الدكتور خالد: وكذلك يدل على هذا الأمر الواجب الشرعي الذي ينبغي حقيقةً أن نهتمَّ به أيَّما اهتمامٍ، وتُؤكد أهميته هذه القضية المتعلقة بتربية الأطفال وما يتعلَّق بهذا الجانب؛ حتى تكون هذه التربية ممتعةً.
فعلى المُقْبِل على هذه القضية أن يقوم بواجبه الذي أُنِيطَ به، وسيُعينه الله بلا شكٍّ.
والمشكلة في هذا الجانب هي التساهل الكبير الحاصل في ترك ما يتعلق بالذات في مرحلة الطفولة إلى صوارف عديدةٍ، ولكن المهم أن نسلم من إزعاجهم، ومن أصواتهم، ومن صُراخهم، ومن بكائهم! وكأنَّ الصراخ والبُكاء والحركة بالنسبة للأطفال جريمةٌ، وهو أمرٌ طبيعيٌّ جدًّا في مثل هذه المراحل.
المحتوى
الأُسرة المحضن الأول
وهذه هي القضية الثانية التي تُبرز أهمية أن هذا هو المحضن الأول؛ ولذلك لا بد من العناية بهؤلاء الأطفال وتربيتهم؛ لأن هذا هو المحضن الأول الذي ينشأ فيه الطفل وينتسب إليه، وفي المستقبل هو ما سيكون عليه الطفل في مرحلة المُراهقة وما بعدها إلى أن يموت، كل هذا مُرتبطٌ بما بُنِي عليه في مرحلة الطفولة.
ولذلك يعني:
وما عَجَبٌ هذا التفاوت بيننا | فكل إناءٍ بالذي فيه يَنْضَحُ[1]"من روائع حضارتنا" لمصطفى السباعي (ص176). |
وينشأ ناشئ الفتيان منا | على ما كان عوَّده أبوه[2]"مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي" لأحمد قبش (ص7). |
نحتاج أن نتنبَّه لهذه القضية، فهذه المرحلة أيضًا تبرز أهميتها كونها سهلةً في غرس ما نُريد، وحين تأتيك مرحلةٌ الغرس فيها سهلٌ؛ لأن هناك سمةً خاصةً بمرحلة الطفولة -وضعوها في أذهانكم أيها الإخوة والأخوات- ألا وهي: قضية سُرعة القابلية والتشكيل، يعني: الطفل بسرعةٍ تُشكِّله كيفما شئتَ، وعنده قابليةٌ لأن تفعل هذا الأمر معه بشكلٍ كبيرٍ؛ ولذلك على قدر ما تُعطيه على قدر ما يكون، وهذا ما يُبرز الأهمية، إذ ليس أمر المُراهقة كالطفولة في هذا الجانب، فأمر الطفولة سهلٌ، ولذا ما سيكون عليه الإنسان بعد الطفولة مبنيٌّ على ما هو عليه الآن، وما سيصعبُ في مرحلة ما بعد الطفولة هو بسبب إهمالنا لمرحلة ما قبل المُراهقة ألا وهي قضية الطفولة.
وقد تكلم العديد من العلماء المسلمين وغير المسلمين عن هذه القضية المُرتبطة بالبناء في مرحلة الطفولة وأثرها على بناء الشخصية وسواء الشخصية في المستقبل، وأنَّ البناء الإيجابي سيُؤثر، والتقصير الذي يحصل في الطفولة سيُؤثر على مرحلة ما بعد الطفولة؛ ولذلك هذه مرحلةٌ ينبغي أن نغتنمها؛ لأنها سهلةٌ ولها مجالٌ كبيرٌ في غرس ما نُريد.
أيضًا من الأشياء التي تُؤكد الأهمية: أن هناك فرصًا ثمينةً جدًّا في هذه المرحلة، وهذه الفرص يُمكن حصرها بثلاثة أمورٍ سريعةٍ جدًّا:
الأمر الأول: قوة الحفظ، ولاحظوا أن قوة الحفظ هو مما يُمْكِن أن نندم عليه في المستقبل بعدم استثمارنا له في مرحلة الطفولة، وخاصةً ما يتعلق بقوة الحفظ في مرحلة التمييز، خاصةً مع وجود الربط بين ما يحفظه وما يُميِّزه.
وعندنا أيضًا: قوة التقليد والمُحاكاة، وهي عبارةٌ عن (رادار) ينظر فيه ذات اليمين وذات الشمال ويُقلِّد، حتى إن دراساتٍ دلَّت على قضية أثر التقليد فيما يتعلق بتدخين الأب، وما يتعلق بقضية سِمنة الوالدين، كلها فيها مجال اقتداء، فكيف بالقيم؟ وكيف بالأفكار؟ وكيف بهذه الأشياء وما يتعلق بها؟
فالطفل عنده قوةٌ في التقليد والمُحاكاة، وكذلك سرعة القابلية والتَّشكيل التي أشرنا إليها قبل قليلٍ.
فهذه فرصٌ ثمينةٌ جدًّا في هذه المرحلة تُبرز أهميتها.
في المقابل هناك مخاطر وتحدياتٌ مُحْدِقةٌ بمراحل الطفولة؛ لأن -كما قلنا- سهولة التَّشكيل، وسهولة التأثير، وسهولة الجذب في مقابل الانصراف عنهم لبراءتهم أو لإزعاجهم، وأيضًا نرى هذه البراءة بصورةٍ ليست سويَّةً، وليست تربويةً، نراها بصورة إهمالٍ.
فعلًا حقيقةً ولاتَ حين مَنْدَم، حينما يأتي البعض ويعضُّ أصابع النَّدم على هذا الإنسان الذي كان طفلًا ثم أصبح مُراهقًا، ويبدأ التَّمرد وقضايا عديدةٌ جدًّا لديه، ثم نقول: عجيب! ونضع المشكلة على الابن، أو الطفل، أو الشخص الذي أمامنا، بينما في حقيقة الأمر نحن المشكلة؛ لأننا لم نزرع فيه بطريقةٍ سليمةٍ.
أخيرًا في الموضوع أيها الإخوة والأخوات وسريعًا جدًّا، نحن نتحدث -حتى لا نُطيل في الحديث- أننا نُريد هذه المتعة رغم المشقة، وما أعظم أن نتعب! إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6]، ومن أجمل ما نتعب فيه إذا كنا نتعب في أمور دنيانا وأموالنا وبُنياننا ووظائفنا، فرأس مالنا هم الأبناء: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
كم نُعطي أبناءنا من وقتٍ؟
حقيقةً التعب والمشقة مع المتعة، المتعة لماذا؟
لأن الأُبوة والأُمومة فطرةٌ.
الشيء الثاني: أنه واجبٌ كما قلنا.
والشيء الثالث: أنك تجد أثره السريع مع الأبناء؛ لأنك معهم، ثم أنت تجد أن هذا زرعك وبذرتك.
فمما يُؤْسَف له أن يأتي أبٌ مُقصرٌ، ثم يُصبح الابن إيجابيًّا بعامل المدرسة، أو عامل أساتذةٍ إيجابيين، أو عامل مجتمعٍ، أو عامل مسجدٍ، أو ما شابه ذلك، هذا -في الحقيقة- فواتٌ لخيراتٍ حسانٍ على الوالدين.
فلا بد أن نعتني بمثل هذا الأمر، هذا باختصارٍ شديدٍ جدًّا حول ما يتعلق بأهمية تربيتنا لأطفالنا والوصول إلى مستوى الاستمتاع.
وعندما نستحضر مثل هذه القضايا الفطرية والشرعية والواقعية والقضايا المتعلقة بالفرص والتحديات والخصائص وغيرها من الأمور التي أشرنا إليها ...
أذكر ... أو لنجعلها في وقتٍ آخر في مجالها.
جماليات التربية
دعونا ننتقل إلى الجماليات -جماليات هذه التربية- ومن عبارة "الجماليات" سنفهم الاستمتاع الحقيقي الذي نُريده، ودعوني أذكر القصة الآن؛ لأنها مناسبةٌ جدًّا، وإن كنتُ لا أُحب أن تكون القضية مجرد إشاراتٍ سلبيةٍ، فالصور الإيجابية عظيمةٌ جدًّا، مثل: صورة النبي لمَّا ينظر أو يسمع أو يرى بكاء أبي عُمير -أخي أنس بن مالك - فيسأل الرسول : ما الذي يُبكيه؟ فقالوا: عنده نُغَرٌ صغيرٌ فمات. طيرٌ يلعب مع هذا الصغير ويطير ويتحرك، والطفل يتحرك معه ويُداعبه ويُلاطفه، يعني: انظر ما أجمل هذه المرحلة في براءتها لو عاش في البيئة الجاذبة والآمنة فعلًا! ثم مات فبكى عليه وحزن.
انظروا إلى الجماليات، إلى الإشباع العاطفي، والإشباع الوجداني، والتواصل مع الأطفال، وكيف يكون النزول فعلًا إلى مستواهم؟ مع أن لديه أمورًا تجعله -يعني: النبي بأبي هو وأمي- كثير الانشغال، ومع ذلك لم ينسَ هذا الطفل، فانظروا لهذا التفاعل بين النبي وهذا الطفل الصغير، شيءٌ عجيبٌ.
النبي يركب معه ابن عباسٍ رضي الله عنهما وهو غلامٌ لم يتجاوز التاسعة، يعني: بعضنا يركب مع أبنائه ويظلّ ساكتًا، أو مُنشغلًا بالجوَّال، أو يفتح (الراديو) حتى لو كان على شيءٍ مفيدٍ، ولا يستثمر اللقاء بالأبناء، ولا يستثمر الجلوس معهم، ولا يستثمر مُداعبتهم.
أعجبني أن أحد الآباء عنده سائقٌ، ويقول: أنا مشغولٌ جدًّا، وعلاقتي بالأبناء فُرصها ضعيفةٌ بسبب انشغالاتي. وهو مشغولٌ في خيرٍ، لكنه أيضًا يُريد أن يُعوِّض، فيقول: أترك السائق في الصباح لا يذهب بالأبناء إلى مدارسهم، وأنا الذي أذهب بالأبناء إلى المدارس، وأستغلّ نصف ساعةٍ في المُداعبة والحديث والضحك والتوجيهات والأخذ والعطاء، فأشعر بأن عندي جرعةً يوميةً لكوني معهم.
وهذا الثاني يتحدث عن الفطور الجماعي معهم يوميًّا، وحتى بعد تقاعده الأمر مستمرٌّ.
وهذا الثالث يتحدث عن الجلسة اليومية التي بين المغرب والعشاء، رغم أنَّه شخصٌ مشغولٌ جدًّا.
وهذا الرابع يتحدث عن لقاءٍ لمدة ساعةٍ يوميًّا معهم مع تحديد الهدف من اللقاء.
فنحن بأمس الحاجة إلى هذه الجماليات، وهذه الجماليات سأُحاول أن أذكرها سريعًا:
العناية
أولى هذه الجماليات ما يتعلق بالعناية، فلا بد من العناية بالبيئة التي يتربى فيها الطفل، وهذه البيئة هي أنا وأنت، أنتَ وأنتِ، الأب والأم، بأن نكون قدوةً؛ لأنَّ -كما قلنا- التقليد والمُحاكاة خاصيةٌ وميزةٌ أساسيةٌ للطفولة؛ ولذلك سنختصر مراحل كبيرةً من بناء شخصية الطفل من خلال القدوة الحسنة التي يُمثلها الأبوان.
من ضمن البيئة المُريحة أيضًا: أنْ تكون البيئة هادئةً، جاذبةً، مَرِحةً، فيها حبٌّ، فيها مِزاحٌ، فيها ثقةٌ، فيها عدلٌ، فيها مراعاةٌ للفروق بين الأطفال، فيها تفهُّمٌ، فيها عدم إثقالٍ، فيها تحميلٌ للمسؤولية، فيها جوانب إيجابيةٌ رائعةٌ جدًّا، فيشعر الطفل بقيمته ... إلى آخر تلك الأشياء التي في العناية.
ولذلك تظهر الجمالية والاستمتاع عندما نشعر فعلًا بأننا مرآةٌ للأبناء بأن نكون قدوةً لهم، ونشعر بأننا المسؤولون عن هذه البيئة التي نحن أساسٌ فيها، ألا وهي الأسرة؛ بأنْ تكون جاذبةً لهم، ومُريحةً، وهادفةً، حتى إن الابن لا يتمنى الخروج من البيت، فالبيت هو الأول لديه، وهو مصدر الأُنس والراحة والطمأنينة.
أيضًا فيما يتعلق بهذه القضايا المتعلقة بالجماليات: أن تكون العناية بمكان البيت من حيث الفسحة؛ فالأطفال بحاجةٍ إلى الجمال، وبحاجة إلى مساحةٍ للعب والحركة، وكذلك الأشجار وما يتعلق بجاذبيتها.
هذا ما يرتبط بالجانب الأول ألا وهو قضية العناية.
التفاعل
يعني: تفاعلنا مع أطفالنا، كيف نتفاعل مع أطفالنا؟
نحن -للأسف الشديد- إذا كنا نُريد أن نُسْكِت الأطفال نُحْضِر لهم الرسوم المُتحركة، بغض النظر عن كوننا ننتقي لهم الشيء الصحيح الآن، أم أننا لا ننتقي، وهذه طامَّةٌ كبرى، فلا تفاعل عندئذٍ.
يا أخي، مطلوبٌ منا قضية التفاعل، فالواحد منا ينجح في تربيته عندما يكون شخصيةً مُتفاعلةً يُبادِل الشعور، كما بادل النبي الشعور مع ابنته فاطمة، وكما بادل النبي الشعور مع أبي عُمير، فهذا التفاعل قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وكيف يحصل هذا الكلام؟
بأن نستمع لأسئلتهم، ونُجيب عن أسئلتهم، ونُشاورهم، ونُداعبهم، ونُحادِثهم، ونُلاطفهم، ولا يكون التعامل والحلُّ معهم بالصراخ، ولا التعامل معهم بالكتمان أو بالضيق، وإنما نحنو عليهم ويسمعوننا ويروننا، وهذا التفاعل مهمٌّ جدًّا حقيقةً.
ولذلك لا بد أن نصبر على أسئلة الأطفال، فمن الخطأ ألَّا نسمعها، ومن الخطأ ألَّا نُجيب عنها، أو نُجيب بكذبٍ، وإنما نُجيب عنها بطريقةٍ ذكيةٍ، سليمةٍ، مناسبةٍ للنُّضج العُمري والعقلي الذي عندهم.
والطفل سهلٌ جدًّا أن تصرفه بطريقةٍ مناسبةٍ دون أن يشعر؛ لأن بعض الأطفال يأتي مرةً أخرى -خاصةً في مرحلة التمييز- ويسأل نفس السؤال، والثالث، والرابع؛ لأنك لم تُشبعه.
طيب، أشبعه وأَرِحْ نفسك.
ولكم أن تتصوروا لو كان أطفالنا بين يدي التقنية -كما سيأتي معنا- كما هو موجودٌ -للأسف- مجموعةٌ من الأطفال كُثُر، وأنا ضد هذا، وكثيرٌ من المُربين ضد هذا، وهذا كلامٌ سنأتي إليه.
يقول لي أحد الإخوان الذي يُدرِّس في المرحلة الرابعة الابتدائية ... إلى آخره، سألهم: مَن عنده (سناب شات)؟ وإذا به يقول: الثلثان. أو قال: 80%. قال: يعني الأكثرية، ومَن تُتابعون؟ يقول: هناك أسماء أناسٍ أعرفهم، وبعضها ليس مُناسبًا، وبعض الأسماء التي لا أعرفها سألتُ عنها، فإذا بها أسماء شخصياتٍ شاذَّةٍ -والعياذ بالله- ولديها من الانحطاط الأخلاقي!
وأطفالنا مساكين؛ لأننا لم نتفاعل معهم حضوريًّا وجسديًّا ووجدانيًّا وكلاميًّا.
ولذا من صور مُعيقات التفاعل أيها الإخوة والأخوات القضية المتعلقة بأجهزة التلفاز والألعاب الإلكترونية و(الإنترنت) والإعلام الجديد والجوَّالات الذكية ... إلى آخره.
ومن عدم التفاعل: أننا لا نُدْرِك الفرق بين الجيلين، فنحن نُحادِثهم ونُريدهم كما لو كانوا مثلنا، مَن قال ذلك؟!
نحن بيننا وبينهم سنوات من العمر، ومرحلتنا تختلف، فلا بد من مُراعاة مرحلتهم واختلافها عن مرحلتنا.
وغير ذلك من الأمور فيما يتعلَّق بضعف جانب التفاعل.
الوضوح
نحتاج حقيقةً أن نكون واضحين معهم، باختصارٍ شديدٍ جدًّا: ماذا نريد من الأطفال؟ وماذا نريد أن يكونوا؟
هذا بوضوحٍ، لا بد أن أعرف بالضبط، أُريده أن يكون صالحًا، ومُنتميًا لأمته، ومُعتزًّا بذاته، وعنده تقديرٌ لذاته، ويتشرب الأخلاق الحسنة الفاضلة، ويتخلَّق بها من خلال احتكاكه بالكبار، والصدق، والشجاعة الأدبية، والحوار، وعمل الخير، والعطاء، ومُساعدة الآخرين.
لا بد أن نضع هذه القضية الواضحة في أذهاننا، حتى يسمعها الطفل كما يسمع: أريدك طبيبًا، أريدك طيَّارًا، مُهندسًا، عالمًا، كذا، فلا بد أن يسمع مثل هذه الأشياء أيضًا.
دعه يعرف أن هذه الأمور عبارةٌ عن طموحاتٍ وأهدافٍ مُمكنة المنال؛ لأن الوضوح في هذا الجانب مهمٌّ جدًّا.
أيضًا من الوضوح حقيقةً: أن نُخاطبهم على قدر عقولهم، مثلًا: لا نُعطيهم أوامر أو توجيهاتٍ لا يفهمونها: أغلق الباب، أيُّ بابٍ؟ أخوك -مثلًا- الكبير هو، هو حسنٌ.
إذا كانت هناك عبارةٌ معينةٌ قد تكون فوق مستواه فنُحاول أن نُوضحها له.
فالمقصود أن نتنبَّه لمثل هذا الأمر؛ لأن الطفل عنده غفلةٌ وعدم فهمٍ لبعض العبارات، فقد لا يُدرك الطفل أن هذا هو الذي تُريده.
بعضنا -للأسف الشديد- إذا لم يُنفذ الطفل فأعانه الله، دخل في حَيْصَ بَيْصَ، وشَذَرَ مَذَرَ، ورُفِعَت راية الحرب -للأسف الشديد-، مع أن الرسول مع أنسٍ -وهو طفلٌ أو غلامٌ صغيرٌ- كان يُعطيه أسرارًا ويُحمله مسؤوليةً، ومع ذلك يذهب في طريقه ويراه مع الأطفال فيهمس النبي بأُذنه ليُذَكِّره، فيتذكر أنسٌ ويمضي إلى الدور المطلوب منه، ويصبر النبي .
أيضًا من الوضوح: أن نجعل قوانين في البيت يفهمها الطفل، لا بد أن يفهم الطفل أن لدينا قوانين في بيتنا، وأننا نُريد من الطفل أن يتغدَّى معنا، وإذا أتى ضيفٌ يستقبل الضيف، وعليه أن يلبس لباسًا معينًا، وأن ينام في الوقت الفلاني، فيتدرب على هذه القوانين ويفهمها، وكلما زاد نُضْجًا أدركها.
صحيحٌ أننا نعرف أنَّه في البداية قد لا يُدْرِك شيئًا، إنما هو مع الذي يُسيره، لكنه يبدأ في التَّعود.
فبملاحظة الأُسَر التي ربَّت أبناءها الأطفال منذ نعومة أظفارهم -وأنا أعرف بعض هذه الأُسر وأنظمتها الواضحة- فهم لمَّا أقبلوا على مراحل المُراهقة والشباب كانوا مُدركينها تمامًا من حيث الفهم، ومُدركين تمامًا من حيث الاستماع والاستجابة والخضوع لها بأريحيةٍ.
الاهتمام
النقطة التي تليها هي: نقطة الاهتمام، فلا بد أن نهتم، ولا يُمكن أن نكون مُهتمين بأطفالنا أيها الأحبة الأكارم إلا إذا كنا قريبين منهم، فهل نحن قريبون منهم؟
وأنا ذكرتُ لكم مشاهد عمليةً لأُناسٍ مشغولين، وكيف يكونون قريبين من أبنائهم؟ فكيف بالناس الذين عندهم فرصةٌ من الوقت؟!
يعني: (كورونا) -أسأل الله أن يرفع الغُمَّة عن الأمة- ماذا أحدثت لنا هذه الأزمة في هذه المِحَكَّات المتعلقة بعلاقتنا بأبنائنا ومدى قُربنا منهم؟
هذا كان مِحَكًّا كبيرًا، وما زال مِحَكًّا كبيرًا، ما زلنا نحتاج إلى أن نُراجِع أنفسنا.
وأيضًا الاهتمام بقضية: ماذا أُريد من ولدي؟
أريد أن تكون صحته طيبةً، ممتاز، إذن من الطبيعي جدًّا إذا تعب أن يقلق عليه الأب والأم، ويذهبان به إلى المستشفى، ممتاز.
حسنًا، وماذا عن الموضوع الاجتماعي؟ ألا تريد أن يكون ابنك اجتماعيًّا؟ نعم، أخلاقيًّا صاحب خُلُقٍ، ويهتمُّ بالصلاة؟ نعم ... إلى آخره.
إذن أنا عندي مساراتٌ، فلا أهتم بأشياء على حساب أشياء، وإنما أهتم بالمجالات والمسارات بشكلٍ شموليٍّ وتكامُليٍّ ومُتوازنٍ.
هذه العناصر مهمةٌ جدًّا، وضعوها في بالكم، ونحن نتحدَّث بصورةٍ سريعةٍ.
التوازن
النقطة التي بعدها: نحن نحتاج أن نتوازن يا إخواني، يعني: ليس صحيحًا أبدًا أن أغضَّ الطرف لأنه طفلٌ وأدعه، وليس صحيحًا لأنه طفلٌ أن أُتابعه بشدةٍ: كلا طرفي قصد الأمور ذَميم، فلا المُتابعة الشديدة، ولا غضّ الطرف دائمًا، إذن التوسط: جديةٌ ومِزاحٌ، ليس دائمًا جديةٌ، ولا دائمًا مِزاحٌ، بينهما، مع ودٍّ وحزمٍ.
ولا تكونا ودودين دائمًا أيها الأب وأيتها الأم حتى تُصبح سمة الإنسان الدلال والدلع في التربية، وليس حازمين تمامًا حتى تكون سِمته الشدة والغِلْظة، لا، إنما بين الودِّ والحزم.
يقول البعض: هم ليسوا راشدين حتى الآن!
يا أخي، أعطِه، حمِّله المسؤولية، وحمِّليها المسؤولية، دعوهم يشعرون بالثقة بأنفسهم حتى لو أخطأوا، ما المشكلة؟ هو يتعلم من خطئه، بل هناك نظريةٌ اسمها "نظرية التعلم بالخطأ والمُمارسة بالخطأ".
فنحتاج أن ننتبه لمثل هذه القضايا وما يتعلَّق بها.
امدحه أثناء التَّنبيه على الأخطاء في نفس الوقت، ليس مدحًا مُفرطًا، ولا مجرد أني أُنبِّه على أخطاء فقط، وما شابه ذلك ... إلى آخره.
يعني: التدليل وتحميل المسؤولية، ليس الدلال دائمًا، ولا تحميله مسؤوليةً فوق طاقته ... إلى آخره، وإنما التوسط بين هذه الأمور.
التَّعاطف
من جماليات تربيتنا لأبنائنا قضية مدى تعاطُفنا معهم.
انظروا إلى الرسول في قصة أبي عُمير، وابن حجر في "فتح الباري" استنبط استنباطاتٍ عديدةً جدًّا من هذه القصة على أية حالٍ.
فأنت عندما تعيش مشاعر ابنك الطفل تعرف كيف تتعاطف معه؟ أما تضاد المشاعر فاعرف أنك لا تتعاطف معه، وأنك لا تنتبه لمشاعره ولا تتعاطف معه، وإنما تُصادِم المشاعر؛ إذن أكون مثل النبي الذي نزل إلى مشاعر هذا الطفل فأنزل كما نزل.
ولذلك النُّكتة، واللعب معهم، والاستماع لآرائهم، والتَّشجيع بالمُكافآت المادية والمعنوية ... إلى آخره، كل هذا من التَّعاطف.
التَّفهم
افهموا أيها الإخوة والأخوات لماذا ابنكم يقوم بالنشاط الزائد والحركة؟ لماذا يكذب الطفل؟ لماذا يُعادي إخوانه؟
فالقضية لا ترجع إلى سببٍ واحدٍ، بل إن هناك أسبابًا عديدةً؛ لذلك لا بد من تفهُّم أسباب المشكلات، هذا هو المقصود هنا بجمالية التربية؛ لأن بعضنا بمجرد أن يتحرك الطفل خلاص، الله يُعينه على الصراخ، وعلى اللوم والعتاب، وربما الضرب، وما شابه ذلك.
وهكذا إذا كذب حكمنا عليه: إنك كذَّابٌ، ويسمعها منذ نعومة أظفاره.
وهكذا بالنسبة لكونه عدوانيًّا مع إخوانه، مع أنه لا توجد أسبابٌ لذلك.
خذوا مثالًا: النَّشاط الزائد قد يكون وراثةً، أو خللًا وظيفيًّا في الدماغ، أو ضرباتٍ شديدةً تعرض لها رأس الطفل، أو تسمُّمًا في الغذاء، أو الحالة الجسمية العقلية للأم الحامل عندما كانت حاملًا، أو النَّقد الشديد بأنَّه كثير الحركة، أو عدم التَّجاهل والإغفال، يعني: نحن دقيقون وراءه وننقُده كثيرًا.
والكذب قد يكون للحصول على مكسبٍ، هو يريد أن يحصل على شيءٍ يُحبه فيكذب، أو حماية بعض أصدقائه، أو يُدافع عن أخته أو عن أخيه فيكذب، أو خيالًا يتخيله، عنده خيالٌ واسعٌ، أو تقليدٌ للكبار، فيرى أباه يكذبُ فيكذب مثله، أو دفاعًا عن النفس، أو عدوانيةً، أو للتَّخلص من الذكريات المُؤلمة، أو مع كثرة ما وُصف بأنَّه كذابٌ، أو لعدم ثقتنا به.
وعداوته مع إخوانه قد تكون بسبب اختلاف الأذواق، هذا له ذوقٌ، وهذا له ذوقٌ، فهو لا ينسجم مع ذوقك أنت، وما يُناسب أحد الأبناء لا يُناسبه، فأنت لم تُراعِ الفروق الفردية، واهتمام الوالدين ببعض الأبناء دون الآخرين، والرسول يقول: اتَّقوا اللهَ واعدلوا بين أولادكم[4]أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623)..
الضيق الذي يحصل للطفل في بعض الحالات يُفرِّغه إلى مَن دونه من إخوانه الصغار عندما يكون الذي يُمارس دور الأب كسلطةٍ هو الأخ الكبير، ما هو كرفيقٍ، إنما كسلطةٍ، فيبدأ في التعامل معهم بطريقةٍ صعبةٍ جدًّا؛ فيحصل الضيق.
وكذلك أيضًا المُقارنات التي قد نعقدها: أخوك أحسن منك، وأختك أفضل منك، وما شابه ذلك.
لا، إذا أردنا المُقارنات فنُقارِن بينه وبين حاله في وقتٍ آخر، حالٌ إيجابيٌّ، يعني: أنت من قبل أحسن يا محمد، أنتِ يا فاطمة أحسن من قبل، أمس أحسن من اليوم. قارنوا بهذه الطريقة.
أخيرًا: التأديب
من الجماليات: التأديب، وسبحان الله! عندما يكون للتأديب جمالياتٌ فما أروعه! لكن عندما يكون التأديب عبارةً عن انتقامٍ وتَشَفٍّ وتفريغٍ للشُّحنات ومشاعر غضبٍ وانفعالٍ؛ فهذه مشكلةٌ عند بعض الآباء والأمهات.
التأديب يأتي في مكانه السليم، فلا نستعجل ونقفز إلى الضرب، أو إلى اللوم، ونحن عندنا تعزيزٌ، وعندنا بعده حرمانٌ ... إلى آخره.
وأيضًا بالقدر المُناسب للخطأ الموجود، وحتى لو احتجنا بعد ذلك إلى اللوم أو الضرب فأيضًا بالضوابط والأمور التي تُؤدي الغرض، وليس بالذي يُنَفِّر، وليس بالذي يُعَقِّد الأمور، ولا بالذي يُعتدى به على كرامة الإنسان وكرامة الطفل.
الطفل له حقٌّ، وله كرامةٌ، النبي كان عنده غلامٌ عن يمينه، وأشياخ الصحابة عن يساره، ورسول الله يشرب من قَدَحٍ، فاستأذن الغلام الذي عن يمينه ليُعطيه الأشياخ الذين عن يساره؛ فهم أكبر منه سنًّا، فلم يأذن الغلام؛ لأنَّه كان يريد أن يفوز بأنْ يكون مَن يشرب بعد النبي .
فانظروا إلى النبي يستأذنه؛ لأنَّ هذا حقٌّ من حقوق الأطفال.
أين هذا الكلام من جماليات تربية أطفالنا؟
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يُسعدنا وإياكم.
هذه هي المرحلة الأولى، ولعلنا نقف لنستمع إلى ما لديكم في دقائق بسيطةٍ، ثم نُكمل -إن شاء الله تعالى- التحديات، ونختم بها كلامنا، بإذن الواحد الأحد.
المحاور: هذا سؤالٌ من الأخ أحمد العنزي.
الدكتور خالد: يا ليت تكون له علاقةٌ بالموضوعات، الله يحفظك يا حبيبي.
المحاور: حسنًا، السؤال الأول يبدو لي أننا سنتطرق إليه يا دكتور في تحديات ما يتعلَّق بالألعاب الإلكترونية.
الدكتور خالد: بإذن الله.
المحاور: طيب، السؤال الثاني يقول: كيف أغرس هيبة الطاعة والاحترام في الأطفال والمُراهقين؟
الدكتور خالد: على أية حالٍ الخلطة التربوية المكشوفة، وليست السّرية -وقد أشرنا إليها بشكلٍ سريعٍ- وهي الودُّ مع الحزم، فما أجمل أن نجمع بين الودِّ والحزم! الأب والأم كلٌّ على حسب جنسه وطبيعته، وطبيعة الجلسة.
ومن الخطأ أن نقول: الودُّ عند الأم، والحزم عند الأب، هذا خطأٌ كبيرٌ، فالرسول كان إذا دخلت عليه فاطمة ورآها قام إليها -يعني: قام من مكانه إليها- وقبَّل جبينها، وأخذ بيدها، ورحَّب بها، وأجلسها مكانه[5]أخرجه أبو داود (5217)، وصححه الألباني..
حقيقةً خمس إجراءاتٍ تُشْبِع الجانب الوجداني، وتدل على عُمْق الودِّ من الأب مع ابنته، وهو نفسه الذي كان يقول: لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها[6]أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688).، هذا هو الحزم.
فإذا كنتَ صاحب ودٍّ، أو كنتِ صاحبة ودٍّ، فالودّ يُكْسِب الحب، و"إن الـمُحبَّ لمَن يُحِبُّ مُطيع"[7]عجز بيت شعرٍ، وهذا مبدأه: تعصي الإله وأنت تُظهر حبَّه *** هذا مُحالٌ في القياس بديعُ لو كان حبك صادقًا لأطعته *** … Continue reading، فإذا أحبك ابنك الطفل سيُطيعك، فطريقة الطاعة مُرتبطةٌ بالحب، والحب يأتي من الودِّ، والحزم يُكسب الهيبة، والهيبة تأتي بالاحترام، فإذن المُنْتَج المُتعلق بالطاعة والاحترام الذي نُريده من أبنائنا مُرتبطٌ حقيقةً بحبِّهم وهيبتهم، والذي هو ناتجٌ من ودِّنا وحزمنا في آنٍ واحدٍ، فنكون ودودين، ومُتعاطفين، وقريبين، وفي نفس الوقت حازمين، ومُحافظين على مبادئنا، وعندنا نظامٌ ... إلى آخره.
يا ولدي، أنا أُحبك، وفيك ... وفيك ... وفيك ... من الإيجابيات، لكن تصرفك الذي حصل مع أخيك لا نرضى به، لا أنا، ولا أمك، وقد اتَّخذنا قرارًا بحرمانك من كذا.
هذا حزمٌ وودٌّ في آنٍ واحدٍ، والله أعلم.
المحاور: طيب، إذا كان لأحدٍ سؤالٌ أو نُكْمِل المحور الذي بعده، إمَّا أن يكتب في المُحادثة، أو يرفع يده لِنُتيح له الصوت.
الدكتور خالد: نكمل؟
المحاور: تفضل يا دكتور.
الدكتور خالد: ننتقل إلى النقطة الأخيرة، وإن شاء الله -يعني- يكون عندنا مجالٌ أيضًا للاستماع لتعليقاتكم وأسئلتكم، لعلنا نُحاول -إن شاء الله- أن نأتي بها سريعًا، وإن كانت أيضًا مُقلقةً ... إلى آخره.
وأنا ترددتُ: هل أضعها في النهاية أم أضعها قبل؟
وكنا نودّ -سبحان الله!- أن ننتهي من اللقاء بشيءٍ من الجماليات، لكن هكذا رتَّبها الإخوان، والأمر -إن شاء الله- عند العُقلاء أنهم لا يعنيهم مكان الترتيب وما يتعلق به.
التحديات
أنا لا توجد عندي إشكاليةٌ في التحديات؛ لأنَّ التحديات حقيقةً ليست مخاطر، التحديات فرصٌ ومخابر، هنا القضية؛ ولذلك أرجع وأُؤكد أن من التحديات: هل نستثمر مواطن القوة في مرحلة الطفولة من خلال خصائصهم التي أشرنا إليها: قوة الحفظ، وقوة التقليد والمُحاكاة، وسرعة القابلية والاستجابة؟
يعني: هل وضعنا هذه القضية في أذهاننا؟
والله لو فعلنا ذلك سنُنتج أطفالًا هم بُناة المستقبل، وهذا من حيث الفرص، وهذا تحدٍّ، لماذا؟
لأن الذين يقعون في الغفلة في هذا الجانب كُثُر، والذين لا يُعطونهم من أوقاتهم واهتماماتهم من أجل استثمار هذه الفرص في مرحلة الطفولة كُثُر؛ ولذلك هو تحدٍّ.
والتحدي الآخر: كيف نستطيع أن نستثمرها بطريقةٍ سليمةٍ من خلال العناية والاهتمام؟
يعني: أنا أُكْبِر من أبٍ وأمٍّ يقرآن من أجل الاستثمار في أطفالهما، وأُكْبِر من أبٍ وأمٍّ يحضران دورةً، أو يحضران لقاءً، أو يتشاوران فيما بينهما ويتحاوران، وينظران إلى نماذج إيجابيةٍ من تربياتٍ إيجابيةٍ في الطفولة، وينظران إلى النماذج السلبية بالتربية السلبية في الطفولة، ويقرآن خصائص المرحلة في كتب علم نفس النمو، وهي كثيرةٌ.
كل هذه الأشياء نحن بأمس الحاجة لها، هذه فرصٌ، والفرص مُقابلها المخاطر، والمخاطر هي أن نقع في الفخِّ؛ في فخِّ أننا نسينا الفرص، وفتحنا باب المخاطر، فأصبحنا في تحدٍّ كبيرٍ أيضًا.
قوة المُثيرات السلبية مع قوة الخصائص
لاحظوا قوة المُثيرات السلبية اليوم مع قوة الخصائص، انتبهوا لهذه القضية: قوة المُثيرات السلبية مع قوة الخطر.
نحن ذكرنا قوة الخصائص وأكبر ميزات الطفولة، فتصوروا هذا الـمُقلِّد الذي لا توجد مرحلةٌ في قوة التقليد مثل مرحلة الطفولة، فعندما يُقلِّد ما يراه من خِزْيٍ وعارٍ في بعض أفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية التي لم يقم الآباء والأمهات بتصفيتها وتنقيتها واختيار النَّظيف منها، وإنما عرَّضوه لذات اليمين وذات الشمال مما هَبَّ ودَبَّ.
انظروا لسرعة القابلية والتَّشكيل بسهولةٍ.
أنا أذكر قديمًا ونحن طلاب -يعني: أتكلم عن أربعين سنةً تقريبًا أو أكثر- قصةً لا أنساها: طفلٌ في المرحلة الابتدائية يُصيب الهدف، قال: واللات والعُزَّى لآتي (بالجول)! واللات والعُزَّى! الأستاذ الذي سمع هذا الطفل استغرب، ولمَّا بحث في القضية وجدها عبارةً عن ماذا؟
تقليدٍ ومُحاكاةٍ وسرعةٍ في التَّشكيل والقابلية، عنده قابليةٌ سريعةٌ جدًّا، وعنده حفظٌ، يحفظ بسرعةٍ.
انظر لكل هذه الميزات الثلاث التي جاءت وأثَّرت فيه من خلال هذا الذي رآه؛ فأصبح يقوله وهو لا يُدْرِكه.
الثاني: أذكر عندما صرتُ مُعيدًا، وأيضًا طفلٌ يلعب الكرة في الحي الذي كنا نسكن به، وهذا الكلام أيضًا من سنواتٍ، فإذا به إذا أتى بهدفٍ يقوم بهزةٍ في جسمه من أعلى رأسه لأَخْمُص قدميه، وكأنه يرقص، أنا استغربتُ حقيقةً هذه القُدرة، فلما أتيتُ ولاطفتُه، وكان أخوه بجواره، فأخذتُهما جانبًا، فتبيَّن أن هذه الحركة يفعلها أحد لاعبي المُنتخبات العالمية في كرة القدم، وهذا اللاعب إذا سجَّل هدفًا يفعل هذه الصورة، وهو اقتبسها: "إن المُحبَّ لمَن يُحبُّ مُطيع".
إذن نحن نحتاج إلى انتباهٍ لهذا التَّحدي الضَّخم الكبير لتلك الوسائل التي بين أيدينا اليوم، ولا بد من قضية التَّخلية والتَّحلية، وأن نُبْعِد منها السيئ وننتقل للجميل.
قضية: أنا ما أقدر، وقضية: أننا ما نستطيع أن نمنع، وقضية أنَّه لا يُمْكِن، هذا كلامٌ تافِهٌ تمامًا، وكذلك قضية أنني أستطيع أن أمنع 100% ... إلى آخره؛ لأن هذا أيضًا كلامٌ تافِهٌ.
القضية الثانية أو الخيار الثاني ليس موجودًا أبدًا إلا أن يشاء الله تصوره، أما الأول فكثيرٌ، وهو الاستسلام، ومَن قال لكم؟ أليس لو أن ابنكَ أو ابنكِ أو ابنتكم أُصيبوا بمرضٍ ومنعهم الطبيب من أن يتناولوا طعامًا مُعينًا، وهو من ألذِّ الأطعمة لهم -شوكولاتة معينة، أو أي شيءٍ آخر- سنكون حريصين جدًّا على قضية المنع؟ هذه التَّخلية.
ولماذا ننجح في هذا ولا ننجح في الثانية؟!
أنا أستغرب ويقف شعر رأسي، واسمحوا لي -وأنا واحدٌ أتحدث في مجال تخصصي في التربية وعلم النفس، وأنا مُستشارٌ أُسريٌّ- أن أذكر أنه تأتينا قضايا يقف شعر رؤوسنا منها، ونقرأ في بعض التقارير وبعض القضايا المُتعلقة بالدراسات وما شابه ذلك شيئًا مهولًا.
وحقيقةً المشكلة الأساسية:
إذا كان ربُّ البيت بالدُّفِّ ضاربًا | فشيمة أهل البيت كلهم الرقص[8]"الكشكول" للبهاء العاملي دون نسبة لقائلٍ. |
لنكن صُرحاء، هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فكما نكون نحن سيكون أبناؤنا.
الألعاب الإلكترونية
الألعاب الإلكترونية من أشد الأشياء على الأطفال، بل هي رقم واحدٍ بالدراسات في أثرها الكبير على الأطفال، ونحن مُشكلتنا في الكمِّ والكيف.
في هذه الألعاب الإلكترونية لو ترجعون إلى بعض مَن تحدثوا مثل الدكتور: شهر الشهري، له كلامٌ على الألعاب الإلكترونية وأهميتها أو خُطورتها، وتكلَّم عنها من الناحية التربوية وعناية الأسرة، وستجدونها في (اليوتيوب) وغيره كذلك.
فالطفل فيه البراءة، ويُحب اللعب، ويُحب الأشياء التي تجعله يتشوق وينتقل من مرحلةٍ لمرحلةٍ، ويأنس وينظر، ونحن أيضًا نقول: أشغلناه.
الدور التربوي أولًا: المضامين التي هي الكيف، واجبٌ علينا أن نُقدِّم مضامين في ألعابٍ إلكترونيةٍ نظيفةٍ، تقول: ماذا أفعل؟ هذا دورك أنت أيها الأب، ودوري أنا، لا أضع بين أيديهم ألعابًا فيها من الانحرافات الفكرية، أو الأخلاقية، أو فيها أي مشكلةٍ قد تُعيقه.
نتنبه، فهذه القضية واجبةٌ علينا، فلو كانت عندنا ألعابٌ إلكترونيةٌ تُزَهِّد بالتدريس هل سنقبل؟ لا، لن نقبل.
إذن نفس الكلام من باب أولى كذلك، فنحتاج إلى هذه القضية المتعلقة بالمضامين، هذا دورنا.
سنجد مثلًا: (Kids application) وغيرها من المواقع التي أحضرت ألعابًا إلكترونيةً مفيدةً ونافعةً، ويمكن أن نسأل المُختصين، وما شابه ذلك.
المهم ألَّا يدخل على ما شاء، ويصير حرًّا طليقًا، وكيف يسير على هواه؟ وهذه سنأتي إليها في قضية الأجهزة الذكية وما يتعلق (بالإنترنت)، أو أن يرى شيئًا نحن ما رأيناه، ما نعرف بالضبط عنه، لكن لو أن أحدهم زكَّى وقال: "مضبوطةٌ"، الحمد لله.
كم مرةٍ جاءتني أشياء جميلةٌ، وأدخل فأجد فيها أشياء مشكلةً، فنحتاج أن نتنبه؛ لأن هذا دورنا نحن.
فلو قيل: إن في جدار بيتك الخارجي مَن يثقبه بالمثقاب (بالدريل). هل ستقول: طيب، إذا أنهى شغله بـ(الدريل) أخبروني؟! ستذهب مباشرةً وستُقيم الدنيا ولا تُقعدها؛ لأنَّ هذا مُعتدٍ عليك.
حسنًا، الذي يعتدي على أفكار أبنائنا وأطفالنا وقِيَمهم من خلال ألعابٍ إلكترونيةٍ كمَن يحمل (البونص)، (البونص) عبارةٌ عن صليبٍ، أو سجودٍ لآلهةٍ، أو علاقةٍ ببنتٍ، ما هذا الكلام؟!
ونقول: طفل! أو نغفل ولا ندري أنَّه يرى هذه الأشياء! أو أنَّنا -للأسف- نُبَرِّر للطفولة كما يُبَرِّر بعضنا للمُراهقة بعد هذا! وهذا يحصل، وأنا أتكلم معكم في هذا بحكم مجال التخصص، وبحكم الأخذ والعطاء في مجال الاستشارات.
الأجهزة الذكية
يعني: ما في أيدي أبنائنا، فأطفالنا ماذا يحتاجون من الأجهزة الذكية بالله عليكم؟ يعني: الآن -الله أكبر- حتى الاتصال لا يحتاجونه؟ يعني: الآن هل نتصل عليه؟ هي قضيةٌ واحدةٌ فقط، وهي أنه عبارةٌ عن إشباع شيءٍ جديدٍ عنده، أو لأن أقاربه لديهم أجهزةٌ ذكيةٌ، وهو لا؛ فنُعطيه لأنه مسكينٌ ما عنده! أو مسكينةٌ ما عندها!
انتبهوا، الأطفال لا يُمكَّنون من الجهاز الذكي البتة، ولا يُمكَّنون من الدخول على (الإنترنت) أبدًا، ولا يكون الطفل حرًّا طليقًا في هذا أبدًا، لا يحتاج لذلك، ولا بد أن تُعوِّده أن هذا من الحزم، ومن النظام.
والأستاذ عبدالعزيز الحمادي المشهور صاحب التقنية والفوائد الرائعة، والذي أتمنى أن تستفيدوا من أُطروحاته، وقد أخذ المركز الأول -ما شاء الله!- من خلال جائزة (جوجل) في التثقيف المُتعلق بالمجال الإلكتروني ... إلى آخره.
أنا سمعتُ منه مباشرةً أنه يقول: إلى سنِّ سبع عشرة سنةً، لا يرى أنه يُمكَّن، أو ستّ عشرة، أظنه قال: سبع عشرة، أو ستّ عشرة سنةً، ألَّا يُمكَّن.
بغض النظر، المقصود أنني ما كنتُ أتوقع هذا، لو قال: الطفولة فقط، كنتُ سأقول: جزاه الله خيرًا، وكثَّر الله خيره.
فإنهم لا يُمكَّنون من الأجهزة الذكية، والأُسر الناجحة في هذا –وأنا أعرف أُسرًا ناجحةً في هذا- قليلةٌ، لكن الطفولة أرجوكم رجاءً أن يتدرب على الحزم وعلى النظام حتى يُمكَّن بعد ذلك.
وقد تجد البنت أصلًا لا تحتاج إلى جوالٍ في المتوسطة؛ لأنَّها تربَّت على ودٍّ وحزمٍ، وتعوَّدت على هذا النظام -والحمد لله-، لكنْ ما يطلبه المُشاهدون والمُستمعون، وكل شيءٍ بين أيديهم من خلال الدلال والدلع! ونحن غافلون، ولسنا مُهتمين بهم، ولا قريبين منهم، فالله المستعان على الضحايا الذين يأتوننا.
وأصبحنا نرى الضحايا اليوم في حالةٍ خطيرةٍ جدًّا، تتمثل في ضحايا تمرُّدٍ، أو هروبٍ من البيت، أو ضحايا أشياء يقف لهولها شعر الرأس، إي والله، فنحن بأمس الحاجة إلى أن نتنبَّه.
إذن ما المطلوب؟
يا أخي، (آيباد) ليس مشبوكًا (بالإنترنت)، نزِّل عليه ألعابًا إلكترونيةً، ألعابًا تعليميةً، فوائد، أناشيد، أي شيءٍ يُناسب الطفل، وأيضًا -كما قلنا- من المضامين الإيجابية، أو جوال لكن ليس مُرتبطًا (بالإنترنت).
وأنا أعرف هذا، وأعرف هذا، هناك بعض الأُسر تتعامل مع أبنائها بشكلٍ صحيحٍ، فتُطبق نفس هذا الكلام، فإذا احتاج الابن أو البنت إلى شيءٍ من خلال الجوال فأنا أكون موجودًا معهم، ليس فقط لكي أرى كيف يتعاملون مع الجهاز والرقم السري، بل أيضًا عند الدخول على (اليوتيوب) والدخول على ... إلى آخره، والله تُدمِّر هذه القضايا، إنما إذا كان هناك شيءٌ معينٌ فأنا أفتحه بطريقتي وأضغط بطريقتي؛ لأن الطفل قويٌّ -كما قلنا- في التقليد والمُحاكاة، ثم أدعه ينظر وأنا موجودٌ.
البعض الآن يقول: لكن مع التعليم عن بُعْدٍ صارت عندنا مشكلةٌ، وهي: أنه لا بد من (إنترنت)، وهذه فعلًا مشكلةٌ؛ ولذلك لا بد من برامج الحماية، ولا بد من مُتابعة الأطفال ومعرفة ما دخلوا عليه، وهذا شيءٌ سهلٌ جدًّا في مثل هذه الأشياء.
كل هذه الأشياء من المنظومات التي يُمكن أن تُساعد عليها.
الضعف الدراسي
أيضًا من التحديات: الضعف الدراسي حقيقةً، وأن يكون الضعف الدراسي في مرحلة الطفولة، فتنبَّهوا لمثل هذه القضية.
وأنا سأستبعد الضعف الدراسي الذي سببه ضعفٌ في المجال العقلي، أقصد بالقدرات العقلية: أنه من أصحاب ذوي الحاجات الخاصة، هذا لا بد أن يُكْتَشَف من وقتٍ مُبكرٍ ويُتنبَّه له ويُكْشَف، ولا عيب، فنحن لا بد ألَّا نُخاطِر به.
والجانب الثاني: الصَّوارف بسبب -كما قلنا- عدم وجود النظام في الأسرة ... إلى آخره.
الشيء الثالث: عدم الشعور بالأمن في المدرسة بسبب وجود مُعلمٍ قاسٍ، أو تعرض الابن للتَّحرش أو شيءٍ من هذا القبيل؛ فلا يشعر أنه يُحب الدراسة، وما شابه ذلك.
أنا أقصد أنه من المهم جدًّا موضوع العناية بالوضع الدراسي؛ لأنَّ هذا مستقبل حياته، فيُتنبَّه له.
ويرتبط بذلك الصداقات والعلاقات الحقيقية، صحيحٌ أنَّ الطفل لا يزال في مرحلة ما قبل المدرسة، وهو في البيت بنسبة 100% تقريبًا، وبدأ ينفتح على الناس شيئًا فشيئًا، لكن أيضًا هذه العلاقات لها دورها، ولا تزال تتكون أيضًا، وهذا جزءٌ مُرتبطٌ بالألعاب الإلكترونية وخطورتها في الـ(online).
فانتبهوا لهذه القضية، فأنا اطلعتُ ورأيتُ بعض الأشياء مباشرةً.
المُستشارون الذين قالوا: إن الأشياء التي فيها عنفٌ يمكن أن تُولد العنف، وتصوروا واحدًا يريد أن يقتل أخاه الثاني، الأول في السعودية، والآخر في أمريكا، وهم أقارب! هو يُريد أن يذبحه، عرفتم؟ فانتبهوا.
أيضًا هؤلاء على علاقة معرفة -مثلًا- ومع ذلك يقعون في فخٍّ.
هذه المشكلة لضعف التوجيه عندنا، لكن عندما يُكوِّن صداقاتٍ أخرى وهو طفلٌ مع آخر على أنَّه طفلٌ، وهو كبيرٌ، أو تجده امرأةً! أو تجده شيئًا آخر!
لذا من الخير التَّخلية، ومن الخير ألا يتحقق له كل شيءٍ يريده، ومن الخير أن يتعود على أنَّه لا يُمكَّن من كل شيءٍ.
يا أخي، نحن عشنا بحياتنا، والناس وآباؤنا وأجدادنا عاشوا بهذه الطريقة؟!
ليس النجاح في التربية هو -كما قلنا- أن نُسليه بما يُحب وبما يُريد، هذا خطأٌ تمامًا.
والدراسات أيها الإخوة والأخوات دلَّت –انتبهوا- على أنَّ بعض نواتج الدلال والدلع والحماية الزائدة هي نفس نواتج الشدة والغِلظة، وقد ذكر ذلك بعض المُختصين في كتب الإرشاد الأُسري، والتي منها التَّمرد، والقسوة والشدة، ويُتوقع من الذي يتمرد أن يُعاند؛ لأننا قُساةٌ معه؛ فيَنْفِر، والله قال: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، وقبلها قال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159]، ولكن الدلال والدلع لأنَّه ما تعود أن يُقال له: لا، ولا تعود أن يُمنع من شيءٍ، فلما جاء الوقت الذي قيل له فيه: لا، ... إلى آخره؛ لسببٍ ما قامت قيامته!
وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا، فهذه القضية تراكُمية، والتربية تراكُمية يا إخوان، وليست موقفًا واحدًا، مواقف وحياة؛ ولذلك والله هي مسؤوليةٌ كبيرةٌ، هي التربية في الزمن الصعب.
مسؤوليةٌ كبيرةٌ حينما نُربي في الزمن الصعب، وهنيئًا؛ فالرسول يقول: وددتُ أن أرى إخواني، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، إخواني أُناسٌ يأتون بعدي، يُؤمنون بي ولم يروني، لا يجدون على الحقِّ مُعينًا كما تجدونه أو كما قال النبي [9]عن أبي هريرة : أن رسول الله أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنَّا -إن شاء الله- بكم لاحقون، … Continue reading.
وذكر في حديثٍ آخر، أو في نفس الحديث: أجر الواحد منهم كأجر خمسين، قالوا: منا أو منهم يا رسول الله؟ قال: بل منكم[10]إن من ورائكم أيام الصبر، للمُتمسك فيهن يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: … Continue reading.
فهنيئًا لمَن رُبِّي تربيةً يُحبها الله والرسول في هذا الزمن الصعب؛ فيأنس بعد ذلك ويستمتع بأنه قام في الدنيا بما أوجبه الله عليه، ويرى شيئًا من الثِّمار، ناهيك عن الخيرات الحِسان: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46].
ضعف الشعور بالأمن النفسي
النقطة قبل الأخيرة فيما يتعلق بالتحديات: ضعف الشعور بالأمن النفسي، هذا حديثٌ خطيرٌ، وهو أن يكون مأواه ومحضنه الأول لا يشعر فيه بالأمن النفسي؛ فيقلق ويضيق.
والطفل من أصعب ما يكون حينما يشعر أنَّه سيأتيه الآن من الضرب والصراخ والخوف ما يجعله في قلقٍ، فماذا يفعل؟ لأن نُضْج العقل عنده ليس بمستوى الكبير؛ ولذلك لو كان بمستوى الكبير لربما هرب هروبًا معنويًّا من خلال (الإنترنت) أو التقنية، أو هرب هروبًا جسديًّا بالهروب من البيت، أو ... إلى آخره.
لذا الأمن النفسي أثبته النبي داخل بيته؛ فكان النبي -بأبي هو وأُمي عليه الصلاة والسلام- يُراعي الأطفال الصِّغار، وكان إذا سجد وركب الحسن والحسين على ظهره راعى ذلك وهو في الصلاة، فيتحرك وهو مُمْسِكٌ بهما ، بل كان وهو يخطب عليه الصلاة والسلام ينزل من منبره من أجل هؤلاء الأطفال الصغار، بأبي هو وأُمي عليه الصلاة والسلام.
فنحن بأمس الحاجة إلى مثل هذه المعاني العظيمة المهمة التي أسأل الله أن يُعينكم عليها.
البيئات المُخالفة
آخر نقطةٍ فيما يتعلَّق بالتحديات هي: البيئات المُخالفة لنا، والبيئات المُخالفة يعني: زوجًا وزوجته، أبًا وأمًّا، عندهم حرصٌ وعنايةٌ، لكن مشكلة أقرب الناس إليهم من أُسر الأقارب والإخوان والأخوات أنهم يُؤثرون فيهم، أو حتى ربما الجدّ والجدّة، أو الأصدقاء، أو ... إلى آخر ما شابه ذلك يُؤثّرون في تربية أبنائنا.
فمن الأهمية هنا أننا لا نستطيع أن نمنع أبناءنا من أن يُخالطوا الناس، لكن أيضًا نستطيع أن نضبط القضية، ونستطيع أن نضع لها ضوابط، لكن الاستسلام خطأٌ، أي نعم، وألا يكون مُستحيًا، كما قلنا من خلال: كلا طَرَفي قصدِ الأمور ذَمِيمُ.
وفي التقنية والتعامل مع الإلكترونيات ... إلى آخره نقول: الاعتماد على الله في قوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
تنغلق الأبواب، فلا أنت ولا زوجتك بأيديكما أي شيءٍ، لكن الله بيده كل شيءٍ.
فلِمَ لا نُري الله من أنفسنا خيرًا في أهمِّ شيءٍ لدينا؟!
ونحن قد نضطر من أجل جائحةٍ ماليةٍ أو مرضيةٍ إلى أن نضع أيدينا ونطرح أنفسنا بين يدي الله ، أليست تربية أولادنا أولى من ذلك؟
هذا سؤالٌ كبيرٌ.
إذن اللجوء إلى الله هو المطلوب.
الجانب الثاني: كن صاحب مبدأ، وكوني صاحبة مبدأ، وصاحب المبدأ لا يتخلى عنه بسبب المُجاملات والرأي وما يُسمَّى بالتعاطف، وما نود أن نكسر بخواطرهم!
كن ودودًا حازمًا مع الآخرين، أنت -ما شاء الله!- عندك برٌّ مع الوالدين وصِلة رحمٍ أيها الأب، وصِلة رحمٍ مع الأقارب، ويُحبونك، وتُهدي لهم هدايا، وينتظرون مجيئك، وفي نفس الوقت حازمٌ؛ ستُحْتَرم وسيُحْتَرم مبدأك بأنَّ أبناءك لا يُعرَّضون لكذا وكذا ... إلى آخره من هذا الجانب.
الجانب الآخر في التعامل مع الأبناء: أن يكون هناك حضورٌ للناس الإيجابيين، مثلًا: عند النساء توجد بعض الأخوات الجيدات اللاتي يُمارسن أدوارًا في برامج مع هؤلاء الأطفال، وإذا كان عند الرجال كذلك مَن يُمارس هذه الأدوار من مُسابقاتٍ وألعابٍ حركيةٍ، وجوائز ... إلى آخره، فهذه القضية مهمةٌ جدًّا، أي نعم، ولا يُتركون للأجهزة أو الشاشات، ولا يُتركون حتى لأنفسهم.
أسأل الله أن يقرَّ أعيننا وأعينكم بصلاح النية والذُّرية، وأن يُوفقنا وإياكم لهُداه، وجزاكم الله عنا خيرًا.
والحمد لله ربِّ العالمين.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور، وبارك الله فيك، عندنا سؤالٌ من أحد الحضور، يقول: التعامل مع الطفل الذي يكذب، يعني: يتكلم عنه في حالةٍ خاصةٍ: أن عنده ولدًا عمره ثماني سنواتٍ.
الدكتور خالد: هل يعرف ما سبب الكذب؟
هذه القضية نحن أشرنا إليها في التَّفهُّم، فَهْمُ أسباب هذه المشكلات يُساعد في التَّشخيص، فلما نقول: مما ينبغي في الجماليات والعلاقات والدور المطلوب من الأسرة والوالدين: أن نتفهم أسباب المشكلة، إذن عندنا مشكلة الكذب، صحيحٌ، كلنا نعترف بأن الكذب مشكلةٌ، لكن كذب الأطفال له عِدّة احتمالاتٍ أشرنا إليها، فنحتاج أن ننظر لماذا يكذب؟
هذا في نُضج الوالدين واعترافهما أيضًا بأنفسهما، وربما يتَّهمان ابتداءً أنفسهما: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، هذا مهمٌّ جدًّا، أمَّا مَن سيُلقيها على الآخرين فهذا سهلٌ جدًّا.
أنا يُعجبني الذي ينظر إلى: ما المشكلة التي أوجدناها في أبنائنا وجعلتهم يكذبون؟
هذا السؤال جميلٌ، وأشرنا إلى بعض هذه الخصائص في مثل هذه القضية وما يتعلَّق بها.
السؤال ابتداءً عن تعاملنا معه، فإننا نُرجِّح هذه الأسباب المُتعددة التي ذكرناها حتى نصل بأنفسنا إلى سببٍ مُعينٍ، ثم يكون العلاج بعد ذلك.
فإذا كان يكذب من أجل أن يدفع عن أُخته المشكلة، فيُقال له: لا يا ولدي أبدًا، نحن مع أختك، وحريصون عليها مثلك ... إلى آخره، وهي إن أخطأتْ وجَّهناها، ولا تخشى عليها ... إلى آخره، والإنسان يقول الصدق، وما شابه ذلك.
طيب، وإذا كان كذبه عبارةً عن خيالٍ تخيَّله وتكلم به، وهذا يقع عند كثيرٍ من الأطفال، وهو جزءٌ من طبيعته، قال: لا والله أنا صليتُ. قال: لا والله أنا أنهيتُ الواجب. لكنه ما صلَّى، فآخذ معه وأُعطي: لِمَ هذا يا ولدي؟ بالتأكيد أنت ترغب في أن تلعب بالألعاب، أو كذا، صحيحٌ؟ مرةً ثانيةً -إن شاء الله-، وهذه المرة أنا سأتجاوز عنك، والمرة الثانية ... إلى آخره سأضع لك من النجوم. ثم أشتغل معه في التعزيز وفي الحرمان بطريقةٍ معينةٍ حتى أستطيع أن أُخلصه من الكذب.
هناك شيءٌ يُسمَّى بـ"مهارات تعديل السلوك" يمكن أن تكون مليئةً بالحقيقة، ولمُحدثكم في قناة (اليوتيوب) مواد عديدةٌ في مهارات تعديل السلوك يُمكنكم الاستفادة منها في هذا الجانب وما يتعلَّق أيضًا بجوانب أُخرى في المشكلات وطرق علاجها.
وأيضًا هناك مادة بعنوان ...، هي ضمن مهارات تعديل السلوك، لا، مادة مُستقلة، وهي: "بين التعزيز والعقاب"، نعم.
المحاور: هذا أحد الحضور يرغب في أن ...
الدكتور خالد: على أية حالٍ، عفوًا يا أخي، أنتم لكم تواصلٌ مع الناس الحاضرين معنا اليوم؟
يا أخي الكريم، في الغالب لكم تواصلٌ؟
بمعنى آخر: هل يمكن إذا أرسلنا لكم مصادر هذه الأشياء أن تُرسلوها لهم؟
المحاور: البعض مُسجل، من سجل بياناته، موجودةٌ عندنا بياناته، والبعض ...
الدكتور خالد: يمكن أن تصلوا لهم؟
المحاور: نعم.
الدكتور خالد: جيدٌ، إذن نُرسل لك -إن شاء الله- وتصل لهم، تفضل يا شيخ.
المحاور: هذا يرغب في أن يكون ولده لا ينظر إلى ما في أيدي الآخرين، يقول: كيف أُشبع ولدي من كل شيءٍ بحيث لا يبحث عن أي شيءٍ لدى الناس؟
الدكتور خالد: ليس صحيحًا، من كل شيءٍ! لا، هذه العبارة -يا شيخ- عبارة أفلاطونية، يُسمونها: المدينة الفاضلة عند أفلاطون، وحتى أفلاطون قالها وما استطاع العمل بها، قال فقط عن المدينة الفاضلة، نعم، ما العبارة مرةً أخرى؟
المحاور: يقول: كيف أُشبع ولدي من كل شيءٍ بحيث لا يبحث عن أي شيءٍ لدى الناس؟
الدكتور خالد: مستحيلٌ يا أخي.
أولًا: هذه المثالية غير الواقعية، أبعدها يا شيخ.
أنا أولًا أشكرك يا أخي على مشاعرك، وعلى رغبتك في أن يكون مجال عطائك لابنك أكثر ... إلى آخره، ولكن عن كل شيءٍ هذا مُحالٌ، لا يُمكن أبدًا، فلا نكن مثاليين وغير واقعيين، لنكن مثاليين واقعيين، نعم، بمعنى: أن تكون أحسن من أوساط الناس، وأن تُعطي من نفسك لابنك، وتكون ممن يُعامله مُعاملةً حسنةً، ودودةً، حازمةً، وتهتمّ به بأن تُشبعه بقُربك واهتمامك، وعندما تُقارَن بغيرك من الناس أو بأكثر الناس فأنت -ما شاء الله! تبارك الله!- مَن يراك يقول: ما شاء الله! تبارك الله! أنت تتعامل معه كأخٍ، تتعامل معه بدِفْءٍ عاطفيٍّ، تتعامل معه بنقاشٍ وحوارٍ يُنمِّي عقله ... إلى آخره، هذا الجمال، هذا هو الجمال حقيقةً.
فلذلك أعطِ من نفسك لابنك وقتًا أكثر، واهتمامًا أكثر، وعنايةً أكثر بما ذكرنا، وبغير ما ذُكِر.
أمَّا هذا التصور فهو تصورٌ غير واقعيٍّ، ولا مثاليٍّ، ومستحيلٌ.
والشيء الثاني: قد تُصدم، وعندئذٍ تستسلم، فتنبه أخي الكريم، نعم.
المحاور: هذا يسأل عن التَّشجيع للأطفال، يقول: المُكافآت التَّشجيعية هل هي أسلوبٌ تربويٌّ؛ حيث يُعلَّم الطفل حبّ المادة وانتظار المُكافأة؟
الدكتور خالد: لا يا إخواني، هذه نفوسٌ بشريةٌ، حتى الكبار يا جماعة كان هناك مَن قال عنه الرسول : يُحبه الله ورسوله[11]عن سلمة بن الأكوع قال: كان عليٌّ تخلف عن النبي في خيبر، وكان به رمدٌ، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله ! … Continue reading، وهذا دافعٌ أُخرويٌّ واضحٌ وبيِّنٌ، بل حتى العلماء كانوا يُعطون جُعْلًا لطالب العلم وحوافز مادية، وما شابه ذلك، مثلًا: مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمنٌ[12]أخرجه مسلم (1780).، هذا حافزٌ ماديٌّ.
نحن بأمسِّ الحاجة حقيقةً للانتباه لموضوع الحوافز في التربية الإسلامية، وأن منهجنا الإسلامي جاء برعاية الحوافز: منها العضوية التي لا ينفك عنها إنسانٌ أو حيوانٌ؛ وهي أكله، وشربه، ... إلى آخره بالمقدار السليم، ومنها الحوافز المادية: وهذه إمَّا حوافز دنيويةٌ ماديةٌ، وإمَّا معنويةٌ، وهذه يحتاجها الأطفال والكبار، لكن حاجة الأطفال إليها أكثر من الكبار؛ ولذلك جانب استعمالها مع الأطفال توسَّع فيه كيفما تشاء: ماديًّا، ومعنويًّا بالمدح والثناء، والنقود، والسيارات، والهدايا ... إلى آخره، والدوافع والحوافز الأُخروية يتربى عليها الكبار بمستوى أكثر من الجانب الدنيوي.
وهذا التصور حقيقةً قدَّمه الدكتور عبدالعزيز -وفقه الله- في كتابه الجميل "علم النفس الدعوي"، وهو موجودٌ على (الإنترنت)، ويُمكن الاستفادة منه حقيقةً في فصل "الدوافع"، وهو يُحتاج إليه، فلا شكَّ أن هذه كلها دوافع.
قضية أنَّه يرتبط بالمادة: فنحن ما زلنا في مرحلة الطفولة، وأيضًا هناك نوازع بشريةٌ طبيعيةٌ جدًّا، وأنَّ الله قال في حقِّ الحج في قوله : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، يعني: أن الإنسان يذهب إلى الحجِّ وتكون عنده رغبةٌ في التجارة، ويكتسب من التجارة.
إذن الجانب الدنيوي جزءٌ.
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77] هذا رقم واحدٍ، وهذا الذي ينبغي أن يتربى عليه، والمُنْتَج الذي يكون عليه المُكلَّفون.
وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] هذه قضيةٌ لا بد أن نكون واقعيين فيها.
أما ما يتعلَّق بقضية: هل في كل سلوكٍ سأُكافئه؟ في كل سلوكٍ سأُعطيه وأستمر في ذلك طيلة فترة طفولته؟
هنا الإشكالية تأتي:
أولًا: يقولون: إنه لا بد من المُباشرة في التعزيز، فبعد أن يفعل السلوك -خاصةً الطفل- أُعطيه مباشرةً حتى يفهم أن هذه مُرتبطةٌ بهذه، فلا تتأخر عليه.
الشيء الثاني: أن يكون فيها تنوعٌ، لا تكون كلها سيارات، فيُصبح عنده معرضٌ للسيارات مثلًا، فيتنوع.
الجانب الآخر: ألا تكون الهدية أو الجائزة أكبر من حجم السلوك، كأن أُعطيه شيئًا كبيرًا وسلوكه بسيطٌ، فماذا لو فعل سلوكًا أكبر منه؟ ستتورط.
الأمر الآخر: في بداية تأسيس السلوك أحتاج في كل مرةٍ أن أُعزِّز، مع تنوع التعزيزات المادية والمعنوية، ولكن الدنيوية والمادية للأطفال مهمةٌ جدًّا، ثم أبدأ أُؤخِّر كل مرتين أو كل ثلاثٍ، وأقول له: أنا أفعل لك، إذا جمعتَ خمسًا في انضباطك في موضوع الصلاة، أو في مُساعدة والدتك في البيت -أو شيءٍ من هذا القبيل- سأُعطيك جائزةً. فيتعود على ما يُسمى بجداول التعزيز.
وستجدون هذا الكلام الذي ذكرتُ لكم في مادةٍ هي عبارةٌ عن دورةٍ تدريبيةٍ بعنوان: "بين التعزيز والعقاب"، لعلكم تنظرون فيها، وستجدون فيها تفصيلًا كاملًا حول هذا الموضوع، والله أعلم.
المحاور: يا دكتور، هذا يسأل عن الفروق الفردية، يقول: هل يعتبرها من التَّمييز بين الأبناء: مراعاة الفروق الفردية؟
الدكتور خالد: لا، ليس تمييزًا بينهم في شيءٍ، إنما أنا أعرف الفروق الفردية حتى أتعامل مع كل إنسانٍ بما يُناسبه؛ فالناس ليسوا شيئًا واحدًا، وما يتعلَّق بذلك من حيث إن الناس ليسوا شيئًا واحدًا، فنُفرق بينهم.
أقصد أن هناك فروقًا فرديةً لا بد أن نُراعيها، فلا نطلب -مثلًا- مسؤولياتٍ من الابن محمد مثلما نطلب من الابن إبراهيم، فمحمدٌ سينجح في هذه المسؤوليات، وإبراهيم لن ينجح في نفس هذه المسؤوليات؛ لأن نمط الشخصية عند محمدٍ يختلف عن نمط إبراهيم، وهذه مشكلةٌ في قضايا هذه النقطة.
أمَّا ما يتعلَّق بـ: فاتَّقوا الله واعدلوا بين أولادكم[13]سبق تخريجه. فقضية العدل هنا لا بد أن يحرص الإنسان عليها؛ لأنها مجال مشاعر، ومجال اهتمامٍ من أبنائه؛ فلذلك تتقبل هذا، وتتقبل هذا، وتسأل الله العون في هذا الجانب وما يرتبط بذلك، وغير ذلك مما جاء في قضايا الهدايا والأُعطيات.
وأيضًا ما ذكره العلماء في قضية ما يرتبط بحاجة بعض الأبناء: كأن يكون سيتزوج، فهذا من الطبيعي جدًّا أن تُساعده مثلًا، لكن أن تُعطي طفلًا خمسة ريالاتٍ هديةً في العيد، وطفلك الثاني لا تُعطيه -كمثالٍ- فهذه مشكلةٌ.
فالمقصود بالفروق الفردية يعني: في تحميل المسؤوليات مُراعاة الشخص حتى نعرف كيف نُفسر سلوكه ونُعدل سلوكه؟ وكيف أستطيع أن أبني شخصيته بطريقةٍ جيدةٍ؛ لأن محمدًا غير إبراهيم؟
وأنا وجدتُ هذا الكلام في أبنائي، فبعد فترةٍ من الزمن حين كبروا طبَّقتُ عليهم برنامج "الميول المهنية" الموجود في نظرية (هولاند)، فخرج النَّمط الأول عند الأكبر، والنَّمط الأخير عند الأصغر منه، وبينهما سنتان أو ثلاثٌ، والنَّمط الأول عند الثاني هو النَّمط الأخير، فمُراعاة هذا النمط والنمط الثاني مُتعادلان فيه تقريبًا.
فهذا الأمر فسَّر لي شيئًا كثيرًا في الشخصية، وجعلني لا أتصور أن التَّخصص الذي يُناسب ألف يُناسب باء، ولا يلزم أن المهنة التي تُناسب ألف ستُناسِب باء، وفعلًا هذا هو الحاصل، ولا التوجيه، ولا التكاليف في البيت، فتختلف تكاليف المسؤوليات باختلاف تفسير السلوك وما يتعلَّق به، والله أعلم.
المحاور: حسنًا يا دكتور، جزاك الله خيرًا، نتمنى أن نختم بتساؤلٍ طُرِح يبدو لي أنه من الأسئلة المهمة: إذا كان أحد الطرفين غير مُتعاونٍ في التربية، فكان -مثلًا- أحدهما حازمًا، والآخر مُتراخيًا، فلا يتوافقان في التربية.
لعلك يا دكتور تختم بهذا.
الدكتور خالد: جزاك الله خيرًا يا أخي، هذا من الابتلاء، وخيرهما مَن قام بالواجب الذي عليه ولم يتنازل عنه، فلا يجوز التنازل عن الواجبات التي علينا نحن كآباء وأُمهات في الدور التربوي وتربية الأبناء والأطفال، خيرنا مَن قام بالواجب.
أمَّا الآخر الذي قصَّر فله حقٌّ علينا بالمُناصحة، والحوار، والتأثير فيه، والدعاء له، وما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له دواءً، علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله[14]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2534)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (1809).، فلا بد أن نتصور أنَّ هناك مجالًا في التأثير عليه، سواء كان بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ.
فإن لم ينفع، وعنده صدودٌ، والطبع يغلب التَّطبع، بغض النظر عن التفسيرات؛ لأني لا أُبرر، فالتَّبرير لا يجوز في هذا الجانب، لكننا نُفسر هنا، والشكوى إلى الله .
فعلى الطرف الثاني أن يعلم أنَّه أكثر قُربًا من الله في هذا، ويعضّ على ذلك بالنَّواجذ، ويستمر بالتأثير في الطرف الثاني والنُّصح والدعاء.
وأيضًا أعانه الله، أو أعانها الله على زيادة تحمل المسؤولية، فأراد الله بكَ أو بكِ خيرًا في ظلِّ هذه الظروف -أقصد- التي لم تكن واجبةً عليكِ، فتحملتِ أكثر، أو تحملَ أكثر بسبب تقصير الآخر، ولاتَ حين مندم.
أنا والله أُحذِّر نفسي، وأُحذِّر إخواني وأخواتي أننا سنقف بين يدي الله ليس بيننا وبينه تَرْجُمان، وسيُحاسبنا على ذلك.
أسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.
شكر الله لكم جميعًا، والشكر لله أولًا، ثم لأحبتي في هذه اللجنة المُباركة، وجزاهم الله خيرًا على إدارتهم، وترتيبهم السابق، وإعلانهم، والعرض الذي حصل، وإدارة اللقاء.
أسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، والحمد لله ربِّ العالمين.
المحاور: نشكر الدكتور خالد السعدي على هذه الكلمات الطيبة، والتربية -كما لا يخفى- تعلُّمها لا يأتي في لقاء ساعةٍ أو ساعةٍ ونصفٍ، ولكن هي توجيهاتٌ لعلها تكون حافزًا لمُتابعة أُطروحات الدكتور خالد، وهي مُتاحةٌ في قنوات التواصل الخاصة في (الإنترنت)، ومَن أراد الاستزادة فليبحث في قناة الدكتور، ففيها كنوزٌ تربويةٌ.
والشكر ثانيًا للحضور الكرام، وأستودعكم الله، وجزاكم الله خيرًا.
الدكتور خالد: بارك الله فيكم، وإياكم يا أخي.
↑1 | "من روائع حضارتنا" لمصطفى السباعي (ص176). |
---|---|
↑2 | "مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي" لأحمد قبش (ص7). |
↑3 | أخرجه البخاري (6129). |
↑4 | أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623). |
↑5 | أخرجه أبو داود (5217)، وصححه الألباني. |
↑6 | أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688). |
↑7 | عجز بيت شعرٍ، وهذا مبدأه: تعصي الإله وأنت تُظهر حبَّه *** هذا مُحالٌ في القياس بديعُ لو كان حبك صادقًا لأطعته *** إن المُحبَّ لمَن يُحب مُطيعُ "الكامل في اللغة والأدب" لأبي العباس المُبرد (2/ 4). |
↑8 | "الكشكول" للبهاء العاملي دون نسبة لقائلٍ |
↑9 | عن أبي هريرة : أن رسول الله أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنَّا -إن شاء الله- بكم لاحقون، ودِدْتُ أنَّا قد رَأَيْنا إخواننا، قالوا: أوَلَسْنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بَعْد. أخرجه مسلم (249). |
↑10 | إن من ورائكم أيام الصبر، للمُتمسك فيهن يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: بل منكم. أخرجه المروزي في "السنة" (32)، وذكره الألباني في "السلسلة الصحيحة" (494). |
↑11 | عن سلمة بن الأكوع قال: كان عليٌّ تخلف عن النبي في خيبر، وكان به رمدٌ، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله ! فخرج عليٌّ فلحق بالنبي ، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله : لأُعطيَنَّ الراية -أو ليأخُذَنَّ الراية- غدًا رجلًا يُحبه الله ورسوله -أو قال: يُحب الله ورسوله- يفتح الله عليه، فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه، فقالوا: هذا عليٌّ، فأعطاه رسول الله الراية، ففتح الله عليه. أخرجه البخاري (3702)، ومسلم (2407). |
↑12 | أخرجه مسلم (1780). |
↑13 | سبق تخريجه. |
↑14 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2534)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (1809). |