛ حتى لا يقع الإنسان في تخصصٍ غير مناسبٍ، أو في مهنةٍ غير مناسبةٍ تُؤثر في مستقبل حياته، فلا يشعر بالاستقرار الذاتي، فهذه قضيةٌ مهمةٌ.
السابعة: مراعاة الفروق الفردية
النبي في تعامله مع أصحابه راعى الفروق الفردية، وعامل الناس على حسب ما يُناسب ميولهم وقُدراتهم، فهذا قائد جيشٍ، وهذا عالِمٌ، وهذا حافظٌ، وهذا الذي يُقدِّم الخدمات الاجتماعية، والبعض يجمع بين هذا وذاك كما حصل مع أبي بكر الصديق ، فإنه سيدخل من أبواب الجنة الثمانية، فكلما سأل النبيُّ : مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكرٍ : أنا. قال: فمَن تبع منكم اليوم جنازةً؟ قال أبو بكرٍ : أنا. قال: فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا ... إلى آخره[5]أخرجه مسلم (1028)..
فلا بد من مُراعاة الفروق الفردية، فهذا مهمٌّ جدًّا؛ لأن أبناءنا وبناتنا وأفراد المجتمع مُختلفون، فالذي يصلح لي قد لا يصلح لأخي، والذي يصلح لي قد لا يصلح لابني، فلستُ صورةً طبق الأصل من الآخرين، وخاصةً القريبين.
والبعض إذا صار طبيبًا يريد من عياله كلهم أن يكونوا أطباء، أو مُهندسًا يريد من عياله كلهم أن يكونوا مهندسين، أو درس شريعةً يريد من عياله كلهم أن يكونوا شرعيين!
وقد مررتُ على عددٍ من الأبناء يشتكون من هذا الوضع، يقول أحدهم: والله الوالد يريد هذا الشيء. فقلتُ له: طيب، كيف أمورك الآن؟ قال: والله لستُ مُرتاحًا؛ ولذلك ينبغي أن نجعل هذه القضية نصب أعيننا.
الثامنة: اكتشاف المواهب ورعايتها
وهذه النقطة هي التي يتميز فيها الإنسان، والنبي كان يكتشف مواهب أصحابه، فيقول: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان[6]أخرجه الترمذي برقم (3790)، وابن ماجه برقم (154)، والنسائي برقم (8229)، وصححه الألباني..
فاكتشاف الموهبة ثم رعايتها تجعل الإنسان يستقر؛ لأنه يشعر أنه مهمٌّ، وأنه قد قُدِّر فعلًا، وفي نفس الوقت اكتُشِفت مواهبه وتمت رعايتها.
واكتشاف المواهب هو الذي سيُنتج للأمة فروض الكفايات، وإلا إلى متى سنبقى محتاجين إلى صُنَّاعٍ وأطباء من الخارج؟ أقصد: من غير المسلمين، لكن لو اكتشفنا المواهب ووجهناها ورعيناها بطريقةٍ سليمةٍ لاستطعنا أن نُوفر فرصًا كبيرةً جدًّا للمستقبل من خلال هذه القضية التي تُوجد الاستقرار النفسي للفرد.
التاسعة: الدور الأُسري المُؤثر
وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فالأسرة مُؤثرةٌ في الأبناء، كما يقول النبي : ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه[7]أخرجه البخاري برقم (1358)، ومسلم برقم (2658)..
وأنا أرى أن دور الأسرة من أهم أسباب الاستقرار النفسي والاتزان النفسي، ومعظم الأشخاص المُستقرين نفسيًّا تجد أنهم في الغالب من آباء مُستقرين نفسيًّا، وهناك دراساتٌ تدل على ذلك.
إذن لا بد أن تهتم الأسرة بالجانب التربوي والنفسي، ولا بد أن تهتم بالقُدوات، ولا بد أن يُدرك الأب والأم أن المُنتج ليس عبارةً عن جنينٍ يُحمل في بطن الأم فقط، ثم يخرج ويأكل ويشرب وتنتهي القضية، وإنما القضية فيها تركيباتٌ نفسيةٌ مُعقَّدةٌ وكبيرةٌ، وتحتاج إلى رعايةٍ.
فيا ليتنا في أُسرنا نهتم بهذه المُؤشرات النفسية والتربوية كاهتمامنا بالمُؤشرات المادية الصحية، وما يتعلق بالوظيفية التي هي مهمةٌ أيضًا، لكنها ليست بأهمية الجانب الآخر.
فالدور الأُسري المُؤثر تربويًّا ونفسيًّا قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في تحقيق الاستقرار النفسي للفرد.
العاشرة: المُعلم الفعَّال
لا شك أن الطالب تخرج من تحت يدي مُعلمٍ، سواء كان هذا المعلم مُعلِّمًا رسميًّا حكوميًّا، أو معلمًا في المساجد، أو في البيت، ... إلى آخره، وحينما يكون المعلم مُستقرًّا ذاتيًّا ونفسيًّا سيُنتج طلابًا كذلك، وحين يحتكُّ المعلم بطلابنا -ذكورًا وإناثًا- وعنده اضطرابٌ وإشكالياتٌ في الجانب الفكري والسلوكي والقِيَمي، وإشكالياتٌ في الجوانب الشخصية؛ ستُؤثر تلقائيًّا في الأجيال؛ ولذلك لا بد أن يكون لنا دورٌ في انتقاء المُعلمين الفاعلين والمُؤثرين جدًّا، وهذه قضيةٌ تُساعد أيضًا على الاستقرار النفسي للشخص.
الحادية عشرة: الشمولية والتكامُلية والاستمرارية
مهمٌّ جدًا أن نضع في بالنا ما يتعلق بقضية الشمولية في هذه الحياة من خلال منهجنا الإسلامي كما قلنا، يعني: شمولية العبودية، فهي اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والتكاملية، وأن صحة العقل مُؤثرةٌ في صحة الوجدان والمشاعر والبدن، وصحة البدن مُؤثرةٌ في صحة العقل، وهكذا.
وفي المقابل فإن الضرر في العقل والوجدان ضررٌ في المهارات الحركية، والعكس كذلك، فهي قضيةٌ تكامُليةٌ، والإيمان مُؤثرٌ في عطاء الإنسان وإنتاجه: قوةً وضعفًا، وتذكرون طلب عليٍّ وفاطمة من النبي خادمًا، فقال لهما : ألا أُعلِّمكما خيرًا مما سألتُماني؟ إذا أخذتُما مضاجعكما تُكبِّرا أربعًا وثلاثين، وتُسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادمٍ[8]أخرجه البخاري برقم (3705)، ومسلم برقم (2727).، فكان هذا الذكر بمثابة القوة البدنية كما يقول ابن القيم، ويُعوِّض الضعف البدني عند الإنسان، فهذا من التكامُلية، وأن هذه الأمور يُؤثر بعضها في بعضٍ، فإذا لم تكن عندنا شموليةٌ وتكامليةٌ سيحصل عدم الاستقرار الذاتي في النفس البشرية.
وكذلك الاستمرارية؛ فليست القضية أن أسلك الصورة الإيجابية في أوقاتٍ، ثم في أوقاتٍ أخرى أتركها، ففي وقت الدوام والوظيفة والدراسة تجدني شخصًا يُشار إليَّ، وفي وقت الإجازات لستُ كذلك، كما يقال في المثل العربي: "الصيف ضيَّعت اللبن"، فيُصبح الإنسان شخصًا آخر، وتُصبح الإجازة وبالًا عليه، أو في داخل البلد تجده شيئًا، وإذا خرج خارج البلد يكون شيئًا آخر، أو في داخل الأسرة له صورةٌ، وفي خارجها له صورةٌ أخرى، فلا بد من الشمولية والتكامُلية والاستمرارية في كل وقتٍ، وفي كل حينٍ، وفي كل مكانٍ.
الثانية عشرة: أهمية طريق الإيمان والعمل الصالح
إن أعظم طريقٍ لتحقيق الاستقرار النفسي والذاتي هو طريق الإيمان والعمل الصالح، وهذا داخلٌ في الموضوع الأول، ألا وهو قضية العبودية والعبادة لله ، ففي الإيمان والعمل الصالح تكميل الإنسان نفسه، كما قال الله : إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2]، ومن الخسارة عدم الاستقرار الذاتي والنفسي، والشعور بالاضطراب، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3]، فبالإيمان والعمل الصالح يُكمل الإنسان نفسه، فهذا من أعظم الطرق في ذلك، ثم الأمر الذي يلي ذلك: التواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر.
ويقول الله : إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء:104]، فهنا قضيةٌ جماعيةٌ من وجهٍ، وفيها أيضًا دعوةٌ إلى التَّحمل والصبر، والكل يجتهد ويبذل، فالكافر يجتهد ويبذل، لكن ليس عنده من الدافعية الأُخروية ما عند المسلم؛ ولذلك تجد أنه لم يُحقق النصر في الدنيا، وإنما حقق القوة البدنية ورغباته في الدنيا فقط؛ ولذلك أُصيب بالقلق والاضطراب واتَّجه للانتحار، وما شابه ذلك.
وقد فرَّق العلماء بين مُمارسات الحروب عند غير المسلمين، ومُمارسات الحروب عند المسلمين، ومن أجود مَن تكلم في ذلك الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي في كتابه الجميل "أخلاقنا الحربية"، وكتابه الآخر "أخلاقنا الاجتماعية"، فحتى الكفار يتعبون، لكن الفرق بينك وبينهم هو: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ، هذه الدافعية الأُخروية.
فلا بد من التواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر، وهذا يؤدي إلى الاستقرار، لكن الذي لا يريد أن يتواصل مع غيره من الأخيار، ولا يتواصى بالحقِّ والصبر، فإن النتيجة وبالٌ عليه، كما قال العلماء في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] هذا تكميل الإنسان لذاته، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ هذا تكميل الإنسان لغيره، والإنسان حين يكون مُكمِّلًا لنفسه ومُكمِّلًا لغيره فلا شك أن هذه صورةٌ من صور الاستقرار البديع لهذا الإنسان المُنتج في ذاته، والمُنتج مع غيره.
الثالثة عشرة: الإحسان إلى الناس بالمعروف
لا بد من الإحسان إلى الناس بالمعروف من القول والعمل، وقد ذكرنا سابقًا قول النبي : أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخله على مسلمٍ، أو تكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجةٍ أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا يعني: مسجد المدينة[9]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" برقم (6026)، وصححه الألباني في "الجامع الصغير وزيادته" برقم (176)..
إذن الإحسان إلى الناس يشرح النفس، ويُوجد الاستقرار النفسي لهذا الإنسان، فليحرص الإنسان على هذا الإحسان مع الآخرين.
الرابعة عشرة: اجتماع الفكر على الاهتمام باليوم الحاضر
لا بد من اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطع هذه النفس عن الاهتمام بالمستقبل والماضي، فالإنسان إذا أراد الاستقرار النفسي فمن وسائله: أن يجمع فكره على الوضع الحاضر الآن، ولا يشتغل بالمستقبل والماضي، حتى يُنتج في الوقت الحاضر؛ لأن هناك أناسًا يغرقون في المستقبل، وأناسًا يغرقون في الماضي، والنبي يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن[10]أخرجه البخاري برقم (2893).، فاستعاذ النبي من هذه المُعيقات، ومنها: الهم، فيهتم ويقلق، ويُفكر: كيف يفعل في المستقبل؟ ويصير عنده أَرَقٌ في النوم وتفكيرٌ، وربما في الصلاة، ... إلى آخره، مع أن المطلوب هو الفكر الحاضر، فاخشع في صلاتك الآن أوفر لك، وتُربي عيالك أحسن لك، وتُنجز مهمتك ووظيفتك أفضل لك.
وليس معنى ذلك أنه لا يبني المستقبل، وإنما يبني المستقبل ويستفيد من الماضي، لكن الإغراق والاهتمام هذه مشكلة المشاكل، والنبي تعوَّذ من الهمِّ، والهمُّ يكون على المستقبل، وهذا القلق والتوتر مشكلةٌ، وهو مرض العصر، وكذلك الحزن، ويكون على الماضي، ويُؤدي إلى الاكتئاب.
وأذكر أحد الشباب عمره 26 عامًا، اتصل يقول: إنه فعل من المُوبقات ما الله به عليمٌ، وقد تاب، يقول: أنا الآن أريد أن أتزوج، لكنني كلما أردتُ أن أتزوج أتذكر مصائبي السابقة. فقلتُ: أنت مُرتاحٌ على وضعك؟ قال: لا. فهو يُركز على الماضي، مع أنه لو عقل أن التوبة تجُبُّ ما قبلها، وعاش هذه القضية، واستحضر الوقت الحاضر، واجتهد وبذل، وذهب يتزوج، ونشط، وعمل، وأشغل وقته؛ لما وقف هذه الوقفة.
وأنا أجزم أنه لو استمر على هذه الحالة ربما يرجع إلى ما سبق، والشيطان حريصٌ على ذلك، ونفسه ضعيفةٌ؛ ولذلك من رحمة الله أنه أعطانا الضمان، وهو أن التوبة تجُبُّ ما قبلها، بل قال: أُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]، فهذا يجعل الإنسان لا يشغل باله بما سبق، ويستغفر الله، ويتوب إليه.
وليس معنى ذلك ألا يندم، أو لا يتوب، أو يستهين بما فعل في الماضي، وليس معنى ذلك: ألا يخاف من المستقبل، وإنما عليه أن يحذر وينتبه، لكن اهتمامه في العمل ينبغي أن يكون باللحظة الحاضرة.
لذلك النبي استعاذ من المُعوّقات فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجُبن، وضَلَع الدَّين، وغلبة الرجال[11]أخرجه البخاري برقم (2893)..
وفي الحديث الآخر الذي رواه مسلمٌ يقول النبي : احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز يعني: أنجز المهمة الآن، لا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان[12]أخرجه مسلم برقم (2664)..
فهذه كلها مُعوّقات؛ لأنها تُعيق الإنسان في لحظته الحاضرة، والإنسان المُنجز هو الذي يهتم بالفترة الحاضرة، ويكون جزءٌ من رصيده في إنتاجه الدنيوي وإنتاجه الأخروي، وإلا ضاعت عليه اللَّحظات الحاضرة؛ لأنه مشغولٌ بالسابق أو القادم، فعجز وكسل.
وتأمل هذا الحديث، فالنبي أعطى كل الاحتمالات؛ "عجز" يعني: لا يقدر أن يفعل، وهذه مشكلةٌ؛ ولذلك فعلى الإنسان أن يتعلم ويُدرب نفسه، والكسل هو: أنه يقدر أن يفعل، لكنه كسولٌ، وكلها عقباتٌ ومُعيقاتٌ عن العمل؛ ولذلك لا بد أن نُحذِّر أنفسنا وغيرنا ممن نُؤثر فيهم من هذه المُعيقات، وعلى رأس ذلك ما يتعلق بقضية الاهتمام باللحظة الحاضرة في مقابل المستقبل والماضي وعدم الإغراق فيه.
الخامسة عشرة: العناية بذكر الله والإكثار منه
ربما أشرنا إلى ذلك من قبل، لكن هذه أيضًا نقطةٌ لا بد أن نقف معها؛ لأنها مهمةٌ، حتى كان أبو مسلم الخولاني يُكثر أن يرفع صوته بالتكبير، حتى مع الصبيان، وكان يقول: "اذكر الله حتى يرى الجاهلُ أنك مجنونٌ"[13]"تاريخ دمشق" لابن عساكر (27/ 208).، يعني: من كثرة ذكره لله .
وهذا أنا أعتبره من الجنون المباح، والجنون الجميل الرائع، فحينما يكون الذكر على منهج النبي ، ويذكر الله في كل حالٍ، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران:191]، فالتعود على هذا يُشعر الإنسان بالراحة والاستقرار النفسي: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وتعويد الأبناء والأجيال على مثل هذا، وهي مجرد كلماتٍ بسيطةٍ: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وذكر الله من أروع ما تُستثمر فيه أوقات الانتظار والجلوس بالسيارات، وعند الإشارات، ... إلى آخره.
ولكن القضية تحتاج إلى تدريبٍ وتعويدٍ، وكما جاء في حديث عبدالله بن بُسْر رضي الله عنه وأرضاه: أن رجلًا أتى النبيَّ ، فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به. قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله[14]أخرجه الترمذي برقم (3375)، وصححه الألباني..
لاحظوا: الآن يتكلم عن الواجبات الربانية الدينية، وبعضنا كثُرتْ عليه أمور الدنيا، لا يريد أن يفوته شيءٌ من الدنيا! وهذا الرجل الذي جاء في حديث عبدالله بن بُسْر ما يريد أن يفوته شيءٌ من أمور الآخرة.
فكثرة ذكرك لله وارتباطك به تجعل عندك قوةً في تحمل تكاليف الشريعة؛ لأنك مُرتبطٌ بركنٍ شديدٍ وهو الله ، فالله يُعينك ويُقويك وتطمئن نفسك، والنفس إذا اطمأنت واستقرَّت تتجه للخير، وإذا اضطربت يمكن أن تحرم نفسها من واجباتٍ، فلا تُؤدي حقَّ الله، أو تُقصر في الواجبات، يقول الإنسان: والله أنا لستُ مرتاحًا، أو أنا مُتعبٌ، ما أريد أن أذهب إلى المسجد مثلًا! ويحرم نفسه -من باب أولى- من مُستحبَّاتٍ في الأمور الفاضلة.
السادسة عشرة: إسناد الفضل لأهله
وهذا مما يُوجد الاستقرار للنفس، وشهود المِنَّة لله أولًا وآخرًا، وشهود التقصير للنفس، والتحدث بنعمة الله : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، وهذه معانٍ مهمةٌ، فلا بد أن نُدرك أن المُنعم هو الله، وأننا مُقصرون في شُكر هذه النِّعَم، ثم يُسند الفضل أوَّلًا لله ، ويُتحدث بنِعَم الله من باب إرجاع المِنَّة لله .
فهذه كلها تُؤدي إلى الاستقرار النفسي، ولا تُصاب هذه النفس بالكِبْر، وكذلك أيضًا حتى تتواضع لله ، فيرفعها الله ، ويستمر في العطاء والعمل؛ لأن الإنسان كلما تواضع لله زاد في عطائه وعمله وعبادته وإنتاجه في هذه الحياة.
السابعة عشرة: النظر إلى مَن هو أسفل في أمور الدنيا
وهذا فيما يتعلق بالمُعادلة التي سبق أن أشرنا إليها في بعض اللِّقاءات القديمة، وهي قول النبي في حديث مسلم: انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم[15]أخرجه مسلم برقم (2963)..
ولا يقل الإنسان: والله فلانٌ في وظيفةٍ مرموقةٍ، يا ليتني مثله! أو فلانٌ عنده السيارات، يا ليت عندي ما عنده! أو فلانٌ -ما شاء الله- ساكنٌ في هذا القصر، أتمنى أن يكون لي مثله! أو فلانٌ -ما شاء الله- كلما أراد أن يفعل شيئًا فعله مُباشرةً، فأمواله بين يديه، يا ليت عندي مثله!
مثل هذا الإنسان يتعب في هذه الأُمنيات، والنبي أراحني وأراحك بهذه المُعادلة: انظروا إلى مَن هو أسفل منكم في قضايا الدنيا والمال والسكن والوظيفة، ولا تنظروا إلى مَن هو أعلى منكم. هذه القاعدة التربوية النفسية الرائعة: ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.
ومن نتائج الازدراء غير المُباشر: عدم الاستقرار الذاتي والنفسي، فيتعب الإنسان ولا يشبع، واسألوا أهل المال والترف في هذه الدنيا: هل هذا المال والترف أتى لهم بالسعادة الحقيقية؟
وقد قلنا قبل قليلٍ: إن مشاهير الفن والرياضة -الذين هم أكثر الناس أموالًا الآن- لو صدق الواحد منهم مع نفسه لنطق بما نطق به بعضهم.
وقد تحدثتُ مع عددٍ من رجال الأعمال وأصحاب الثروات، فكانوا يُؤكدون هذا المعنى، ويقولون: الذي لا يجعل المال عبادةً لله فهو عليه تعاسةٌ، فهو يخشى أن يذهب ماله في لحظةٍ ما، فهو في قلقٍ مُستمرٍّ، يخاف الخسارة، مع أن عنده مليارات، وإذا خسر صفقةً ربما لا يُساوي ما خسره شيئًا بالنسبة لما عنده، مثل: لو أن واحدًا عنده في محفظته خمسمئة ريالٍ مثلًا، وهو جشعٌ يُحب المال، لو ضاع منه ريالٌ يحزن، ويبحث عنه، ويقلق، ويضطرب.
وهو نفس الأمر بالنسبة لبعض أصحاب المليارات، حيث تجده خسر خسارةً مثل الريال الذي ضاع من صاحب الخمسمئة؛ ولذلك المنهج النبوي يُريح النفس ويجعلها مُستقرَّةً.
الثامنة عشرة: السعي في إزالة الأسباب الجالبة لعدم الاستقرار
فأي قضيةٍ تجلب عدم الاستقرار نجتهد في الابتعاد عنها، ونُزيلها قدر المُستطاع، ولينتهِ الإنسان ويترك التطلعات المُتعلقة بهذا الجانب، وينتقل للمراحل الإيجابية المتعلقة بالسعادة النفسية.
وأيضًا الشجاعة، فهي طريقٌ من الطرق المهمة، وقد يستغرب البعض من علاقة هذا بالاستقرار النفسي.
ونقصد الشجاعة المُنضبطة، لا الشجاعة المُتهورة.
والشخص الشجاع يستطيع أن يتعامل مع هذه الحياة بطريقةٍ طبيعيةٍ جدًّا، فيُطالب بحقوقه، وهذا يُسمونه في علم النفس: السلوك التوكيدي، فهو يُؤكد ذاته، ويُقابله شخصٌ عنده ضعفٌ في هذا الجانب، فهو يريد أن يأخذ حقَّه، ولا يستطيع أن يسترده، ... إلى آخره، وهذا تجد عنده عدم استقرارٍ؛ لأنه ليس في وضعٍ مُطمئنٍّ؛ ولذلك لا بد أن يكون الإنسان شجاعًا، والنبي قال: المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف[16]أخرجه مسلم برقم (2664).، فالمؤمن القوي قويٌّ بعلمه وبعمله، وهو أحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ لأن عنده رصيدًا يجعله في حالةٍ مُستقرةٍ ومُنتجةٍ في هذه الحياة.
التاسعة عشرة: إخراج الدَّغَل
دغل القلوب من الصفات المذمومة، وهذه التي تقتل الإنسان، فحينما يحمل حقدًا وغلًّا وحسدًا يتعب؛ ولذلك كلما استطعنا أن نتعامل مع أعمال القلوب، ونقرأ عن هذه القضايا في "مدارج السالكين"، أو "تهذيب مدارج السالكين" مثلًا؛ تصفى هذه النفوس والقلوب، ونستمع إلى أشرطة الشيخ الدكتور خالد السبت -على سبيل المثال- في أعمال القلوب المتعلقة بهذه الأمور العملية التي مصدرها القلب، من: الرجاء، والخوف، والمحبة، والتوكل، فكلما نمَّينا هذا الجانب، وأزلنا دغل القلوب وما يُكدِّر هذه القلوب؛ صارت هذه النفوس سليمةً ومُستقرةً على ما يرضاه الله .
العشرون: ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمُخالطة والأكل والنوم والتَّرفيه والتقنية
وهي النقطة الأخيرة، والسلف والخلف تكلَّموا عن فضول النظر: كابن القيم وغيره، والمقصود بالفضول الحلال، أما الحرام فالأمر فيه واضحٌ، هم يتكلمون عن النظر الحلال حين يزيد عن حدِّه، ويُصبح عندنا فضولٌ فيه، فينظر الإنسان هنا وهناك، ويُصبح مثل الرادار.
وفضول الكلام: أن يتكلم بالكلام الحلال، لكنه كثير الكلام.
وفضول الاستماع: أن يسمع الناس ويُخالطهم، ويستمع الكلام الكثير من القنوات الفضائية و(الراديو) ... إلى آخره.
وكذا فضول المُخالطة، والأكل، والنوم، فكل هذه دلَّت الأدلة على أنها مُؤثرةٌ في القلب، ومن مُفسداته.
وأجمل مَن تكلم في هذا: ابن القيم رحمه الله، حيث تكلم عن هذه القضايا، وأنها من مُفسدات القلوب، وحين تفسد القلوب تحصل الإشكالية التي ذكرناها في النقطة التي قبلها، وهي ما يتعلق بعدم صفاء النفس والقلب، وليس شرطًا أن يكون ذلك بأمراض الجسد كما في النقطة السابقة.
فالإنسان إذا أكل كثيرًا، عندئذٍ سينام كثيرًا، وسيفوته خيرٌ كثيرٌ، وتجده -سبحان الله!- غير صافي النفس؛ ولذلك لا بد أن يُقلل الإنسان من هذه القضايا، ويتعامل معها كما يتعامل مع (الكنيف) –أكرمكم الله- مع حاجته لدورة المياه، فالإنسان إذا ذهب إلى دورة المياه لا يُقيم هناك ويجلس الساعات الطِّوال، ولا يسعد بذلك، وإنما يقضي حاجته بسرعةٍ ويخرج، فكذلك عليه أن يأخذ من هذه المُباحات بقدر ما يحتاج، ولا يتوسع؛ لأن لها أثرًا على القلب، وهناك أمورٌ أولى من هذه المُباحات، وهي المُستحبات والواجبات، ولا بد من العناية بها أكثر من العناية بالمُباحات.
والناس اليوم أغرقوا أنفسهم كثيرًا بالمُباحات -للأسف الشديد-، فأثَّرت هذه على القلوب والنفوس.
ومن ذلك: فضول الترفيه، فهو يُرفه نفسه بحلالٍ، ولكنه يُكثر من ذلك؛ فيضيع وقته، وكذا فضول التقنية، فتجد الإنسان يدخل على (تويتر) و(فيس بوك) وجميع وسائل التواصل الاجتماعي و(الإنترنت) ... إلى آخره، والقنوات الفضائية، وما شابه ذلك، وكذا الألعاب الإلكترونية.
وقد دلَّت الدراسات -ومنها دراسةٌ أخيرةٌ في بريطانيا- على أثر مثل هذه الجوانب المُتعلقة بالتقنية والتواصل الاجتماعي -مثل: (الفيس بوك) وغيره- في زيادة القلق والتوتر.
وكل واحدٍ منا لو قاس هذه القضية عنده لوجد أن الإكثار منها يُساعد على الضيق، والقلق، وضياع الوقت، وذهاب الراحة النفسية، وقد دلَّت الدراسات على ذلك كما قلتُ.
ونكون بهذه الصورة قد انتهينا -بحمد الله - مما يتعلق بالاستقرار النفسي.
استقمتُ -والحمد لله- لكن زوجتي لم تستقم
نعرض لسؤال أخٍ من الأسبوع الماضي يقول فيه:
تزوجتُ وأنا لستُ على استقامةٍ من امرأةٍ غير مُلتزمةٍ، وبعد الزواج بعدة سنوات استقمتُ وتركتُ كثيرًا من المُحرَّمات: كالأغاني، ومُشاهدة المسلسلات، وغيرها، لكن زوجتي لم تستقم بعد، فأنا في صراعٍ داخليٍّ مع نفسي؛ لأني لا أستطيع إخراج (الدش) من البيت، أو منع أهلي من بعض الأقارب الذين يغتابون، ويسمعون الحرام، ولا يهتمون بالصلاة، وغير ذلك، وأخاف على أبنائي الصِّغار من مشاهدة (التلفاز) والاختلاط بأقرانهم وتقليدهم فيما يُغضب الله، فما نصيحتكم؟
الجواب: هذا السؤال جديرٌ بالإجابة عنه، وقد جاءتني إحدى الاستشارات الهاتفية وكانت قريبةً من هذا السؤال، يعني: شخصٌ تغير وضعه، وبقيت زوجته على ما هي عليه، وكانت أشياء عجيبةً جدًّا، ولم يكن عنده استقرارٌ؛ لأن زوجته مُستمرةٌ على وضعها السابق، والله فتح عليه وهداه، فأصبح هناك تباينٌ بينهما في الاتجاهات والقيم، وجلستُ معه طويلًا، وكان قد قرر الانفصال، فقلتُ له: لعلك تُعطيهم فرصةً، وفي نفس الوقت أقبل على الزواج من الثانية، فهذا من حقِّك، وأنت تحتاج إلى هذا الأمر، فالله قد أباح لك ذلك إذا لم ترضخ هي لتوجيهاتك، وأصبحت القضية كما ذكرت، أو صار هناك شيءٌ من الجرأة منها عليك، وعدم سماعها لكلامك، فالزوج صاحب القوامة، فإذا ذهبت القوامة وخشيت على أبنائك ...
وأنا ابتداءً أُهنِّئ هذا الأخ بالتوبة والهداية، وأقول: إن هذا من فضل الله : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات:17]، فعُضَّ على هذه الهداية والاستقامة بالنواجذ، وأسأل الله لك الثبات، فالنبي -وهو صاحب الاستقامة الكبرى- كان يُكثر من قول: يا مُقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك[17]أخرجه الترمذي برقم (2140)، وصححه الألباني.، ونحن نتردد في الدعاء! مع أننا بأمس الحاجة إليه.
فادعُ لنفسك أن يُثبِّتك الله ، وادعُ لزوجتك وأبنائك أن يهديهم الله ، وأن يحفظهم من كل سوءٍ وشرٍّ، وليس ذلك على الله بعزيزٍ.
وقصة أبي هريرة مع أمه قصةٌ رائعةٌ جدًّا، فقد حرص أبو هريرة على هداية أمه، فكان يأتي النبي ويطلب منه أن يدعو لها، وحاول مرارًا، ومثل هذا الرجل يقول: أنا أحاول. فلا بد ألا نيأس، ستأتي اللحظة التي يفتح الله فيها بالتوبة والهداية إذا علم منك الصدق، وقد يكون هذا في علم الله ابتلاءً، ولا يحصل ذلك.
وقد أتى أبو هريرة وطرق الباب على أمه، فسمع صوت الماء، وإذا بها قد اغتسلت ونطقت الشهادة[18]أخرجه مسلم برقم (2491).، فاستجاب الله دعاء النبي ، وكان السبب والوسيلة: حرص الابن، فكيف بحرص الزوج على زوجته، وحرص الزوج على أبنائه؟!
أيضًا لا بد ألا تنسى أخي صاحب السؤال قول النبي : كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[19]أخرجه البخاري برقم (2554)، ومسلم برقم (1829).، فهذه مسؤوليةٌ، ستُسأل أنت أمام الله عن نفسك، وعمَّن أنت مسؤولٌ عنهم، والله يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21]، فكن مثلهم، كن أنت على طريق الإيمان والاستقامة، وابذل جهدك؛ حتى تكون الذُّرية والأهل كما قال الله : أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21]، فالله سيجمعك بهم يوم القيامة على خيرٍ، ولا تيأس من رحمة الله .
وأيضًا يقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، وهذا أمرٌ من الله أن تقي نفسك وأهلك النار: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ [التحريم:6].
ثم لا بد أن تُدرك أهمية ترك الرسائل السلبية؛ لأنك تقول: أنا في صراعٍ داخليٍّ مع نفسي، لا أستطيع إخراج (الدش). فإذا لم تستطع فمَن يستطيع إذن؟! ومَن الذي يملك هذا الموضوع؟!
لو جاءت الزوجة وقالت: أنا لا أستطيع أن أُخرج (الدش). لكان هذا مقبولًا؛ لأن الزوجة فوقها الزوج، ولو قال الابن: أنا لا أستطيع. قلنا: الابن فوقه الوالدان، لكن الأب والزوج هما صاحبا القوامة.
فإن كنتَ ترى أن هذا الأمر لا يرضاه الله ، وأنت صاحب القوامة؛ فقم بواجبك، والحمد لله البدائل موجودةٌ، فتأتي ببدائل، فأنت مسؤولٌ شرعًا، ولا بد أن تقوم بمثل هذا الأمر، ولا تُوهم نفسك أنك لا تستطيع، فهذه بداية الانزلاق في الانهزامية، فلا بد أن تكون قويًّا، وفي نفس الوقت ودودًا.
ولا بد من تحسين العلاقة بزوجتك أخي الكريم، وبأبنائك، هذا الود، ولكن مع هذا تقوم بالواجب الذي عليك، والذي يرضاه الله ، هذا هو الحزم، حتى لو غضب الولد وغضبت الزوجة، فإنه لو طلبت الزوجة من الزوج، أو طلب الابن من الأب شيئًا دنيويًّا، ولكن الزوج أو الأب غير راضٍ، وامتنع عن إعطاء الزوجة ما تريد، أو امتنع عن إعطاء الابن ما يريد، فهذا حقه؛ فله ألا يُعطيهم مثلًا بسبب أنهم طلبوا شيئًا غير منطقيٍّ، فنحن نصبر على (الزعل).
وأما إذا أردتَ ألا يغضبوا أبدًا، فعليك أن تعلم أن إرضاء الناس غايةٌ لا تُدرك، ونفس الكلام هنا، فلا تضع لنفسك عقباتٍ شيطانيةً، والنفس أمَّارةٌ بالسوء.
فكن ودودًا، وكوِّن معهم علاقةً أكثر، وشجِّعهم، وحفِّزهم، وروِّضهم بالهدايا، وفي نفس الوقت كن حازمًا.
والنبي يقول في الحديث: مَن التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مُؤنة الناس، ومَن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس[20]أخرجه الترمذي برقم (2414)، وصححه الألباني.، فلا بد يا أخي -يا صاحب السؤال- أن نؤمن بهذا الحديث، ونعمل بهذه المُعادلة.
ولتكن حكيمًا، ولا تكن مُتهورًا، وكن لَبِقًا، ولا تنحَ منحى الغلظة والقسوة والإيذاء النفسي والجسدي من أجل أن تُحقق ما تريد.
ولا تترك الحبل على الغارب، وتقول: إن شاء الله سيهديهم الله بعد ذلك. وما زالت هناك مُثيراتٌ تُؤثر فيهم من القنوات السيئة.
ومن الأشياء غير الصحيحة أن تقول: لا أقدر أن أفعل شيئًا. فهذا خطأٌ كبيرٌ، فالإنسان يحتاج إلى أن يُقوِّي نفسه في هذا الجانب؛ ولذلك فالأصل أن صاحب السؤال باقٍ على الحياة الزوجية، لكن على مرضاة الله ، وليس على غضبه؛ ولذلك نفترض أنه لو تعارض أصلُ بقاء الحياة الزوجية مع مرضاة الله يُقدِّم مرضاة الله.
ومع هذا نقول: الأصل أن تبقى الحياة الزوجية، ويُحاول قدر المُستطاع إقناع الزوجة والتأثير فيها، وأيضًا استخدم الحزم، وليروا منك قوة الإرادة، فإذا كنتَ كذلك سترضخ لك الزوجة والأبناء -بإذن الله- وسيتحقق وعد النبي الذي ذكره في قوله: مَن التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مُؤنة الناس، ومَن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
وإذا أصبح لا مجال للحلِّ، فعندئذٍ نقول كما قال إبراهيم لزوجة إسماعيل : قولي له يُغير عتبةَ بابه[21]أخرجه البخاري برقم (3364).، وكان ذلك إشارةً إلى تسريحها سراحًا جميلًا، وآخر الدَّواء الكي.
هذا، وأسأل الله أن يحفظنا وإياكم.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه البخاري برقم (3470)، ومسلم برقم (2766). |
---|---|
↑2 | "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، ط. المعرفة، (2/ 197). |
↑3 | "الفوائد" لابن القيم (ص42). |
↑4 | البيت للحطيئة العبسي كما في "الحماسة البصرية" (ص137). |
↑5 | أخرجه مسلم (1028). |
↑6 | أخرجه الترمذي برقم (3790)، وابن ماجه برقم (154)، والنسائي برقم (8229)، وصححه الألباني. |
↑7 | أخرجه البخاري برقم (1358)، ومسلم برقم (2658). |
↑8 | أخرجه البخاري برقم (3705)، ومسلم برقم (2727). |
↑9 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" برقم (6026)، وصححه الألباني في "الجامع الصغير وزيادته" برقم (176). |
↑10 | أخرجه البخاري برقم (2893). |
↑11 | أخرجه البخاري برقم (2893). |
↑12 | أخرجه مسلم برقم (2664). |
↑13 | "تاريخ دمشق" لابن عساكر (27/ 208). |
↑14 | أخرجه الترمذي برقم (3375)، وصححه الألباني. |
↑15 | أخرجه مسلم برقم (2963). |
↑16 | أخرجه مسلم برقم (2664). |
↑17 | أخرجه الترمذي برقم (2140)، وصححه الألباني. |
↑18 | أخرجه مسلم برقم (2491). |
↑19 | أخرجه البخاري برقم (2554)، ومسلم برقم (1829). |
↑20 | أخرجه الترمذي برقم (2414)، وصححه الألباني. |
↑21 | أخرجه البخاري برقم (3364). |