المحتوى
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، هذا هو اللقاء الحادي والخمسون من هذه السلسلة حول التطبيقات التربوية والنفسية من الكتاب والسنة، وهو اللقاء الثالث عشر من المجموعة الرابعة، وسيكون اللقاء الأخير للمجموعة الرابعة لهذا الفصل، ونعود -بإذن الله- مع بداية الفصل الثاني إذا كنا وإياكم من الأحياء.
وكنا قد خصصنا هذه اللقاءات في المجموعة الرابعة حول الانفعالات، وأردنا أن نختم اليوم بالأسئلة التي وردت من الإخوة، ولعل الله يُيسر الإجابة عنها.
وكوننا قد تكلمنا عن انفعال القلق سنُخصص كلامًا حول قلق الاختبارات والامتحانات كما وعدناكم وطالب بذلك بعض الإخوة، وكون الطلاب والطالبات على موعدٍ مع اختبارات نهاية الفصل الأول.
وإن شاء الله تعالى في المجموعة الخامسة سنُخصصها للتربية الأسرية وبعض القواعد والمبادئ، وما يتعلق بالتواصل الأُسري، وما شابه ذلك.
وإذا انتهينا من هذا الموضوع ويسَّر الله سيكون الحديث عن الوالدين والأبناء -بإذن الله -؛ لأن الأسرة هي مَحَكّ التربية والمحضن الأول.
السؤال الأول: ما مراجع الموضوعات السابقة؟
الجواب: فيما أرى أن أنسب الكتب في قضية الانفعالات وما يرتبط بالغضب هو رسالة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز النغيمشي، أستاذ علم النفس، بعنوان: "الغضب"، وهي ضمن سلسلته "سلسلة الدوافع والانفعالات"، وهي رسالةٌ صغيرةٌ جدًّا، طيبةٌ ومهمةٌ ومناسبةٌ.
وكذلك كتاب الدكتور محمد محروس الشناوي -رحمه الله تعالى-: "بحوث ودراسات في العلاج والإرشاد النفسي حول الغضب"، درس فيه نموذج الإمام الغزالي -رحمه الله- وناقشه.
وأرى أن هذين الكتابين كافيان جدًّا، والرسالة الأولى موجودةٌ -إن شاء الله تعالى- في (الإنترنت).
وأما ما يتعلق بالقلق: فأفضل ما يمكن أن يُطَّلع عليه ويُستفاد منه عمومًا للإخوة الحاضرين والأخوات، والمُستمعين والمُستمعات رسالة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- "الوسائل المُفيدة للحياة السعيدة"، وقد استفاد في هذه الرسالة من عالِمٍ غربيٍّ ليس بمسلمٍ، وهو (ديل كارنيجي) في كتابه: "دع القلق وابدأ الحياة"، وهذا كتابٌ آخر جيدٌ ومهمٌّ أيضًا.
والشيخ عبدالرحمن -رحمه الله- قرأ هذا الكتاب أكثر من مرةٍ، كما حدَّث بذلك أحد أبنائه من الأعمام -وفَّقهم الله-، وكان في رحلته العلاجية في لبنان يقرأ في رسالة (ديل كارنيجي) مرةً ومرتين، حتى إن الطبيب كان يمنعه من الاطلاع والقراءة، فكان يُدخل الكتاب تحت الفراش إذا دخل عليه الطبيب، ثم يُعاود القراءة، فأعجبه هذا الكتاب؛ ولذلك قرأه أكثر من مرةٍ، ثم صاغ هذا الكتاب في رسالةٍ رائعةٍ جدًّا.
وأنا أعتبرها نموذجًا من نماذج التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية فيما يرتبط بقضية الهموم والغموم والحزن والقلق، وهي أهم مرجعٍ تقريبًا في هذا الموضوع، مع مرجع (ديل كارنيجي) الأجنبي "دع القلق وابدأ الحياة"، وكذلك رسالةٌ للشيخ محمد المنجد بعنوان: "علاج الهموم"، وهي أيضًا مُفيدةٌ في جانب القلق.
وأما ما يتعلق بمراجع انفعالات الحزن والاكتئاب، والتي يمكن أن تُقرأ لكونها سهلةً أيضًا هي رسالة الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- "الوسائل المُفيدة للحياة السعيدة".
وكذلك كُتيبٌ للدكتور عبدالله الخاطر -رحمه الله- استشاري الطب النفسي، وهي بعنوان "الحزن والاكتئاب"، وهي أيضًا رسالةٌ نافعةٌ ومفيدةٌ.
الفحص الطبي وعلاقته بالأمراض النفسية
السؤال الثاني: سأل أحد الإخوة: ألا ترى أن الاستشارة الطبية والتَّحصن أو الفحص الإكلينيكي عن الغُدد والفيتامينات هي من أسباب الهمِّ والحزن والاكتئاب -وذلك مُجرَّبٌ- مُقارنةً مع القراءة الشرعية التي هي من الأسباب المُذْهِبة لهذا النوع من الهموم؟
الجواب: إذا كان السائل يقصد أن اكتشاف بعض الأشياء المتعلقة بالغُدد والهرمونات تُؤثر، فنعم، وقد سبق أن ذكرنا هذا الكلام في الاكتئاب وبعض الهرمونات المرتبطة بالغُدد ووظائف هذه الغُدد، فأصحاب السكري كمثالٍ تجد عندهم الاضطراب في الجانب النفسي، والضيق، وغير ذلك، وكل ذلك بسبب هذا الجانب العضوي.
وأيضًا هرمونات الغُدة الدَّرقية -كمثالٍ- تُؤثر كسلًا ونشاطًا، فلا شكَّ أن الفحص عن هذه القضايا يُفيد.
أما إذا كان المقصود شيئًا آخر عكس ذلك، كأن يقول الشخص: أنا ما أريد أن أفحص؛ لأني أخاف إذا فحصتُ أن أكتشف أشياء ليست طيبةً!
فنقول له: الوقاية خيرٌ من العلاج، وأيضًا الوسواس في الجانب الطبي يُسبب القلق، وربما نأتي بما يتعلق بقضية القلق في سؤالٍ آخر وتظهر القضية أكثر.
لكن الذي يظهر لي من سؤال الأخ الكريم: أنه يقصد أن الكشف العضوي ووجود إشكالية عضوية هو سببٌ للاكتئاب، وما شابه ذلك.
فنقول: نعم، هذا ذكره أهل الاختصاص، وهو مُدْرَكٌ ومعروفٌ، ويحتاج أن الإنسان يتأكد، خاصةً فيما يتعلق بقضايا ووظائف الهرمونات والفيتامينات، فهذه القضايا مُؤثرةٌ جدًّا على الجانب النفسي.
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
السؤال الثالث: ديننا دين الابتسامة، ويدعو لذلك، فلماذا التركيز على النصوص الجالبة للهمِّ والحزن، وأن هذا هو ديننا كما تقول: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر[1]أخرجه مسلم (2956).، وغيرها؟! وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: وإياكم.
أولًا: هذا ليس كلامي، وإنما هو حديثٌ نبويٌّ، وسبق أن تكلمنا عن معنى: الدنيا سجن المؤمن؛ لأن المؤمن له ضوابط، فهو ليس مثل غيره الذي يفعل ما يشاء في هذه الحياة، فالكافر ليس له ضوابط، هذا من جهةٍ.
وأيضًا هناك كلامٌ ما ذكرتُه لكم، وقد ذكره بعض أهل العلم، وهو مهمٌّ جدًّا: وهو أن المؤمن بالنسبة لما سيلقاه عند الله هو في سجنٍ في هذه الدنيا، وأن الكافر بالنسبة لما سيلقاه هو في جنةٍ.
وقد أشكلتْ هذه القضية على بعض السابقين كما أشكلتْ على الأخ، بل هناك من أهل الإيمان مَن يعيش جنةً وسعادةً، وما شابه ذلك، وهناك أناسٌ من الكفار عكس ذلك.
وقد قال المُناوي: "ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القُضاة مرَّ يومًا بالسوق في موكبٍ عظيمٍ وهيئةٍ جميلةٍ، فهجم عليه يهوديٌّ يبيع الزيت الحار، وأثوابه مُلطَّخةٌ بالزيت، وهو في غاية الرَّثاثة والشَّناعة، فقبض على لجام بغلته وقال: يا شيخ الإسلام، تزعم أن نبيكم قال: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر، فأي سجنٍ أنت فيه؟! وأي جنةٍ أنا فيها؟! فقال: أنا بالنسبة لما أعدَّ الله لي في الآخرة من النَّعيم كأني الآن في السجن، وأنت بالنسبة لما أعدَّ لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنةٍ. فأسلم اليهودي"[2]"فيض القدير" (3/ 546)..
فهذا الفارق أو المُقارنة بين الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السُّعداء.
انشغال الآباء بالعمل وإهمال الأبناء
السؤال الرابع: ما النصيحة التي تُوجهها للآباء الذين يستغرق العمل جُلَّ وقتهم مما يشغلهم عن أُسرهم، وعن أسلوب التربية الصحيح؟
الجواب: هذا سؤالٌ مهمٌّ في ظني؛ لأنه ناتجٌ عن حرص الشخص، فهو يُعاني جزمًا وأمثاله من قضية الانشغال بسبب الجانب الوظيفي، أو حتى مهامه في هذه الحياة، وبعض الدعاة وأهل العلم والمُربين يُعانون أيضًا من هذا الجانب، وينبغي ألا تغيب عنا قواعد أساسيةٌ، وهي أن الأقربين أولى بالمعروف، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، وهذه القضية يجب ألا تنمحي حتى من الأعمال الدعوية والأعمال التي فيها محض خيرٍ للأمة، فكيف بأمور الدنيا وانشغالاتها؟ وهذا لا بد ألا ننساه.
وصاحبنا هذا جزمًا قد وضع هذه القضية عنده رقم واحدٍ، ولكن بسبب المعيشة والحياة يسأل هذا السؤال، فهذه قضيةٌ نضعها في بالنا أولًا.
وأما النقطة الثانية التي ذكرها، وهي: أن هذه الأعمال تشغلهم عن أسلوب التربية الصحيح، ويمكن ألا يقصد هذه العبارة، فأسلوب التربية الصحيح ينبغي أن يتوفر حتى لو كان الوقت قليلًا وبسيطًا، مع أن المطلوب أن نُعطيهم من أوقاتنا أكثر.
وأما إذا كان يقصد: أن هذا الانشغال يترتب عليه أسلوب تربيةٍ غير صحيحٍ فلا يوجد ارتباطٌ أصلًا بين هذا وذاك، فقد تجلس مع أبنائك وأهلك وقتًا قصيرًا ويكون أسلوبك في التربية أسلوبًا عميقًا، وما نُؤكد عليه في هذا الموضوع هو:
أولًا: لا بد من تقوى الله والإخلاص ابتداءً؛ لأنه مع تقوى الله والإخلاص يُبارك الله تعالى في العمل ولو كان قليلًا، ويفتح الله لك من أبواب فضله ورحمته، ويحفظ الله الأبناء، فيكون هذا الإنسان أقرب إلى الله من غيره؛ فلذلك لا بد من اللجوء إلى الله في هذا الموضوع.
ثانيًا: القُدوة، فالقُدوة أكثر تأثيرًا، فأنت كلما كنت صاحب قُدوةٍ وأثرٍ في شخصيته وعمله أكثر من قوله كان هذا الأمر يختصر طريق التربية، وعندئذٍ مُشاهدتهم لك قد تكفي ولو كانت الفرصة أقلَّ.
ثالثًا: استثمار الأوقات معهم مهمٌّ جدًّا، والفرص التي تُتاح ينبغي استثمارها.
وأنا أعرف أحد الآباء المشغولين يجلس يوميًّا يُفطر مع أبنائه على مائدة الإفطار قبل أن يخرجوا إلى المدرسة، وهذا عملٌ ذكيٌّ جدًّا منه، وما زال إلى الآن يُمارس هذا الدور، بل أعرف شخصًا آخر عنده سائقٌ، ولكنه يذهب بأبنائه صباحًا يُوصلهم إلى المدرسة بنفسه، والسائق يُرجعهم فقط، ولا يُكلف السائق في الصباح، ويقول: هذه فرصتي في الجلوس مع الأبناء، آخذ وأُعطي معهم في السيارة، ومع هذا الصباح الباكر، فيستمتع متعةً كبيرةً جدًّا بمثل هذا الأمر، فاستثمار الأوقات معهم قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
رابعًا: لا بد من تحديد أوقاتٍ خاصةٍ ولازمةٍ، فأنا -مثلًا- أُفرغ نفسي لهم عصر كل جمعةٍ ... إلى آخره، وأُلزم نفسي بهذه القضية، كما أُلزم نفسي بأشياء أخرى.
وكذلك استثمار الإجازات، وهذه لها علاقةٌ باستثمار الأوقات عمومًا، لكن ينبغي تحديد الإجازات وإعطاء فرصة من الإجازات مع الأبناء.
وأنا لا أتكلم عن الإجازات الطويلة فقط، بل حتى الإجازات الأسبوعية كما أشرنا.
خامسًا: التَّشجيع، خاصةً للزوجة؛ لأنها هي السَّند بعد الله ، فتشجيعها وتحفيزها على أن تقوم بالدور مهمٌّ جدًّا.
سادسًا: لا بد من البحث عن جهاتٍ مُساندةٍ تشغل أوقات فراغ الأبناء: ذكورًا أو إناثًا، وكذلك تُتيح لهم أصدقاء إيجابيين: ذكورًا وإناثًا، وهذا مهمٌّ جدًّا، فأنت مشغولٌ عنهم، لكنك -بحمد الله- يمكنك أن تشغل ابنك ببرامج نافعةٍ في الحي والمسجد والجهات الخيرية والمحاضن التربوية، وهكذا مدارس التَّحفيظ بالنسبة للنساء، وغيرها، فيطمئن الإنسان.
فلا شكَّ أن هذا مهمٌّ جدًّا حتى لو كان الإنسان غير مشغولٍ؛ فالإنسان بحاجةٍ إلى مَن يُسانده في التربية، فكيف مع شغله؟! فهذا من باب أولى.
السؤال الخامس: ما الفرق بين القلق القهري والاختياري؟
الجواب: من خلال البحث في هذا الأمر سأذكر بعض الأمور التي تُبين الفرق بينهما:
أولًا: كلاهما قلقٌ، ولا شكَّ أن القلق القهري أقوى في الجانب المرضي من القلق الاختياري، فالأول قهريٌّ، الأصل فيه الاستمرارية، وأما الاختياري فليس كذلك، فيأتي في أوقاتٍ وحالاتٍ، مثل: قلق الاختبارات الذي سنتكلم عنه بعد قليلٍ -إن شاء الله تعالى- والذي يُعتبر قلقًا اختياريًّا، وليس قهريًّا، له موسمه ووقته، وأيضًا بصورةٍ ليست إيجابيةً عند البعض.
وأيضًا صاحب القلق القهري يشعر أنه مغصوبٌ على هذا القلق، وهو ما يُسميه الناس اليوم: الوسواس القهري، بينما صاحب القلق الاختياري عنده خيارٌ، ولا يشعر أنه مغصوبٌ على هذا القلق؛ ولذلك المُصاب بالقلق القهري يعرف أن الفكرة التي تبنَّاها والسلوك الذي يفعله خطأٌ، فيعرف أنه إذا كرر الوضوء سيقع في نفس الخطأ، لكن لا يستطيع أن يتخلص منه، ويعرف أنه إذا كرر التكبير: "الله، الله، الله أكبر" أنه خطأٌ، لكن في الاختياري هو يرى أنه لا بد أن يهتمَّ بهذا الأمر، وكونه يهتم بطريقةٍ صحيحةٍ أو خاطئةٍ هذا جانبٌ آخر.
هل وضح الاختلاف بين الأمرين؟
ولذلك أنا أريد أن أُوصي وصيةً: وهي أن كل ما ذكرناه سابقًا في موضوع القلق في ثلاث حلقاتٍ من وسائل علاج الهمِّ والقلق يصلح للقلق القهري والاختياري، وكذلك الذي سنتكلم عنه في قلق الاختبارات والامتحانات، لكن أُؤكد هنا خاصةً فيما يتعلق بالأسئلة التي تأتي كثيرًا فيما يرتبط بموضوع الوسواس القهري على أمورٍ:
أولًا: كلام ابن القيم الذي سبق أن تكلمنا عنه، وأن دفع الخواطر أهون من دفع الأفكار، ودفع الأفكار أهون من دفع الإرادات، ودفع الإرادات أهون من دفع الأعمال، ودفع الأعمال أهون من دفع العادات.
فإذا أتتك فكرةٌ سلبيةٌ وسيئةٌ ادفعها ابتداءً، حتى لا تنتقل للتي بعدها؛ لأنها إذا صارت عادةً تمكَّنت ووصلت لمستوى الوسواس القهري الذي لا يستطيع أن ينفكَّ منه الإنسان.
ثانيًا: هناك قاعدةٌ شرعيةٌ مهمةٌ جدًّا فيما يتعلق بأصحاب الوسواس القهري، وهي:
والشك بعد الفعل لا يُؤثر | وهكذا إذ الشكوك تكثر[3]"شرح منظومة القواعد والأصول" لابن عثيمين (5/ 452). |
يعني: أي شكٍّ يأتيك بعد فعل طاعةٍ ما يُؤثر، وهكذا إذا كثرت الشكوك في طاعةٍ وعبادةٍ لا تُؤثر.
وهذه قاعدةٌ شرعيةٌ المُفترض أن نعمل بها؛ ولذلك لا تلتفت للشك بعد أن تنتهي من العبادة، ولا تلتفت لكثرة الشكوك.
والمشكلة أن أصحاب الوسواس القهري يستسلمون له، ويبدأ الواحد منهم في الشك بعدما ينتهي، فيقول: صلاتي قُبِلت أو ما قُبِلت؟ وضوئي صحيحٌ أو ما هو بصحيحٍ؟ أو تكثر عليه الشكوك، والمُفترض أن يطرح هذه الأشياء ويُبعدها، وهذه تحتاج إلى إرادةٍ.
وأنا أعرف أن الذي عنده الوسواس القهري إذا وصل لهذه الحالة قد يصعب عليه الكلام الذي نقوله الآن؛ ولذلك يجب على الإنسان من البداية أن يدفع عنه هذه الأمور حتى لا يصل إلى هذا المستوى، فتتراكم عليه الأمور، ثم بعد ذلك تُصبح عنده القضية قهريةً، فيصل لمستوى الوسواس القهري أو القلق القهري، فالاستعجال في العلاج مهمٌّ جدًّا.
وقد سألتُ عددًا من الذين أُصيبوا بالوسواس القهري: كم لك؟ فقال أحدهم: سنتان. وقال آخر: لي ستة أشهرٍ. طيب، هل ذهبتَ إلى أحد الأطباء؟ فقال: أبدًا ما ذهبتُ لأحدٍ!
فلذلك ينبغي للإنسان أن يستعين بالله أولًا، ثم بأصحاب الخبرة من الذين يمكن أن يُساعدوه على هذا الجانب.
وأيضًا يحرص على الذكر، وهذا سبقت الإشارة إليه؛ لأنه يُساعد جدًّا، كما قال الله تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
ويطرد الفكرة السالبة بنقيضها، يعني: هو يتصور أن الله ما تقبل وضوءه، وأنه ما توضأ بشكلٍ صحيحٍ، فالواجب أن يطرد هذا بأن يقول: الحمد لله، توضأتُ بشكلٍ صحيحٍ، ولا يعيش هذا الجانب القهري.
والتَّعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما قال : فليستعِذ بالله ولينتهِ[4]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، فيقول: أعوذ بالله، وينتهي ويكفّ، ويُعوِّد نفسه على هذه الممارسة.
وأيضًا قراءة سورة الفاتحة على نفسه، أو تُقرأ عليه، فهذه مُؤثرةٌ جدًّا، وكذلك يقرأها في ماء زمزم، وعند كل قراءةٍ ينفث ويشرب كما يقول أهل العناية بالرقية الشرعية.
وكذلك ينبغي عليه عدم الاستجابة لقضية إعادة العبادات وما يتعلق بهذا الجانب، وإلا كما ذكر أهل العلم بأنه سيُؤدي به إلى أن يترك العمل، وقد ترك بعض الذين عندهم الوسواس القهري قديمًا وحديثًا الصلاة، وصارت الصلاة بالنسبة لهم مشقةً تحتاج لاغتسالٍ عند بعضهم، وتحتاج لوضوءٍ عند بعضهم، فيقول: دعني أرتاح!
وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا، وحينما يصل الإنسان إلى هذه النقطة فهو يحتاج إلى علاجٍ دوائيٍّ، فيذهب إلى أطباء نفسيين، ولا إشكالَ في ذلك؛ لأن هذه الأدوية مُباحةٌ ونافعةٌ؛ ولذلك يُستفاد من أهل الاختصاص لتخفيف ما يتعلق بجانب الوسواس القهري.
السؤال السادس: عما يتعلق بقلق الاختبارات والامتحانات
الجواب: نعم، والاختبارات قد قرُبَتْ، وهو سؤالٌ يرد كثيرًا خاصةً عند الطلاب والطالبات، وتُعاني منه الأُسر والبيئات التعليمية والتربوية.
أولًا: ماذا نقصد بقضية قلق الاختبارات والامتحانات؟
هي حالةٌ تأتي قبل الاختبارات أو أثناء أداء الاختبارات، ويحصل هذا أيضًا عند المُقابلات في الوظائف المعينة، وحتى في أداء الاختبار.
وهناك اليوم -مثلًا- اختبارات القياسات المتعلقة بالقُدرات، أو اختبارات التحصيل، وما شابه ذلك، فكل هذا يدخل في المراد بقلق الاختبارات والامتحانات.
ثانيًا: الأعراض المُرتبطة بهذه القضية:
الذي عنده هذا القلق تجده ربما يتعرض لحالةٍ فسيولوجيةٍ: كدقَّات القلب المُتسارعة، وخَفقانه، والشعور بالضيق، وجفاف الحلق، وسرعة التنفس، وتصبُّب العرق، وارتعاش اليدين.
كل هذه مظاهر لهذا القلق، وعلامةٌ على أن هذا الإنسان عنده حالةٌ من القلق ليست إيجابيةً.
وتذكرون أننا ذكرنا سابقًا أن الانفعالات لها صورة إفراطٍ وتفريطٍ ووسطٍ، والوسط هو الذي نريده، ويستحيل أن ينتفي عند الإنسان القلق والغضب والحزن، فإذا لم يغضب أو يقلق الإنسان فهذه مشكلةٌ، والأمر الطبيعي هو الوسط، وهو الذي يجعل الإنسان يتصرف تصرفًا صوابًا.
أما أنه لا يغضب، ولا يقلق ... إلى آخره، فهذا شيءٌ غير طبيعيٍّ، يعني: لا يُذاكر، وفي نفس الوقت ليس قلقًا، فهذا ليس طبيعيًّا، أو لم يستعد للاختبار وليس قلقًا فهذا غلطٌ.
وهناك مَن يقلق بحيث يُحفزه هذا القلق على المُذاكرة، ولا ينشغل بهذه المُعطيات والمظاهر والأعراض التي تُسبب إعاقاتٍ ومُعاناةً في هذه الجوانب، فالإنسان من الطبيعي أن يُحفزه شيءٌ فيقلق من أجله قلقًا طبيعيًّا، كما نقول: خوفٌ طبيعيٌّ، وخوفٌ مرضيٌّ ... إلى آخره.
فهذه أعراض القلق المتعلقة بالجانب الفسيولوجي: توترٌ، وأَرَقٌ ليلة الاختبار، وكثرة التفكير في الامتحانات، وانشغالٌ شديدٌ ذهنيًّا، وترقُّبٌ.
فالذي يعيش هذا الجوّ لا شكَّ أن أمره ليس بطريقةٍ إيجابيةٍ؛ ولذلك تجد هذا الانشغال العقلي والذهني هو الذي يُسيطر عليه إلى ما قبل الاختبارات.
وعددٌ من هؤلاء تجد عندهم مُمارساتٍ خاطئةً، فمثلًا: يظل يُقلّب الأوراق وينظر في الكتاب إلى وقت الاختبارات، ويتصور أنه إذا لم يفعل ذلك لآخر لحظةٍ فهو لم يستعد للاختبار، مع أن المُمارسة التي يُمارسها خطأٌ، والشيء الذي دلَّت عليه الحقائق والدراسات أن مثل هذه الحالة الموجودة قُبيل الاختبارات وبهذه الصورة هي التي تُزعزع الإنسان في ضبط ما استذكره وراجعه، وسيأتي الكلام في ذلك حينما نتكلم عن موضوع الراحة بعد قليلٍ، بإذن الله .
أسباب القلق الامتحاني
هناك مجموعةٌ من الأسباب في هذا الموضوع:
السبب الأول: الشخصية القلقة، فطبيعته أنه قلقٌ، وعنده جاهزيةٌ لهذا الموضوع، وهذا سببٌ من الأسباب.
السبب الثاني: عدم الاستعداد للاختبارات، وهذه قضيةٌ مهمةٌ، فهناك كثيرٌ من الطلاب ممن رأيتهم من طلابنا لا يُذاكرون إلا ليلة الاختبارات، ويظن أحدهم أنه يُحْسن صُنْعًا، ونرى مُعدلات الاختبار التَّحصيلي في العام الماضي مُنخفضةً، وفيها نزولٌ كثيرٌ، وهو مُرتبطٌ بقضية تقييم الجانب التراكُمي عند الإنسان، والجانب التراكُمي لا يمكن أن يتأتى بمُذاكرة ليلة الاختبار وتنتهي القضية، وما شابه ذلك، ناهيك عن طريقة المُذاكرة، وهذه قضيةٌ أخرى، فالمُذاكرة والاستعداد المُبكر له دورٌ.
ولذلك فرقٌ بين الذي يستعد للاختبار قبل أسبوعين من الاختبار، وبين مَن يُذاكر قبله بليلةٍ فقط، وفرقٌ بين الذي يستعد للاختبار من وقتٍ مبكرٍ، وتكون مُذاكرته مُستمرةً وتراكُميةً، وبين الذي ما يُذاكر إلا قبل الاختبار بأسبوعين.
السبب الثالث: أيضًا قد تكون هناك تصوراتٌ خاطئةٌ عن الاختبارات، وهذا سببٌ للقلق أيضًا، فقد يتصور -مثلًا- أن هذا الاختبار مصيري ومُنتهٍ ... إلى آخره، أو يتصور أن هذا الاختبار ليس له أثرٌ ... إلى آخره، أو يتصور أن الأستاذ سيُرسّبه، أو يتصور أن المعلومة التي كتبها أو قالها لم تكن صائبةً في أي سؤالٍ من الأسئلة ... إلى آخر تلك التصورات السلبية حول الاختبار، وهذه مُؤثرةٌ بلا شكٍّ في موضوع القلق وما يتعلق به.
السبب الرابع: قضية الضغوط الزائدة في الأسرة، وهذا جانبٌ مُشكلٌ، والآباء والأمهات عليهم أن يُراجعوا أنفسهم في هذا الجانب، فلا يجعلوا موضوع الاختبارات (بُعْبُعًا)، وحين يرجع الابن أو البنت إلى البيت يُبادرونهم بالسؤال: هل أخطأتَ؟ وماذا عملتَ؟
طيب، حتى لو أخطأ خطأين أو ثلاثة ما المشكلة؟!
أيضًا الشعور بأنه لا بد أن يتفوق في كل شيءٍ وكل مُقررٍ، والتفوق ممتازٌ، لكن أيضًا له آلياته، وله جوّه الصحي، فينبغي أن تتحقق هذه الأمور حتى نحصل على التفوق؛ ولذلك التنشئة الأسرية من أسباب القلق وتعزيزه، يعني: كأننا نقول له: كن خائفًا، وهذا على أساس أن يُذاكر جيدًا، وكأنه لا يُذاكر إلا إذا خاف، فهذه المُعادلة تجعل هناك مجالًا أكبر للقلق، وإذا زاد القلق يمكن أن يترك الطالب أو الابن الاختبارات؛ لأنه يقول: أُريح نفسي من هذا الغُثاء والهمّ الذي أنا فيه، وما شابه ذلك.
السبب الخامس: نُظُم الاختبارات وما يتعلق بها، مع أن النظام لا بد منه، لكن إيجاد هالة و(هيلمان) بالاختبارات وكأننا في ثكنةٍ عسكريةٍ، حتى إنك تبحث عن ابتساماتٍ عند الأساتذة والمُراقبين والمُنظمين فلا تجد، فهذه مشكلةٌ، وينبغي العكس، وهو أن يكون الآباء والأمهات مُريحين ومُبتسمين في وجوه الأبناء، ويدعون لهم، ويذهبون معهم، ويحرصون في هذه الأوقات على أن يكونوا أقرب لأبنائهم -في وقت الاختبارات-، والمعلمون كذلك يُساعدونهم ويُخففون عنهم الوطأة.
فكل هذه الجوانب في التعامل مُؤثرةٌ إيجابيًّا.
وفي مقابل ذلك شعور بعض المعلمين بأنه لا بد أن تُري الطالب العين الحمراء في الاختبار ... إلى آخره، فالتعامل الإيجابي الذي ذكرناه هذا جانبٌ من الودِّ والعطف الذي تحتاجه النفس البشرية، لكن يبقى هناك حزمٌ، فأن تكون حازمًا لا إشكالَ في ذلك، فعلى الأب أن يكون حازمًا، وكوني أيتها الأم والمعلمة حازمةً، ولا إشكالَ في ذلك، فالحزم مع الودِّ مزيجان جميلان جدًّا، ويمكن أن تسري الأمور بطريقةٍ جيدةٍ.
السبب السادس: خوف الطالب من عاقبة الفشل؛ ولذلك بعض الطلاب لا يأتون بالنتائج التي فيها إشكالات لآبائهم، ولا يُخبر أنه حصل كذا، وحصل كذا ... إلى آخره؛ لأنه يرى أن القضية وراءها مشاكل ومُحاسبةٌ وتحقيقاتٌ وعقوباتٌ رادعةٌ شديدةٌ، وربما الكلام واللوم الشديد والعنيف، وربما أشياء عديدةٌ جدًّا، ولن يُؤثر ذلك في الأبناء إلا إذا وُجد الأمن النفسي من خلال الودِّ والحزم.
السبب السابع: التعلم الاجتماعي، فهذا من أسباب القلق أيضًا، كأن يروا أناسًا جيدين ويُذاكرون لآخر لحظةٍ مثلًا، أو سلوكًا معينًا من الوالد، أو من الأخ الكبير، مثلًا: تجده إذا كانت عنده اختباراتٌ أو شيءٌ من هذا القبيل ...، فالمهم أنهم يقتدون بأي شيءٍ سلبيٍّ في هذا الجانب ويتطبعون به.
وأيضًا المعلمون وما يبُثُّونه في الاختبارات، فمثلًا يقول لهم: سأُعطيكم أسئلةً الله يُعينكم عليها، أسئلةً ليست سهلةً، وغير ذلك من التهديدات والوعيد قبل الاختبارات خاصةً.
وبعض المعلمين يستخدمون هذا الأسلوب يريدون به التَّحفيز للمُذاكرة، ثم في النهاية لا شيء مما قاله من الوعيد يحدث، فهي أسئلةٌ عاديةٌ جدًّا، فهذا لا ينبغي.
ونحن نتكلم عن نفسٍ بشريةٍ قابلةٍ للقلق الذي تفقد به الأمن النفسي، وربما تضيع عند الطالب المعلومات، ولا يستطيع أن يسترجعها.
السبب الثامن: خبرات الإنسان السابقة، فمثلًا: هناك إخفاقاتٌ معينةٌ حصلت، فهذه ربما تجعله يخشى أن يُخفق مرةً ثانيةً وثالثةً، وينبغي تأهيله مرةً أخرى قدر المُستطاع.
السبب التاسع: نقص المهارات المتعلقة بالاختبار، وكيف يُحلُّ الاختبار بطريقةٍ سليمةٍ؟
وكذلك من الأسباب: أن بعض الشخصيات عنده عصبيةٌ وقابليةٌ للقلق والخوف، والأشياء المُؤثرة في هذه الانفعالات هي قضايا متعلقة بالعصب والمخ؛ ولذلك تجد البعض عنده قابليةٌ وفروقٌ فرديةٌ بينه وبين غيره في هذا الجانب.
فنحن نتعرف على الشخص الذي عنده قلق الاختبارات والامتحانات من خلال معرفتنا به، ومُعايشتنا ومُقابلتنا له، ومُلاحظتنا، ومن خلال بعض الاختبارات التي تُفيد في معرفة مستوى القلق عند الطلاب، وبعضها أيضًا مُقننٌ على البيئة السعودية.
توجيهاتٌ للحدِّ والتقليل من قلق الاختبارات
بقيت معنا اثنتا عشرة دقيقة، ونريد في النهاية أن نذكر بعض التوجيهات المتعلقة بالحدِّ أو التقليل من قلق الاختبارات:
القضية الأولى: التَّشجيع، والعلاقات الحميمية، وتقوية العلاقة بالله في الذكر والصلاة، والإيمان بالقضاء والقدر ... إلى آخره، فهذه فيها الخير الكبير، والنبي كان إذا حزبه أمرٌ صلَّى[5]أخرجه أبو داود (1319)، وحسنه الألباني..
وأيضًا توقع أسوأ الاحتمالات، فاحتمل يا أخي الكريم أن الاختبار صعبٌ، وأنك من أذكى الأذكياء، وربما تأتي درجتك فيه مُنخفضةً، فلا إشكالَ في ذلك، وكذلك النظر في الجوانب الإيجابية في مقابل الجوانب السلبية، وكل هذا يُساعد في تقليل القلق.
القضية الثانية: الاسترخاء والراحة، وقد ثبت علميًّا أن النوم قبل أداء الاختبار، ثم الدخول في الاختبار مباشرةً أفضل في استحضار المعلومات وتمكُّن الإنسان مما جهَّزه وحضَّره.
وكنتُ أعرف شخصًا كان زميلًا لنا في الجامعة، وكانت هذه طريقته باستمرارٍ: ينام قبل الاختبار بساعةٍ، ثم يدخل الاختبار، وهو شخصٌ مُتفوقٌ، والآن دكتورٌ في الجامعة، ومُتميزٌ جدًّا.
فهذا أسلوبٌ مهمٌّ جدًّا، ولا شكَّ أن معناه: أنه جهَّز نفسه من وقتٍ مُبكرٍ، فيخلد للنوم لترتاح أعصابه.
والبعض يرى أنه بعد النوم تذهب المعلومات! مع أن المعلومات عبارةٌ عن قُدراتٍ عقليةٍ ... إلى آخره، وهذه أمورٌ تأتي للإنسان بناءً على إجراءاتٍ يقوم بها، وكلٌّ منا يستطيع أن يُحقق أكبر نجاحٍ حينما يتعامل مع هذه النفس بطريقةٍ سليمةٍ.
وأما التَّخرصات والتَّوهمات: كأن أتصور أن آخر لحظةٍ ينبغي أن أُراجع فيها، وأنها أنسب طريقةٍ لتذكر المعلومات بعد قليلٍ.
فهذا تصورٌ عكسيٌّ مغلوطٌ، وجربوا هذه القضية، فادخل الاختبار ولا تنظر للمادة، أو نَمْ واسترخِ، فهذه مُجرَّبةٌ، فستجد فرقًا كبيرًا.
وسأترك بعض الأشياء التَّخصصية التي يعرفها أهل التخصص، والتي لها علاقةٌ بآلياتٍ خاصةٍ، مثل: التخلص التدريجي من حساسية القلق ... إلى آخره.
القضية الثالثة: كان عندي اليوم -بتوفيق الله- آخر محاضرةٍ في الجامعة، وأعطيتهم ما يتعلق بالاختبار وطريقته، وأنا أجزم أن نسبة القلق كانت قبل أن أُعطيهم المحاضرة أكبر، ولما شرحتُ لهم الاختبار كاملًا وطريقة أدائه وأعطيتهم أمثلةً عليه ... إلى آخره هدأتْ أنفسهم.
ولذلك من الوسائل المُفيدة: أن يقوم المعلمون بإجراء اختباراتٍ تجريبية، وإعطاء أمثلة قبل الدخول في الاختبارات؛ حتى يتهيأ الطلاب لهذه الاختبارات وما يتعلق بها.
القضية الرابعة: وأيضًا من الأساليب المتعلقة بهذا الجانب ما يُسمى بالعلاج العقلاني الانفعالي، وهو أن يُفكر الإنسان بشيءٍ سلبيٍّ نفسه تنفر منه، أو إيجابيٍّ نفسه تُحبه، ويتصور نظرة الناس إليه وهو في حالةٍ من الاضطراب والقلق، يقول تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]، هذا يُسمَّى: الأسلوب العقلاني الانفعالي، وهو عبارةٌ عن صورةٍ تضرب في الرأس فتُؤثر في الوجدان: إما سلبية فينفر منها، وإما إيجابية فيتَّجه إليها.
وهو من الأساليب القريبة من المنهج الإسلامي، وله نظريةٌ كاملةٌ في مجال علم النفس.
وأيضًا في الجانب المعرفي أي فكرةٍ خاطئةٍ عليه أن يُعدلها، وإذا كان يحمل فكرةً معينةً تجاه الأستاذ، أو طريقة اختباره، أو تجاه الاختبار نفسه وعدم أهميته، فيُعدل كل هذا، ويُهيئ نفسه لتقبّل الاختبار، ويجعل محلَّ هذه الفكرة السالبة فكرةً إيجابيةً.
ولو دخل الواحد منا إلى الصلاة وهو يُحدث نفسه: ما أظن أني سأخشع في الصلاة. فهل هذا من حيث التهيئة النفسية مثل الذي يدخل في الصلاة بعزيمة أنه سيخشع في الصلاة؟
أبدًا، فالتعامل مع النفس مهمٌّ، والثاني سيكون أقوى؛ لأن عنده إرادةً يريد أن يفعلها، ويُهيئ نفسه بطريقةٍ إيجابيةٍ، بينما الآخر السلبي يمكن أن تكون عنده إمكانيةٌ وقُدرةٌ، لكنه لم يُهيئ نفسه ليُحقق ذلك.
وكذلك أهمية التعزيز، فعلى الآباء أن يُعززوا سلوك أبنائهم، وعلى الطالب أن يُعزز نفسه بنفسه بأي طريقةٍ.
وهناك أناسٌ يُعززون أنفسهم، فيذهبون ويُصلون ركعتين لله ، ويشكرون الله ، وهذا شيءٌ كبيرٌ في التَّعزيز.
فالحاصل: عزز نفسك، أو يُعززك الآخرون: كمعلمٍ يُتابعك في هذه القضية، أو الوالدين يُتابعانك في هذا الموضوع.
وكذلك استعمال عادات الاستذكار المُناسبة قرب الاختبارات، ويمكن أن ترجعوا إلى مهارات الاستذكار الجيد، وهي مادةٌ مُتوفرةٌ عبر (الإنترنت) بكثرةٍ، وفيها فوائد كبيرةٌ جدًّا، وسنُعطيكم واحدةً من المهارات: وهي ما يتعلق بقضية التَّلخيص، والتي هي أضعف مهارةٍ عند طلابنا في البيئة الصفية.
فتجد الطالب يُذاكر من الكتاب إلى ورقة الاختبار، والمُفترض أن يكون بينهما مُلخصٌ؛ ولذلك بعض الأساتذة الناجحين يُعوّدون طلابهم على التَّلخيص أثناء الدراسة، لكن لا بد أن يُلزم الطالب بالقراءة والتَّلخيص، مع تعريفه بطريقة التلخيص الجيدة، مثل: طريقة الخرائط الذهنية والشجرية.
وأذكر أحد الطلاب يُمارس التلخيص بشكلٍ جيدٍ، فسألته وقلتُ له: ما شاء الله! أفضل تلخيصٍ مرَّ عليَّ في الحياة كلها. فقال: أنا أخذتُ دورةً في هذا الجانب. فجعلناه يُسجل (فيديو) لمدة سبع دقائق يشرح فيه الفكرة على السبورة ويُبين كيفية عمل الخرائط الذهنية والأسلوب الشجري، بحيث يتعلم منه الطلاب بعد ذلك، وأتينا بأحد الطلاب يُجيد (المونتاج).
وهذه الوسيلة والطريقة -وهي التلخيص- ما الفائدة منها؟
إذا كان عندك سبعون صفحةً في الكتاب ولخصتها في سبع صفحاتٍ، وذاكرتَ قبل الاختبار هذه الصفحات، فهذا أسهل من مُراجعة سبعين صفحةً من الناحية العقلية والنفسية.
وأيضًا في الاختبار يجب قراءة الأسئلة بشكلٍ صحيحٍ وفهمها، وتنظيم الإجابة والمُراجعة.
كل هذه الوسائل مهمةٌ، وإن كانت بعض الحالات التي عندها القلق مستمرٌّ حتى لو نصحته أن يقرأ الأسئلة كلها مرةً واحدةً في أول الاختبار، فإن هذا يُسبب له اضطرابًا وبركانًا وزلازل، وهذه مشكلةٌ عند البعض.
ولذلك نقول: الأفضل بلا شكٍّ أن الشخص الطبيعي هو الذي يقرأ كل الأسئلة، ويبدأ بالسؤال الذي يقدر عليه ... إلى آخره، ثم يبدأ بالذي بعده، والذي بعده، ولا يُشعر النفس بصعوبة الاختبار، وهذا من الأفكار اللاعقلانية، فلا تظن أنك إذا لم تعرف السؤال رقم اثنين فمعنى ذلك أنك لن تعرفه خلال الاختبار، لا، فقد يشتغل الذهن ويبدأ في كتابة فقرةٍ أو فقرتين أو ثلاثٍ، وتكون هذه مُساعدةً على تنظيم الإجابة، ثم بعد ذلك مُراجعتها.
ولا شكَّ أن استخدام المُنبهات، حيث يتناول البعض -للأسف- الحبوب ... إلى آخره، وكذلك السَّهر؛ كل هذه لا شكَّ أنها وسائل مُلتويةٌ وسيئةٌ على الإنسان.
وكذلك أهمية التَّوجيه ودور المعلمين والأسرة، كل هذا يُخفف من حدّة الاختبارات، ولكن يجب أن تُجنب التوجيهات المُثيرة في الاختبارات.
ومن الوسائل أيضًا: الإرشاد الجمعي، وهو جمع الناس الذين عندهم نفس هذه المشكلة وفتح نقاشاتٍ وحواراتٍ معهم، وسماع أسئلتهم، وإعطاؤهم بعض الجوانب المتعلقة بذلك؛ لأجل تخفيف موضوع القلق.
وأيضًا إبراز النماذج الجيدة فيما يتعلق بالتعامل مع موضوع الاختبارات من خلال بعض الطلاب، واليوم في المحاضرة الأخيرة أبرزنا أحد الطلاب من أجل هذا الجانب، وجعلناه يتكلم، وعرض شيئًا مما سيقوم به، وما قام به من التَّحضير لهذا الأمر، فكان ما قدَّمه ممتازًا، فجزاه الله خيرًا.
وأيضًا من الأشياء المهمة: الدورات، ونحن نسمع دوراتٍ كثيرةً في تنمية الذات والقضايا الأخرى، خاصةً إذا كانت من الذين يُجيدون الارتقاء بالناس في هذا الجانب، وليست القضية قضيةً تجاريةً، وما شابه ذلك.
وقد قدَّمنا دوراتٍ عندنا في الجامعة مُتعلقةً بمهارات المُذاكرة أو مهارات الاستذكار الجيد، وكانت عندنا دورةٌ في الأسبوع الماضي لأحد الدكاترة الفُضلاء المُجيدين -وهو دكتورٌ مصريٌّ جزاه الله خيرًا- حول ما يتعلق بالاستعداد للاختبارات، وكان الإقبال جيدًا، ولاحظنا أن الإقبال من الطلاب المُستجدين أكثر من غيرهم، فكان عدد المُقبلين طيبًا، والحضور جيدًا.
فإقامة مثل هذه اللقاءات والدورات مهمٌّ، وأيضًا إضافة البرامج التي تُساعد الطلاب على تحسين أسلوب مُذاكرتهم، والاستعداد للاختبارات، وإكسابهم المهارات، وتحقيق مستوى أفضل، والابتعاد عن القلق.
وقد يحتاج بعض الأشخاص إلى علاجٍ شخصيٍّ معينٍ، وهنا يأتي دور الإرشاد الشخصي، سواءٌ كان من مُختصٍّ، أو من صاحب خبرةٍ فيما يتعلق ببعض الأمور التي ترتبط بالقلق مثل: الخجل، فالخجول يكون أكثر قلقًا.
وأنا أذكر أحد طلابنا في الكلية كان في معدله التَّراكُمي دون 2 من 5، وأخذ الإنذار الأول والثاني، وكان قريبًا من أخذ الثالث، لكن في حفلات التفوق الثلاث الأخيرة كان من الذين كُرِّموا لحصولهم على تقدير امتياز في الفصول الثلاثة الماضية.
أقصد بهذا أن الارتقاء بأبنائنا وطلابنا من مستوى مُتدنٍّ إلى مستوى أعلى قضيةٌ ممكنةٌ وحاصلةٌ.
والدراسات أحبتي -كما ذكر بعض أهل الاختصاص- أثبتت أن ارتفاع مستوى قلق الامتحانات لدى الطلاب في البيئة العربية شيءٌ ملحوظٌ، يعني: مستوى القلق مُرتفعٌ.
ويقولون: من أسباب ذلك: البيئة التربوية والتعليمية التي جعلت مصير الطالب غالبًا مرتبطًا بالاختبارات.
وقد خفَّت هذه القضية الآن عندما دخلت مستوياتٌ من القياسات الأخرى فيما يتعلق بالقُدرات والتَّحصيل، وما شابه ذلك.
فأنا وجهة نظري أنها خفَّت فيما يتعلق بالاختبارات المدرسية، وما شابه ذلك.
وأيضًا الشخصية القَلِقة يمكن أن يُضاعف عليها القلق إذا كان عندها ثلاثة اختباراتٍ بدل اختبارٍ واحدٍ.
فهذه باختصارٍ من الأشياء التي ربما تُساعد في الحدِّ من انفعال القلق، ولعلها تنفع وتُفيد فيما يرتبط بالاختبارات القادمة التي نسأل الله أن ينفع بها.
ولا بد أن نجعل الاختبارات وسيلةً وليست غايةً عند المُربين؛ لأنها حينما تُصبح غايةً ومصيريةً عندئذٍ بعض الطلاب لو سَنَحَتْ لهم الفرصة سيغشون.
وأقول للطلاب: متى تأتي اللحظة التي نترك فيها الطلاب ولا نُراقبهم؟ بل إننا وجدنا بعض الدارسين يغشون في (الماجستير والدكتوراه)! وهذه قضيةٌ خطيرةٌ.
ولذلك أنا أميل إلى ضرورة وجود التقويم المُستمر والشامل، وبخاصةٍ في التعليم العالي، ولنكن أكثر جديةً في اتخاذ هذه الأساليب.
وما المشكلة أن يُلغى الاختبار المعهود، واختبار أعمال السنة، ويكون عندنا اختبارٌ أسبوعيٌّ فقط؟! وليس اختبار سؤالٍ وجوابٍ، وإنما اختبار مشاريع فردية وجماعية، وقراءة وتلخيص، ومُناقشة وحوار ... إلى آخره.
وقد رأيتُ وشاهدتُ أثر هذا الأمر على الطلاب بصورةٍ ضخمةٍ جدًّا أفضل من الأسلوب التقليدي الموجود في تعليمنا، ويُمارسه بعض الأساتذة، وإن كانوا قِلةً، للأسف الشديد.
وكما قلتُ لكم: في التعليم العالي يمكن أن تكون هناك فُسحةٌ أكبر لاستخدام مثل هذه الأساليب، مع أنني أيضًا أقول: هناك فُسحةٌ حتى في التعليم العام، فعلى المعلم أن يفعل شيئًا ويُرتب أموره، وأهم شيءٍ أن يكون أستاذًا جادًّا.
وأنا أُخاطب الأساتذة والمُربين الجادين، وأما الذي يستغل القضية ويلغي الاختبار حتى يرتاح الأستاذ أو الطلاب فهذا غلطٌ، وإنما لا بد أن نُعلمهم الجدية وتحمل المسؤولية، ونريد فعلًا أن يأخذوا مجالاتٍ وفرصًا لتقويمهم بشكلٍ مُستمرٍّ وبشكلٍ شموليٍّ.
والأسئلة كثيرةٌ يا شيخ، والوقت انتهى يا أخ محمد، ولعلي -إن شاء الله- أُجيب عنها في وقتٍ آخر، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم، وينفع بنا وبكم، وأن يستعملنا وإياكم في طاعته، وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.
وهذا هو اللقاء الأخير، وبإذن الله نعود قريبًا إذا كتب الله لنا العمر بعد الاختبارات وبداية الفصل الثاني، وربما نخصّ بالحديث التربية الأسرية؛ نظرًا لكثرة ما يتعلق بهذا الجانب، وبعض الجوانب المُتعلقة بالحوار والتواصل، لعل الله يُسهل ذلك في الفصل الثاني، وهي المجموعة الخامسة -بإذن الله -، وهذا ختام المجموعة الرابعة، وهو اللقاء الواحد والخمسون.
ومَن أحبَّ أن يأخذ التَّسجيل السابق كاملًا فهو موجودٌ عند الأخ أبي عمر، والمشكلة أن موقع "البَثّ الإسلامي" ليس كل ما سبق يبقى فيه، فيبدو أنه يبقى لفترةٍ، ثم لا أعلم ما يحصل فيه على أية حالٍ، فأكثر من واحدٍ قال لي ذلك.
وأنا رأيتُ بعض الأشياء السابقة غير موجودةٍ، مع أنها كانت موجودةً، فيبدو أن هناك شيئًا فنيًّا مُعينًا -والله أعلم-، لكنها عند الأخ أبي عمر، وفي أي وقتٍ يمكن أن يُسلمها لكم.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين.