المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: هذا -بحمد الله وعونه- هو اللقاء الأول من المجموعة التاسعة من سلسلة "تطبيقات نفسية وتربوية من الكتاب والسنة".
بدأنا الحديث في آخر حلقات المجموعة الثامنة عن "أساليب تربوية"، وذكرنا أول أسلوبٍ، وهو: أسلوب القصة.
وتحدثنا عن مقدماتٍ حول الموضوع وأصول القصة، وذكرنا نماذج من القصص النبوي، وكان الأولى أن نبدأ بنماذج من القرآن، لكن حدث ذلك بسبب بعض الأشياء، وقد يكون لها -إن شاء الله- نصيبٌ آخر، وكلام الله لا يعلوه كلامٌ.
اسقِ حديقة فلانٍ
هذه قصةٌ رواها مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي هريرة ، عن النبي قال: بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فسمع صوتًا في سحابةٍ: اسْقِ حديقةَ فُلانٍ، فتنحى ذلك السَّحاب فأَفْرَغَ ماءه في حَرَّةٍ، يعني: السحاب تحرك وأفرغ ماء المطر في حرةٍ، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّرَاجِ قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء يعني: بدأ هذا الرجل يتَّبع مجرى الماء: أين يصل؟
فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يُحوِّل الماء بمِسْحاته يعني: يستقبل الماء ويُحوِّله بمِسْحاته إلى حديقته، فقال له: يا عبدالله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، هو سمع من السماء اسم فلانٍ الذي قيل للسحابة: أمطري عنده، فذهب، فقال: ما اسمك؟ قال: فلان، نفس الاسم.
فقال له: يا عبدالله، لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعتُ صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقةَ فلانٍ، لاسمك، فما تصنع فيها؟ يعني: ما السر الذي عندك؟ لماذا جاء ذكر اسمك في السماء، وأمطرت السحابة بأمر الله في حديقتك؟!
قال: أما إذ قلت هذا يعني: فأنا مُضطرٌّ أن أُجيب عندئذٍ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأردُّ فيها ثلثه[1]أخرجه مسلم (2984).، يعني: يستثمر الثلث، فهو ثلث الخراج.
ثلث المنتج يتصدق به، وثلثٌ يأكله، وثلثٌ يُنَمِّيه ويستثمره.
ولا شك أن الاستثمار خيرٌ وبركةٌ وذكاءٌ ومطلوبٌ، وأيضًا أكل الشخص مع عياله قُربةٌ إلى الله ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، ولكن أين السر؟
السر في الصدقة، ألزم نفسه بثلثِ المنتج صدقةً لله .
هذه القصة لنا فيها مجموعةٌ من الوقفات التربوية والنفسية، فهنيئًا لمَن يستقيم على أمر الله ، فهو في حفظ الله ورعايته، فهل هناك أكبر من أن يأتي أمر السماء إلى مثل هذا الشخص، ويكون تحت نظر الله وحفظه ورعايته؟! هنيئًا لمثل هذا الذي يستقيم.
ولذلك تجد رعاية الله وحفظه سبحانه للصالحين من عباده الذين يستقيمون على أمره.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصالحين المُستقيمين على أمره في الزمن الصعب.
أهمية الاتزان في حياة الإنسان
الأمر الآخر: لاحظ أنه يقسمها أثلاثًا: الثلث، والثلث، والثلث، فماذا نستفيد من هذا الدرس من الناحية التربوية؟
الاتِّزان؛ لأنه لا يُقال هنا: لزامًا عليه أن يعدل؛ لأن له ألا يتصدق بثلث ماله، لكن هنا المقصود الاتزان، هذا درسٌ مهمٌّ جدًّا: الاتزان في الأمور، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، هذا مما يُحب الله .
فحبذا للإنسان أن يُعوِّد نفسه على الاتزان.
وعندنا إفراطٌ وتفريطٌ في هذا الجانب، فالبعض يُهمل أشياء، وتجده في المقابل يغرق في أشياء، وفي الأخير لا يكون عنده توسطٌ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، ولا يكون عنده اتِّزانٌ، والاتزان جميلٌ جدًّا.
وهذا الإنسان وهو راغبٌ في الصدقة لم ينسَ أهله وعياله، وكذا وهو حريصٌ على أهله وعياله لم ينسَ المُحتاجين من المسلمين، وأيضًا لم ينسَ النظر للمستقبل، فاستثمر ثلث ماله.
فالاتزان وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه مهمٌّ.
ولا يأتي إنسانٌ ويقول: لا، أنا لا علاقةَ لي بالمحتاجين، المحتاجون لهم الجهات الخيرية. كما نسمع من بعض الأحباب، وتأتيه قضايا أكثر لفقراء قد لا يجدون أجرة المسكن، وتنطفئ الكهرباء عندهم، ... إلى آخره، ويموتون جوعًا، مثلما يقع في بعض بلاد المسلمين، وما سمعنا عنه مُؤخرًا في بعض المناطق المُحاصرة.
وأنا أقول: أنا أعلم أن الكثير قد دفع من جيبه، لكن هناك من المسلمين مَن لم يدفع إلى الآن ريالًا! ويحتجّ بحججٍ.
فلا بد للإنسان أن يكون لديه التوسط والاتزان في حياته، فلا يكن همُّه ذاته ونفسه فحسب، وأيضًا لا يكن همُّه غيره فينسى نفسه، وإنما يهتم بنفسه وأسرته وعياله، فذلك فيه جهادٌ، وفيه أجرٌ عظيمٌ جدًّا، ويتصدق بالثلث، والثلث كثيرٌ ونعمةٌ.
وأعرف شخصًا وفَّقه الله إلى مثل هذا، فالله مَنَّ عليه بمردودٍ وأرباحٍ شهريةٍ يُخرج منها ثلثها في كل مرةٍ، مهما كان هذا الثلث.
معالجة شُحِّ النفس
بعض المسلمين يُقدِّم رِجْلًا ويُؤخِّر أخرى، فيُمْسِك النظارة ويبدأ في حساب الزكاة، ويأخذ الآلة الحاسبة، وينظر في المبلغ المُستحقّ على أنه كبيرٌ، حتى يقول أحدهم: ما أقدر أن أعدّها!
والشيخ سلطان العويد رحمة الله عليه كان له كلامٌ كثيرٌ في هذا -وإن لم تخُنِّي الذاكرة-، كان يتكلم عن واحدٍ أتى إليه وقال له: يا شيخ، أنا ما أقدر على دفع المبلغ!
وأحدهم -وهو من باب المُلاطفة والمُداعبة، ويُعطي دلالةً في الصراع- يقول: أهون عليَّ أن أكتب الزكاة بالشيك أحسن من أني أعدُّها عدًّا!
الشيك ورقةٌ واحدةٌ، والمفروض مثلًا في الزكاة خمسمئة ألفٍ، أو مئة ألفٍ، أو مليونًا، يقول: أقعد أعدُّها! هذه صعبةٌ على النفس، لكن أكتبها كتابةً أفضل، فهذه ورقةٌ يمكن أن تنشق وتطيح!
فالتعامل مع النفس جيدٌ، لكن كل إناءٍ بالذي فيه ينضح، والمُوفَّق مَن وفَّقه الله ، وفرقٌ بين الذي يُخرج ثلث ماله صدقةً لله، ليس زكاةً، فالزكاة واجبةٌ، وبين الذي يتردد في إخراج الزكاة، ويُقدِّم رِجْلًا، ويُؤَخِّر أخرى، ويتأول، ويُفتي لنفسه، بحيث يكون من أروع المُفتين في تلك اللحظة: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، فالمال فتنةٌ؛ ولذلك الاتزان مهمٌّ جدًّا، خاصةً فيما يتعلق بالتعامل مع المال؛ لأن المال فتنةٌ فعلًا.
قيمة العمل
وهذا درسٌ آخر، فقيمة العمل مهمةٌ جدًّا، أين العمل في هذه القصة؟
هو يزرع، والزراعة من الوظائف التي أكَّدت عليها الشريعة، حتى إن العلماء يُفضلون من الأعمال: الزراعة، ويذكرونها في الوظائف والأعمال الشريفة العظيمة المُباركة التي فيها حثٌّ في هذا الجانب.
فهذا يعمل ويكدّ، وحين جاء الماء أجراه بالمِسْحاة إلى مكانٍ آخر، وفي الأصل يوجد نموٌّ وإنتاجٌ، ثم الثلث للاستثمار وللمستقبل، فالعمل مهمٌّ جدًّا.
وليس الرجل الصالح هو الذي ينقطع للعبادة ويترك العمل؛ ولذلك استنكر النبي أحوال الثلاثة الذين أتوا وقال أحدهم: أنا أصوم ولا أُفطر! وقال الآخر: أقوم ولا أنام! والثالث قال: لا أتزوج النساء!
فالنبي عليه الصلاة والسلام قال مُوبِّخًا لهم ومُحذِّرًا من هذا الاتجاه وهذا المسلك: أما أنا فأصوم وأُفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني[2]أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).، فالعمل مهمٌّ.
اليوم الشخص الذي جاءني يستشيرني في وضع ابنه، وعنده أزمةٌ لها شهورٌ، قُرابة السنة تقريبًا، فنصحته بأشياء، منها أني قلتُ له -وهذا نستخدمه في خطة العلاج-: اشغل وقت فراغ ابنك، اشغله بمشروعٍ دنيويٍّ، أو دينيٍّ، أو كلاهما، اجعله ينشغل ويشعر بالإنتاج.
فموضوع العمل مهمٌّ جدًّا، وذلك من نظريات التربية، فمُمارسة العمل يُسمّونها: الممارسة بالعمل:
(doing learning by)، يعني: يتعلم ويتربى من خلال ممارسة العمل، وذلك مهمٌّ جدًّا.
وهنا تأتي أهمية ما يرتبط باختيار العمل الذي يُناسب الشخص، ويُسمّونها: الميول المهنية، وسبق أن تكلمنا عن هذه القضية حين تحدثنا عن مرحلة الشباب واحتياجهم للتوجيه المهني؛ فلذلك قد تجد في ابنك أنه من الخير أن يتَّجه إلى العمل المُرتبط بالجانب الفكري والبحثي، أو أن ابنك هذا خيرٌ له أن يتجه إلى الجانب الاجتماعي والتطوعي الخيري، وهذا الآخر من الجيد أن يتَّجه للجانب المُتعلق بالجانب القيادي، وهكذا.
والإنسان الذي ينجح مع أبنائه في إشغالهم بالعمل وتربيتهم على العمل هو إنسانٌ ناجحٌ؛ ولذلك أقول: المشاريع التربوية ضخمةٌ جدًّا في الأسرة، ونحن بحاجةٍ شديدةٍ إلى برامج ضخمةٍ جدًّا في أُسرنا لتُربي أبناءنا، ومن ذلك: أن نجعلهم يعملون.
ولاحظوا: كلمة "العمل" حينما تتتبعها في كتاب الله تجد: وَقُلِ اعْمَلُوا [التوبة:105]، وإِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الشعراء:227]، تكرر لفظ "العمل" كثيرًا، والعمل من الأساليب الجيدة في تخفيف القلق والتوتر، وتخفيف النكد والضيق، وتخفيف الحزن والاكتئاب، أن يعمل الإنسان، أن يشغل نفسه.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في رسالة: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، وقد استفاد في رسالته هذه من (ديل كارنيجي) في كتابه "دع القلق وابدأ الحياة".
لذلك كما جاء عن أحد السلف: "إِني لأَكْره أن أرى أحدكم فارغًا سَبَهْلَلًا"[3]رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والطبراني في "معجمه"، وأبو نعيم في "الحلية"، وابن المبارك في كتاب "الزهد" .، أي: لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة، جالسٌ هكذا، ما مشروعك الآن؟ ماذا ستعمل في هذه الساعة؟
لا يدري! ما عنده شيءٌ، وإذا كان عاطلًا كثر وقت فراغه، وإذا كان يشتغل وجاء وبدأ يومه بعد العصر، أو بدأ يومه بعد المغرب، ما عنده ذاك اليوم؟ لا يدري! ما عنده شيءٌ.
"إِني لأكره أن أرى أحدكم فارغًا سَبَهْلَلًا"، فاشغل نفسك، واشغل أبناءك في عمل الدنيا وعمل الآخرة، فالعمل قيمةٌ عظيمةٌ جدًّا لبناء الشخصية.
تسخير الله وتوفيقه لمَن يرضى عنهم
الدرس الأخير في هذه القصة: تسخير الله وتوفيقه لمَن يرضى عنهم، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن رضي الله عنهم فسخَّر لهم ووفَّقهم لما يُحبّه ويرضاه.
هذا رجلٌ الله راضٍ عنه لما يفعله من تصدقٍ بثلث ماله من أحبِّ الأشياء إليه، فالله سخَّر له السحاب، وذكر اسمه في السماء، وأتى الماء إلى مكانه، وهذا من توفيق الله ، لا مصانع، ولا مقاولين، ولا مستشارين، ولا مجالس إدارات، مع أهمية هذه الأشياء في التخطيط والترتيب والتنظيم، لكن توفيق الله فوق كل هذا.
أين أنا وأين أنت من رضا الله عنا حتى يُوفِّقنا الله ويُسخر لنا عباده ويُسخّر لنا الدنيا؟
أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
الحب في الله والتَّزاور في الله
القصة الثانية القصيرة: وهي عند مسلمٍ: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي : أن رجلًا زار أخًا له في قريةٍ أخرى، فأرصد الله له على مَدْرَجَتِه مَلَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمةٍ تَرُبُّهَا؟ يعني: أنت تريد منه حاجةً معينةً؟ قال: لا، غير أني أحببتُه في الله . قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبَّك كما أحببته[4]أخرجه مسلم (2567)..
هذا يُبين فضل الحب في الله والتزاور في الله، فهذه قيمةٌ عظيمةٌ جدًّا لا بد أن نتربى عليها، وما أسعد الذين يُوفَّقون إلى مثل ذلك، فيُحبون غيرهم، حتى من غير أقاربهم، فكيف بأقاربهم؟!
يُحبونهم لله، ويزورونهم لله، وليس لأجل أنه طلبني فأزوره: فليس الواصل بالمُكافئ[5]أخرجه البخاري (5991).، أو أنه زارني فأزوره، وليس لغرضٍ دنيويٍّ، أو لحاجةٍ معينةٍ نحتاجها، حتى لو كانت مُباحةً، فالقضية هنا مرتبطةٌ بشيءٍ لله .
إخلاص العمل لله
هنا يظهر إخلاص العمل لله، وهذا لا يتأتى بالكلام، فهناك ناسٌ من الكفار يعملون أعمالًا طيبةً، لكن ليست لله، فيُعجل الله لهم حسناتهم في الدنيا، لكن إذا أتى يوم القيامة يجعله الله هباءً منثورًا.
ونفس الكلام يُقال هنا: فأنت قد تزور إنسانًا زيارةً من باب أنه قريبك، وأنه طلب منك الزيارة، وأحرجك، وتريد أن تأنس به، ... إلى آخره، فهي قضيةٌ مباحةٌ لا تأثم فيها، ولكن يفوت الأجر إذا لم يكن هناك إخلاصٌ في النية: أن تكون الزيارة في الله، والمحبة في الله، وهذه أشياء قلبيةٌ، فلا توجد أي علاقةٍ، أو تعلُّقٌ بشيءٍ آخر، هو يُريد الأجر: أنا زُرتك في الله، وأُحبك في الله.
وكل واحدٍ منا أدرى بهذا، ليس هناك مقياسٌ معينٌ (ترمومتر)، لكن الواحد منا أدرى: ما الذي جعله يذهب؟
ولذلك تجد بعض هؤلاء يزورون أناسًا لا يعرفونهم، فتكون القضية هنا أدعى للإخلاص، وليس هناك أي أجهزة إعلامٍ وتصويرٍ، لا، هو زار واحدًا: سلامٌ عليكم، وعليكم السلام، لا بأس عليك، طهورٌ إن شاء الله، أجرٌ وعافيةٌ.
هذه أخلاقياتٌ وقيمٌ عظيمةٌ جدًّا.
لذلك تنبغي العناية بهذا، وتربية الأبناء عليه، وإذا ذهبنا إلى زيارة بعض الأقارب مثلًا: نزور ناسًا، نزور مريضًا في الحيِّ: نحتسب الأجر عند الله .
الله يقول: طبتَ وطاب ممشاك[6]أخرجه الترمذي (2008)، وابن ماجه (1443)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (6387).، وهذا أمرٌ من الله : وتَبَوَّأْتَ من الجنة منزلًا، فنحن نكسب الأجر ونُرضي الله .
فلا بد من تدريب الأبناء على أن هذا العمل لله؛ لئلا تُصبح تربية الأبناء على أن الزيارة خاصةٌ بالأقارب دون الآخرين مثلًا، ويسمع الابن الصغير من الأب: والله طلبنا عمُّكم، وأستحيي ألا نروح! فيتربون على أن القضية بالمُقايضة، أو بسبب الإحراج، ... إلى آخره، أو بالمُقابلة.
فالقضية لله ؛ ولذلك نقول هنا أيضًا: قضية فضل الإخلاص وأهمية الإخلاص.
مشروعية السفر لزيارة أخٍ في الله
ذكر أهل الشريعة في هذا الجانب مشروعية سفر الأخ لزيارة أخيه في الله، وهذا من الأشياء الواضحة جدًّا، هو يُسافر: أريد أن أزور أخًا لي في الله. هذه من القضايا العظيمة، وهناك أناسٌ مُوفَّقون، يعني: يأتون إلى منطقةٍ أخرى ويُسافرون للزيارة في الله ، نسأل الله أن يُهنيهم بذلك، وهذه نِعَمٌ.
وإذا كان له شيءٌ أو مناسبةٌ معينةٌ لم ينسَ بعض أحبابه، وبعض أصدقائه، وبعض أقاربه، وغيرهم ممن يُحبهم في الله؛ فيتصل بهم: أنا لي زيارة عملٍ، أو زيارة انتدابٍ في المنطقة، ... إلى آخره، وأود أن أراكم.
وهذا الذي يُوفَّق لمثل هذا الأمر، ليس مثل الشخص الذي يُحاول أن يعرف أنه جاء، يعني: بغض النظر عن بعض الظروف، لكننا نتكلم في أن يكون هذا منهجًا عنده.
فتبليغ إنسانٍ بأمرٍ من الله -وهو ليس نبيًّا ولا رسولًا- أمرٌ قد يحصل، فهذا قيل له: فإني رسول الله إليك، فقد يحصل لمَن وُفِّق، وليس معنى ذلك أن الذي لا يحصل له هذا الأمر ليس مُوفَّقًا، ولكن الكلام هنا أن هناك أناسًا الله أعطاهم هذه المنزلة، فقد يُبَلَّغ الإنسان بأمرٍ من الله كما ذكر الشيخ الأشقر رحمة الله عليه.
وهنا واضحٌ جدًّا ما يتعلق بالملائكة وتصورهم، وهذه قضايا قد لا تكون من صميم الدروس التربوية والنفسية.
فنستفيد -كما قلنا- عمق العلاقة والتواصل مع الآخرين لله ، واحتساب الأجر في ذلك، وإخلاص النية لله في هذا الأمر، فأثره وأجره عظيمٌ جدًّا، فإن الذي يُحب الآخرين في الله سيُحبه الله ؛ لأنه قد أحبَّه لله .
فأنعم وأكرم حينما أكون أنا وتكون أنت ممن يُحبهم الله .
يتخيل كل واحدٍ منا نفسه أنه حبيب الله، الله أكبر! فإذا أحبَّ الله سبحانه عبدًا سيكون: سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه[7]أخرجه البخاري (6502)..
أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، اللهم آمين.
هذا والله تعالى أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين.
↑1 | أخرجه مسلم (2984). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401). |
↑3 | رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والطبراني في "معجمه"، وأبو نعيم في "الحلية"، وابن المبارك في كتاب "الزهد" . |
↑4 | أخرجه مسلم (2567). |
↑5 | أخرجه البخاري (5991). |
↑6 | أخرجه الترمذي (2008)، وابن ماجه (1443)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (6387). |
↑7 | أخرجه البخاري (6502). |