المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: هذا هو اللقاء الثامن من اللقاءات التربوية، وكنا في اللقاء السابق الاستثنائي أخذنا جميع الأسئلة التي سألها الإخوة الكرام وأجبنا عليها، وربما بسبب أنه كان لقاءً استثنائيًّا لم يكن عددٌ من الإخوة موجودين ممن سألوا الأسئلة؛ فلذلك جميع الأسئلة موجودةٌ والإجابة في قرابة الساعة والربع في الأرشيف في موقع "البث الإسلامي"، يمكن أن يعود الأخ أو الأخت إليه حتى يجد الإجابة إن لم يكن حاضرًا في ذاك الوقت.
أما اليوم فنحن مع الحلقة الثامنة -إن شاء الله تعالى-، وسنناقش قضيةً مهمةً جدًّا فيما يتعلق بالجوانب التربوية والنفسية والأُسرية، وعنوانها: "الإنسان بين المُسلَّمات والمُخْرَجات"، ونقصد بهذه التسمية: أن القضية التربوية والقضية النفسية والأُسرية، كل هذه الأمور مرتبطةٌ بالإنسان ذاته، فحينما نعرف مَن هو الإنسان؟ مَن هو أنا وأنت؟ من خلال المنهج الإسلامي، ما هو هذا الإنسان؟ ما هي طبيعة هذا الإنسان؟ كذلك نعرف المُخْرَجات المطلوبة؛ حتى نُوجد الإنسان الصالح في هذا المجتمع.
سيكون لقاؤنا اليوم حول هذا الموضوع، وإذا بقي منه جزءٌ نُكمله في الأسبوع القادم، بإذن الله .
الإنسان بطبعه خَيِّرٌ
أولى هذه القضايا المتعلقة بموضوعنا: مَن هو الإنسان؟ حول المُسلَّمات المتعلقة بالإنسان، حول طبيعة هذا الإنسان وما يتعلق به: إن الإنسان بطبعه خَيِّرٌ، وهذا واضحٌ جدًّا في المنهج الإسلامي، كما جاء في الحديث عن النبي فيما معناه: كل مولودٍ يُولد على الفطرة[1]أخرجه البخاري (1385).، وفي روايةٍ: على المِلَّة[2]أخرجه مسلم (2658)..
فالإنسان أول ما يُولد يُولد على التوحيد، على الفطرة، على الإسلام، على المِلَّة، ثم بعد ذلك الإنسان قابلٌ للشر، وقابلٌ للخير: فأبواه يُهودانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه ... إلى آخره[3]أخرجه البخاري (1385).، وهذه القضية مهمةٌ جدًّا في معرفة الإنسان.
أنا لا أريد أن أغوص في النظريات النفسية حول الإنسان، وكلامهم في هذا الموضوع وغيره من الموضوعات التي ستأتي معنا، ليس هذا هو المقصود، نحن نريد أن نستفيد من منهج القرآن والسنة، وهذه اللقاءات عبارةٌ عن وقفاتٍ تربويةٍ، ولمحاتٍ نفسيةٍ من الكتاب والسنة.
أنا حينما أعرف أن الإنسان بطبعه خَيِّرٌ؛ فعندئذٍ: الخطأ والزَّلل والانحراف هو أصلٌ عنده أم شيء طارئ؟
الأصل أنه خَيِّرٌ، وأنه على التوحيد، وما حصل من تجاوزٍ وانحرافٍ عنده هو شيءٌ طارئٌ على هذا الأصل، والنفس البشرية: ابنك، ابنتك، أنت، زوجتك، الطالب، ... إلى آخره، أي واحدٍ من البشر يمكن أن يعود إلى أصله لو حصل مَن يُؤثر فيه.
لكن لو قلنا: الأصل أن الإنسان ليس أصله خَيِّرًا، وإنما هو شريرٌ، كما تقول بعض النَّظريات الغربية -للأسف الشديد-، مثل: فرويد، وغيره كمثالٍ، وأنه لا خَيِّر، ولا شرير، لكن لما يأتي الإسلام ويقول لك: لا، الإنسان بطبعه خَيِّرٌ؛ ولذلك ينبغي أن نبذل جهدنا: آباء، معلمون، أصدقاء، فرد في المجتمع.
أنت لو انحرفت عن الجادة تقدر أن تُعيد نفسك إلى الصواب، لو انحرف صاحبك، أو ابنك، أو ابنتك، أو طالبك، أو زوجتك، لو انحرف واحدٌ من هؤلاء عن الجادة، عن الحق، باستطاعتك أن تُعيده؛ لأن الإنسان الأصل فيه أنه خَيِّرٌ، وهذه مُسلَّمةٌ مهمةٌ جدًّا جدًّا.
وأنا لا أريد أن أغوص في قضية النظريات النفسية الغربية؛ لأنها تُوضح الصورة من جهةٍ، لكن أُنَزِّه المسامع في بعض القضايا التي ما أتى الإخوان من أجلها، وما يريدون أن يسمعوا مثل هذه القضية، خاصةً أنهم ليسوا إخوةً مُختصين في هذا الجانب، لكن تكفينا الإشارة حول هذا المعلم الأساسي في قضية: مَن هو الإنسان؟ فالإنسان بطبعه خَيِّرٌ، هذا أولًا.
ومَن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا
ثانيًا: الابتعاد الذي يحصل عند الإنسان عن الطريق الصحيح، أبٌ قصَّر في تربية أبنائه، مُعلمٌ ما كان قدوةً لطلابه، صديقٌ انحرف عن الجادة، زوجةٌ لم تُطع زوجها، ابنٌ لم يُطع أباه وأمه ... إلى آخره.
أي صورةٍ من صور الانحراف والابتعاد عن المنهج الإسلامي سبب ذلك: أن هذا الانحراف يُسبب الاضطراب في الشخصية، وهناك -للأسف الشديد- من النظريات الغربية -من النظريات الغير الإسلامية- مَن يرى أن الدين سببٌ في الكَبْت.
واليوم تجد بعض الناس -للأسف الشديد- عندهم مصطلح "التشدد" في تعاملهم مع أبنائهم، يعني: هذا المصطلح اليوم أنا أسمعه بسهولةٍ من شخصٍ -أبٍ، مسؤولٍ، صديقٍ، طالبٍ- ما أعجبه شيءٌ معينٌ، حتى لو كان من الدين، لكنه ما يتحرى، يقول لك: هذا مُتشددٌ!
طيب، وإذا كان محمدٌ فعل هذا الأمر؟!
نحن نعرف ما هو الصحيح في الإنسان، فالإنسان اضطرابه هو بسبب انحرافه عن العقيدة الصحيحة، وعن الدين الصحيح، هذه القضية قاعدةٌ، ما يحتاج أن نتفلسف ونقول أكثر من ذلك.
طيب، ما هو دليلنا في ذلك؟
يقول الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].
القلق الذي يُسمَّى اليوم: مرض العصر النفسي على مستوى العالم، الله وصفه في هذه الآية بوصفٍ واضحٍ جدًّا، وحين يأتي الشخص هذا القلق، ويأتيه الضيق ... إلى آخره، يعرف هذا المعنى.
لما يقول الله : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا، الضنك: أن يشعر بالضيق، فتجدون الواحد إذا التجأ إلى الله في مثل هذه الحالة تنفرج أساريره ويرتاح، لماذا؟
لأن الله يقول في المقابل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
فرقٌ بين الحياة الطيبة السعيدة والراحة النفسية، وبين الضنك والضيق والقلق والاكتئاب الذي يشعر به الإنسان بسبب انحرافه عن الطريق الصحيح.
وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا لا بد أن نفهمها في الإنسان، في المنهج الإسلامي لا بد أن نعرف هذا.
ولذلك أنا سألتُ، وأسأل نفسي، وتحصل لقاءاتٍ مع الشباب في بعض الأحيان، فأقول للشاب: لماذا تفعل هذا الفعل؟ وقد أكون لا أعرفه، إنما أراه في الطريق قد شغل الأغاني بشكلٍ مُلفتٍ، عنده سلوكٌ غير سويٍّ، ما يُصلي ... إلى آخره، فيقول لي: والله أنا ضائقٌ، أنا أريد أن أُسلي نفسي!
طيب، أنت حينما تريد أن تُسلي نفسك حتى تُذهب عن نفسك الضيق والضنك، هل يذهب؟
يقول: يذهب للحظاتٍ معدودةٍ ثم يعود مرةً أخرى. ويبقى في الدوامة، وهذا تفسيرٌ نفسيٌّ: لماذا يشتغل الواحد في دوَّامةٍ واحدةٍ، ويمشي فيها، ويجتر فيها، ويرجع، ويجتر فيها؟ لأنه غير مُوفَّقٍ في معرفة سبب الاضطراب النفسي الحقيقي الذي هو البُعد عن الطريق المستقيم والصِّراط المستقيم.
فإذا أرادت الأُسر السعادة فعليها أن تعود إلى الله ، وأن تُربي أبناءها على الطريق السليم، وأن تبتعد عن الأشياء التي تُعارض مثل هذا الأمر، وهذه مُسلَّمةٌ من مُسلَّمات المنهج الإسلامي كما يقولون، لا نقاشَ فيها، كما ذكرنا من الأدلة والشواهد على ذلك.
إنما الحلم بالتَّحلم
النقطة الثالثة: الإنسان سلوكه قابلٌ للتعديل، وقابلٌ للتغيير، ونسمع كثيرًا مَن يقول: أنا أتمنى، لكني ما أستطيع، أنا أريد أن أترك الدخان، لكن ما أستطيع، أنا أريد أن أترك هذا الصديق، لكني ما أستطيع!
فلفظة "ما أستطيع" أو أقلّ منها قليلًا: ما أقدر، أو مستحيل، وما شابه ذلك، هذه كلها عباراتٌ تُخالف هذه المسلَّمة التي جاء بها المنهج الإسلامي، وهي: أن القضية في السلوك الإنساني أن كل واحدٍ منا يستطيع أن يُغير سلوكه، وهو عنده إرادةٌ، والله ما تعبدنا وأراد منا أن نسلك الطريق المستقيم إلا ونحن قادرون على أن نُغير سلوكنا، بل الله ربط التغيير في المجتمع بالتغيير في الفرد: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، فالإنسان ابتداءً يستطيع أن يُغير ما بنفسه.
طيب، أنا غيَّرتُ ما بنفسي، والأبناء غيَّروا ما بأنفسهم، وأم العيال غيَّرت ما بنفسها، والإخوان غيَّروا ما بأنفسهم، وهكذا أصبحت هذه القاعدة الأصلية موجودةً عمليًّا، ماذا سيحصل في المجتمع؟ سيتغيرون: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها[4]"أثر العبادات في حياة المسلم" لعبدالمحسن البدر (ص9).، وأولها أيام الصحابة والسلف الصالح، الرجال العظماء كانوا على هذا الطريق، على هذا الأسلوب في التغيير.
لما يقول النبي : إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[5]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2326).، يأتي واحدٌ ويقول: أنا ما أُحب القراءة يا ولدي. يقول: لا، أنا ما أريد القراءة، تعودت أني ما أقرأ.
طيب، كيف يأتي العلم؟!
يقول الرسول : إنما العلم بالتعلم، كل واحدٍ منا عنده مهارةٌ معينةٌ ما كان يعرفها، تدرب عليها، وأصبح يعرفها.
ويقولون دائمًا: إن قضية القدرة تأتي بالتدريب، القاعدة: أن القدرة تأتي بالتدريب، فأنت تقود سيارةً بالتدريب، وتتعلم شيئًا إضافيًّا بالتدريب، نفس الكلام: إنما العلم بالتعلم.
أنا ما أستطيع أن أقرأ، ما أُحب أن أقرأ! اقرأ يا أخي الكريم، لا تقل: ما أُحب، لا تدع بينك وبين العلم والقراءة، أو بينك وبين أي مهارةٍ إيجابيةٍ مسافةً، ينبغي أن يكون لك دورٌ في التغيير: إنما العلم بالتعلم، هذا في جانب قيمة العلم وقيمة الارتقاء؛ لأننا نُعاني في بيوتنا اليوم من ضحالةٍ في الجانب الثقافي والجانب العلمي.
يعني: صار الآن غيرنا يُؤثر فينا، ونقبل التأثير؛ لأننا لا نعرف هل هذا صحيحٌ أم خطأٌ؟
اليوم أصبحنا في عالمٍ يموج في ظل التقنيات الحديثة وثورة الاتصالات.
إذن الأسرة لا تعرف ما هو الصحيح من الخطأ، ولا تعرف الحقَّ من الباطل، ولا تعرف الخير من الشر، مشكلةٌ كبيرةٌ جدًّا.
لا تظنوا أن واقعنا اليوم سيكون مثل واقعنا السابق، يعني: هل المُنتجات في السابق مثل المُنتجات الآن؟ لا؛ لذلك ينبغي أن نأخذ هذه القضية: أن نُعدل ما بأنفسنا، ونُغير ما بأنفسنا، وهذه هي تقوية الإرادة، وعندي وعندك مخزونٌ من الإرادة.
أُعطيك مثالًا: خذ الآن الذي ما يُحب القرآن، دعنا في الذي ما يُحب القراءة، وإن كان هدفنا ليس القراءة، لكن دعنا نأخذ هذا كنموذجٍ فقط؛ لأن هناك عداوةً كبيرةً بين أبنائنا وبين القراءة، هذه مشكلةٌ كبيرةٌ.
بينما يقول لك البعض: والله يا أخي أنا أرى أبناء بعض (الخواجات) من الغربيين عند السيارة، أنا رأيتهم عند الإشارات في "الخبر" وهم يخرجون من المدرسة الأجنبية، فرأيت ابنين جالسين عند الإشارة، وكان الابن الصغير يقرأ كتابًا، والثاني يقرأ كتابًا.
هذه من أين جاءت؟! سحرٌ؟! شيءٌ يكون لهم ولا يكون لنا نحن؟! شيءٌ عندهم وما يمكن أن يكون عندنا نحن؟! يعني: هل هي قضيةٌ من المستحيل أن تكون عندنا نحن أمة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]؟!
أنا أقول لك: هذا الذي لا يُحب القراءة ولا يقرأ -أيًّا كان: ولدًا أو بنتًا- ليلة الاختبار ماذا يحصل عنده؟ تطلع الطاقة الكبيرة الضخمة، يقرأ مئة صفحةٍ ومئتين وثلاثمئة، فالطاقة موجودةٌ.
وكما يقولون في الدراسات الحديثة: إن الذي يُفَعَّل ويُستخدم من القدرات العقلية في الإنسان 10% فقط، أما الباقي 90% فهو كامنٌ، وهذا واضحٌ في المثال الذي ذكرته لكم، فهذا من الشيء الكامن الذي يظهر ليلة الاختبار.
طيب، لو كان هذا السلوك عند أبنائنا وأهلينا لأصبح الإنسان يمكن أن يتمرس ويُصبح له مجالٌ في تعديل سلوكه، ما كان يقرأ، أصبح الآن يقرأ، حتى لو كان قليلًا، دعه يقرأ أفضل من ألا يقرأ.
السلوك قابلٌ للتغيير والتعديل بالاتجاه الإيجابي
قال: وإنما الحلم بالتحلم، شخصٌ ليس صبورًا، طيب، يا أخي، عوِّد نفسك، أو غضوبٌ، الأب يقول لك ...، أنا لاحظتُ أن كثيرًا من مشكلات الأسرة تتمثل في عصبية الأب، أو عصبية الزوجة، أو عصبية الأبناء، واحدٌ من هؤلاء، وحين يكون اثنان عصبيين تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا عصبيٌّ، وهذه عصبيةٌ؛ فتشتعل النار، الله يُعين مَن يأتي ليُطفئ النار.
طيب، يا أخي، املك نفسك، تقول لي: ما أقدر. أقول لك: أنت قادرٌ على أن تُعدل هذا السلوك، وأنتِ قادرةٌ على أن تُعدلي هذا السلوك، لماذا؟ لأن النبي يقول: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم.
يا أخي، أي عاقلٍ حتى لو لم يكن مسلمًا يستطيع، لكن نحن نُخالفها في دعوانا، لماذا؟ لأننا بسهولةٍ نُبرر لأنفسنا، نقول: تعوَّد على هذا الشيء، الولد تعوَّد على هذا الشيء، البنت تعوَّدت! طيب، ولماذا لا تتغير؟ لماذا لا نسعى إلى تغييره؟ وكيف تعوَّدوا على هذا السلوك؟! فالبنت ما سلوكها في الحجاب؟ لا يُرضي الله ، والله صعبٌ أن أُغيرها الآن! كيف يكون تغييرها صعبًا؟! أولًا: كيف وصلت إلى هذا المستوى؟! حتى لو وصلت فالسلوك قابلٌ للتغيير والتعديل، لا نستسلم.
يقول: والله صعبٌ! دخلت القنوات وصعبٌ أن أُخرجها! مثلما جاء في أحد الأسئلة التي أجبنا عليها سابقًا؛ أن شخصًا يقول: أنا فتح الله عليَّ بالتدين، فأخرجت القنوات التي ما هي بطيبةٍ، ثم تعرضتُ لضغوطٍ من الزوجة؛ فأعدتُ القنوات مرةً أخرى.
هذا خلافٌ لهذه المُسلَّمة في التعامل مع النفس البشرية التي جاء بها المنهج الإسلامي، ونؤكد عليها: أن السلوك قابلٌ للتغيير والتعديل بالاتجاه الإيجابي، لا السلبي، يعني: مثل صاحبنا اتَّجه اتِّجاهًا إيجابيًّا فحمى أسرته من الخطر، ثم انكسر عند ضغط زوجته؛ فرجع إلى ما كان عليه من قبل، وهو غير مُقتنعٍ، كيف تكون القضية انهزاميةً؟ لماذا؟ لأن قوة الإرادة غير موجودةٍ، لا بد أن تكون هناك إرادةٌ قويةٌ من خلال هذه المعاني التي ذكرناها قبل قليلٍ.
اختلاف النفوس البشرية
النقطة الرابعة: الناس والنفوس البشرية مختلفةٌ، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في معرفة الإنسان، فأنا وأنت لسنا سواءً، وأصابع اليد الواحدة -كما يقال- ليست سواءً؛ لذلك أولادك وأبناؤك ليسوا سواءً، وليس صحيحًا أن الذي أرى أن يفعله ابني ألف يجب أن يفعله ابني باء: أحمد وإبراهيم، أحمد -يا أخي- عنده قُدراتٌ ليست عند إبراهيم، وإبراهيم عنده قُدراتٌ ليست عند أحمد.
فغير صحيحٍ أن يصير الأبناء كلهم أطباء، أو قضاةً، أو مهندسين، لا يلزم ذلك، وليس لازمًا أن أنتظر منهم جميعًا نفس السلوك.
أنا أقول لك الجانب الأساسي في التعامل، ما هو واجبٌ في طاعة الوالدين، لكن لا أُكلفه بتكاليف، هناك ميولٌ عند الأبناء تختلف من ابنٍ لابنٍ، ومن بنتٍ لأخرى، وهناك قدراتٌ تختلف من ابنٍ لابنٍ، ومن بنتٍ لبنتٍ، هناك اختلافٌ، وما يُسمونه بالفروق الفردية بين الطلاب بعضهم مع بعضٍ، فليس صحيحًا أن كل واحدٍ من هؤلاء يُعتبر شيئًا واحدًا؛ لأن هناك اختلافًا.
الرسول يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأةٍ ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه[6]أخرجه البخاري (1)..
فالناس حتى في النية مُختلفون، مُتفاوتون؛ لذلك لا بد أن نضع هذه القضية في بالنا، والجدارة إذا استطاعت الأسرة أن تعرف الفرق بين أبنائها وأفرادها، وإذا استطاع المعلم أن يعرف الفرق بين الطلاب؛ حتى يُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، ويتعامل مع كل شخصٍ بالشيء المناسب.
هذه المُسلَّمة الرابعة.
سلوك الإنسان قائمٌ على الشمولية
المسلَّمة الخامسة: أن سلوك الإنسان قائمٌ على الشمولية، فالإنسان عبارةٌ عن عقلٍ، وعبارةٌ عن وجدانٍ وعواطف، وعبارةٌ عن سلوكٍ حركيٍّ ومهارةٍ، فليس صحيحًا أن أُربي الابن فقط حتى أُغذي عقله، وأنسى جانبه الوجداني، أو جانبه المهاري، أو أُغذي ابني في جانبه المهاري، وأنسى الجوانب الأخرى، لماذا؟ لأن الإنسان عنده الشمولية، فالإنسان يأتي بكل هذه الأشياء.
وقد اهتم الإسلام بهذه القضايا كلها: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا[7]أخرجه البخاري (1968).، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وماذا؟ وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، قضيةٌ شاملةٌ، وليست خاصةً.
بعض الناس عنده اهتمامٌ بالجانب المادي في الأسرة: تصرفاته ممتازةٌ، لكن أين القضايا الأخرى؟! هناك شموليةٌ في الإنسان تحتاج أن تُراعيها أيها الأب، وأيتها الأسرة، والأصدقاء فيما بينهم يُروِّحون عن أنفسهم، ويُغذون أنفسهم في جوانب معينةٍ، لكنهم ينسون الجوانب الأخرى، يعني: ينبسطون فيما بينهم، لكن أين الجانب الثقافي فيما بينهم؟! تجده ضعيفًا جدًّا، وأين الجانب الإيماني؟ تجد القليل الذي يحرص على تغذية صديقه في الجانب الإيماني، وهكذا المعلم مع الطلاب.
إذن الشمولية قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فلا أتجه إلى طرفٍ وأنسى أطرافًا أخرى، أتجه إلى مجالٍ في الإنسان، وأنسى المجالات الأخرى، لا بد أن آخذ القضية بشموليتها؛ حتى يكون الولد صالحًا، نافعًا، لا نريد جسمًا بدون عقلٍ، أو له عقلٌ، لكنه يتنكَّر للدين، أو له عاطفةٌ جيَّاشةٌ، لكن ما عنده أي مهارةٍ، لا، لا بد من أخذ القضية بشموليةٍ، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في النفس البشرية، والنفس البشرية عندها مستوى أدنى من هذه القضايا كلها، تحتاج إلى تربيةٍ عقليةٍ، وتحتاج إلى تربيةٍ نفسيةٍ ووجدانيةٍ وإيمانيةٍ، وتحتاج إلى تربيةٍ مهاريةٍ جسديةٍ.
والناس الذين يهتمون بأبنائهم وأهليهم وأُسرهم وأنفسهم في الجانب الصحي تجد البعض يذهب إلى الطبيب، وهذا ممتازٌ، ويعمل له الطبيب فحصًا دوريًّا، وهذا ممتازٌ، لكن أين الفحص الدوري الإيماني؟! وأين الفحص الدوري في القيم والأخلاق؟! وأين الفحص الدوري في الأُسر في قضية القنوات الفضائية؟! ما الذي نأخذ؟ وما الذي نترك؟
يمرض أحد الأبناء فتقوم الدنيا ولا تقعد، وهذا حقٌّ للابن، ممتازٌ، وتُدفع الأموال، وإذا جاء إلى شراء قناةٍ فضائيةٍ مُحافظةٍ قال: المبلغ المطلوب كبيرٌ!
لماذا نهتم بالجانب الجسدي، بينما الجانب القِيَمي لا نهتم به؟!
فلا بد من الرعاية الشمولية للنفس البشرية.
الإنسان قائمٌ على التَّكامُلية
النقطة التي بعدها: أن الإنسان قائمٌ على التكاملية، هي شمولية، لكن بينها تكامُلية، يعني: كل هذه الأمور يُؤثر بعضها في بعضٍ، فعقل الإنسان يُؤثر في إيمانه، ووجدانه يؤثر في صحته وجسده، والنبي يقول: ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[8]أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)..
فالذي يقول: الإيمان في القلب. نقول له: هذا صحيحٌ، فالإيمان في القلب، لكن الإيمان الذي في القلب له أثرٌ على السلوك، فالتكامل هنا مهمٌّ جدًّا؛ لأنه إذا كان عندي إيمانٌ بالقلب، فأين أثره؟! أين أخلاقي؟!
لما سُئلت عائشةُ عن خُلق النبي قالت: كان خُلُقه القرآن[9]أخرجه أحمد في "مسنده" (24601)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4807)..
فإذا كان خُلُقي يُعارض الإيمان، أو خُلُق ابني، أو زوجتي، أو الطالب، وأقول: إن الإيمان في القلب! فهذه دعوى خاطئةٌ جدًّا، وتعاملٌ مع قضية الإيمان بمسلكٍ غير سويٍّ، ينبغي أن ننتبه له، فالتكامُلية مهمةٌ جدًّا.
النفس البشرية تحتاج إلى التوجيه والتأثير إلى آخر لحظةٍ في حياتها
النقطة السابعة: الأمر مُرتبطٌ بجانب الاستمرارية، بمعنى: التربية، ورعاية النفس البشرية، والتأثير فيها، وعلاقة الآباء بالأبناء، وأي شيءٍ له علاقةٌ بهذا الجانب هو أمرٌ مستمرٌّ، ليس له ارتباطٌ بمرحلةٍ معينةٍ.
دعوني أُعطيكم بعض الصور:
قال الله : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، يعني: أنت في عبادةٍ إلى آخر لحظةٍ؛ لذلك الإمام أحمد -رحمه الله ورضي الله عنه- لما كان على فراش الموت، وكان ابنه عبدالله بجواره، ويسمع والده يقول: لا بعد، لا بعد. فقال: يا أبتي، إنك تقول: لا بعد، لا بعد؟ فقال: جاءني الشيطان فقال: فتني يا أحمد[10]"حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" للأصبهاني (9/ 183).، يعني: خلاص، أفلتَّ مني، وما قدرت أن أُؤثر عليك. فقال الإمام أحمد: لا بعد، لا بعد. ما دامت الروح موجودةً يمكن أن يضل الإنسان، يعني: يمكن أن يضل الإنسان في آخر لحظةٍ من حياته، هذا الفقه العظيم من أحمد، رحمه الله.
لذلك لما قيل لأحدهم: لِمَ تُتعب نفسك؟! قال: راحتها أريد[11]"الإنسان بين علو الهمة وهبوطها" للشحود (ص168). أي: في الجنة.
هؤلاء يعملون إلى آخر لحظةٍ: الاستمرارية في العمل، والاستمرارية في التربية، والاستمرارية في التأثير، لا يقول أحدنا: نحن كبرنا، فما نحتاج أن يُوجهنا أحدٌ. يقولها البعض: نحن كبار، وقد عرفنا الدين تمامًا، وعرفنا كل شيءٍ. ما يصلح، فنحن نحتاج أن نتعلم إلى آخر لحظةٍ.
لا بد من التربية منذ الطفولة، من وقت الصِّغر، وهناك أناسٌ كثيرون يُضحون بمرحلة الطفولة، لكن لما يأتي إلى المُراهق يقول: ما المشكلة التي صارت عند هذا المُراهق؟
طيب، أستاذي، القضية مستمرةٌ، ليست المُراهقة الآن، حتى بعد المُراهقة، حتى لو تزوج، حتى لو خرج من بيتك، القضية مستمرةٌ.
فالنفس البشرية تحتاج إلى التوجيه والتأثير إلى آخر لحظةٍ في حياتها؛ ولذلك جاء الشرع بالتوجيه إلى أن يُلقَّن الإنسان الشهادة عند لحظة الوفاة -نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخيرٍ- لماذا هذا؟ لأنها علامةٌ عظيمةٌ جدًّا، ولا يقوى عليها كل أحدٍ، فهذه اللحظة من اللحظات المهمة، فالقضية مستمرةٌ، التعلم مستمرٌّ، وتعديل السلوك إلى الشيء الإيجابي مستمرٌّ.
بعض الناس بالعكس؛ يستمر في الجوانب السلبية، أو يقول لك: ما أريد أن أتحرك. أو يجعل قضية الأطفال على براءتهم. طيب، الرسول علَّم الأطفال، قال: يا غلام، سَمِّ الله تعالى، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[12]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، وقال: يا غلام، إني أُعلمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظك[13]أخرجه الترمذي في "سننه" (2516)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5302).، علَّمه حتى التوحيد، فالتعليم مطلوبٌ ومستمرٌّ إلى آخر لحظةٍ، فيُقال له: قل: لا إله إلا الله، كما قال النبي لعمه أبي طالب[14]أخرجه البخاري (1360)، ومسلم (24).، يريد أن يُنقذه حتى يُفلح ويخرج من هذه الحياة والله عنه راضٍ.
القضايا الإيمانية والعبادية والاعتقادية هي المُهيمنة
النقطة الثامنة: أن الجوانب في النفس البشرية: الجسدية، والعقلية، والروحية، والاجتماعية، وفي المجتمع عمومًا: السياسية والاقتصادية ... إلى آخره، كل هذه القضايا المتعلقة بالإنسان مباشرةً، أو بالأشياء المُؤثرة في الإنسان من الناحية الشمولية، ولها علاقةٌ بالشمولية الداخلية والشمولية الخارجية يظهر فيها أن القضايا الروحية والإيمانية والعبادية والاعتقادية هي المُهيمنة: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذا رقم واحدٍ.
فينبغي ألا ننسى هذا في ظل تربيتنا الأسرية والتعليمية والتربوية، ينبغي على الآباء والمعلمين والمُربين والأصدقاء والشباب والكبار والصِّغار والذكور والإناث ألا ينسوا هذه، وقد سبق أن تكلمنا في أول لقاءين عن هذا الموضوع، وعن قضية النية، فلا داعي للعودة لهذا الموضوع، لكن هذا الموضوع هو المُهيمن، فالجانب الاقتصادي يعود للجانب العقدي والإيماني، والجانب المهاري يعود للجانب العقدي والإيماني، والتعامل مع القنوات الفضائية يعود للجانب العقدي والإيماني، والجانب التجاري يعود للجانب العقدي والإيماني، فالمُهيمن هو الجانب العقدي والإيماني.
أما أن ننسى الجانب العقدي والإيماني، وننشغل بحياتنا وتربية أُسرنا وتعليمنا، دون أن ننظر لهذه القضية، فهذا إجحافٌ كبيرٌ في حق الأجيال؛ لأن القضية الروحية والإيمانية مُهيمنةٌ على كل الأمور، فهي المرجع، لا بد أن نضع هذه القضية في أذهاننا.
إذا كان الإنسان مخلوقًا فلا بد له من خالقٍ
النقطة التاسعة: أن الإنسان مخلوقٌ مُكلَّفٌ، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان:1، 2]، فإذا كان الإنسان مخلوقًا فلا بد له من خالقٍ، والخالق أقوى من المخلوق، والخالق مرجعٌ للمخلوق، وعندئذٍ لا يمكن للمخلوق أن يستقل بعيدًا عن مُراد خالقه، ومن ذلك: كيف تنشأ الأسرة؟ كيف تقوم الأسرة؟ وكيف تكون العلاقة بين الزوجين والأبناء؟ وكيف هي العلاقة بين المعلمين والطلاب والأصدقاء والمجتمع: بعضهم مع بعضٍ؟ لا بد أن تكون قائمةً على مراد الله ؛ لأننا كلنا مخلوقون جميعًا لله ، ونحن عبادٌ لله ، فينبغي أن نعرف أن هذا الأمر من مصلحتنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] لما في هذه الحياة السعيدة الطيبة، وهو مُكلَّفٌ، إذا بلغ فهو مطلوبٌ منه، لا بد أن يعرف.
أنا أستغرب من بعض الناس عندما يقولون: لا زال صغيرًا! طيب، الله كلَّف البنت التي ربما تبلغ في وقتٍ مُبكرٍ، والدلائل العلمية والواقعية تدل على أن بلوغ الإناث يسبق بلوغ الذكور، والأبناء إن تأخَّروا فإنهم يصلون إلى الخامسة عشرة، وربما قبل ذلك، ومع ذلك البعض يتعامل معهم على أنهم أطفالٌ صغارٌ، والله كلَّفهم بالصلاة، وكلَّفهم بالأحكام الشرعية، وعليهم واجباتٌ لا بد أن يأتوا بها، وهناك مُحرَّماتٌ لا بد أن ينتهوا عنها، فالذين كلَّفهم رب العالمين يعتبرونهم صغارًا يا جماعة؟! نتعامل معهم على أنهم صغارٌ! عندئذٍ لا بد من معادلة تحميل المسؤولية، لا بد أن نُعاودها؛ لأن الله حمَّله مسؤوليةً، وربما يكون عمره ثلاث عشرة سنةً، أو أربع عشرة سنةً، فنحن بأمس الحاجة إلى أن نُساعده على تحمل المسؤولية، وأن نُنشئه على ذلك، ونُهيئه لتحمل المسؤولية.
هذه من الإشارات التربوية والنفسية المهمة التي نجدها -للأسف الشديد- من أشكل الإشكاليات في مرحلة المُراهقة المبكرة في المتوسطة: أن الأبناء في هذه المرحلة -ذكورًا وإناثًا- يقولون: إن الآباء والأمهات والمعلمين يتعاملون معنا على أننا صغارٌ!
ينبغي أن نتعامل مع الأطفال على أنهم كبارٌ، فإذا أصبحوا في سنِّ المُراهقة تهيئوا لذلك، وأتوا من مرحلةٍ قد تمَّ التعامل معهم فيها على أنهم كبارٌ، فالمُتوقع أن النتيجة ستكون جميلةً جدًّا.
إرادة الإنسان تحت مشيئة الله
النقطة العاشرة: أن الإنسان حرٌّ في إرادته، لكن إرادته تحت مشيئة الله ، لكن الله أعطاه هامشًا في الإرادة، فهو ليس مجبورًا، وإنما مُخيَّرٌ: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، حتى في اتِّخاذ طريق الإيمان والكفر هو مُخيَّرٌ، لكن يتحمل مسؤوليته؛ لذلك هو حرٌّ في إرادته، ويتحمل مسؤولية فعله، هذه مُتلازمةٌ في المنهج الإسلامي.
نُعطي الابن ونُعطي أنفسنا مجالًا للحرية والإرادة من أجل اتِّخاذ القرار الصحيح، لا لأجل أني آخذ الأمر على ما أريده أنا، لماذا؟
لأن هذه الحرية في الإرادة أولًا هي في ضمن إرادة الله ، ما يجوز أن تخرج عن إرادة الله ، فهناك أمورٌ يُحبها الله ، وهناك أمورٌ لا يُحبها.
ثم أيضًا أنا وأنت حينما نتخذ القرار في إرادتنا نتحمل المسؤولية، فنحن مُكلَّفون، مجزيون عن أعمالنا، وهذه القضية مهمةٌ جدًّا؛ لأن بعض المدارس النفسية ترى الإنسان ورقةً في مهب الريح، مثل: المدرسة السلوكية، وهؤلاء يُشابهون الجبريين الذين انحرفوا في مسائل العقيدة.
شخصٌ مجبورٌ تقول له: يا أخي، لماذا فعلتَ كذا؟ يقول لك: غصبًا عني! كيف: غصبًا عنك؟! أليست عندك إرادةٌ؟! قال: أبي ضغط عليَّ. أنت ما عندك إرادةٌ؟ أو يقول: المجتمع أثَّر فينا. ألا تُلاحظون أن هذا الشيء موجودٌ.
ماذا تفعل يا أخي؟ قال: والله المجتمع ضاغطٌ عليَّ؟ ما عندك إرادةٌ؟! أنت عندك إرادةٌ، وتتخذ القرارات، وتتحمل مسؤولية اتِّخاذ القرار؛ لذلك كما قال النبي : كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[15]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، هذه مسؤوليةٌ فرديةٌ، ومسؤوليةٌ جماعيةٌ.
المسؤولية الفردية، والمسؤولية الجماعية
النقطة الحادية عشرة: المسؤولية الفردية، والمسؤولية الجماعية.
المسؤولية الفردية: أنا مسؤولٌ عن نفسي، ليس صحيحًا أن أحرق نفسي فقط من أجل غيري وأنسى نفسي، وأحرص على غيري وأنسى نفسي، لا في القضايا الصحية، ولا في القضايا العقلية، ولا في القضايا الإيمانية، عليك حقٌّ تجاه نفسك؛ ولذلك الله بدأ بالنفس فقال: قُوا أَنْفُسَكُمْ، وقال هناك: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21]، فبدأ بالنفس أولًا.
والواجب في المعادلة أن يبدأ الإنسان بنفسه، هذه المسؤولية الفردية: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:95]، سيقف بين يدي الله ليس بينه وبينه ترجمانٌ[16]أخرجه البخاري (3595)، ومسلم (1016).، هذه المسؤولية الفردية.
وأيضًا يُسأل عن المسؤولية الجماعية إذا كان مسؤولًا عن أبنائه: فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[17]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).، فلا بد أن نُدرك هذه القضية في النفس البشرية.
ولقد كرمنا بني آدم
الثاني عشر: أن الإنسان مُكرَّمٌ، ولا بد أن نفهم هذه القضية، والله يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، فالتكريم هذا مهمٌّ جدًّا، وأي إهانةٍ للنفس البشرية غير مقبولةٍ، فعندما يُهين الزوج زوجته أو العكس، ويُهين الوالدان أبناءهم، فهذا خلاف التكريم، ينبغي أن نحفظ كرامة الإنسان.
ولذلك تذكرون عندما قلنا هذا الكلام، وسنأتي إليه، حتى عند الخطأ الكبير الرسول حفظ كرامة الإنسان، وتذكرون قصة الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا[18]أخرجه أحمد في "مسنده" (22211)، وصححه الألباني في "مختصر السلسلة الصحيحة" (370).، كيف عدَّل الرسول سلوكه وحفظ كرامة هذا الإنسان؟
والذي كان يشرب الخمر قال: لا تُعينوا الشيطان على صاحبكم، مع أنه يُقام عليه الحد، قال: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم[19]أخرجه البخاري (6781).، فوالله ما علمت إنه يُحب الله ورسوله[20]أخرجه البخاري (6780).، أين أخلاقيات أُسرنا في التعامل اليوم، وأخلاقيات المعلمين مع الطلاب في التعامل، والمجتمع بعضه مع بعضٍ في مثل هذه القضية؟! وهي: أن الإنسان يُدرك حينما يتعامل أنه يتعامل مع شخصٍ كرَّمه الله؛ فلا يُهينه، ولا تجوز إهانته.
هل الواحد منا يقبل أن يُهان؟ لا يقبل أن يُهان بحالٍ؛ لذلك الناس لا يقبلون، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في النفس البشرية تحتاج أن ننتبه لها.
النفس البشرية مُتكونةٌ من خطوطٍ متقابلةٍ
النقطة الثالثة عشرة: النفس البشرية مُتكونةٌ من خطوطٍ مُتقابلةٍ، فيمكن أن يسعد الإنسان ويفرح في لحظةٍ، ويتذكر شيئًا فيحزن في نفس الوقت، يعني: هو فرحان وهو جالسٌ مع أبنائه، لكنه يتذكر إخوانه في سوريا فيحزن، فهو يجمع بين الفرح والحزن، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في النفس البشرية، يُسمونه: الخطوط المُتقابلة، وهذا طبيعيٌّ جدًّا، ولا يستغرب الواحد من هذه القضية، بل النفس المُضطربة هي التي تريد أن تكون في حالةٍ واحدةٍ، ليست هناك حالةٌ ثانيةٌ، وهذا أمرٌ يستحيل أن يحصل أصلًا، هنا يحصل اضطرابٌ، لو نازع الإنسان هذه الخطوط المُتقابلة وقال: لا، لا يُعقل أن يصير فرحٌ باستمرارٍ، أفرح مع أبنائي ولا أحزن وإخواني في سوريا في هذه الحال!
لا يا أخي الكريم، لا يوجد شيءٌ يمنع من ذلك، فأنت تفرح لأن طبيعة النفس البشرية أنها تفرح في قضايا الخبر السار ... إلى آخره، لكن في نفس الوقت ستحزن، هذه خطوطٌ متقابلةٌ.
أنت عندك فرديةٌ؛ تُحب أن تختلي نفسك بشيءٍ معينٍ: تلجأ إلى الله، تُصلي ركعتين، تعمل شيئًا معينًا ولا تُحب أن يعلم أحدٌ عنك، تصدق وفي نفس الوقت عندك شيءٌ جماعيٌّ، هذا الخط المُتقابل، بل إن النفس البشرية هي التي تكون خطوطها المُتقابلة مُستمرةً: فردية، وجماعية، حزنٌ وفرحٌ، طبيعيٌّ جدًّا، لا يمكن أن أكون فرحًا في كل حياتي، جزمًا سأحزن بسبب شيءٍ معينٍ: إن العين تدمع، والقلب يحزن[21]أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315).، خبر وفاةٍ ... إلى آخره، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ جدًّا في النفس البشرية.
لا بد من التربية الفكرية والعقلية
النقطة التي بعدها: أن الإنسان عاقلٌ، وينبغي أن يُدرك أن هذه هي الميزة التي يتميز بها عن سائر الكائنات الحية، وعندئذٍ إذا لم يُسخر هذا العقل للخير ستكون مشكلةٌ؛ لذلك لا بد من التربية الفكرية والعقلية.
وسبق أن تكلمنا في هذا الموضوع في اللقاءات الماضية، خاصةً مع وجود الشبهات اليوم عبر القنوات الفضائية، وأصبحنا نسمع إلحادًا، ونسمع تنصيرًا، ونسمع أفكارًا هدَّامةً، ونسمع أشياء كثيرةً جدًّا، فإذا لم تكن هناك حصانةٌ ووقايةٌ لهذا الفكر من خلال التغذية بالقرآن وبالسنة وبالعلم الصحيح ستحدث مشكلةٌ كبيرةٌ جدًّا، والأصل في الإنسان أنه عاقلٌ، وعندئذٍ فهو مُكلَّفٌ بسبب ما أعطاه الله من عقلٍ؛ ولذلك فإن مَن لا يستخدم العقل سيكون كما قال الله : إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44].
فإذا كان يُشابه الأنعام في ملذَّاتها وشهواتها فالله شبَّهه بالأنعام، بل قال: هو أضل؛ لأن الأنعام ما عندها عقلٌ أصلًا، وهي معذورةٌ فيما تفعل، لكن الإنسان ليس معذورًا وقد أعطاه الله العقل، فأين هذه القضية من تربيتنا لأنفسنا ومُراعاتنا لذواتنا؛ حتى نحفظ هذا العقل، ونُدرك هذا التكليف؟ وكذلك بالنسبة للأسرة والمحاضن التربوية والبيئات التعليمية.
لا بد أن يكون الإنسان مُنتجًا
النقطة التي تليها: الإنسان مُنتجٌ للثقافة، ومنتجٌ إيجابيٌّ في هذه الحياة، هذا هو الأصل في الإنسان، فالإنسان ليس سلبيًّا، والشخص السلبي يجلس في بيته أحسن، هذا ليس شيئًا سويًّا، لكن المفروض أن يكون الإنسان مُنتجًا، ويُعطي شيئًا إيجابيًّا، وتجد أن القريبين منه يستفيدون منه، وكذلك البعيدون يستفيدون منه، إن شاء الله.
لكن إذا كان الأبناء لا يستفيدون من آبائهم، والطلاب لا يستفيدون من مُعلمهم، فما فائدة هؤلاء الآباء، وتلكم الأمهات، وهؤلاء المعلمون؟! فالإنسان مُنتجٌ للثقافة بمفهوم الثقافة الواسع العام.
لا بد من بناءٍ تربويٍّ سليمٍ
النقطة قبل الأخيرة: أن حياة هذا الإنسان مُمتدةٌ من قبل ولادته إلى بعد وفاته، هذا معنًى مهمٌّ جدًّا في الدين.
فمن قبل أن يُولد: لقاء الزوجين، واختيار الزوج لزوجته والعكس له أثرٌ على قضية الأبناء، ثم بعد وفاته تبقى الحياة مُمتدةً إلى يوم القيامة.
هذا المفهوم الواسع للحياة يجعلنا نسأل أنفسنا: هل تربيتنا قائمةٌ على الربط بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة؟ هل نحن نُهيئ الأُسر من خلال بناءٍ زواجيٍّ سليمٍ بين الزوجين: الذكر والأنثى؟ هل نحن نعد الأبناء والأجيال إلى ما بعد الحياة الدنيوية من حياةٍ برزخيةٍ وأُخرويةٍ؟
أسئلةٌ كبيرةٌ جدًّا.
الأصل في الإنسان الجهل
النقطة الأخيرة: هذا الإنسان وُلد لا يعلم شيئًا، قال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78].
فالله تفضل علينا بهذه القضية، فالإنسان ما كان شيئًا، وهذا يُؤكد على أن الإنسان يحتاج أن يتعلم، لماذا؟ هذه الوسائل: السمع والبصر هي من حقائق كيان هذا الإنسان البشري.
طيب، وهل هذه الجوارح مُسخرةٌ لتُقدم شيئًا يُرضي الله ، أم لشيءٍ آخر؟ فكم من أناسٍ يسمعون أشياء يرضاها الله ؟ وكم من أناسٍ يسمعون أشياء لا يرضاها الله ؟! وهكذا البصر، وهكذا الفؤاد، فكم من أناسٍ قلوبهم مُتعلقةٌ بأمورٍ يُحبها الله؟ وكم من أناسٍ قلوبهم متعلقةٌ بأمورٍ لا يُحبها الله؟!
أبناؤنا قلوبهم مُتعلقةٌ بماذا؟ وبناتنا، وزوجاتنا، وطلابنا، وأجيالنا، فهذه القضية مهمةٌ جدًّا: ماذا يسمعون؟ وإلى ماذا ينظرون عبر التقنية: عبر الجوَّالات، عبر الوسائل المتعددة، والوسائط المتعددة اليوم؟
سؤالٌ كبيرٌ جدًّا يحتاج أن نُدرك من خلاله أن الإنسان بهذه المُعطيات التي ذكرناها فيما يتعلق بالمُسلمات نحو التصور حول الإنسان وطبيعة هذا الإنسان.
بقي الجزء الثاني من العنوان: "الإنسان بين المُسلَّمات والمُخرجات"، فنحن تكلمنا عن المُسلَّمات الآن وطبيعة الإنسان بهذه النقاط التي ربما بلغت سبع عشرة تقريبًا، وفي الأسبوع القادم -بإذن الله - ندخل في الجزء الثاني الذي هو المُخرجات.
أنا ماذا أريد أن أُنتج بالضبط في المُختبر، وفي المعمل التربوي، وفي الأسرة، وفي المدرسة، وفي غيرها، وفي المجتمع؟ ما هو المُنتج؟ لا شك أن المنتج هو الإنسان الصالح في المنهج الإسلامي.
طيب، ما هي مُواصفاته؟
سنتكلم عن أربع عشرة صفة من هذا المنتج الذي ينبغي أن نجعله تحت المجهر ونهتم به في لقاء الأسبوع القادم، بإذن الله تعالى.
نحن كما اتفقنا معكم ستكون طريقتنا الجواب عن الأسئلة السابقة كاملةً، والحمد لله لم يبقَ أي سؤالٍ، وهذا أول سؤالٍ يأتي بعد تلكم الأسئلة.
وبالنسبة للأسئلة فكما قلنا: الإجابات التي قلناها في اللقاء الاستثنائي الذي كانت مدته ساعةً وعشر دقائق موجودةٌ في أرشيف موقع "البث الإسلامي"، واتفقنا مع الإخوان أن نُجيب في آخر ثلاث دقائق أو خمس دقائق عن سؤالٍ أو سؤالين قدر المُستطاع على حسب التيسير.
كيف يستمر الإنسان على الاستقامة؟
يقول السائل هنا: كيف يستمر الإنسان على الاستقامة؟
بادئ ذي بدءٍ في مثل هذا الموضوع المهم جدًّا علينا أن نُدرك جزءًا من الحقائق التي ذكرناها قبل قليلٍ، فمما يُعين على قضية الاستمرار في الاستقامة: الزيادة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136]، الزيادة في قضية اللجوء إلى الله .
أخي الكريم، يا مَن وفَّقك الله للاستقامة، لا تشح على نفسك وتتعامل بطريقةٍ شحيحةٍ في قضية الإيمان، زِدْ، إذا لم تصم ثلاثة أيام من كل شهرٍ ابدأ، صم ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وإذا لم تتصدق تصدق، وأعطِ أي إنجازٍ إضافيٍّ جديدٍ.
انظروا ماذا فعل هذا الرجل؟
في حديث عبدالله بن بسر: أن رجلًا جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، لقد كثرت عليَّ شرائع الإيمان، فدلني على شيءٍ أتشبث به.
فماذا قال هذا الرجل الصحابي -رضوان الله عليه-؟ يعني: خفض لي يا رسول الله من الواجبات، أعطني شيئًا أتشبث به. مثل سؤال الأخ -جزاه الله خيرًا-: ما هو الشيء الذي يستمر فيه الإنسان حتى يبقى مُستقيمًا؟
قال النبي : لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله تعالى[22]أخرجه أحمد في "مسنده" (17680)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7695).، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مَن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية"[23]"مدارج السالكين بين منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]" لابن القيم (1/ 429).، لزوم طريق الاستقامة الذي تسأل عنه أخي الكريم، وينبغي علينا أن نسأل: كيف نثبت عليه؟ أن تستمر في طريق الاستقامة وتفتح لنفسك بابًا، هذا أمرٌ.
الأمر الثاني: لا بد من التدريب على تقوية الإرادة والجانب الذاتي، وهذا مهمٌّ جدًّا، ولا بد أن تكون بينك وبين الله خلواتٌ، وهذا له علاقةٌ بالجانب الإيماني كما ذكرنا، لكن أيضًا جانب قوة الإرادة.
الجانب الثالث: لا بد أخي الكريم أن تكون في بيئةٍ تُساعدك على الاستقامة على الطريق، فإذا كان أقرانك وأصدقاؤك وبيئتكم سيكونون ممن يُضعفونك في جانب الاستقامة فإنك -في الغالب- ستضعف، خاصةً مع وجود التردد، أو وجود التغير الذي حصل، مثل: صاحبنا الذي سأل سؤالًا، وتغير حاله، ثم غيَّر في الأسرة، ثم صار الضغط ورجع وانتكس في قراره الصحيح الذي اتخذه.
فينبغي على الإنسان أن يكون مع أصدقاء يُساعدونه على الخير، والله قال لنبيه : وَاصْبِرْ يعني: أمرٌ من الله لمحمدٍ يا جماعة: وَاصْبِرْ أمر بالصبر نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ قال: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يعني: الذين يُسميهم بعض الناس: المتشددين.
فالله يقول لنبيه : كن مع الناس الذين يدعون الله في الصباح والعشي: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، ثم قال: وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ لا تلتفت لغيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28].
هذه هي أهمية الجليس الصالح والبقاء مع أصدقاء طيبين وأخيار، وفي بيئةٍ طيبةٍ تُساعدك على هذا الجانب.
أسأل الله أن يُثبتنا وإياكم، وأن يرزقنا وإياكم طريق الاستقامة.
والله تعالى أعلم، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه البخاري (1385). |
---|---|
↑2 | أخرجه مسلم (2658). |
↑3 | أخرجه البخاري (1385). |
↑4 | "أثر العبادات في حياة المسلم" لعبدالمحسن البدر (ص9). |
↑5 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2326). |
↑6 | أخرجه البخاري (1). |
↑7 | أخرجه البخاري (1968). |
↑8 | أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). |
↑9 | أخرجه أحمد في "مسنده" (24601)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4807). |
↑10 | "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" للأصبهاني (9/ 183). |
↑11 | "الإنسان بين علو الهمة وهبوطها" للشحود (ص168). |
↑12 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑13 | أخرجه الترمذي في "سننه" (2516)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5302). |
↑14 | أخرجه البخاري (1360)، ومسلم (24). |
↑15 | أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). |
↑16 | أخرجه البخاري (3595)، ومسلم (1016). |
↑17 | أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). |
↑18 | أخرجه أحمد في "مسنده" (22211)، وصححه الألباني في "مختصر السلسلة الصحيحة" (370). |
↑19 | أخرجه البخاري (6781). |
↑20 | أخرجه البخاري (6780). |
↑21 | أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315). |
↑22 | أخرجه أحمد في "مسنده" (17680)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7695). |
↑23 | "مدارج السالكين بين منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]" لابن القيم (1/ 429). |