المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فهذا -بحمد الله وعونه- هو الدرس الحادي والأربعون من هذه السلسلة، وهو الدرس الثالث من هذه المجموعة الرابعة.
وكنا قد بدأنا هذه المجموعة في الدرسين الماضيين عن الانفعالات من خلال الكتاب والسنة.
وكانت المقدمة في الدرس الأول قبل أسبوعين، ثم الأسبوع الماضي حول ضبط الانفعالات، وفي هذه الليلة -بإذن الله - سنتناول "صور من الانفعالات بين السلب والإيجاب".
وموضوع الانفعالات سيستغرق منا وقتًا؛ لذلك -بإذن الله - سنأخذ ثلاثة تطبيقاتٍ حول الغضب، والعجلة، والحزن والاكتئاب، إن شاء الله تعالى.
وسنأخذ أربع صورٍ ليست بالتفصيل، سنتناقش فيها في المستقبل -إن شاء الله تعالى-، وإنما هي صورٌ تُعطي دلالةً حول أن هذا الانفعال قد يكون سلبيًّا، وقد يكون إيجابيًّا.
نأخذ صورًا في الغضب، وصورًا في الخوف، وصورًا في الحزن، وصورًا في الحب والفرح.
لو أخذنا موضوع الغضب في الصور السلبية والإيجابية فقط، ثم نتناوله بطريقةٍ أخرى -إن شاء الله تعالى- في لقاءاتٍ قادمةٍ.
الصورتان اللتان نقصد إبرازهما لنا ولمَن نُربيهم في أي اتِّجاهٍ نحن ضمن انفعال الغضب؟
وسبق أن أشرنا إلى أن الشخص الطبيعي السَّوي يغضب، لكن الإشكال في قضية ضبط الغضب وما يتعلق بهذا الموضوع.
في هاتين الصورتين سنأخذ الصورة السلبية والصورة الإيجابية.
صورٌ من انفعال الغضب
هناك العديد من الناس يغضبون لمصالحهم الخاصة، في مُقابل أن هناك أناسًا يغضبون من أجل مرضاة الله ، وفرقٌ بين هذا الغضب والغضب الثاني، حتى لو كان الأول من أمور الدنيا التي أباحها الله؛ لأن هناك أناسًا يغضبون من أجل الحرام، وهذا يمكن أن يحصل: كشخصٍ سرق واكتشفه آخر، أو فعل جُرْمًا أخلاقيًّا واكتشفه شخصٌ؛ فغضب عليه، واعتدى عليه فقتله، أو ضربه.
ففعلته -كالسرقة وانتهاك حُرمات النساء وما شابه ذلك- حرامٌ، لا تجوز، ولا يمكن أن نقول بحالٍ من الأحوال: إن هذا الغضب محمودٌ، فهو غضبٌ مذمومٌ، غضبٌ مُرتبطٌ بالمصالح الخاصة، والغضب المُرتبط بالمصالح الخاصة قد يكون غضبًا مُباحًا في أصله -يعني: الأمر الذي سبَّب الغضبَ مُباحٌ- وقد يكون مُحرَّمًا.
وتوجد قصةٌ قريبةٌ حدَّثني بها أحد الأشخاص كان في إحدى المشافي، يقول: فُجِعْتُ حينما رأيتُ أحد الأفراد من المُراجعين يضرب عاملًا ضربًا مُبرحًا، ويضربه في وجهه أمام الناس، عجبنا من شدة الضرب، وزاد عجبنا حين عرفنا السبب، فقد كان السبب أن العامل في المشفى قال له: إن الدكتور ليس موجودًا. فقط!
فمجيئه للعيادة أمرٌ مُباحٌ، لكن تمحوره حول ذاته ومصالحه الخاصة إلى مستوى أن يتجاوز الغضب عنده الحدَّ ويعتدي على الآخرين؛ لا شكَّ أن هذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا.
وما يحصل عند إشارات المرور حين الانتظار من مشكلاتٍ وغضبٍ من أجل المصلحة الذاتية، والمشكلة أنه لا يضبط هذا الغضب!
وقلنا: الغضب وجوده طبيعيٌّ، لكن المشكلة حين ينفلت بسبابٍ وشتمٍ واعتداءٍ، وما شابه ذلك، ناهيك عن الغضب فيما حرَّمه الله .
فالغضب أصبح اليوم من أقوى أسبابه: ما أشغل أجيالنا اليوم، وبالدراسات الحديثة فإن أكبر ما أشغل أجيالنا اليوم: الفن والرياضة، فتجده يغضب بإعجابه بفنانٍ أو بإعجابها، ويغضب أو تغضب من أجل الرياضة، بغض النظر عن الإباحة والحُرمة، والقضية بعضها واضحٌ وبَيِّنٌ ولا حاجةَ للنقاش فيه، ولكنه يغضب لأشياء مُتعلقةٍ بمصالحه الخاصة ونزواته.
والنبي -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- ما كان يغضب من أجل الدنيا، وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها تقول: "ما رأيتُ رسول الله مُنتصرًا من مظلمةٍ ظُلمها قط ما لم تُنتهك محارم الله، فإذا انتُهك من محارم الله شيءٌ كان أشدَّهم في ذلك غضبًا، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مأثمًا" حديثٌ صحيحٌ[1]أخرجه الحميدي في "مسنده" (260)، وأبو يعلى في "مسنده" (4452)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 126)، وصححه الألباني في "مختصر … Continue reading.
فالرسول كان يغضب إذا انتُهكت محارم الله، فما أجمل أن نُربي أنفسنا والأجيال على أن يغضبوا إذا انتُهكت محارم الله.
فنتكلم هنا عن الغضب من حيث وجود الانفعال، ولا نتكلم عن الغضب الذي يفهمه الناس، ومعناه: سبٌّ وشتمٌ وضربٌ، فهذا عدم ضبط الانفعال.
لكن الرسول يغضب، ويهتمّ، ويَحْمَر وجهه، وتنتفخ أوداجه عليه الصلاة والسلام، ويشعر بالأسى والحسرة عليه الصلاة والسلام، ويتَّخذ إجراءه الطبيعي من خلال هذا الغضب المحمود؛ لأنه قد يغضب الإنسان عندما تُنتهك حُرمةٌ من محارم الله، مثلًا: ابنٌ رأى أباه ينتهك شيئًا مما حرَّمه الله، فمن الغضب المحمود أن الابن يغضب، كما غضب النبي حينما انتُهكت محارم الله، لكن حين يقوم الابن ويتصرف تصرفًا لا يليق مع والده، أو يرفع صوته، فلا نقول هنا: الإجراء سليمٌ، وتُصبح القضية ليس فيها ضبطٌ للانفعال.
فهاتان صورتان: إحداهما سيئةٌ، والأخرى إيجابيةٌ.
وأذكر أن أحد الطلاب حدَّثني عن مجموعةٍ تعرف عليها في المنطقة، وهو من منطقةٍ بعيدةٍ، وكان أعزبًا، يقول: لا أعرف أحدًا، فتعرفتُ على أحد طلاب الجامعة من خلال الحوار الرياضي، وسكنتُ معهم. وقد تجانس معهم من حيث الرياضة، جمعتهم الرياضة، يقول: فسكنتُ معهم، وفيهم من التقصير ما الله به عليمٌ!
يقول: وذات يومٍ سمعتُ أحد أفراد هذه الشقة الذين سكنتُ معهم يسُبّ النبي ! يقول: فأنا الذي لا أُصلي، ومُقصرٌ في الصلاة، ارتفع (الأمبير) عندي بصورةٍ فقدتُ فيها نفسي، وشعرتُ أنني في عالمٍ آخر، لم يمرّ في حياتي مستوى من الغضب والغيظ كما مرَّ.
وأنا لا أتكلم عن القضية الشرعية الآن وما يتعلق بها، أنا أتكلم عن موقف الغضب الآن، فهذا غضبٌ محمودٌ بلا شكٍّ، بل واجبٌ.
يقول: فتكلمتُ عليه، وأخذتُ حقيبتي وغادرتُ الشقة، وذهبتُ إلى فندقٍ بعيدٍ عن هذه المجموعة.
فنحتاج إلى أن نُدرك أن هناك مستوى من الانفعال طبيعيًّا ومقبولًا ومعقولًا ومحمودًا، وهناك سببًا غير معقولٍ، ولا محمودٍ، بل قد يكون حرامًا، وكذلك في ضبط الانفعال حتى لو كان محمودًا.
وهناك قصةٌ قديمةٌ حصلت في هذا الحي -فيما أذكر- لأحد الشباب حين انتُهكت حُرمةٌ من حُرمات الله ، فغضب هذا الشاب من هذا الموقف، ونصح الشابَ الذي تعرَّض لفتاةٍ، فقام الشاب المُقابل وأخذ سكينًا وطعنه! فكانت قاتلةً! وأعرف الشاب الذي طُعن، رحمه الله.
فالآن كلاهما غضب، لكن هناك غضبٌ محمودٌ وغضبٌ مذمومٌ بلا شكٍّ، وكلاهما انفعل، لكن هناك غضبٌ محمودٌ إيجابيٌّ مقبولٌ، وغضبٌ سلبيٌّ لا يُحمد بحالٍ من الأحوال.
صورٌ من انفعال الخوف
نأخذ أمثلةً من قضية الخوف، وهو انفعالٌ من الانفعالات، ونذكر صورتين في قضية الخوف، فهناك أناسٌ يكون خوفهم من الناس أشدَّ من خوفهم من الله .
والله بيَّن هذه القضية في عددٍ من الآيات، كقول الله : أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [التوبة:13]، فهذه جاءت في سياق المُعاهَدين من المشركين حينما نقضوا العهد؛ فأمر الله أن يُقاتلوهم.
فالله بيَّن أمرين الآن: إما أن تستجيبوا لأمر الله، أو تخافوا منهم، فقال: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
ويقول الله : إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].
يقول الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: "والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله"[2]"تفسير السعدي" (ص157)..
هذا الخوف المحمود، وعكس ذلك الذي يتجاوز الإنسان فيه بسبب خوفه من الناس، وتقديم خوفه من الناس على خوفه من الله.
وكلٌّ منا يختبر نفسه في هذه القضية: هل الله عنده أعظم من الناس؟
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا تحتاج إلى نظرٍ ووقفاتٍ.
يقول الله : يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108]، والله يتكلم عن الخونة في الآيات التي قبلها، فهؤلاء يخافون من الناس: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ؛ ولذلك تجد أنهم يخونون الآخرين؛ لأن نظر الله بالنسبة إليهم قليلٌ، كما قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- في "التفسير": "ولم يُبالوا بنظره واطِّلاعه عليهم"[3]"تفسير السعدي" (ص200).، لا يُبالون، أهم شيءٍ عندهم هو نظر الناس!
فالمحور أو الإطار أو الشيء المُؤثر في أحدهم هو الناس: ماذا ينظرون؟ فيخاف إذا غضب الناس! ويحسب حساب الناس! والله يقول: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ؛ لذلك نحتاج أن نُقوي خوفنا من الله في مُقابل خوفنا من الناس.
هناك أمرٌ طبيعيٌّ: أن يكون عند الإنسان خوفٌ حين يأتيه شخصٌ ويُفاجئه بأمرٍ يخشى من ضرره، أو أسدٌ، أو حيوانٌ مُفترسٌ، طبيعيٌّ جدًّا.
أما الذين يتعاملون مع الحيوانات المُفترسة بطريقةٍ غير طبيعيةٍ فهؤلاء لهم وضعٌ خاصٌّ، فهم ليسوا أسوياء، وإنما لهم استثناءات خاصة لسببٍ أو لآخر: إما شعوذة، وإما أشياء أخرى مُتعلقة بالإِلْفِ والتدريب، وما شابه ذلك.
وما يتعلق بالخلوات هو مَحَكٌّ من المحكات الشخصية عند الأبناء، وعند الآباء، وعند الكبار، فهذا معيارٌ من معايير النجاح والفشل بالنسبة لكل واحدٍ منا: إذا اختلى ولم ينظر إليه أحدٌ من البشر؛ لأن الله معنا، ومُطَّلعٌ على كل شيءٍ سبحانه.
أما مَن كان خوفه من الناس يفوق الخوف من الله فإنك تجده حين ينتهك محارم الله حينما يكون خاليًا من خلال جوالٍ -رابط موقع- فإنه بمجرد أن يسمع همسةً حتى لو كانت من طفلٍ عمره سنة أو سنتين فإنك تجده يضطرب ويخشى أن يدخل عليه، وهو صغيرٌ! فكيف لو كان كبيرًا؟! كيف لو كان أبوه؟! كيف لو كانت الهيئة؟! كيف لو كانت جهاتٌ مُختصةٌ؟! أو ما شابه ذلك.
فهو هنا حصل عنده شيءٌ، وهذا لنَقُلْ أنه أمرٌ طبيعيٌّ، لكن المشكلة ليست في دراسة هذا الوضع مع الناس، المشكلة في وضعه مع الله ، فالله مُطلعٌ عليه، فلماذا يُمارس ذنوب الخَلَوات؟! لماذا أصبحت ذنوب الخَلَوات جزءًا من شخصيته؟!
ضَعُفَ عنده انفعال الخوف من الله، وزاد عنده انفعال الخوف من الناس.
وهناك أناسٌ -أعوذ بالله- لا الخوف من الله، ولا الخوف من الناس، كالذين يُجاهرون بالمعاصي، وقد قال النبي : كل أمتي مُعافًى إلا المُجاهرين[4]أخرجه البخاري (6069)، ومسلم (2990)..
فهنا أهمية الجانب الإيجابي من انفعال الخوف حين يكون في مكانه الطبيعي، وفي مكانه المحمود، وهو الخوف من الله ، وعندئذٍ نرغب ونخشى الله أشدّ من خشيتنا من الناس، وعندئذٍ سننظر ماذا يُريده الله منا فنفعله، ونترك ما لا يُريد فعله.
أما الذي عنده معادلةٌ أخرى كما جاء في الآيات: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ [النساء:108]، ثم قال الله في آخر الآية: وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108].
نحتاج إلى هذه المعاني: زرع الخوف من الله، وزرع الغضب إذا انتُهكت محارم الله، وكلاهما وغيرهما بالضبط الذي ذكرناه الأسبوع الماضي.
أنا لا أتكلم عن الانفعال غير المضبوط، أنا أتكلم عن الانفعال المحمود، بل الواجب أن يكون، الذي يجعل الإنسان سعيدًا في هذه الحياة.
نحتاج أن نُربي أنفسنا ونُربي مَن تحتنا على هذه المعاني المهمة، وإلا سيحصل من المشاكل ما الله به عليمٌ.
صورٌ من انفعال الحب والفرح
نأخذ نموذجًا ثالثًا مُتعلقًا بانفعال الحب والفرح.
تجد أناسًا الحب والفرح عندهم للدنيا -مثلًا- هو المُهيمن، في مقابل فئاتٍ أخرى الحب والفرح عندهم للآخرة هو المُهيمن، هل يستويان؟
كلاهما فرحٌ، وكلاهما مُحبٌّ، ولكن هناك فرقٌ بين هذا وذاك، يقول الله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].
إذن هناك أناسٌ عندهم الخوف من الناس أشدّ من الخوف من الله، وعندهم حبٌّ للناس أكثر من حبِّهم لله، وهذا شرك المحبة، ومن القضايا الخطيرة في التوحيد، والله بيَّن عن المؤمنين الصادقين كيف يكون فرحهم؟
أولئك قبل قليلٍ أحبُّوا الناس أكثر من حبِّهم لله؛ لأنهم في أمور الدنيا، هم لا يملكون الآخرة، يملكها الله ؛ فلأنهم يُريدون الدنيا عندهم محبة الناس والفرح بهم أكثر من أُنسهم بالله والفرح بما عند الله !
لكن الناس الآخرين كما قال الله عنهم: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:34].
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم هذا الجزاء العظيم، وكيف يكون الحب والفرح بما عند الله ؟ حينما أذهب عنهم الحَزَن، يقول الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: "وهذا يشمل كل حزنٍ"[5]"تفسير السعدي" (ص690).، أي نوعٍ من أنواع الحزن يدخل في هذه الآية، فأي شيءٍ نتصوره من الحزن أو يكون سببًا للحزن هو داخلٌ في ذلك، فهم مُجردون من أي شيءٍ سيُحزنهم يوم القيامة حينما يُلاقوا الله ، فيرضى عنهم، ويغفر لهم، ويشكرونه: إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:34]، فهؤلاء في الآخرة.
أما في الدنيا فهناك فئةٌ أخبر الله عنها بقوله: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:83]، فعرفوا الحقَّ، وفرحوا بهذا الحق، ودمعت أعينهم من ذلك.
ولعلها أيضًا تدخل في جانب الحزن الذي سيأتي معنا، أو الخشية؛ ولذلك إذا ربطناها بالفرح -وقد تُربط بالخوف- لما عرفوا من الحق، فتأتي هذه الصورة المُشرقة من الذين عرفوا الحقَّ فدمعت أعينهم؛ ولذلك قالوا: آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
وفي موضوع الحب والفرح يقول الرسول : مَن التَمَسَ رضا الله بسَخَط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى الناسَ عنه، ومَن التَمَسَ رضا الناس بسَخَط الله سَخِطَ اللهُ عليه وأسخط عليه الناس[6]أخرجه الترمذي (2414)، وابن حبان في "صحيحه" (276)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6097).، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، فمطلبه رضا الله، وهذا قد يدخل في الخوف من وجهٍ، وبينهما تداخلٌ.
وهذه القضايا نذكرها لنُفرق بين الصورتين: السلبية والإيجابية، وننظر النتيجة: مَن الذي هدفه ما عند الله ؟ يفرح ويُحب ما عند الله حتى لو سخط الناس، وغضب الناس والأهل والأقارب، فأنت قدَّمتَ الذي يُحبه الله ، فالحمد لله ربِّ العالمين، والله سيرضى عنك، وسيُرضي الناس عنك، فإذا وجد اليقين بهذه الصورة، ووفَّق الله للثبات؛ أعطاه الله هذا الجزاء.
وفي مقابل ذلك مَن عكس الصورة؛ فأرضى الناس بسخطٍ من الله، وهذا ربما تكون شواهده كثيرةً في التاريخ المعاصر والقديم، فالله سيَسخط عليه، وسيُسخط الناس عليه، فأقرب الناس إليه يرفضونه، ويُلقونه، ولا يحتاجون إليه بعد ذلك، بل يكونون من أشد أعدائه.
ويقول النبي : أَحْبِبْ حبيبك هَوْنًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأَبْغِضْ بغيضك هَوْنًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما، حديثٌ صحيحٌ في "سنن الترمذي"[7]أخرجه الترمذي (1997)، والطبراني في "المعجم الكبير" (13/ 70) برقم (172)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (178)..
وهذا يضبط لنا انفعال الحب، وهذه القضية عندما تكون مُرتبطةً بالدنيا وبالناس، لكن مع الله لا، القضية لا يكون فيها هذا الترشيد بحالٍ من الأحوال، لماذا؟
وهنا لفتةٌ مهمةٌ جدًّا؛ فهذا الذي تغرق في محبته قد يكون بغيضك بعد فترةٍ؛ ولهذا ارتباطٌ بالكلام الذي سبق، فإذا كان الميزان ليس مضبوطًا وقدَّمنا رضا الناس بسخطٍ من الله؛ سيَسخط الله ويُسخط الناس علينا.
وكذلك بُغض الناس، اجعل البُغض في محله المُناسب؛ لأنه ربما يكون بعد ذلك حبيبًا لك، هذا الذي يضبط الانفعال في أمور الدنيا مع الناس.
أما الله فالأمر غير ذلك، ولا شكَّ أن له ضوابطه الشرعية، لكن شتان بين الفرح والسرور والحب في إطار الدنيا، والفرح والسرور والحب في إطار الآخرة.
صورٌ من انفعال الحزن
المثال الأخير من الانفعالات هو مثال الحُزْن أو الحَزَن، وكلاهما صحيحٌ عند أهل اللغة.
فمثلما ذكرنا في الغضب نذكر في الحزن، فيحزن الإنسان من أجل مصلحةٍ خاصةٍ، وقد يكون الحزن من أجل معصيةٍ، وهذا لا شكَّ أنه انفعالٌ سلبيٌّ، ويختلف السلبي حسب الحُرمة والمُباح فيه، والانهماك فيه، وما شابه ذلك.
ومقابل ذلك الحزن من أجل مُبْتَغًى أُخرويٍّ، والله يُحب منا أن نحزن لأجل ذلك، وما ذكرناه في آية: تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ، كونهم دَمِعت أعينهم بعد معرفة الحق، فخشوا الله ، فحصل شيءٌ من هذا الانفعال، وهو حزنٌ إيجابيٌّ لا شكَّ، ومُرتبطٌ بالآخرة، فلو كانت دنيا لاستمروا على دنياهم، بالعكس هنا سيُغيرون أحوالهم وسيهتدون، وربما هذا الأمر سيُكلفهم في هذه الحياة الدنيا أشياء عديدةً جدًّا.
فيقول الله في آيةٍ أكثر توضيحًا وبيانًا في هذا الموضوع: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92].
هذه صورةٌ من الصور للذين كانوا يُريدون أن يجدوا مثلما وجد غيرهم في سبيل الله ، فالنبي اعتذر لهم؛ لأنهم ليس لهم وسيلةٌ يتنقلون بها حتى يُجاهدوا في سبيل الله، فكانت نتيجة هذا الأمر: تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ، قال الله: حَزَنًا؛ لأنه يوجد هنا فوات أجرٍ، وهم حريصون على هذا الأجر، فلما تذكروا أن الأجر سيفوتهم -هكذا تصوروا- حزنوا ودَمِعت أعينهم حزنًا.
فهذا الحس الإيماني المُرهف عند هؤلاء، هذا هو الحزن الإيجابي.
فأين أُسرنا اليوم من هذا؟ وأين تربيتنا اليوم من مثل هذه المعاني؟ وأين حزننا وأبنائنا وأجيالنا اليوم: أمِن الدنيا أم من الآخرة؟ أقصد: هل هو مما يفوت من الدنيا، أم مما يفوت من الآخرة؟
يقول الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- عند تفسير هذه الآية: "مَن نوى الخير واقترن بنيته الجازمة سعيٌ فيما يقدر عليه ثم لم يقدر؛ فإنه ينزل منزلة الفاعل التام"[8]"تفسير السعدي" (ص348)..
فهم مأجورون، وهذا من رحمة الله بهم، فالحزن انفعالٌ إيجابيٌّ بأن خشوا أن يفوتهم الأجر، وألا يكونوا مع الرَّكب، فالله كتب لهم الأجر وكأنهم معهم، فأتى هذا الانفعال الإيجابي لهم بالأجور.
هناك لقطةٌ (فلاشيةٌ) مشهورةٌ كما يُقال، (فيديو) مشهورٌ انتشر بين الشباب كثيرًا عن صورة الذي يحزن ويبكي من أجل أن فريقه انهزم! ويأتي المُذيع في القناة ويُقابله، وهذا الشاب دون العشرين أو في أوائل العشرينات، وهو لا يملك انفعاله الشديد!
رأيتُ هذا المشهد، ويمكن أن يكون الكثيرون قد رأوه، فهو يبكي بُكاءً شديدًا، ولا يستطيع أن يُعبر من شدة بكائه؛ لشدة حزنه!
فالله قال عن هؤلاء: وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا، وهذا يبكي بسبب الكرة وانهزام الفريق! ما ملك نفسه!
ثم تأتي لقطةٌ أخرى لشابٍّ في الحرم، وهو على وشك أن يختم بين يدي شيخه، ويقرأ آخر سورةٍ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس]، ثم يختم كتاب الله حفظًا، ويسجد سجود الشكر هو وأبوه، ويحصل من البكاء والدموع، مع أنها لحظةٌ يختلط فيها الفرح والبكاء، ولكنا نأخذها من جهة البكاء كمثالٍ، فيختلط هذا الانفعال.
وهناك فرقٌ بين الصورتين والبكاءين: بكاءٍ لله، وبكاءٍ للدنيا، وهذه الأعين تذرف الدمع من شدة تأثره بالأفلام! ويُشاهد البطل والبطلة لا تُضبط أمورهما، ولا يحصل الشيء المُترقب أن يصلا إليه، فمن التأثر تدمع عينه! مع أنهم جالسون يُتابعون شيئًا لا شكَّ أن جزءًا منه حرامٌ، وجزءًا منه من العبث إن لم يكن حرامًا، فتدمع العين!
وحين يُسأل عن دمعة عينه حينما يسمع آيات الله تُتلى، ويأتي الخطيب الواعظ فيَعِظ، فيبحث عنها، ويقول: لا أجدها!
لا شكَّ أن هذا يحتاج إلى (فرمتة) لهذه الانفعالات ولهذه الشخصية.
وبعض الأشخاص من أهل الخير من الشباب يبكي ويتأثر حينما يسمع النَّشيد، ولكنه حينما يسمع آيات الله لا يتأثر! بين يدي الله يقول: لا أتأثر!
فهذه صورٌ تحتاج إلى تمعنٍ، فالصورة الأولى التي ذكرناها في موضوع الأفلام صورةٌ مُحرمةٌ، والصورة الثانية نشيدٌ ليس مُحرمًا، ولكن وصل مستوى التَّعلق به إلى حدوث هذا الانفعال الذي هو التأثر الشديد، ولو قارنته بأثر القرآن على هذا الرجل ذاته لا تجد هذا الأثر موجودًا!
ولذلك إذا خلا القلب مما يجب أن يكون عليه تجاه الله والدار الآخرة وكلام الله ؛ حلَّ محله شيءٌ آخر: إما مُباحٌ فيُتوسَّع فيه، أو ما دون ذلك مما لا يرضاه الله .
وبعض الأشخاص الآن عندما يُعلن إسلامه يبكي من شدة الفرح، وهو كبكاء الفرح الذي ذكرناه قبل قليلٍ.
وأنا أريد أن أجعل مثال البكاء الذي ذكرتُه في قضية الختمة للفرح والسرور، وهذان المثالان اللذان ذكرتُهما الآن في بُكاء الشابين يرتبط فيهما انفعال الفرح بانفعال الحزن، فالمثال الأول في الحزن، والأفلام في الحزن، وقد يفرح الواحد عندما يفوز فريقه فرحًا أشد من فرحه بانتصار إخوانه هنا أو هناك، أو سماع خبرٍ طيبٍ في سوريا، أو ما شابه ذلك.
فهذه قضيةٌ تحتاج إلى مُعاودة النظر: نفرح للدنيا أو نفرح للآخرة، نحزن للدنيا أو نحزن للآخرة.
ونقول هذا لأنفسنا، ونقول هذا حتى نُربي أجيالنا.
والخنساء رضي الله عنها ورحمها جمعت صورة الحزن المذموم حينما مات أخوها صخر، فبكتْ وناحتْ ... إلى آخره، وفي مقابل ذلك كانت فَرِحَةً مسرورةً رضي الله عنها وأرضاها حين بلغها استشهاد أربعةٍ من أبنائها.
ولا شكَّ أن هنا مُتغيِّرًا ومُؤثرًا حصل، وهو دخول هذا الدين في النفس حتى أصلح القضية بشكلٍ سليمٍ، وضبط الانفعالات بصورةٍ سليمةٍ جدًّا، فأصبح الفرح في موقفٍ من الطبيعي أن يحصل فيه حزنٌ: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا بفُراقك يا إبراهيم لمحزونون[9]أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315).، لكن الصورة الأكبر من ذلك التي قلَّ مَن يصل إليها، وهي النظر إلى ما عند الله ، في مقابل ما حصل من موقفها قبل أن تُسلم مع أخيها صخر.
فالشخصية واحدةٌ، والانفعالات في الأول مُضطربةٌ، وفي الثاني محمودةٌ، بل رائعةٌ، ونموذجٌ، وقُدوةٌ، فالذي أثَّر في ذلك هو الذي غُذِّيت به الشخصية، ولم يكن من قبل موجودًا، وهو هذا الدين العظيم.
لعل في هذا القدر كفايةً فيما يتعلق ببعض الصور من الانفعالات بين السلب والإيجاب؛ لنُدرك أهمية مثل هذه الصور، وأين نحن وأبناؤنا وأُسرنا وأهلنا ومَن نُربيهم؟ هل هم باتجاه الجانب السلبي فنُحاول أن نُعالج الأمر، ونقوم بجهدٍ طيبٍ لحلِّ هذا الإشكال، أم أنهم في اتجاه الانفعال الإيجابي المحمود فنرعاه ونُعززه ونُساعد في ضبطه مثل الجوانب التي ذكرناها في الغضب؟
فهناك فرقٌ بين الذي يغضب لمصالح خاصةٍ، والذي يغضب إذا انتُهكت محارم الله، وكذا الخوف: فالذي يخاف من الناس وما هو بخائفٍ من الله ليس مثل مَن يخاف الله ، والحب والفرح: فالذي يُسَرُّ ويفرح للدنيا ليس مثل الذي يفرح للآخرة، وكذلك الحزن: فالذي يحزن لمصلحةٍ شخصيةٍ دنيويةٍ ليس مثل مَن يحزن لفوات شيءٍ من الآخرة.
كيف نُربي أبناءنا على الانفعال الإيجابي؟
هذا سؤال أحد الأشخاص فيما يتعلق بموضوع الانفعالات؛ لأن موضوع الانفعالات إشكاليتها أنها قضيةٌ داخليةٌ باطنيةٌ مُرتبطةٌ بجوانب ليست هي مهاراتٍ سهلة القياس وسهلة التعديل، وإن كانت الجوانب الداخلية لها مقاييس تُقاس بها كجانبٍ نسبيٍّ، وكذلك أيضًا في تعديلها، لكن أقصد من هذا أن الأمر أصعب؛ لذلك أرى الآتي، والله تعالى أعلم:
أولًا: نية المُربي.
ثانيًا: قُدوة المُربي: فقُدوة المُربي مهمةٌ جدًّا، فالمُربي حين يرى أن معيار الآخرة عنده أكثر من الدنيا في الفرح، والحزن، والغضب، والخوف، وهذا واضحٌ للأبناء، فهم يرون أن أباهم وأمَّهم بهذه الصورة، وواضحٌ للطلاب أن مُعلمهم بهذه الصورة، وواضحٌ للناس في المسجد أن إمامهم أو صاحبهم بهذه الصورة.
فالمقصود أن القُدوة مهمةٌ، وبخاصةٍ في المُربي الذي يُمارس العملية التربوية كالأب وما شابه ذلك.
فلذلك نحتاج أن ننتبه ونلفت أنظار الآباء؛ لأنهم جزءٌ من الإشكالية، فعندما تتقمّص الشخصية -خاصةً من وقت الطفولة- بخوفٍ غير مُنضبطٍ، وانفعال الغضب غير مُنضبطٍ تخرج الأجيال ...
وكم حصل من استفسارٍ حول بعض الانفعالات غير المُنضبطة، وحين تسأل عن الموضوع تجد أنها جاءت من خلال التربية الأُسرية نفسها، فالانفعال أصلًا مُشكلته أنه ناشئٌ في أسرةٍ غَضوبةٍ مُنفعلةٍ، هذا كمثالٍ، وهذا في الانفعال الحياتي العادي، فكيف لو كان يغضب في أمور الدنيا، لكن لا يغضب في أمور الآخرة؟! أو يحزن في أمور الدنيا، لكن لا يحزن في أمور الآخرة؟! فهذه قضيةٌ أشدّ وأشدّ، وهذه قضيةٌ أردنا إبرازها اليوم.
والكلام الأول قد ذكرناه في اللقاءين الماضيين في الضبط، لكن الآن نريد أن نُبرز الجانب المطلوب منا في التربية الذي حثَّت عليه التربية الإسلامية في مُقابل الشيء الذي نخشى عليه؛ ولذلك فإن هذا الميزان مهمٌّ للمُربين -ذكورًا وإناثًا-، فعليهم أن يُراجعوا ميزانهم إن كان عندهم ضعفٌ في تقديم محابِّ الله على محابِّ النفس ومحابِّ الآخرين.
فإذا كانت عندهم مشكلةٌ في هذه ولا يُطبقونها، وكذلك عندهم مشكلةٌ في الخوف، أو مشكلةٌ في كذا، فيُراجعون أنفسهم، ويُحاولون أن يُعالجوا أنفسهم في هذا الموضوع.
الأمر الثالث: إيانا وإياكم في التربية من أن نُعطي لهؤلاء الأبناء أداةً تُساعدهم في هذا الجانب، لا تُساعدهم في هذا الجانب، بل إنها تُثري فيهم التَّعلق بالمصلحة الذاتية، والـ"أنا"، والتَّمحور حول النفس والدنيا، وما شابه ذلك.
أصدقاء السوء، أو الناس الذين همُّهم فقط الكَدّ في هذه الحياة ليس إلا؛ سينشؤون وسينشأ معهم زملاؤهم وأصدقاؤهم -ذكورًا وإناثًا- بهذه الصورة؛ لذلك نُفتش عمَّن هم على علاقاتٍ بأبنائنا -ذكورًا وإناثًا-، فالقضية تحتاج إلى تفتيشٍ وتتبعٍ.
وحدَّثني أمس أحد الأطباء الأفاضل -وهو صاحب حرصٍ على اتِّجاهٍ- يقول: بدأتُ أزيد في الحوار بيني وبين أبنائي، فوجدتُ أشياء ما كنتُ أتوقع أنها موجودةٌ عند أبنائي، وكنتُ أظن وأم العيال -ونحن حريصان على الالتزام- أن أمور الأبناء طيبةٌ وتسير بشكلٍ صحيحٍ، وإذا بها لا، فهناك مُعادلاتٌ فيها آثارٌ معينةٌ أتت من خلال العلاقات المباشرة بالسلبيين أو غير الناضجين، أو من خلال الأصدقاء الافتراضيين اليوم عبر (تويتر) أو (فيس بوك) والتواصل الاجتماعي.
فالذي ما وضع القيود يضع نفسه في قيودٍ، ويكون صاحب مبدأ، وهذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال التربية، ولو تعبنا وجاهدنا، أما أن نستسلم فهذه مشكلةٌ كبيرةٌ جدًّا.
هذا الذي أراه، والله تعالى أعلم.
وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يُقرَّ أعيننا وأعينكم بصلاح أنفسنا وأهلينا وذرارينا.
هذا، والله تعالى أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين.
↑1 | أخرجه الحميدي في "مسنده" (260)، وأبو يعلى في "مسنده" (4452)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 126)، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل المحمدية" (300). |
---|---|
↑2 | "تفسير السعدي" (ص157). |
↑3 | "تفسير السعدي" (ص200). |
↑4 | أخرجه البخاري (6069)، ومسلم (2990). |
↑5 | "تفسير السعدي" (ص690). |
↑6 | أخرجه الترمذي (2414)، وابن حبان في "صحيحه" (276)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6097). |
↑7 | أخرجه الترمذي (1997)، والطبراني في "المعجم الكبير" (13/ 70) برقم (172)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (178). |
↑8 | "تفسير السعدي" (ص348). |
↑9 | أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315). |