المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
كما أسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبلغنا وإياكم شهر رمضان، شهر الخير والبركة، وأن يُعيننا وإياكم على الصيام والقيام، وأن يُوفقنا وإياكم إلى الطاعات، اللهم آمين.
بيان المقصود من عنوان اللقاء
سنتكلم عن تأملاتٍ نفسيةٍ وتربويةٍ حول رمضان، وكلامنا شيءٌ متعلقٌ بالتخصص في المجال التربوي والنفسي، وهي محاولاتٌ استفدناها من هنا وهناك، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها.
ولا شك أن ديننا العظيم قد تناول هذه القضايا، فالإسلام دينٌ شموليٌّ تكامليٌّ، ومن ذلك تناوله لهذه القضايا التربوية والنفسية للصيام.
وحديثي لن يكون من الناحية الشرعية، أو الفقهية، أو ما شابه ذلك، فهذه لها أهل الاختصاص، وإنما فيما يتعلق ببعض التأملات النفسية والتربوية من شهر رمضان العظيم، لكن لعل الله أن ينفع بما سنتحدث عنه، بإذن الله .
والنفس البشرية تتكون أصلًا من قضايا عقليةٍ ووجدانيةٍ ومهاريةٍ، وهذه القضايا لها ارتباطٌ بشهر رمضان، فنحن سنتحدث عن النفس البشرية بالمفهوم العقلي "المعرفي" والوجداني والمهاري، وهذه الجوانب من خصائص النفس البشرية بمصطلح أهل التخصص، والبعض يفهم أن النفس البشرية هي جانب المشاعر فقط، وهي تشمل كل هذه الجوانب.
والنفس البشرية تحتاج إلى أن نصل بها إلى مستوى كمالها، وهذا معنى التربية، وهو أن يُنشئ الإنسان نفسه أو غيره ويُساعده ويُربيه إلى أن يصل إلى مستوى الكمال البشري.
ومستوى كمالي يختلف عن مستوى كمالك، ولكن كلنا باستطاعتنا أن نُحقق مستوياتٍ عاليةً من الكمال الإيماني والمجالات الأخلاقية وغيرها من الأمور، وهذا هو تفسير أو توضيح المقصود بالعنوان: "تأملات نفسية وتربوية رمضانية".
أهمية الغاية في حياة الإنسان
وهذه النفس البشرية لا يمكن أن تتحرك وتعمل إلا حينما تكون هناك غايةٌ، ولا يوجد أحدٌ ممن فهم النفس البشرية إلا ويجب أن يقول هذا الأمر، وإن كان قد تخبَّط الكثير من أهل المدارس النفسية الغربية في هذا الجانب، حتى إن صاحب مدرسة المعنى (فرانكل) -وهي من المدارس المتأخرة- أتى بنظريةٍ اسمها: نظرية المعنى، وهي: أن الإنسان لا حقيقةَ له في هذه الحياة إلا إذا كان له معنى، يعني: غاية.
ونحن لدينا غايةٌ عظيمةٌ في هذا الدين تُوجه هذه النفس البشرية وتُربيها، يقول الله : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهذه الغاية لا بد ألا تنفك عنا ونحن نتحدث عن هذه التأملات في شهر رمضان المبارك؛ لأننا حتى نُحقق هذه الغاية بحاجةٍ فعلًا إلى أن نقف مع هذه النفس البشرية ونُربيها، وعندئذٍ نحتاج إلى جهادٍ وإرادةٍ قويةٍ، وجدٍّ واجتهادٍ حتى نصل لهذه الغاية الكبيرة.
ولذلك أقول باختصارٍ لنفسي ولإخواني: إذا أصبح هذا الشهر المبارك مزيدًا لنا في العبودية فنحن قد استطعنا فعلًا أن نستثمر هذا الشهر، وأن نجعله عونًا لهذه النفس ولتربيتها على ما أراده الله من خلال تحقيق هذه الغاية.
وأما إذا كان مستوى تحقيق هذه الغاية -وهي العبودية- ضعيفًا، فهذه طامَّةٌ كبرى، وعندئذٍ سيكون هذا الشهر وبالًا على الإنسان، وكما جاء في الأثر: رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر[1]أخرجه ابن ماجه (1690)، والنسائي في "السنن الكبرى" (3236)، وصححه الألباني.، وقال أنسٌ : "رُبَّ تالٍ -قارئ- للقرآن والقرآن يلعنه"[2]"موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين" (ص76)..
إذن نحن نحتاج إلى أن نُدرك هذه المظلة العظيمة، ألا وهي قضية الغاية من وجودنا، وهي العبودية لله ؛ حتى نستطيع أن نستلهم معاني هذا الشهر العظيمة، ونستفيد منها في حياتنا.
والناظر أحبتي للفارق بين جيلنا وجيل السلف الصالح في إدراكهم لهذه الغاية يجد فارقًا كبيرًا، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فأدعو إلى قراءة سِيَرهم في هذا؛ لأن هذا الأمر مجال القدوة والاقتداء، وصحيحٌ أنه ربما تكون هناك نماذج الواحد لا يتصور أن يصل إلى مستواها: إما لمعرفته بنفسه، أو لأنها نماذج نادرةٌ في بعض الجوانب، لكن في الغالب هناك أمورٌ معينةٌ يمكن أن نصل إليها.
ولذلك نحتاج أن نقف مع السابقين، ونقارن بين جيلنا وجيل السلف الصالح وأحوالهم في رمضان، وسنجد شيئًا عجبًا قبل رمضان، وأثناء رمضان، وبعد رمضان، فكانوا يسألون الله تعالى أن يُبلغهم رمضان، والاجتهاد في الطاعة، وكانوا يتأثرون عند مُفارقة الشهر بعد ذلك.
فهذا مقياسٌ ومعيارٌ، وكل واحدٍ منا أدرى بنفسه، فما هي مشاعري ومشاعرك فيما يتعلق باستقبال شهر رمضان؟ وما هي الأحاسيس والمشاعر؟ وما هي الاستعدادات؟ وما الفرق بيننا وبين أولئك في هذا الجانب؟
وكذلك كيف حالنا في رمضان في جانب الاجتهاد في الأعمال الصالحة بمفهومها الشمولي، وخاصةً المفهوم الخاص المتعلق بالعبادة من صلواتٍ، وقراءة قرآنٍ، ... إلى آخره؟
ثم بعد ذلك تجد أناسًا وُفِّقُوا إلى الاقتداء فعلًا بالسلف الصالح، وهؤلاء الذين نرجو أن تكون هذه التأملات التي سنقف عند بعضها الليلة فيهم، وهناك أناسٌ ليسوا كذلك، وهناك أناسٌ أشرُّ من ذلك، نسأل الله العافية والسلامة.
فلذلك نحتاج أن نوجد هذه المقارنة، وأن نُفرِّق بين الجيلين، فالفارق كبيرٌ، خاصةً في زمن المُتغيرات.
ومن قبل، أيام (التليفزيون) الأسود والأبيض أنا أذكر في ذاك الوقت -نسأل الله أن يتوب علينا- كان يأتي مسلسل اسمه "أشعب"، وكان مشهورًا فقط بالأكل والشرب ... إلى آخره، فكان هذا المسلسل في ذاك الوقت هو الذي ألهى الناس وألهانا، حتى إنني أذكر أن بعض الأقارب من شدة الاندماج مع هذه الشخصية أصبحت تأكل مثلها، فأُصيبت بالتخمة وزيادة الوزن بصورةٍ كبيرةٍ من خلال الاقتداء!
واليوم صارت عندنا التقنية الحديثة، والفضاء المفتوح، والقرية الواحدة، فالصوارف زادت عن ذي قبل؛ ولذلك نحن بأمس الحاجة إلى عقد هذه المقارنة بين جيل السلف الصالح وجيلنا.
وأيضًا نأمل أن نكون نحن وأنتم من الذين يقتدون بالسلف الصالح، وعندئذٍ يكون أجر الواحد منا أجرًا عظيمًا عند الله ؛ لأننا في زمن الفتنة والمُتغيرات والمُلهيات، بل هناك تنازعٌ لعدة أشياء في اللحظة الواحدة لمَن استسلم لها، أما الذي سلَّمه الله منها فهو على خيرٍ كبيرٍ وعظيمٍ، فماذا يكون حال هذا الإنسان؟!
وعندما ترى حال فضلاء الأمة في غير هذا الزمن تقول: اللهم سلِّم! كيف لو عاشوا في هذا الزمن؟! ماذا سيقولون؟!
رمضان شهر اختبارٍ للعبد
فنحن في مرحلة ابتلاءٍ قويةٍ فعلًا، وهذه -مرحلة الابتلاء- من أكبر ما يمكن أن نتأمله في هذا الشهر المبارك من الناحية النفسية والتربوية، وهذا الابتلاء ما هو إلا فرصةٌ ثمينةٌ إلى أن ننجح فيه، كما يدخل الإنسان في اختبار الدنيا، ومُعطيات اختبار القدرات، والتحصيلي، والمقابلات الشخصية، وغير ذلك، ويدخل في تحدٍّ ويستعد له، ويُنجز بعضهم المهمة.
فنحن بأمس الحاجة إلى أن نكون من هؤلاء الذين ينجحون في إنجاز المهمة فيما يتعلق بشهر رمضان المبارك.
مُقتطفاتٌ من كتاب "الصوم مدرسة"
هناك كتابٌ رائعٌ جدًّا، وأنا أنصح بالاطلاع عليه، وهو كتاب "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" للشيخ الفاضل: عبدالرحمن الدوسري -رحمه الله-، وهذا الكتاب أنا أعتبره من الكتب التي تستحق العناية والاهتمام بالقراءة والتأمل، وقد تكلم كلامًا جميلًا ورائعًا -رحمه الله- عن القضايا النفسية والتربوية، وهو شخصٌ شرعيٌّ مُفسرٌ -رحمه الله-، ومن علماء الأمة.
وسأقرأ شيئًا مما قاله عند قول الله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، يقول -رحمه الله-: "فليس إيجابه مُختصًّا بهذه الأمة، بل هو فريضةٌ دينيةٌ قديمةٌ؛ وذلك لأهمية الصوم، وسمو مكانته، وعظيم منافعه الجسمية والروحية، فهو من أقوى العبادات على تهذيب النفوس، والسمو بالأرواح؛ إذ فيه إعدادٌ للنفوس وتهيئةٌ لها على تقوى الله ومُراقبته، وفيه تربيةٌ لقوة الإرادة على كبح جماح الشهوات، وأنانية النفوس؛ ليقوى صاحبها على ترك ما يضره من مألوفاته: أكلًا، أو شربًا، أو متاعًا، فيكون قوي الإرادة في الصبر على ما حرَّمه الله، وما يضره في بدنه أو ماله، وقوي الإرادة في الإقدام على امتثال أوامر الله التي من أعظمها حمل الرسالة المحمدية، والدفع بها إلى الأمام، ساخرًا بما أمامه من كل مشقةٍ وصعوبةٍ"[3]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص8)..
ويقول -رحمه الله-: "ففي الصوم خير تربيةٍ للإنسان على القوة العامَّة في كل شيءٍ، وعلى فضائل الصراحة في القول، والإخلاص في العمل، وعلى الجد والحزم ورباطة الجأش بقوة العزم، فهو يُعلم الناس كيف يترفعون عن المظاهر الحيوانية التي غاية همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة، يُعلمهم كيف يسمون بأنفسهم إلى مستوى تغبطهم الملائكةُ عليه.
نعم، يغبطهم عليه الذين غذاء أرواحهم ذكر الله وعبادته وحُسن مُراقبته؛ لأنه يُربي في المسلمين ملكة الصبر، وقوةً معنويةً على قهر النفس، ويُعوِّدهم احتمال الشدائد والجلد أمام العقبات ومصاعب الأحداث ومتاعب الحياة ومكاره النفوس، فيُصفي نفوسهم من علائق الشهوات وأدرانها، ويُخلِّصها من الانهماك في مُتع الدنيا وزخارفها، حتى لا تجعلها غاية قصدها، وأكبر همِّها؛ فتقصر التعليق بها وعليها، والعياذ بالله.
ففي هذه التربية محوٌ لسلطان المادة وطُغيانها على النفوس؛ حتى لا يشتد سلطانها على سلوك البشر المسلم، بل يكون السلطان الغالب في حياته للروح التي تُزكيه بالفضائل الطيبة، والمعنويات السامية التي يحصل بها الإخاء الإنساني، والمحبة الروحية، ويتحقق بها التعاون بين الأفراد والجماعات، تلك الأخلاق السامية الناتجة من التشريعات الإسلامية التي فقدتها الدول المادية، فإذا هي في أمرٍ مريجٍ في جميع شؤون حياتها، لا تقدر على التخلص منه ما دامت بعيدةً عن تطبيق دين الله الصحيح مهما تلمَّست للخلاص في غيره.
والصوم أيضًا يُنمي في النفوس رعاية الأمانة، والإخلاص في العمل، ولا يُراعي فيه غير وجه الله، وهذه فضيلةٌ عظمى تقضي على رذائل المُداهنة والرياء والنِّفاق.
والصوم يُمثل ضربًا من ضروب الصبر الذي هو الثبات في القيام بالواجب في كل شأنٍ من شؤون الحياة.
وبما أن المؤمنين عُرضةٌ كغيرهم بمُقتضى سنة الله الكونية في خلقه للكوارث والمحن، ومُكلَّفون بمُقتضى حكمه الشرعي بحمل الرسالة الدينية، وتحمل جميع ما يُلاقيهم في سبيلها برحابة صدرٍ وقوة ثباتٍ، ومُطالبون من الله أيضًا بالجهاد للدفع بالمد الإسلامي للأمام؛ فلا بد لهم من تحقيق الجهاد الداخلي الذي لا يتحقق إلا بمُجاهدة النفس وتصبيرها على طاعة الله وعلى أقداره، وتصبيرها على الوقوف عند حدود الله في كل وردٍ وصدرٍ.
جعل الله التشريعات الإسلامية تربيةً للروح والجسد، وتزكيةً للضمير؛ ليستطيع التغلب على نفسه وشيطانه في الجهاد الداخلي، فيتأهل للجهاد الخارجي؛ لأن الإنسان إذا تُرك على طباعه من تنازع الرغبات في نفسه، وما أودع فيها من إيثار الراحة واللذة العاجلة، ولم يشدّ أزره بإرشادٍ إلهيٍّ، وتعاليم روحيةٍ يؤمن بها، ويثق بحُسن نتائجها، ويطمئن إليها؛ عجز كاهله عن حمل أعباء الحياة، وخارت قواه، وذاب احتماله، ففقد كل استعدادٍ لتحصيل الشخصية المعنوية"[4]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص8- 10)..
هذه بعض مُقتطفاتٍ من كلامه حول: كيف نُربي الشخصية المعنوية؟ وما المقصود بالشخصية المعنوية؟
فالمعنوية خلاف الهندام والشكل والصحة البدنية، مع أن الصوم قد ثبت طبيًّا أنه مُؤثرٌ في الصحة البدنية، لكن الكلام عن تربية الشخصية المعنوية التي ذكر معالم كثيرةً منها: فوائد الصبر، وفوائد الصوم؛ لتحقيقها وتربية النفس عليها حتى تُصبح فعلًا قادرةً على تحمل مشاق هذه الحياة، وقادرةً على تحقيق العبودية، كما جاء في حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه وأرضاه: أن رجلًا قال: "يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ" يعني: كثيرةً، ولم يُرد التخلص منها؛ لأن هذه النفس في هذا الرجل تربَّت على تحمل المشاق، لكن أراد التوجيه من النبي : "فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به" أتعلَّق به، فقال النبي -بأبي هو وأمي-: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله[5]أخرجه الترمذي ت: شاكر (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني..
إذن رمضان فرصةٌ لتحقيق ما ذكره الشيخ -رحمه الله- من هذه المعاني التربوية والنفسية العظيمة؛ ولذلك يقول -رحمه الله-: "فإن فرض الصوم أمرٌ طبيعيٌّ بديهي الوقوع على أمةٍ حمَّلها اللهُ الأمانةَ العظيمة، فلا بد أن يُوجب عليها الصيام أمانة التكليف، وحمل الرسالة المُستلزمة للجهاد؛ لأن الصوم هو مجال تحقيق الشخصية الإنسانية المعنوية، وتقرير قوة إرادتها واستعلائها على المطالب الجسدية"[6]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص13)..
وهكذا حينما تتربى الشخصية المعنوية تتفوق وتكون سابقةً للشخصية الحسية والمطالب الجسدية.
ومشكلة المسلمين اليوم التعلق بالدنيا والأكل والشرب والترفيه والنوم، يعني: حين تنظر إلى المأكولات في رمضان مُقارنةً بغيره تجد مشكلةً كبيرةً، والنوم أيضًا وتغير نمطية الحياة مشكلةٌ كبيرةٌ، وكذلك الإسراف في الترفيه الحلال، فكيف بالترفيه الحرام الذي تعجّ به القنوات الفضائية ووسائل الاتصال والعمل على غواية الناس حتى ينحرفوا ولا يستثمروا الشهر الكريم بالشيء الذي يُقربهم إلى الله ؟!
يقول: "وتحمل ثِقَل الفطام عنها" أي: عن المطالب الجسدية "بقوة عزمٍ، وصحة وعيٍ، كما فيه إعدادٌ لتحقيق الجهاد الداخلي"[7]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص13).، وهو جهاد النفس؛ إذ لا ينتصر الإنسان على عدوه إذا لم ينتصر على نفسه: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7].
وهذا تفسيرٌ لتاريخ الأمة عمومًا بين القوة والضعف، فما دام النصر لا يحصل مع النفس فلن يحصل مع الأعداء شئنا أم أبينا، وهذا هو معنى الابتلاء أصلًا في هذه الحياة، فيأتي هذا الشهر بين شهور السنة حتى يكون فرصةً لإعادة هذه النفس إلى جادتها، يقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، وفي هذه الآية وقفاتٌ، منها:
الوقفة الأولى:
في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هذا النداء -كما قال بعض أهل العلم- نداء الكرامة، لا نداء العلامة، فالله سبحانه نادى هنا المؤمنين نداء كرامةٍ، ولم يقل مثلًا: يا محمد، أو يا إبراهيم. فإذا كان هذا نداء كرامةٍ من الله أليس أحق بهذه النفوس أن تستمع وتستعد وترى ماذا يطلب منها الله ؟
فلا شك أن هذه وقفةٌ مهمةٌ ونفيسةٌ اعتبرها بعض أهل العلم من القضايا النفسية والتربوية المهمة.
الوقفة الثانية:
في قوله: آمَنُوا أي: بالله، وهذا تذكيرٌ بالله، وفي ذلك تربيةٌ لهذه النفس أن تنظر إلى ما يُرضي الله فتستمع وتُنفذ، وكذلك تتربى على حصر التلقي من الله فقط، ويا ويلَ مَن يتلقى في شهر رمضان من غير الله من القنوات الفضائية!
وقد أشار إلى هذه اللفتة أيضًا بعض أهل العلم عند هذه الآية.
الوقفة الثالثة:
في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فوصفهم الله بوصف الإيمان، وأهل الإيمان الحقيقي هم جنود الله من البشر، وهم قادرون على تحمل الرسالة، بمعنى: إن لم يكن هذا الشهر المبارك موطن الإيمان، فلن يكون هذا الإنسان عنده أهلية إلى أن يتحمل الرسالة المحمدية، ويحمل هذا التكليف الواجب أصلًا عليه، وليس هو مُخيَّرًا، هذا أصل الابتلاء، فمَن الذي فعلًا يحمل الرسالة؟ ومَن الذي لا يحملها؟ ومَن الذي يقوم بالتكليف؟ ومَن الذي لا يقوم بالتكليف؟
ولذلك هذه القضية تحتاج إلى إرادةٍ وعزمٍ واتِّصالٍ بالله كبيرٍ.
الوقفة الرابعة:
قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فالصيام مفروضٌ على مَن سبق، وهذا تخفيفٌ للنفس البشرية، وهذا فيه إشادةٌ -كما قال بعض أهل العلم- بأهمية توطين النفوس على ثقل تلك العبادة التي فيها حبس النفس عن شهواتها ومألوفاتها، وكما قال بعض الحكماء: إن التكاليف إذا عمَّت سهلت، ما دام أنها شاملةٌ لنا ولغيرنا فتُصبح أخفَّ، والشخص المُصاب حين يرى غيره من المُصابين تخفّ عليه المصيبة، والشخص الذي يريد أن يعمل خيرًا حين يرى غيره يقوم بعمل الخير يتحمس لذلك، وطبيعة النفس البشرية أنها تتأثر بالآخرين.
الوقفة الخامسة:
في قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ هذا تعليل فرضية الصيام، فقد فُرض من أجل تحقيق أهم قضيةٍ، وهي التقوى، هذه هي الفائدة الكبرى والحكمة من فرضية الصيام، فالتقوى هذه تجعله فعلًا يستطيع أن يُراقب الله ، والصيام ظاهرٌ فيه هذا الأمر كما قال النبي : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به[8]أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151).؛ لأنه قد يدَّعي الإنسان أنه صائمٌ، وهو يستطيع أن يختلي بنفسه ويُفطر، لكنه يتَّقي الله ولا يمكن أن يفعل ذلك.
ومن باب القياس على الصيام: حفظ السمع والبصر، فالإنسان يتَّقي الله في كل هذه الأمور، وعندئذٍ تتحقق قضية التقوى بحقٍّ.
يقول الشيخ الدوسري -رحمه الله-: "وسر ختام آية الصيام بالتقوى أن إعداد نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوهٍ كثيرةٍ، أعظمها شأنًا، وأظهرها أثرًا، وأعلاها شرفًا: أن الصيام أمره موكولٌ إلى نفس الصائم وضميره، لا رقيبَ عليه فيه إلا الله، فهو سرٌّ بين العبد وربه لا يطَّلع عليه أحدٌ سواه؛ لأنه يستطيع أن يُفطر سرًّا مُختفيًا عن أقرب قريبٍ، ولكنه لتقوى الله يلتزم الأمانة في حفظ الصيام مهما سنح له ما يشتهي أو يُغري، فمُواصلة ذلك شهرًا كاملًا عن تقوى ومُراقبة وحياء من الله يُصاحبه في هذه المدة؛ يحصل بها نزاهة الضمير وضبط النفس"[9]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص15، 16)..
وهذه قضيةٌ مهمةٌ حتى عند أهل التخصص في المجال النفسي يُسمونها: الضبط الذاتي (self-control)، وعددٌ من الناس مُعرَّضٌ إذا خلا بمحارم الله أن ينتهكها عبر زرٍّ في (الإنترنت)، أو زرٍّ في الجوال ... إلى آخره، ولا يستطيع ضبط نفسه.
يريد الإنسان أن يُبكِّر للصلاة، لكنه ما عنده قوة الإرادة على مصطلح علماء التربية المسلمين والعلماء الربانيين: كابن القيم، وغيره، يعني: حينما يذكرون هذا المصطلح -وهو ضبط النفس- يُطلقون عليه: قوة الإرادة.
يقول الشيخ الدوسري -رحمه الله-: "يحصل بها نزاهة الضمير، وضبط النفس، وإعدادها لما يُؤهلها للخير وتحمل الأذى في سبيل الله، ويُقوي عزيمتها في كل إقدامٍ وإحجامٍ، ويتقوى أيضًا بصومه الصحيح على كبح جماح شهوته ونزوات نفسه"[10]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص15، 16)..
فهذه الحكم العظيمة والنفيسة هي مقصود الصيام والهدف الأساسي منه، والفائدة الكبرى هي التقوى، وهذا الذي نحتاج إليه، ويحتاج إليه الجميع: الكبير والصغير، الذكر والأنثى، المُتدين وغير المُتدين.
والمشكلة تكمن في التعامل مع قضية المأمورات والمنهيات، فلما تتثاقل النفس عن الإتيان بالمأمورات، وتحس أن القضية صعبةٌ، ثقيلةٌ، والمنهيات ما أسهلها! وقد جاء في الحديث: حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات[11]أخرجه البخاري (6487)، ومسلم (2822).، فيأتي رمضان ويكون فرصةً عظيمةً جدًّا لتحقيق التقوى.
ومن القضايا التي نستلهمها من هذا الشهر، ونحتاج أن نجعلها معيارًا عظيمًا وكبيرًا: أن ننظر ما نحن عليه قبل رمضان، وما نكون عليه بعده؛ حتى ننظر فعلًا هل استفدنا منه، أم لم نستفد؟
الاحتساب في الصيام والقيام
الاحتساب قضيةٌ نفسيةٌ وتربويةٌ مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك يقول الرسول : مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه[12]أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759).، وقال: مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه[13]أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (760).، وقال: مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه[14]أخرجه البخاري (38)، ومسلم (759)..
فعلَّق كل ذلك بقوله: إيمانًا واحتسابًا، وهي قضية التقوى، ويقول الرسول في الحديث الآخر: مَن لم يدع قولَ الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه[15]أخرجه البخاري (1903)..
فما الفائدة من الصوم إذا كان فقط مجرد ترك الطعام والشراب؟!
فهذا أمرٌ نحتاج أن نُنبه أنفسنا وأهلينا والمجتمع إليه، وهل الهدف هو مجرد حرمانٍ بَحْتٍ؟ ليس كذلك، وإنما الهدف هو التقوى، حتى لو قلنا: إن هناك فوائد صحيةً من الصوم، وسنذكر شيئًا منها كما ذكر بعض الأطباء إن بقي وقتٌ، لكن القضية ليست كذلك، كما قال النبي : رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السَّهر[16]أخرجه ابن ماجه (1690)، وقال الألباني: "حسنٌ صحيحٌ".، ويقول الرسول : والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذٍ، ولا يسخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ[17]أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).، كل هذا من معاني تحقيق التقوى.
ويقول جابر بن عبدالله : "إذا صمتَ فليصم سمعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء"[18]"لطائف المعارف" لابن رجب (ص155)..
وهذه كلها معانٍ تتعلق بقضية التقوى والإيمان، فنحتاج إلى أن نعرف ونتعلم أحكام رمضان، والناس تجد عندهم اهتمامًا -سبحان الله!- في رمضان والحج، ويسألون في دقيق الأمور، ولكن يغفلون عما يتعلق بالنفس البشرية، مثل: الأمور الروحية، يعني: يهتمون بالجانب المعرفي، وربما السلوكي -مثلًا- فيما يتعلق بقضية الكفِّ، ويُهملون الجانب السلوكي: كغض البصر عمَّا حرَّم الله، وكفّ السمع عما حرَّم الله؛ ولذلك نحتاج إلى أن ننتبه لمثل هذه المعاني.
وقضية الصيام أساسًا، وقراءة القرآن، وقيام الليل والتراويح، ومجالس الذكر، والعمرة، والاعتكاف، والصدقات، وتعليم الناس الخير، وأعمال البر، ومساعدة الآخرين، كلها من الأمور التي تُساعد في مثل هذا الجانب.
المراقبة
هناك قضيةٌ أخرى، وهي: قضية المراقبة، وأنا أتكلم هنا عن المراقبة الذاتية والمجتمعية، فالنفس البشرية لا بد أن تضبط، ويقولون: هناك نوعان من الضبط: الضبط الداخلي (internal control)، والضبط الخارجي ((external control، فأكثر الناس ينفع معهم الضبط الخارجي؛ فيخشون من المجتمع، ويخافون من الإحراج، ويخافون -مثلًا- من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الأب، أو إذا كان هناك أحدٌ يُتابع ينضبط، هذا يُسمونه: الضبط الخارجي، وسلوك النفس البشرية ينضبط بهذا، لكن أيضًا عندنا ضبطٌ داخليٌّ، وهذا الذي نحتاجه.
وكلا الضبطين -الداخلي والخارجي- يتحققان في الصيام؛ فالضبط الداخلي واضحٌ -مثلًا- في قضية المراقبة، فـيترك طعامه وشرابه من أجلي[19]أخرجه أحمد (7494)، وقال محققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ".، وإلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به[20]أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151).، كما قال النبي في الحديث القدسي.
وكما قال بعض العلماء: إن جميع العبادات يدخلها الرياء بالفعل إلا الصوم، يمكن أن يقول الإنسان: أنا صائمٌ، والله يعلم حاله، فكل عبادةٍ يتصور أن يدخل فيها الرياء إلا الصوم، فلا يتصور هذا الشيء؛ ولذلك له منزلةٌ.
فهذه هي المراقبة الذاتية والضبط الداخلي، وكذلك الضبط الخارجي: كالمجتمع، والأنظمة، والتعليمات، والأسرة، والبيئة، ... إلى آخره، كل هذا أيضًا له دورٌ في تزكية هذه النفس وتربيتها من خلال شهر رمضان؛ ولذلك حينما نقوم بالمأمورات نحتاج إلى الضبط الخارجي، يعني: إلى أناسٍ يُساعدوننا ويُشجعوننا ويُحمسوننا ويُذكروننا.
وكذلك بالنسبة للمنهيات على الإنسان أن يتقي الله ، إذا فتح رابطًا من الروابط وفيه شيءٌ لا يرضاه الله فعليه أن يُغمض بصره، ويُغلق هذا الرابط، مع أنه لا أحد عنده أبدًا، لكن الله ينظر إليه ، كما قال يوسف : مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، فهذه القضية مهمةٌ جدًّا.
وأعجبني والله طالبٌ عندنا ليس مُتدينًا، ولكنه مُحافظٌ وذو خلقٍ، يُحدثني عن أخيه الصغير فيقول: جاءني مرعوبًا خائفًا يقول: يا صالح، والله طلعت لي هذه الصورة -وهي صورةٌ سيئةٌ- ولستُ أنا الذي طلعتها. وكان عنده جهاز (آيباد) أو شيء من هذا، فقلت له: هنيئًا لك مثل هذا الأخ. وهو في أوائل الابتدائية، وكما قلتُ: إنه ليس شخصًا مُتدينًا، لكنه مُتربٍّ على مثل هذه المعاني، فقلت له: مما يحفظ أخاك الصغير في المستقبل أن تستمر على هذا الأمر وتُشجعه.
فصيام شهر رمضان فرصةٌ تدريبيةٌ عظيمةٌ، فكما أن لرجال الأمن معسكر تدريبٍ في مجالاتهم، فهذا معسكر تدريبٍ لنا من خلال هذا الشهر المبارك؛ حتى تزكو هذه النفس، وتُقدر الله حقَّ قدره، فتُراقبه حقَّ مُراقبته؛ فيرتفع منسوب الضبط الداخلي لديها.
إذا قلنا: كثيرٌ من الناس عندهم الضبط الخارجي، فيحسب له ألف حسابٍ، فتجده يخاف أن يراه طفلٌ صغيرٌ عمره ثلاث سنوات، مع أنه طفلٌ صغيرٌ، ولكنه يخاف منه، فكيف لو كان كبيرًا؟! هذا عنده منسوب الضبط الخارجي مرتفعٌ، ومن الطبيعي أن يكون مرتفعًا؛ لأن الذي ما عنده الضبط الخارجي فهذه مشكلةٌ، ولكن مستوى الضبط الداخلي عنده ضعيفٌ.
تهذيب الأخلاق
الصوم يُهذِّب الأخلاق، يقول النبي في حديث أبي هريرة : والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذٍ ولا يسخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ[21]أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).؛ ولذلك قال بعض العلماء: ما من عبادةٍ أُبيح أن يقول الإنسان فيها صراحةً كما أُبيح في الصيام، إذا شتمه إنسانٌ فليقل: "إني صائمٌ".
ويقول الرسول في الحديث الآخر: مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه[22]أخرجه البخاري (1903).، وبعض الناس -للأسف- يكون رمضان بالنسبة إليه مُبررًا إلى سوء الأخلاق، وأن تكون نفسيته غير مضبوطةٍ، ويقول البعض: الموظف ضائقٌ صدره من الصيام! فصار هذا مثل الارتباط الشرطي، فإذا صام إذن صار خلقه غير سويٍّ، وهذا لا يجوز؛ لأن رمضان معلمٌ من معالم تربية النفس على الخلق، ولا يصح أن تكون هذه حُجَّةً لنا، فإذا صام الإنسان لا يبتسم ولا يتحمل! فهذا خلاف المنهج النبوي الإسلامي فيما يتعلق بتهذيب هذه النفس من خلال المُعطيات؛ ولذلك فإن من كان بهذه الصورة لم يكن صيامه على مراد الله .
فتحتاج القضية إلى إدراك هذه الحقائق وتربية النفس عليها وإلزامها، ولا يصير الإنسان إذا صام كأنه مسلوب الإرادة، لا، ليس مسلوب الإرادة، هو مطالبٌ بأن يقوم بالدور المطلوب منه.
قوة الإرادة والضبط الذاتي
من الوقفات والتأملات النفسية والتربوية المهمة: قوة الإرادة والضبط الذاتي والصبر، وقد أشرنا إلى شيءٍ منها قبل قليلٍ، فنحن بحاجةٍ في حياتنا أيها الإخوة إلى ذلك، مثلًا: في العلم نحتاج إلى تحملٍ وصبرٍ وقوة إرادةٍ، وفي قضية الديانة والتدين والقيام بالواجبات نحتاج إلى قوة إرادةٍ وصبرٍ؛ لأن شرائع الإيمان كثيرةٌ، وكما قال الرجل في حديث عبدالله بن بسر: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ. أليست شرائع الإسلام تحتاج إلى تحملٍ وصبرٍ وقوة إرادةٍ؟ أليس ميدان الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى إرادةٍ وصبرٍ؟
وخذ الأمور من أصغرها وهو: إماطة الأذى عن الطريق إلى أكبرها وهو: الجهاد، أليست تحتاج إلى صبرٍ وقوة إرادةٍ؟ وإذا لم تتربَّ النفوس على ذلك فكيف يمكن أن تتربى؟ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].
الوقفة السادسة:
أهمية التغيير، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، فما أجمل أن يُوقف مع هذه الآية! فالنفس البشرية والمجتمعات تحتاج إلى تغييرٍ.
ولاحظوا الربط الشرطي الرباني: أن التغيير المجتمعي لا يمكن أن يحصل إلا إذا حصل تغييرٌ لهذه النفس، وعندئذٍ من أكبر فرص التغيير الصيام ورمضان، كما أشرنا قبل قليلٍ.
إذن القضية تحتاج إلى عنايةٍ واهتمامٍ، وكلٌّ منا يتصور أن التغيير واردٌ وممكنٌ، ورمضان يُثبت له ذلك، فالمساجد تمتلئ.
ولاحظوا أول يومٍ من رمضان، وقبله بيومٍ، وآخر يومٍ، وبعده بيومٍ، فيُقبل الناس على الصلاة، وقراءة القرآن، وعمل الخير، وتُقبل النفوس على الخير، وأيضًا ما ألفه الإنسان ربما يتركه في رمضان، فمثلًا: شخصٌ مُبتلى بالدخان يتغير في رمضان، وأيضًا الذي كان يقول: ما أقدر. أصبح الآن يجلس الساعات الطوال بلا دخانٍ، ربما اثنتا عشرة ساعة، أو ثلاث عشرة ساعة، أو أربع عشرة ساعة، ويستطيع أن يترك الدخان.
إذن الدرس هنا هو التأمل: هل نحن قادرون على التغيير أم لا؟
نعم قادرون بقوة إرادةٍ وصبرٍ وتحملٍ، وهذه كلها معانٍ تبرز بصورةٍ رائعةٍ جدًّا في شهر رمضان للذي وفَّقه الله للنية الطيبة، والعمل الجاد، والعزيمة، أما المُتفرج الذي لا يريد أن يتغير فيتحمل تبعة ذلك ولات حين مندم.
وكذلك النوم والأكل يتغيران في رمضان، بل حتى الإجرام في رمضان يقلُّ، ومنسوب الجريمة -كما يقول بعض المُختصين- يخفُّ في مثل هذه الأوقات، وما شابه ذلك، وقد تكون هناك مُثيراتٌ تزيدها، ولكن المقصود إذن أن التغيير ممكنٌ.
والنبي جلس في دعوته في مكة ثلاث عشرة سنةً، واستجاب له القليل، وكانت الاستجابة خُفيةً، ومع هذا استمر الرسول وأكمل المسيرة عليه الصلاة والسلام.
وهنا تبرز قضية الإصرار وقوة الإرادة والتحمل، واليقين بأن الله سينصر دينه، ويُتمّ كلمته؛ فنقوم بالواجب وما أمر الله به.
ونوحٌ دعا قومه تسعمئة وخمسين عامًا: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40]، فالبذر والعمل والإنتاج هي سمةٌ للنفس البشرية أصلًا: وَقُلِ اعْمَلُوا [التوبة:105]، وأما ما يتعلق بالنتيجة فهذه الله أعلم بها، والله لا يظلم، وهو العدل سبحانه، فقد يكون من الحكمة أن يتأخر النصر والتمكين، وقد يكون تصور الإنسان أنه لم يحصل الأمر النافع له، ويكون قد حصل وهو لا يعلم، فيُؤتى الإنسان من قصر عقله.
بل حتى غير المسلمين (كأديسون) فشل آلاف المرات وهو يحاول اكتشاف الكهرباء حتى اكتشفها، وهكذا كثيرٌ من المُخترعين بهذه الصورة، بل ذكروا عن (هولاكو) أو غيره أنه كان ينظر إلى تلك النملة التي تصعد، ثم تسقط، ثم تصعد، ثم تسقط، ثم تصعد، ويتأمل في حالها حتى وصلت بعد ذلك إلى هدفها، فكانت بالنسبة له درسًا على قوة العزيمة والإرادة؛ فثابر واستمر في تحقيق هدفه، بغض النظر عن صحة هدفه، وما شابه ذلك.
إذن لا بد من المحاولة، فلا يوجد شيءٌ اسمه: ما أستطيع، وما أقدر، أو جربتُ من قبل وما نجحتُ، وإنما المحاولة تلو المحاولة.
ولاحظوا المحاولة في حديث النبي الذي يقول فيه: والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم[23]أخرجه مسلم (2749).، يعني: لو حكم إنسانٌ على نفسه بالفشل لانتهى، ولن يتقدم، ولن يتغير، ولن تتحقق القاعدة الربانية: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، وعندئذٍ لن يكون صاحب قوةٍ وإرادةٍ وتغييرٍ وصبرٍ وتحملٍ.
وأنا أرى أيها الإخوة في نفسي وفي غيري: أنه يوجد عندنا ضعفٌ في هذه القضية، ونُدرك ذلك من خلال مُقابلات الإرشاد النفسي، ومن خلال الاستشارات الهاتفية، وما شابه ذلك، فنلحظ هناك ضعفًا في هذا الجانب؛ ولذلك الواحد منا يستغرب من قوة إرادة غير المسلمين من الكفار، كيف عندهم القوة والإرادة؟! وكيف يُنتجون؟! ونحن ضُعفاء لا نُنتج شيئًا! ومَن زرع حصد.
ونحن على المنهج الإسلامي الذي يدعو إلى العمل والإنتاج، وعندنا أيضًا عقولٌ، ومنا مُخترعون، لكن تختلف المناطق من منطقةٍ إلى أخرى، ومن بلادٍ إلى بلادٍ، وهكذا، وهذه يُسمونها في الدراسات الاجتماعية: الاختلاف بين المجتمعات بعضها مع بعضٍ في قضية التحمل والصبر.
وأنا ألحظ في بعض المرات حين أدخل على الطلاب وأُعطيهم لغزًا، أو مثلًا أدخل على الأبناء، أو على أناسٍ آخرين أجد عددًا من الذين يستمعون لهذا اللغز، ويقولون عندما لا يعرفون الإجابة: أعطنا الحل. فأقول لهم: فكِّروا إلى غدٍ. فيقولون: لا، نرجوك أن تُعطينا الحلَّ الآن. وهذا مُؤشرٌ من مُؤشرات عدم التحمل والصبر وإعمال العقل، نريد شيئًا طازجًا وجاهزًا ... إلى آخره، لكن تجد الشخص الذي عنده قوةٌ وإرادةٌ وتحملٌ يأخذ بالعزيمة ويُفلح.
ولذلك لا بد أن نشعر بأنه حتى مع المحاولة التي لم تنجح فهي محاولةٌ في الطريق إلى النجاح -بإذن الله -، ويكفي فقط أن نُدرك أن الله يفرح برجوع عبده إليه، كما في الحديث: لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها[24]أخرجه مسلم (2675).، فإذا دخل عليك هذا الشهر والله يعلم أنك تريد أن تتوب، فهذا بحد ذاته تغييرٌ وإرادةٌ قويةٌ، وليس هذا فقط في رمضان وانتهى الأمر، حيث صارت القضية إذا دخل رمضان غيَّرنا نمط الأكل والنوم وانتهينا، وشركات الاتصال تربح الملايين من رسائل الجوال: "مبارك عليكم الشهر"، وبعد ذلك: "عيدٌ مباركٌ، تقبل الله منا ومنكم"، وعادات وليست عبادات.
فهذه مشكلةٌ تحتاج إلى منهجيةٍ في التغيير؛ ولذلك تجد أن البعض يعمل مُحرَّمًا فيشعر بالذنب، وييأس من أن يتغير، حاول مرةً أن يتوب ثم يئس.
ولو تسأل مَن عنده معاصٍ ومُنكراتٌ ظاهرةٌ وتقول له: ماذا بعد ذلك وقد مارستَ شيئًا من هذا القبيل؟ يقول: أنا في ضيقٍ، أريد أن أُوسع صدري: إما بموسيقى، وإما مُغازلة النساء، وإما شرب دخان، وإما أي شيءٍ آخر من المعاصي. حصلت هذه مع الكثير من الشباب، فتقول له: ثم ماذا بعد؟ يقول: والله أضيق وأرجع.
طيب، ما عنده خيارٌ آخر، وهو خيار محاولة التوبة والخروج من المعصية، وخيار التغيير، وهذا الأمر صعبٌ على النفس البشرية، مع أنه من الناحية المفهومية كما قال العلماء: لذَّة المعصية تكون في وقت مُمارستها، ثم تأتي بعد ذلك الحسرة والندم والضيق، وصدق الله تعالى إذ يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]، وتعب الطاعة في وقت مُمارستها، ثم تأتي اللَّذة.
وهذا هو الفرق بين الطاعة والمعصية كما قال بعض العلماء، وهذه معانٍ ينبغي أن نفهمها ونعيشها.
أسباب الإحباط واليأس
طيب، هذا الإحباط واليأس ما أسبابه؟
من أسبابه:
أولًا: أننا نظن أننا غير قادرين على التغيير، فيقول الواحد منا: "أنا لا أقدر"، وهذه العبارة من أشد العبارات المنتشرة: ما أقدر على المُذاكرة، وما أستطيع أن أترك الدخان، أو حاولتُ وما قدرتُ.
وفي علم النفس في العلاج السلوكي هناك شيءٌ يُسمونه: الحديث الذاتي (SELF-TALK)، وهو إعطاء الرسائل الإيجابية التي تُناقض الرسائل السلبية، والتي منها: "لا أستطيع"، ونمارسها في العلاج، وعددٌ من الحالات تحسنت أوضاعهم من خلال هذه الرسائل الإيجابية؛ لأنها نقيض الرسائل السلبية، فبمجرد أن يُعطي لنفسه إيحاءً بأنه يستطيع، وهو يستطيع، ولا يكذب على نفسه، لكنه حتى يخرج من المشكلة، فلو قلت له: اذهب واعمل. يقول: صعبٌ الآن أن أعمل. طيب، في المرحلة الأولى على أقل تقديرٍ يقوم بتغيير الرسائل السلبية التي عنده إلى رسائل إيجابيةٍ، والتي هي التصور عن نفسه أنه ليست عنده القدرة، فتحاول أن تُقنعه بأنه عنده القدرة، وتقول له مثلًا: أنت تركت الدخان خمس عشرة ساعةً في رمضان، فأنت قادرٌ على تركه نهائيًّا. يعني: الآن مخاطبة العقل، أو السلوك نفسه، تجعل الواحد فعلًا يقول: لا، أنا عندي قدرةٌ.
ثانيًا: أن البعض يريد التغير الجذري أو القوي خلال فترةٍ قصيرةٍ، يريد أن يُغير بسرعةٍ، يريد أن يُصبح مَلَكًا من الملائكة، وربما قرأ عن مجالات العبودية، وعن الناس العُبَّاد، ويريد أن يكون مثلهم، جزاه الله خيرًا، وهذه نيةٌ طيبةٌ، لكن النفس البشرية تحتاج إلى التدرج، والتدرج من طبيعتها وسياستها، بل والتشريع كان مُتدرجًا على الأمة، فكيف نريد أن نُغير بسرعةٍ؟!
ولذلك صاحب المحاولة التي ما نجح فيها المشكلة أنه أعطى حكمًا بأنه لن ينجح، وكم من أناسٍ -وهم كُثُر- أثبتوا فعلًا -بعد توفيق الله وإدراك القضية- أنهم يستطيعون فعل ما كانوا يتصورون أنهم لن يستطيعوا القيام به، ووفِّقوا إلى مَن يُوجههم إلى أنهم يستطيعون.
وخذ مثالًا: القراءة، يقول: لا أستطيع القراءة، ولا أُحب القراءة. طيب، كيف تستطيع أن تقرأ مئتي صفحة في ليلة الاختبار؟ من أين تأتي هذه الإرادة وأنت تقول: لا أقدر. ومع ذلك تقرأ مئتي صفحة؟!
وأنا أُدرك أن هذا يحتاج إلى حوافز؛ ولهذا نتدرج معه فنُكلفه أولًا بأن يقرأ على الأقل صفحةً في اليوم، ويُقنع نفسه ابتداءً بأنه يستطيع، ولا يقول: لا أستطيع.
ثم أيضًا لا تقل: سأختم القرآن وأُصبح أفضل خاتمٍ لكتاب الله . أو سأختم في ثلاثة أيام. وهو في الواقع بينه وبين كتاب الله مفاوز خلال السنة، وبالكاد يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، ويريد أن يختم في ثلاثة أيامٍ! فهذا يمكن أن يتحمس في أول يومٍ، ثم يكسل.
إذن التغيير الجذري القوي لا يُناسب النفس البشرية، فالنفس البشرية تحتاج إلى تدرجٍ.
ثالثًا: عدم فهم الأسباب الكاملة التي تؤدي إلى الإحباط، فهناك أشياء مُحبطةٌ ينبغي أن تبتعد عنها، وهناك أفكارٌ مُحبطةٌ، وأفكارٌ لا عقلانية، فابتعد عنها.
وأيضًا ينبغي أن نُدرك أن الصيام جُنَّةٌ، وليس تضييقًا وحرمانًا، الصيام جُنَّةٌ ووقايةٌ، والتدين سعادةٌ، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، وليس التدين حرمانًا ولا شقاءً وتعاسةً، أو كما كان يقول (فرويد): هو سبب المشكلات النفسية واضطرابها.
رابعًا: عدم الجدية في التغيير منذ البداية، ومن ثَمَّ الشعور بالفشل واليأس، فهو أصلًا ليس جادًّا، وتعرف الشخص الجاد من البداية، وأما مَن لم يكن جادًّا فتُقنعه أمه وأبوه وأخوه، فيقول: إن شاء الله تعالى. ويُجرب ويفشل، وبعد ذلك يترك، مثلًا: ذهب وصلَّى في أول يومٍ، وهو أصلًا مُقصِّرٌ في الصلاة، وربما ما يُصلي في المسجد، فتحمس في اليوم الأول واليوم الثاني، ثم فتر، فالإرادة ضعيفةٌ من البداية، وهناك إشكاليةٌ في نقطة الابتداء، وكما كان يُقال في الحكمة: مَن كانت بدايته مُحرقةً كانت نهايته مُشرقةً. والإشراق النهائي لا يأتي إلا بالاحتراق البدائي، وهذه قضيةٌ مهمةٌ في النفس البشرية.
قواعد التغيير
هناك قواعد للتغيير نختم بها سريعًا:
القاعدة الأولى: ابحث عن نيتك؛ لأن النية -كما قيل- مطيةٌ، وقبل ذلك كما قال النبي : إنما الأعمال بالنيات[25]أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907)..
فأنت إذا استحضرتَ النية في العمل فقد أنجزتَ مهمةً كبيرةً جدًّا، وهانت عليك أمورٌ عديدةٌ، وابتعد عن الأفكار الشيطانية.
والمشكلة أن هناك مَن يأتي ويقول -مثلًا-: أنا أُصلي ولكن في رمضان فقط؛ فأنا منافقٌ!
وآخر يقول: عندي رياءٌ أو شيءٌ من هذا القبيل. فيأتي الشيطان ويدخل عليه.
وسفيان الثوري -رحمه الله- يقول: "ما عالجتُ شيئًا أشد عليَّ من نيتي، إنها تتقلب عليَّ"[26]"المجموع" (1/ 29). يعني: النية تتقلب على الإنسان، هذا التقلب والمُجاهدة فيها هو عين المُجاهدة في النفس البشرية فيما يتعلق بالبحث عن النية.
أما قضية تزكية النفس: بأن نيته طيبةٌ، هذا لا يجوز، وكذلكم قوله: أنا مُرائٍ. فهذا لا يجوز، فهما اتجاهان مع النفس البشرية كلاهما خطأٌ؛ ولذلك جاء في حديث أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني أُحدِّث نفسي بالحديث لأن أخرَّ من السماء أحبّ إليَّ من أن أتكلم به. قال: ذاك صريح الإيمان[27]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (9156)، وقال مُحققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ".، فتنازع النية ذلك صراحة الإيمان.
والفضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: "ترك العمل من أجل الناس رياءٌ، والعمل من أجل الناس شركٌ، والإخلاص أن يُعافيك الله عنهما"[28]"شعب الإيمان" (6469)..
لا تجعل الناس هم محلُّ نظرك، لا في العمل، ولا في الترك، وإنما اجعل الله هو محلُّ نظرك، اجعل هذه قاعدةً.
يعني: الفضيل يقول: "ترك العمل من أجل الناس رياءٌ"، فهو ترك العمل لأنه لا يريدهم أن يقولوا عنه: عامل. هذا سمَّاه: رياءً.
"والعمل من أجل الناس" سواءٌ عمل خيرًا، لكن من أجل الناس، هذا قال عنه: "شركٌ".
"والإخلاص" هذا مفهومٌ جميلٌ للإخلاص: "أن يُعافيك الله منهما"؛ ولذلك الله يقول: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46]، هؤلاء الذين ما كانت قلوبهم مُستحضرةً للنية، إذن لا بد من البحث عن النية ابتداءً، فالله ثبَّط هؤلاء وخابوا وخسروا.
القاعدة الثانية: هل لديك نيةٌ حقيقيةٌ جازمةٌ للتغيير؟
لا بد أن تعرض نفسك على قضية المعرفة، والسماع، والتفكير، والقراءة، والحضور لمجالس العلم، والمُجاهدة في هذه القضايا، وتحريض النفس على بلوغ المراتب السامية، والتفكير في نتائج العمل.
فلماذا لا نتشوف إلى مثل هذه المعاني؟!
فنحن لا نرضى لأنفسنا أبدًا هذا الحال بحالٍ من الأحوال، والذي يرضى على نفسه هذا فهذه علامةٌ ومُؤشرٌ خطيرٌ على حال النفس البشرية؛ لأن النفوس ثلاثةٌ: النفس المُطمئنة، والنفس اللَّوَّامة، والنفس الأمَّارة بالسوء. فحال الإنسان قد يتأرجح بين هذه الأنواع الثلاثة للنفس البشرية.
القاعدة الثالثة: مع ضرورة إيجاد النية الجازمة للتغيير بعد ذلك يأتي الهدف، ماذا نريد؟
اربط هدفك في رمضان بأهم الأشياء، وليس بالتُّرهات؛ لأن بعض الناس يستكثرون منها -للأسف-، وهذه من صوارف النفوس عن طريق الاستقامة، كما قال ابن القيم -رحمه الله-، ومفسدةٌ للقلب، حتى فضول المُباحات، وإنما يأتي بالأهم، فاجعل الهدف الأهم بالنسبة إليك قضية الصلاة؛ لأنك تُقصر في الصلاة، وفي التبكير إليها، والمُحافظة عليها، والخشوع فيها، فاجعل هذه القضية رقم واحدٍ بالنسبة لك، وهكذا بالنسبة للأشخاص، كلٌّ على حسب حاله، فاجعل الهدف يتركز على الأهم.
القاعدة الرابعة: اعرف نمط شخصيتك وطبيعتك؛ من أجل أن تأخذ من العبادات والخيرات بالشيء الذي تُحبه، فإذا كنت -مثلًا- تُحب مُساعدة الآخرين فادخل في مشاريع تفطير الصائمين والعمل الخيري، وما شابه ذلك، وشخصٌ آخر يُحب الجانب العلمي؛ فاقرأ على الناس العلم، أو أقم مُسابقاتٍ علميةً في المسجد، أو في مركز الحي، علِّم الناس إذا كانت عندك آليةٌ للتعليم، واجعل نمط شخصيتك أيضًا مُوجَّهًا إلى تحقيق هذا الهدف.
واسأل نفسك: ماذا تريد في رمضان؟ وكن واقعيًّا، ولا تكن مثاليًّا، كن واقعيًّا فعلًا، تعرف أنك تستطيع أن تفعل ذلك بقوة إرادةٍ، وليس بالكسل والتهاون، لكن لا تكن مثاليًّا؛ لأنك قد تفعل الشيء الأيام الأولى ثم تنكص، ولكل عملٍ شِرَةٌ، فنحتاج أن ننتبه إلى هذه القضية، والرسول كان يُحب العمل المُستديم: أدومه وإن قلَّ[29]أخرجه مسلم (782).، وعلينا أن نُكثر في رمضان من العمل الصالح.
القاعدة الخامسة: التَّدرج والانطلاق، وهذه لها علاقةٌ بما ذكرناه أيضًا في القاعدة الثالثة في قضية الهدف: ماذا تريد؟
اجعل هدفك مُتدرجًا، وأيضًا فيه نقطة انطلاقٍ، وهذه التي أشرنا إليها قبل قليلٍ، كما جاء في حديث: إن هذا الدين متينٌ، فأوغل فيه برفقٍ، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله تعالى، فإن المُنْبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى[30]أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4743). كما جاء في كتاب "الزهد".
القاعدة السادسة: مراعاة الظروف المُحيطة، وجعل هذه الظروف مُساعدةً لا مُعيقةً، وأي ظرفٍ يُعيق ابتعد عنه، وهذا يُسمَّى بالتخلية في مقابل التحلية، فلا بد من التخلية، فإذا كنت تعرف أصدقاء بطَّالين فابتعد عنهم في رمضان، وإذا كنت إذا جلستَ مع العائلة والجماعة سينظرون إلى أشياء لا يرضاها الله في القنوات الفضائية، ويُتابعون أشياء تخرم في الصيام؛ فأعطهم حقَّهم الواجب دون المُشاركة معهم في المُنكرات والمعاصي، بل لا بد أن يعرفوا شخصيتي، وأكون في ذلك حازمًا ودودًا في نفس الوقت.
ولا يجوز أن نُخالط الناس في مُنكراتهم مهما كان الأمر، فإذا كان الشخص مُدخنًا ويريد أن يترك التدخين في رمضان، وسهراته بعد التراويح مع أناسٍ مُدخنين؛ فلن يترك التدخين.
والشاب الذي له أصدقاء يُحبون الذهاب والإياب، والوناسة والسَّواليف ... إلى آخره، فلن يستطيع أن يُنجز في رمضان قراءة هذا الكتاب، وختم القرآن، والعمل التطوعي المعين، ... إلى آخره؛ ولذلك لا بد من الابتعاد عن الظروف المُحيطة السلبية والتخلية منها.
القاعدة السابعة: أخيرًا: الرغبة الحقيقية الجادة، وقد أشرنا إلى ذلك قبل قليلٍ.
ورمضان أيضًا فرصةٌ لكسر العادات السلبية، وكم عندنا من عاداتٍ سلبيةٍ: إما في القلوب، وإما في الأخلاق، وإما في اللسان، وإما في الجوارح، وإما في الكسل والنوم، وهكذا في سائر مجالات الحياة؟!
فهذا الشهر شهر كسرٍ للعادات؛ ولذلك ينبغي أن نستثمر هذه الميزة في هذا الشهر.
كما أن فيه داعيًا إلى الخير أقوى من غيره، ومستوى الإيمان يرتفع فيه أشد من غيره، وهو شهرٌ فيه الطموح العالي، وشهر الانتصارات، ويُذكرنا بقوة المسلمين، والصوم بحدِّ ذاته كبحٌ للنفس، ويُذكر الإنسان بأنه قادرٌ على تغيير نفسه.
وسأذكر النقاط المُتبقية سريعًا جدًّا:
- تعويد النفس على البذل والجود:
ونحن لنا إخوةٌ في سوريا وبورما وفي غيرها يحتاجون للعون، نسأل الله أن ينصرهم ويُعافيهم، فأين بذلنا لمثل هؤلاء الناس في شهر رمضان؟
وكما جاء في الحديث: "كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المُرسلة"[31]أخرجه البخاري (6)، ومسلم (2308).، فلنقتدِ بالنبي في ذلك.
- وأيضًا رمضان يُعلمنا أن الناس سواسيةٌ:
كل الناس فيه سواء: الوجيه والحقير، والكبير والصغير ... إلى آخره، فكلهم مُشتركون في عبادةٍ واحدةٍ تشعر بالوحدة والمساواة؛ ولذلك من الفوائد: التربية على الجانب الجماعي؛ بأن تشعر بوحدتك مع الناس كلهم، وإفطار الصائمين، والعطف على الفقراء، والتألم لمَن ابتُلي بالجوع، وصلة الأرحام، فكل هذه الأشياء تُوجد التربية الجماعية، وتُوجد الشخصية الجماعية، وليس الشخصية الانطوائية.
والبعض يُحب اعتزال الناس، يقول: أنا لا أريد مشاكل الناس، أُحب أن أكون وحدي. وهذا خلاف هدي الرسول الذي يقول: المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم[32]أخرجه ابن ماجه (4032)، وصححه الألباني..
والجماعية كما قال ابن خلدون في "مقدمته": "الإنسان مدنيٌّ بالطبع"[33]"مقدمة ابن خلدون" (ص5).، وكما قال علماء الاجتماع: أشد ما على الإنسان أن يُسجن سجنًا انفراديًّا؛ لأن هذا خلاف فطرته.
- وأيضًا من التأملات المتعلقة برمضان: قيمة الوقت والعناية به، وتعلم ضبط هذا الجانب.
- ومن التأملات: تذليل صعوبات تربية الأجيال:
فرمضان فرصةٌ في ذلك، وجاء في حديث الربيع بنت معوذ قالت: "فكنا نصومه بعد، ونُصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار"[34]أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136)..
وأيضًا رمضان فرصةٌ لتعويد الأبناء على الصيام والتحمل، وربطهم بالله ، وممارستهم للعبادات عمومًا، وأعمال الخير.
والكثير منا يشتكي ويقول: أبناؤنا كيف نُربيهم مع كثرة المُغريات؟
فرمضان فرصةٌ الآن، اشتغل على تربية الأبناء في ظل هذا الجو الإيماني الروحاني وإقبال النفوس في هذا الشهر، فهذه فرصةٌ، وأما الذي سيُسلمهم لأجهزة الإعلام فهذا يجني عليهم للأسف.
- ثم بناء الشخصية الحسية الصحية، كما قيل: العقل السليم في الجسم السليم:
ولا شك أن الصوم صحةٌ، وقد نقل صاحب "المنار" -رحمه الله- عن بعض أطباء الإفرنج أنه قال: "صيام شهرٍ في السنة يُذيب الفضلات الميتة في البدن مدة سنة"[35]"تفسير المنار" (2/ 119).؛ ولذلك البعض يتداوى بالكفِّ عن الطعام، والحميات معروفةٌ، فكيف بمثل الصوم؟!
ولا شك أنها ليست مثل أصل صيامنا، فهو ابتداءً تعبدٌ لله .
أهمية تأثر النفوس بشعائر الإسلام
أخيرًا: أختم بهذا الكلام الجميل، وأعتذر عن الإطالة، وهو كلامٌ للشيخ عبدالرحمن الدوسري، عودًا إليه في كتابه الجميل الذي أنصح بالنظر فيه، حيث ختم بقوله: "ومَن لم يتأثر بما يقوله وما يعمله من أركان الإسلام وشعائره تأثرًا روحيًّا ومعنويًّا تَنْسَبِكُ به أخلاقه وطباعه؛ فليس جديرًا بحمل رسالته العظيمة"[36]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25).، يعني: إذا لم يكن للقول والفعل أثرٌ على النفس فليس جديرًا بحمل رسالته العظيمة التي أوجب الله عليه حملها في جميع نواحي الأرض؛ ليُصلح بها ما أفسد الناس.
ويقول: "ويكون مصدر العزَّة والحكمة، ومنبع الخير والرحمة، كما هيَّأه الله لما شرع في دينه بذلك"[37]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25).، وهذا تحليلٌ شرعيٌّ ونفسيٌّ وتربويٌّ واجتماعيٌّ رائعٌ: "والمسلمون ما قست قلوبهم، وتقاعسوا عن واجبهم؛ فكانوا عُرضةً لغزو أعدائهم سياسيًّا وثقافيًّا"، يقول هذا في زمنه -رحمه الله-: "إلا بسبب عدم تأثرهم بما يُكررون قوله وفعله من أركان الإسلام"[38]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25).، يعني: أركان الإسلام يُمارسونها عادةً، وليس لها أثرٌ على نفوسهم وشخصياتهم: "بما يُكررون قوله وفعله من أركان الإسلام وشعائره، مما أصبح -والعياذ بالله- كطقوسٍ روتينيةٍ، بحيث غلبهم أصحاب المبادئ الوثنية والمذاهب المادية الجديدة"[39]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25).، إلى آخر كلامه، يعني: غلبوهم في الطقوس، فهؤلاء أكثر طقوسًا منا لو كانت العبرة بالطقوس.
ثم يقول وبه أختم: "ولو أنهم تأثروا بما يقولونه ويفعلونه تأثرًا صحيحًا لأجَّج في قلوبهم نار الغيرة لله، والانتصار لما أنزله عليهم من الحق؛ محبةً صحيحةً له ولرسوله، فحملوا رسالتهم القوية العظيمة الخالدة، ودفعوا بها إلى الأمام، ودفعوا الباطل بسيوف الحق الدامغة، فلم يسمحوا له بالانتشار -أي: الباطل-، ولم يُوجدوا له فراغًا ينفذ منه، بل شغلوا الفراغ بالحق، بدلًا من أن يشغله غيرهم بالباطل، ووقفوا سدًّا منيعًا أمام كل تيارٍ، بحيث يدفعونه حتى يتلاشى، كما دفعه أسلافهم الصالحون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه"[40]"الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25)..
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يُبارك لنا ولكم فيما سمعنا، وأن ينفعنا وإياكم به، وأن يُبلغنا شهر رمضان المبارك، وأن يُعيننا وإياكم على كل خيرٍ فيه.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين.
↑1 | أخرجه ابن ماجه (1690)، والنسائي في "السنن الكبرى" (3236)، وصححه الألباني. |
---|---|
↑2 | "موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين" (ص76). |
↑3 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص8). |
↑4 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص8- 10). |
↑5 | أخرجه الترمذي ت: شاكر (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني. |
↑6 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص13). |
↑7 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص13). |
↑8 | أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151). |
↑9 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص15، 16). |
↑10 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص15، 16). |
↑11 | أخرجه البخاري (6487)، ومسلم (2822). |
↑12 | أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759). |
↑13 | أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (760). |
↑14 | أخرجه البخاري (38)، ومسلم (759). |
↑15 | أخرجه البخاري (1903). |
↑16 | أخرجه ابن ماجه (1690)، وقال الألباني: "حسنٌ صحيحٌ". |
↑17 | أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151). |
↑18 | "لطائف المعارف" لابن رجب (ص155). |
↑19 | أخرجه أحمد (7494)، وقال محققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ". |
↑20 | أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151). |
↑21 | أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151). |
↑22 | أخرجه البخاري (1903). |
↑23 | أخرجه مسلم (2749). |
↑24 | أخرجه مسلم (2675). |
↑25 | أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907). |
↑26 | "المجموع" (1/ 29). |
↑27 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (9156)، وقال مُحققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ". |
↑28 | "شعب الإيمان" (6469). |
↑29 | أخرجه مسلم (782). |
↑30 | أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4743). |
↑31 | أخرجه البخاري (6)، ومسلم (2308). |
↑32 | أخرجه ابن ماجه (4032)، وصححه الألباني. |
↑33 | "مقدمة ابن خلدون" (ص5). |
↑34 | أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136). |
↑35 | "تفسير المنار" (2/ 119). |
↑36 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25). |
↑37 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25). |
↑38 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25). |
↑39 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25). |
↑40 | "الصوم مدرسةٌ تُربي الروح وتُقوي الإرادة" (ص25). |