المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث عشر من سلسلة "التطبيقات النفسية والتربوية من الكتاب والسنة"، وهو الدرس الخامس عشر الخاص بالقصص النبوي، والدروس النفسية والتربوية المُستفادة من القصص التي قصَّها النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا اللقاء هو اللقاء قبل الأخير -بإذن الله -، وسيكون اللقاء الأخير الأسبوع القادم -بعون الله وتوفيقه-، وهو آخر لقاءٍ لموسمنا -بإذن الله- هذه السنة، وبفضل الله في السنة الرابعة من هذه السلسلة -بتوفيق الله- في المجموعة التاسعة، يعني: أنهينا -بفضل الله- أربع سنواتٍ ونصف، كل مجموعةٍ في فصلٍ دراسيٍّ، وستكون نهاية هذا الفصل في الأسبوع القادم في المجموعة التاسعة، يعني: أربع سنواتٍ ونصف بحمدٍ من الله وتوفيقه.
وكانت بدايتنا مع الفصل الدراسي الثاني من أول سنةٍ، ولله الحمد والمنة، والتوفيق والسداد من رب العالمين.
وفي هذا اللقاء سنتناول قصتين من القصص النبوي، على صاحبها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم.
القصة الأولى: بطلها النبي أيوب عليه الصلاة والسلام.
والقصة الثانية: بطلها النبي عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
قصة أيوب
عن أنس بن مالك : أن رسول الله قال: إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنةً، يعني: البلاء الذي أُصيب به في جسمه وجسده، وضعف بسبب ذلك ثماني عشرة سنةً .
فرَفَضَه أي: رفض النبي أيوب القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا يَغْدُوان إليه ويَروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يومٍ: تعلم، والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين. فقال له صاحبه: وما ذاك؟ فقال: منذ ثماني عشرة سنةً لم يرحمه الله فيكشف ما به، يعني: هو فسّر هذا بأن هناك ذنبًا لأيوب ، وافترى على أيوب بهذا الكلام.
فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له أن فلانًا يقول: كذا.
فقال أيوب: لا أدري ما تقولان، غير أن الله تعالى يعلم أني كنتُ أمر بالرجلين يتنازعان يتصارعان، يتنازعان فيذكران الله كل واحدٍ منهما يذكر الله فأرجع إلى بيتي فأُكفر عنهما؛ كراهية أن يُذكر الله إلا في حقٍّ يعني: كلما حصلت هذه المُشاجرة بين اثنين، وكل واحدٍ منهما يذكر الله أثناء النقاش، فجزمًا أن هناك واحدًا معه الحق، والثاني ليس معه الحق على أقل تقديرٍ، فأيوب كان إذا رجع إلى بيته يُكفِّر عنهما.
قال: وكان يخرج النبي يقول: وكان يخرج إلى حاجته، إذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده بسبب الوهن والضعف حتى يبلغ حاجته المكان الذي سيقضي فيه حاجته.
فلما كان ذات يومٍ أبطأ عليها، وأُوحي إلى أيوب: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42]، فاستبطأته، فتلقّته تنظر يعني: شاهدته واستقبلته تنظر وقد أقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو أحسن مما كان عليه، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك ما عرفت أيوب ، ظنت أنه شخصٌ آخر.
أي بارك الله فيك، هل رأيتَ نبي الله هذا المُبتلى؟ والله على ذلك ما رأيتُ أشبه منك إذ كان صحيحًا! أنت مثل أيوب عندما كان صحيحًا، فقال: فإني أنا هو.
وكان له أَنْدَرَان -أي: بَيْدَران-: أندرٌ للقمح، وأندرٌ للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغتْ فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى السحابة الأخرى: في أندر الشعير الوَرِق أي: الفضة حتى فاض، هذا حديثٌ صحيحٌ ذكره الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"[1]أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4115)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يُخرجاه"، والبزار في "مسنده" (6333)، … Continue reading.
الآن نقف مع بعض الدروس والفوائد التي يمكن أن نستفيد منها لأنفسنا، وتربية أهلينا وأبنائنا، وتربية أنفسنا أولًا، لعل الله أن ينفعنا بمثل هذه القصص.
الكل مُبتلى فعليك أن تصبر
الوقفة الأولى: ما يتعلق بالصبر على البلاء، فكل إنسانٍ مُبتلى، كل الناس مُبتلون، لكن المشكلة ليست في وجود البلاء، فلا يمكن أن يُنكر أحدٌ أنه قد ابتُلي، لكن المشكلة في قضية الصبر على البلاء.
والقضايا أكثر من موضوع الصبر كما قال العلماء، فهناك الرضا، وهي مرتبةٌ أعلى، والشكر مرتبةٌ أعلى من الرضا.
فأين نحن من الصبر على البلاء؟
وهناك صبرٌ جميلٌ، كما قال ابن القيم -رحمه الله- وغيره: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه، ولا معه[2]انظر: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (ص51)، وينسبه لابن تيمية -رحمه الله- كما في "مدارج السالكين" (2/ 160)..
وبعض الناس يصبر غصبًا عنه، لكن تجده يشتكي: أنا فيَّ كذا، وأنا خسرتُ كذا، وحصل كذا، ومرضتُ! فالشكوى لرب العالمين.
فهنا نقول لأنفسنا ولغيرنا: كل إنسانٍ مُعرَّضٌ للبلاء، فهل نفوسنا رُوِّضَتْ على الصبر على البلاء؟ هل روَّضنا أبناءنا وأهلينا على الصبر على البلاء؟
خذ مثالًا بأمرٍ لا تُحبه النفوس، ألا وهو: الموت، فإما أنا وإما زوجتي سنموت قبل بعضنا البعض، وإما أنا وإما والدي سيموت أحدنا قبل الآخر في الغالب، إلا أنه قد تحدث وفاةٌ واحدةٌ في وقتٍ واحدٍ تقريبًا، وهذا قليلٌ بالنسبة للغالب.
فهل النفوس رُوِّضت؟
سأفقد ربما ولدي، وولدي قد يفقدني، وهذا في قضية الموت التي هي أشد ما يكون.
ولا شكَّ أن البعض لا يرغب في أن يكون كذلك، لكن لا بد أن يُوطن نفسه على هذا.
لذلك أنا أرى من خلال ما يأتيني من استشاراتٍ فيما يتعلق بالجوانب النفسية والتربوية والأُسرية أن الحاجة ماسةٌ جدًّا لوجود توجيهٍ وبرنامجٍ وقدوةٍ في مثل هذا الأمر داخل البيوت، فلا بد أن تُوطن النفوس عند وجود المصيبة، وعلى رأسها فَقْد الحبيب كمثالٍ.
وهنا أيوب نبيٌّ مُؤيَّدٌ من الله ، ومع ذلك تركه القريب والبعيد، وتركه الأهلون إلا اثنين فقط قريبين منه، وابتُلي في جسمه وجسده، وثماني عشرة سنةً، ومع ذلك يصبر.
فنحتاج إلى هذا النَّفَس أيًّا كان وضع البلاء: موت قريبٍ، إصابة الإنسان بمرضٍ، سواء كان المرض بسيطًا أو مُتوسطًا أو مُعضلًا.
بعضنا حتى المرض البسيط ربما يتأفف منه! وتجد أبناءه مثله! فإذا أُصيب برَشْحٍ أو زُكامٍ -الأمر الطبيعي الذي يحصل لكل واحدٍ منا- تجد أنه يتذمر ويتأفف ... إلى آخره!
ولكن هناك فرقٌ بين هذا الذي يُعلم أبناءه بالقُدوة بالذات حينما يقول: الحمد لله، كل إنسانٍ مُبتلًى، ونسأل الله أن يُعافينا ويشفينا، والحمد لله نحن أهون من غيرنا.
أمٌّ مُبتلاةٌ وحيلةٌ ذكيةٌ
وهناك قصةٌ تاريخيةٌ لامرأةٍ كان لها ابنٌ في السجن، فهذه المرأة تعبت جدًّا نفسيًّا فيما يتعلق بوضع ابنها وأنه لا يزال في السجن، وكان ابنها الشاب -السجين- حاذقًا، فكتب لها رسالةً يطلب من أمه فيها طلبًا، وكان الطلب جميلًا، وهو: إذا كنت تُحبيني يا أماه فأولِمي وليمةً، وادعي إلى هذه الوليمة الأقارب والجيران ومَن تُحبين، لكن بشرط: ألا يحضر هذه الوليمة بيتٌ قد ابتُلي.
فقامت الأم بتحقيق رغبة ابنها، فسعت من أجل أن تُحقق هذا الطلب، وكانت مُستعدةً، ومع الذهول ذهب عن ذهنها الشرط؛ لأنها لو فكّرت فقط تفكيرًا طبيعيًّا لأدركت الحقيقة، لكنها من حبِّها لابنها، وهي تريد أن تخدمه؛ قامت بطرق الأبواب والدعوات، وإذا بها تجد في كل بيتٍ مُصيبةً وبلوى، بل وجدتْ أن من البيوت بيوتًا مُصيبتها وبلواها أشد من مُصيبتها؛ فهانت مُصيبتها عليها، وأدركت رسالة ابنها، وأنه كان يريد أن تقف مثل هذا الموقف.
لذلك نحن في أمس الحاجة إلى قضية الصبر على البلاء، وتعويد النفس على الصبر على البلاء، وأنه أمرٌ لا بد وأنه حاصلٌ لكل أحدٍ، لكن: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].
الفرق في قضية: أنصبر أم لا؟ ذاك عجبٌ، كما جاء في الحديث: عَجَبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر؛ فكان خيرًا له[3]أخرجه مسلم (2999)..
هذا هو الدرس الكبير المهم في حياةٍ نعيشها ونحن مُبتلون أصلًا فيها بالعبادة لله ، وحياةٍ نعيشها فيها الكدر والضيق، بل أصبح مرض العصر اليوم من الناحية النفسية -كما يُسطِّر ذلك أهل الاختصاص- هو ما يتعلق بمرض القلق والتوتر، وهذا مُدْرَكٌ حقيقةً.
يعني: لو أردتُ أن أُحلل الأسئلة التي تأتيني في الاستشارات سأجد الرقم الأول بلا نزاعٍ في الأسئلة -أغلب الأسئلة-، لو أُصنف مثلًا: أهي من قبيل القلق والتوتر، أو من قبيل الوسواس القهري، أو من قبيل كذا، أو من قبيل كذا ... إلى آخره؟ ستجد القلق والتوتر هو الأغلب والأكثر؛ لأنه مُرتبطٌ بالمستقبل، مع الحزن والاكتئاب المُرتبط بالفترة السابقة -الماضي- والحزن على ما سبق، مع أن الماضي انتهى، والمستقبل لم يأتِ بعد، فيشغل باله بالسابق واللاحق، بينما الوقت الحاضر مريضٌ وغير مُستثمرٍ، وهذا ضد السعادة النفسية، وضد الاستقرار النفسي كما يقول أهل الاختصاص، ويقول كذلك الذين أدركوا النفس البشرية، كما ذكر الشيخ السعدي -رحمه الله- في كتابه "الوسائل المُفيدة للحياة السعيدة"[4]انظر: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص23).، وفيما يتعلق بقضية الأعمال في الوقت الحاضر، وإغلاق باب الماضي، وإغلاق باب المستقبل.
فالإنسان في وقته الحاضر هو الآن في محاضرةٍ، والإخوان موجودون الآن في محاضرةٍ، وأنا الآن أُلقي، فحتى أكون مُنتجًا سعيدًا لا بد أن أهتم بما سأُقدمه خلال مدة المحاضرة، والآخرون يهتمون بما يسمعونه، وهكذا.
لكن مَن يشغل باله بشيءٍ آخر، ويذهب يمينًا ويسارًا، وفوق وتحت؛ لن يستفيد كما يستفيد غيره.
وهكذا في أمورنا الحياتية اليومية، وفي اللحظة الحاضرة.
إذن موضوع الصبر على الابتلاء درسٌ عظيمٌ جدًّا، فما عاقبته؟
عاقبة الصبر على البلاء
الوقفة الثانية، أو الدرس الثاني من القصة: عاقبته عظيمةٌ وخيرٌ كبيرٌ، يعني: ثماني عشرة سنةً صبر عليه الصلاة والسلام، وهو نبيٌّ، ثم يُعيده الله إلى ما كان عليه، بل أفضل مما كان عليه، فعاقبة الصبر خيرٌ: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
ولذلك من وسائل التعويد وتربية النفس والآخرين على الصبر على البلاء: إدراك العواقب الدنيوية والعواقب الأُخروية للصبر من خلال مثل هذه المواقف، وقراءة هذه القصة على الأبناء وأخذ الدروس، وقراءة بعض الآيات وبعض الأحاديث ... إلى آخره، والكلام عن آبائنا وأجدادنا وأقاربنا ومَن نعرف من الأهل والجيران ممن أُصيب وابتُلي، وكيف يحمد الله ويشكر الله؟
وقد كان لي جارٌ شابٌّ في أحد الأحياء السابقة التي كنتُ أسكنها اسمه: ماجد -رحمة الله عليه-، وكان مُعاقًا، ومن أول مَن يحضر إلى المسجد بعربته، ومن آخر مَن يخرج من المسجد، ومن شدة الإعاقة عنده أن عضلات القفص الصدري داخلةٌ بعضها مع بعضٍ، وعنده إعاقةٌ حركيةٌ في جسمه كاملًا، فالنَّفَس عنده ثقيلٌ جدًّا ومُتعبٌ، وكان ذاك الوقت عنده سبع عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة.
وكنت كلما أقبلتُ وسلَّمتُ عليه في الشارع، أو في المسجد، أو أذهب إليه في البيت وأزور والده وأهله وإخوانه كان يبتسم، فأقول له: يا ماجد، كيف أخبارك؟
ولم يسبق لي أن رأيتُه غير مُبتسمٍ -مع كثرة ما رأيتُه، فقد كان جارًا لنا-، فكنت كلما رأيتُه أراه مُبتسمًا، ويقول: الحمد لله، وكان كذلك إلى آخر لحظةٍ في حياته كما أخبرني أخوه المرافق له في المستشفى، فقد قال لي: كان كذلك بفضل الله .
فهذه الصور التي كنا نتمناها لأبنائنا، كلنا سنغادر هذه الحياة، فأين نحن من هذا الدرس العظيم: "الصبر على البلاء وإدراك عاقبة هذا الصبر" فيما يتعلق بالأجر عند الله: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، بِغَيْرِ حِسَابٍ يعني: هذا من عطاء رب العالمين الذي لا ينفد، وهذا لا يُدرك؛ لأن هذا: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلب بشرٍ[5]أخرجه البخاري (3244)، ومسلم (2824)..
فلنجعل الأبناء والأهل ومَن نُعلمهم وأنفسنا قبل ذلك نعيش هذا الخيال الواسع الذي ليس له حدودٌ.
ثم أيضًا في الدنيا: أن يكون لنا نموذجٌ وقدوةٌ، وأن تكون عاقبته خيرًا، حتى في دفع الله عنه الشرور ... إلى آخره، وما شابه ذلك.
تعظيم أيوب لربه
الوقفة الثالثة: تعظيم أيوب لربه، أخذناه من: إذا شاهد اثنين يتشاجران ويذكران الله يذهب ويُكفِّر؛ يخاف أن يُذكر الله في غير المحل الصحيح.
يا إلهي! يا إلهي! يظهر الحس الإيماني، فكم نسمع من استخدام لفظ الجلالة؟! وللأسف الشديد الحلف، وما شابه ذلك، وجَعْل الله عُرْضَةً لأيماننا، وتهون علينا القضايا.
هذه قضيةٌ قلبيةٌ، فما حرك أيوب وجعله يذهب إلى بيته ويُكفِّر ليس عبارةً عن سلوكٍ ظاهريٍّ، لا، وإنما هو سلوكٌ داخليٌّ، مُتأثرٌ هو من هذا المسلك، مُتأثرٌ من هذا الموقف، فعظم الله في قلبه، فترتب على ذلك السلوك.
وهذه قضايا بين الإنسان وربه، وهناك أشياء معينة، خبايا، وما أجمل حينما تكون هذه الخبايا التي بيننا وبين الله يُحبها الله ! يعني: نُري الله من أنفسنا خيرًا، ما أجمل هذه القضية! وما أجمل أن يتربى الأبناء على ذلك!
تفرح حينما تجد ابنك دون أن يراه أحدٌ، لكنك أنت رمقته في لحظةٍ فوجدته رافعًا يده إلى الله يطلب حاجةً، ويفعل شيئًا لا ينتظر عليه جزاءً ولا شكورًا، ولا يعلم أن هناك مَن يراه، لكنك قد رأيته أنت كمثالٍ.
هذا من الجوانب المهمة في تعميق الجانب الإيماني والحس الإيماني في النفوس.
وفاء الزوجة لزوجها
الوقفة الرابعة، ومن الدروس أيضًا: وفاء الزوجة لزوجها، فحينما يريد أن يذهب إلى حاجته هي التي تأخذه بيده؛ بسبب الوهن الذي هو فيه، وتنتظره حتى يأتي.
هذه صورةٌ من صور الجمال في العلاقات الزوجية، ونحن نتكلم عن هذا؛ لأن أغلب ما يأتينا المشكلات، ما تأتينا الصور المُشرقة الإيجابية، وهي موجودةٌ، لكن أغلب ما يأتي الناس الذين تقع عندهم مشكلاتٌ، فتشعر أن الأمور كلها أغلبها سوداوي ... إلى آخره.
لكن أيضًا هناك نسبةٌ مشكلة، هناك نسبةٌ، هناك زيادات، هناك مُؤثرات، هناك مُتغيرات، يعني: حياة البُسطاء الأولين كانت تُعينهم على حياة التَّماسك الأُسري وقِلة الخلافات، والعلاقات الزوجية الرائعة، فمثل هذا الوفاء نحن بأمس الحاجة إليه.
وقد جلستُ مع أحد كبار السن في هذه المنطقة، وحدثني عن صورٍ من الوفاء الذي لاقاه في حياته من أخبار آبائه وأجداده والكبار، كيف كان وفاؤهم؟ وفاء الزوجة لزوجها، ووفاء الزوج لزوجته، وصور نحن بأمس الحاجة إليها، صور يعني: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] كما قال الله .
هناك فضلٌ حاصلٌ بين الطرفين ينبغي ألا يُنسى هذا الفضل، ولا يمكن أبدًا أن يتحقق هذا المطلب -ألا يُنسى هذا الفضل- إلا بالوفاء.
حينما -للأسف الشديد- تأتي قضيةٌ من القضايا، أو بسبب شيءٍ يحدث الكدر، ويتعكر المزاج، وتتغير الحياة التي كانت رائعةً فتُصبح حياةً تعيسةً، فهذه قضيةٌ خطيرةٌ.
ومما لاحظتُه جدًّا في هذا الموضوع، وهذا في التخصص لدينا يُسمى: أزمة منتصف العمر، وفيها كتابات وأدبيات في هذا الموضوع، يعني: وتحتاج إلى تأملٍ؛ قد لاحظتُ جزءًا من المشكلات تكثر من سنِّ الأربعين فما فوق، وهذه أزمة منتصف العمر، أشاروا إليها في التخصص وما يتعلق بها، وربما لأنه قد انتهت مرحلةٌ من مراحل النُّضج ومراحل السعادة والحياة، وانتقل إلى مرحلةٍ من مراحل الكهولة، وسنُقبل على مرحلة الكهولة، فالجانب النفسي له دورٌ في هذا، فإذا كان مُوفقًا سيُعان على الإنتاج، وإن كان غير ذلك فهذه مشكلةٌ.
أيضًا الجانب الفسيولوجي المتعلق بعلاقة الزوج بزوجته، وحاجة الزوج، وكون الزوجة تبلغ الأربعين، وقد يكون هو بحاجةٍ إلى زوجةٍ ثانيةٍ، وما شابه ذلك ... إلى آخره، هذا أيضًا من المشكلات التي تحصل.
فهذه رحمة الله بهذه الأمة وبالناس: أن جعل التعدد في حق الرجل، ولم يكن التعدد للمرأة.
وعندما تقرؤون في أزمة منتصف العمر -وأنا أرى هذه القضية بشكلٍ كبيرٍ في الاستشارات- وتشعر بحكمة الله أن الرجل له التعدد، وليس للمرأة؛ تأتيك الحالات واضحةً جدًّا: إما بشِكاية الرجال أنفسهم -ما بعد أزمة منتصف العمر- أو بشِكاية النساء لخيانة أزواجهن لهن، وكثيرًا ما كنتُ أسأل: متى بدأت الخيانة؟ متى بدأت علاقات الزوج بنساء عن طريق ما حرَّم الله ؟ متى بدأ الدخول على المواقع السيئة للزوج؟ وما شابه ذلك، فأجد -في الغالب- أنه وقع بعد سن الأربعين.
أنا أتكلم عن شيءٍ يردني، وهذا ليس تبريرًا -والعياذ بالله-، هذا تفسيرٌ يحتاج الإنسان أن يقف معه حتى نُبين أهمية الوفاء، وإعمال الجانب الشرعي الشمولي فيما يتعلق بالحياة الزوجية عمومًا، وما يرتبط بقضية العفة والاستعفاف.
قدرة الله النافذة
آخر درسٍ نختم به هذه القصة: قدرة الله النافذة، فقد أعاد أيوب إلى وضعه الذي كان عليه، بل أفضل مما كان عليه.
وهذا معناه: أن الإنسان لا ييأس، فالأمر بيد الله من قبل ومن بعد، وإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
إذا كان عندنا هذا العُمق في الشعور فما أسهل أن نقوله بألسنتنا! لكن الأمر في القلب والمشاعر، وحينما نُدرك أن الله قادرٌ، وهذا الذي يُسمونه: اليقين، فعندما يكون الإنسان لديه يقينٌ يدعو الله وهو مُوقنٌ بالإجابة.
ما كل واحدٍ يصل إلى هذه المرحلة، والناس يتفاوتون في هذا كثيرًا، وكل واحدٍ منا أدرى بنفسه، فقد تجد الواحد يدعو ويدعو، ويُؤجر على دعائه، لكنه عندما يقيس مستوى اليقين لديه قد يكون 60% مثلًا، ولو كان بالتقدير الرقمي 65%، 70%، 40%، ففيه نسبة من عدم.
لكن تجد أناسًا الله وفَّقهم إلى مستوى من اليقين؛ لعلاقتهم القوية بالله ، وقد احتككنا ببعض الناس والنماذج القليلة النادرة الذين مَنَّ الله عليهم بذلك.
وأنا أتكلم الآن وفي ذهني واحدٌ حيٌّ، ولو لم يكن حيًّا لذكرتُ اسمه؛ لأن الحيَّ لا تُؤمَن عليه الفتنة، وأنه ممن حَبَاه الله بذلك حتى في الأزمات، وفي الضيق، وفي شدة الأمور وصعوبتها، ونفسه في الشدة والرخاء تجد نفس الشيء، فالرجل نفسه عنده يقينٌ أن الأمر بيد الله؛ ولذلك تجد هذا الرجل عابدًا لله ، لا يترك الجلوس من بعد صلاة الفجر إلى الشروق -فيما أعلم- في حياته كلها، وإذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة وقام وصلى، وأشدّ من ذلك أن كلامه في الرخاء هو كلامه في الشدة.
فهذا لا تُفسره إلا باليقين، وأنه مُتوكلٌ على الله ، وأن الأمر بيد الله من قبل ومن بعد.
لو كان عندنا هذا الأمر بهذا المستوى أو قريبًا منه لهانت علينا أمورٌ كثيرةٌ: كالمصائب، والبلايا، وهانت الدنيا التي أشغلت كثيرًا من الناس.
الواحد منا -وأنا منكم- لو اختبر نفسه يجد بعض الأحيان أنه يرتفع عنده (أمبير) الهم بسبب شيءٍ معينٍ: الطالب بالدرجة عنده، والأستاذ بسبب موقفٍ معينٍ، والأب بسبب خلافٍ بسيطٍ جدًّا مع الزوجة، وقضايا بسيطة جدًّا، لكن أولئك أصحاب النفوس السَّمحة الذين تعلقوا بالله مُوفقون، مُلهمون، ولا شكَّ أنهم على خيرٍ عظيمٍ، أسأل الله أن يُبارك لهم فيما أعطاهم، وأن يرزقنا يا رب.
عيسى والسارق
القصة الأخرى: روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة : أن النبي قال: رأى عيسى ابن مريم رجلًا يسرق، فقال له: أسرقتَ؟ قال: كلا، والله الذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنتُ بالله، وكذبتُ عيني[6]أخرجه البخاري (3444)، ومسلم (2368)..
هؤلاء الأنبياء كان في قصصهم عبرةٌ، كما كان تعظيم الأمر في قلب أيوب وهو يسمع الله يُذكر في التَّشاجر؛ فيعظم عنده الأمر أن يُقال: الله في مكانٍ قد لا يكون فيه الصدق والصواب، فيذهب ويُكفِّر.
ليس له علاقةٌ بالموضوع، وليس مسؤولًا عنهما، لكن هكذا الحس الإيماني، وهكذا تعظيم أمر الله في القلب.
كذلك ما حصل من عيسى ، فقد رأى الرجل يسرق، لكن الرجل أنكر وقال: كلا، والله الذي لا إله إلا هو، فما كان من عيسى إلا أن قال: آمنتُ بالله، وكذبتُ عيني، يا إلهي! أن تصل القضية لهذا المستوى: أن الإنسان يُكذب نفسه وهو يعلم أنه صادقٌ! لكن كل هذا تعظيمًا لله .
فما أحوجنا وأحوج الأجيال إلى أن يكون أمرهم مع الله بهذه المثابة!
لا نقل: هؤلاء أنبياء! وهذا بعيدٌ.
فالأنبياء بشرٌ، ومن حكمة الله: أن جعل الأنبياء بشرٌ؛ حتى نقتدي بهم.
وخطأٌ كبيرٌ أن نقول: هؤلاء أنبياء! وأن هذا النبي محمد ، وعندئذٍ نخرس، لا، يُراد منا أن نقتدي بهم: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]، كما أمر النبي ، وهو النبي عليه الصلاة والسلام.
فنحن في أمس الحاجة للاقتداء بهم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
تعظيم أمر الله في النفوس والقلوب من أعظم ما تحتاجه الأجيال اليوم، ومن أعظم ما نحتاجه نحن.
أسأل الله أن يعفو عنا، ويغفر لنا تقصيرنا في هذا لأنفسنا ولغيرنا ممن نحن مسؤولون عنهم.
وحينما يصبح أمر الله عظيمًا ليس سهلًا أبدًا أن يحلف لك بالله، وليس سهلًا أن تسمع هذا الأمر.
أقول لكم قصةً فيها شَبَهٌ من هذا الجانب في جانب الفطرة: أذكر أحد الطلاب مرَّ عليَّ قديمًا في كلية المعلمين، وكانت عندنا آنذاك نسبةٌ كبيرةٌ يأتون من مناطق خارج الشرقية فيسكنون، حتى وصلت نسبتهم في بعض الأحيان إلى 60% من نسبة الطلاب في الكلية -أيام كلية المعلمين- في الخطوط الأربعة.
فهذا الطالب أتاني فقال لي: حصل موقفٌ يا دكتور، ولا تسألني عن صلاةٍ، ولا تسألني عن أمور كذا -أسأل الله أن يعفو عنا ويتوب علينا-، لكنني أتيتُ أُحدثك عن شيءٍ ما كنتُ أتخيله في حياتي. قلت له: ماذا؟
الفطرة لها رصيدٌ، ولو حافظنا على الفطرة: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، وما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، والله لو لم نُحرفها سنُربي أجيالًا عظماء، لكن -للأسف- عندما لا نهتم بهذه القضية قد نُحرفها نحن: فأبواه يُهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجسانه ... إلى آخره[7]أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658).، تحصل مشاكل في الأجيال، ثم تأتيك الفطرة في لحظاتٍ معينةٍ مع القصور الشديد.
هو يقول: أنا مُفرِّطٌ في الصلاة، أنا أتيتُ ما أعرف أحدًا في الدمام، وأُحب الكرة، فكان أحد زملائي الذين هم معي في الكلية يقول: الذين في المجموعات المُقررات. فأسمعهم يجمعون فريقًا وكذا، فدخلتُ معهم، فأصبحتُ صاحبًا لهم، وجمعتنا الكرة، وهؤلاء عددٌ منهم ليسوا من أهل الدمام، وعندهم شقةٌ، فسكنتُ معهم، فلا تسأل عن حياتنا، وأمورنا، وقضايانا؟ والله يعفو عنا، فكل الذي في بالك وتتوقعه موجودٌ!
لكن في يومٍ من الأيام وأنا في نقاشٍ مع أحد الشباب الموجود في السكن، وإذا به يسبّ النبي ، يا الله!
يقول لي هذا الطالب: والله ما إن سمعتُ هذا الأمر إلا وأصبحتُ شخصًا آخر تمامًا، ونسيتُ الدنيا كلها، يُسبُّ النبي وأمامي!
لا بارك الله في الصداقة وفي الأصدقاء.
وأجرى ما أجراه هو على زميله فيما تولد من غضبٍ، وحُقَّ له أن يغضب لحق النبي .
ثم يقول: أخذتُ أغراضي وذهبتُ، وسكنتُ بمفردي، وتركتُ هؤلاء.
فالفطرة عندما تربّت -وهي موجودةٌ- عظم فيها مقام النبي ومقام الله ، كيف -سبحان الله!- تنطق هذه الفطرة؟!
كما أننا رأينا كيف يكون الناس، ومن مُخالفي سنة النبي ؟! وكيف هم عندما سُبَّ النبي ورُسمت الرسومات المُسيئة له ؟! كيف تحركت المشاعر؟! هذه فطرةٌ.
هذه الفطرة عندما نستثمر هذه القضية، لكن تحتاج إلى قُدواتٍ وبيئةٍ، وتحتاج إلى تحفيزٍ، وقصص ومواقف حتى نصل إلى قريبٍ مما كان عليه هؤلاء القوم؛ يعظم الله والنبي في قلوبهم محبةً.
والناس معادن، وفرقٌ بين عيسى عليه الصلاة والسلام والرجل الآخر، ذات اليمين، وذات الشمال، فالنبي عيسى يُكذِّب عينه بما رآه حقًّا، لكن الله قد ذُكر أمامه وعنده، انتهى، والثاني يحلف بالكذب! وهذه صورةٌ موجودةٌ، وتلك الصور موجودةٌ: نموذج إيجابي، ونموذج سلبي.
لنا الظاهر والله يتولى السرائر
من الدروس أيضًا: لنا الظاهر والله يتولى السرائر، لا تغرق في الباطن؛ تتعب، أنت تتعب؛ لأنك ستفتح آفاقًا: ما قصده؟ والزوج يقول: أنتِ بالتأكيد تريدين كذا. أو يقول لمَن يشتكيها عندها وكذا: هي بالتأكيد تقصد كذا. مَن قال لك: أنها تقصد كذا؟! أنت لا تدري عنها! أنت عليك بالظاهر، عالج السلوك الخطأ، لكن لا تدخل في النوايا، انتهت القضية.
وعيسى عليه الصلاة والسلام قال له الرجل: كلا، والله الذي لا إله إلا هو، فأخذ الرجل على ظاهره، وأوكل سريرته لله، انتهى الأمر، لستَ أنت الذي ستُجازي بحالٍ من الأحوال، فقضايا القلوب يُجازيها علام الغيوب .
الله هو الولي والرقيب والحسيب سبحانه
الدرس الأخير: الله هو الولي، الله هو الرقيب، الله هو الحسيب، فاطمئن.
هو حسبي ورقيبي ووليي ، فاطمئن، واترك خفايا الناس والظنون حولهم لله، إن كان لك حقٌّ فسيأخذه الله لك ممن ظلمك.
ولذلك مما يُعكر صفو الحياة والعلاقات: نسيان مثل هذه القضايا، والدخول في السرائر، مع أنه يكفينا الظاهر.
هذا الرجل الذي قال: كلا، والله الذي لا إله إلا هو، ثم سمع عيسى عليه الصلاة والسلام يقول: آمنتُ بالله، وكذَّبتُ عيني، ما الذي سيحصل لهذا الرجل؟
هناك عدة احتمالات، وعيسى عليه الصلاة والسلام ليس مسؤولًا عنهم، ليس مسؤولًا عن هذه القضية، وقد يكون الاحتمال أنه أثَّر به إيجابًا، وقد يكون زاد وتمادى.
فالقضية الآن ليست قضية أني جالسٌ أُساعده على السوء، مثل مَن يقول: لا تُعطي هذا الفقير. طيب، أنا سأُعطيه، فالنبي ما كان يرد أحدًا، أنا هذه طريقتي، مثلًا: لو قالها لشخصٍ آخر، قال: لا، ما يُدريك؟! هذا يمكن أن يكون لعَّابًا، وسارقًا ... إلى آخره، فندخل في قضايا النوايا.
هناك فرقٌ بين كونك لا تريد أن تُعين إلا الذين تعرفهم، وكونك تمنع غيرك، وكونك تدخل في النوايا، وما شابه ذلك، كمثالٍ، وحتى لو أعطيتَ سارقًا، كما في حديثٍ تكلمنا عنه: تُصدق الليلة على سارقٍ ... على زانيةٍ ... إلى آخره[8]أخرجه البخاري (1421)، ومسلم (1022)..
فالقضية هنا مُرتبطةٌ بك أنت، وليس به هو، هو سيتحمل مسؤوليته، مثل: الرجل الذي حلف كذبًا سيتحمل مسؤولية حلفه بالكذب، لكن لن يتحملها عيسى عليه الصلاة والسلام، لكنه بالعكس أعطى نموذجًا في تعظيم أمر الله ؛ عندما حلف له بالله سكت، بل إنه قال: آمنتُ بالله؛ تحقيقًا للتوحيد، ومقام الله وجناب التوحيد: وكذَّبتُ عيني.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم مثل هذه المواقف.
وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.
وسيكون الأسبوع القادم هو آخر لقاءٍ لنا في المجموعة التاسعة -بإذن الله -، ويكون العود إذا أحيانا الله بعد الإجازة الصيفية الطويلة، أكبر إجازةٍ صيفيةٍ مرَّت في تاريخ المملكة.
أعان الله الأُسر على توجيه أجيالها، فهذه مسؤوليةٌ علينا كلنا، مسؤوليةٌ كبيرةٌ جدًّا إلى أن تُشمر السواعد؛ لأنه حينما تكون الإجازات فرصًا وبيئةً مناسبةً للاستثمار فهذا رائعٌ جدًّا، وحينما تكون وسيلةً للانحراف ...!
وقد سألتُ بعض الناس في الشرطة وفي الهيئات عن أغلب الانحرافات التي تحصل والمشاكل، فكان الجواب أنها في الإجازات، حتى في العشر الأواخر من رمضان.
أذكر واحدًا من شرطة مكة يقول: البلاوي تأتينا أكثر شيءٍ في العشر الأواخر من رمضان!
وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا عندما تكون القضايا في مثل هذا الوقت وما يتعلق به:
إن الشباب والفراغ والجِدَة | مفسدةٌ للمرء أي مفسدة[9]انظر: "مفتاح العلوم" للسكاكي (ص425)، و"علم البديع" لعبدالعزيز عتيق (ص156). |
نسأل الله العون والسداد والتوفيق.
ونسأل الله أن ينفعنا وإياكم، وأن يُبلغنا وإياكم شهر رمضان الكريم، وأن يُعيننا وإياكم على الخير، وأن يُسمعنا وإياكم خيرًا، وأن ينصر الدين وأهله، ويُعلي كلمته.
هذا، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4115)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يُخرجاه"، والبزار في "مسنده" (6333)، واللفظ له، ولفظ الحاكم: إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه خمس عشرة سنةً، فرَفَضَه ...، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (17). |
---|---|
↑2 | انظر: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (ص51)، وينسبه لابن تيمية -رحمه الله- كما في "مدارج السالكين" (2/ 160). |
↑3 | أخرجه مسلم (2999). |
↑4 | انظر: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص23). |
↑5 | أخرجه البخاري (3244)، ومسلم (2824). |
↑6 | أخرجه البخاري (3444)، ومسلم (2368). |
↑7 | أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658). |
↑8 | أخرجه البخاري (1421)، ومسلم (1022). |
↑9 | انظر: "مفتاح العلوم" للسكاكي (ص425)، و"علم البديع" لعبدالعزيز عتيق (ص156). |